الباحث القرآني

قوله تعالى: ﴿وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا﴾ قال ابن عباس: يريِد محمدًا -ﷺ- يشكوهم إلى الله -عَزَّ وَجَلَّ- [[أخرج نحوه ابن أبي حاتم 8/ 2687، عن قتادة ونسبه ابن الجوزي 6/ 87، لمقاتل. لكنَّي لم أجده في تفسيره ولم يبين الواحدي -رحمه الله- زمن هذا القول؛ لكن البغوي 6/ 82، قال: ويقول الرسول في ذلك اليوم. يعني اليوم الذي يعض فيه الظالم على يديه، فيكون في هذا زيادة تعذيب لهم. ويحتمل أن تكون هذه الشكاية في الدنيا، وفي ذلك تعظيم لأمرها، من جهة أن الأنبياء كانوا إذا التجؤا إلى الله وشكوا إليه قومهم حل بهم العذاب، ولم يُنظروا. "تفسير الزمخشري" 3/ 269. وجعله ابن عطية 11/ 35، قول الجمهور. ثم قال: وقالت فرقة: هو حكايته عن قوله ذلك في الآخرة. وتبعه ابن الجوزي 6/ 78 ورجح الرازي 24/ 77، أن يكون ذلك في الدنيا؛ لأنه موافق للفظ، ولأن ما ذكره الله تعالى من قوله: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ﴾ تسلية للرسول -ﷺ- ولا يليق إلا إذا كان وقع ذلك القول منه. والله أعلم.]] ﴿يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا﴾ ذكروا في المهجور قولين، قال ابن عباس: يريد: هجروا القرآن، وهجروني وكذبوني. وقال الكلبي: مهجورًا: متروكًا [["تنوير المقباس" ص 302. وذكره الفراء 2/ 267، ولم ينسبه.]]. وقال مقاتل: تركوا الإيمان بهذا القرآن فهم مجانبون له [["تفسير مقاتل" ص 45 أ.]]. هذا قول من جعله من الهجران والهجر [[ونسب هذا القول ابن جرير 19/ 9، إلى عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، ثم قال: وهذا القول أولى بتأويل ذلك، وذلك أن الله أخبر عنهم أنهم قالوا: ﴿لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ﴾ [فصلت: 26] وذلك هجرهم إياه.]]. وقال مجاهد: يهجرون فيه بالقول، يقولون: هو سحر [["تفسير مجاهد" 2/ 452. وأخرجه ابن جرير 19/ 9. وابن أبي حاتم 8/ 2687. وذكره السيوطي 6/ 253، وزاد نسبته للفريابي، وعبد بن حميد، وابن المنذر.]]. وقال إبراهيم: قالوا فيه غير الحق [[أخرجه ابن جرير 19/ 9. وأخرجه ابن أبي حاتم 8/ 2688، من طريقين؛ الأولى كرواية الطبري، والثانية، بنحوه وذكره السيوطي 6/ 253، وزاد نسبته إلى الفريابي، وسعيد بن منصور، وعبد بن حميد، وابن المنذر.]]. وقال مِسْعَر: قالوا فيه هُجْرًا [[لم أجد قول مِسْعَر بن كِدَام، فيما تيسر لي من المراجع.]]. وعلى هذا القول: المهجور، من الهجرة. وذكرنا الكلام في الهجر عند قوله: ﴿سَامِرًا تَهْجُرُونَ﴾ [المؤمنون: 67] [[ذكر الواحدي في تفسير هذه الآية أقوال المفسرين وأهل اللغة في معنى الهجر والمراد به في الآية، وهو قريب مما ذكره هنا.]]. وذكر الفراء والزجاج القولين؛ فقالا: يجوز أن يكون مهجورًا: متروكاً، أي: جعلوه متروكًا [[(متروكًا) في (أ)، (ب).]] مهجورًا، لا يسمعونه [[في (ج): (يستمعونه).]] ولا يتفهمونه. ويقال: إنَّهم جعلوه كالهُجر بمنزلة الهذيان. والهُجْر: ما لا ينتفع به من القول. وكانوا يقولون: إنَّ النبي -ﷺ- يَهجُر [["معاني القرآن" للفراء 2/ 267. و"معاني القرآن" للزجاج 4/ 66، بمعناه.]]. وعلى هذا يقال: هَجَر، يَهجُر، هَجْرًا، وهُجْرًا، والكلام مهجور. فجعلوا القرآن كلامًا لغوًا. وهو قولهم: إنَّه شعر، وسحر، وسمر، وأساطير الأولين. ويدل على صحة القول الأول ما روي عن أنس، أن النبي -ﷺ- قال: "من تعلم القرآن وعلق مصحفًا لم يتعاهده، ولم ينظر فيه، جاء يوم القيامة معلقًا به، يقول: يا رب العالمين، عبدك هذا اتخذني مهجورًا، اقضِ بينيى وبينه" [[قال الزيلعي في "تخريج أحاديث الكشاف" 2/ 459: رواه الثعلبي، ثم ساق إسناده، وفيه: ثنا أبو هدبة إبراهيم بن هدبة، ثنا أنس بن مالك. ويوجد في النسخة التي عندي من "تفسير الثعلبي" سقط في سورة الفرقان من الآية: 20، إلى: 37. قال ابن حجر: أخرجه الثعلبي من طريق أبي هدبة عن أنس؛ وأبو هدبة كذاب. "الكشاف الشاف بحاشية الكشاف" 3/ 270. قال الإمام أحمد: إبراهيم بن هدبة لاشيء، روى أحاديث مناكير. وقال يحيى بن معين: كذاب خبيث. "الضعفاء والمتروكون" لابن الجوزي 1/ 58.]]. وذكر صاحب النظم وجهًا آخر من الهجر، فقال: يجوز أن يكون المهجور مصدرًا، كالهجر، والهجير، ويكون المعنى: اتخذوا هذا القرآن هُجرًا، أي: إذا سمعوه قالوا فيه الهجير، وقالوا: إنه هجر، كما يقال: اتخذْنَا فلانًا ضحكَة أو سُخرة، أي: إذا رأيناه ضحكنا منه وسخرنا منه. وهذا النظم أبلغ، من أن لو قيل: هجروا القرآن، أو هجروا فيه؛ لأنه يدل على أنهم جعلوا عادتهم هجر القرآن [[حاصل الأقو الذي قوله تعالى: ﴿مَهْجُورًا﴾ ثلاثة؛ 1 - أنهم هجروه بإعراضهم. 2 - أنهم قالوا فيه هُجراً، أي: قبيحاً. 3 - أنهم جعلوه هُجراً من الكلام، وهو ما لانفع فيه من العبث، والهذيان. "تفسير الماوردي" 4/ 143. واقتصر الواحدي في: "الوسيط" 3/ 339، و"الوجيز" 2/ 778، على القول الأول. وذكر ابن القيم أن هجر القرآن أنواع خمسة. "الفوائد" ص 81. ونحوه في "تفسير ابن كثير" 6/ 108.]]. وذكرنا تحقيق هذا الفصل عند قوله: ﴿وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ﴾ [الإسراء: 29] وعند قوله: ﴿رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ﴾ [إبراهيم: 40] [[قال الواحدى: قوله تعالى: ﴿رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ﴾ ذكره على النعت ولم == يذكره على الفعل لأن النعت ألزم وأكثر من الفعل، كأنه قال: رب اجعلني من عادتي إقامة الصلاة، ولو قال: اجعلني أقيم الصلاة لم يكن فيه من المبالغة ما في المقيم، وذكرنا استقصاء هذا الفصل في قوله: ﴿وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ﴾ الآية [الإسراء: 29]. وقال في تفسير آية الإسراء: قال صاحب النظم: لا تكاد العرب تقول جعلت يدي مغلولة، ولا جعلت رجلي مقيدة، ولا جعلت رأسي معممًا، إنما يقولون: غَلَلتُ يدي، وقَيَّدتُ رجلي، وعَمَمتُ رأسي، والعلة في هذا النظم؟ أن الفعل أقل من النعت، والنعت ألزم وأكثر من الفعل؛ كما قلنا في قوله: ﴿وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى﴾ الآية [طه: 121] لأنه قد كان منه، ولا يجوز أن يقال: آدم عاصٍ غاوٍ؛ لأن هذا نعت لازم، وكانوا يقولون: يد فلان مغلولة، أي أن المنع عادةٌ له، ولا يكادون يقولون غُلَّت يده؛ لأن هذا فعل غير لازم، والأول لازم، وقد يمنع الإنسان في مواضع المنع ولا يُرْجَع عليه بلوم، فلذلك قال -عز وجل-: ﴿وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ﴾ أي لا تكن ممسكاً عن البذل عادة، ولم يُرِدْ أن لا يمسك عند وقت الإمساك، يدل على ذلك قوله: ﴿وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ﴾ ومما يشبه هذا النظم، قوله تعالى: ﴿رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ﴾ [إبراهيم: 45] وقد مر.]]. قال ابن عباس: فعزَّاه الله -عز وجل- [["تفسير مقاتل" ص 45أ. و"تفسير هود" 3/ 209، والبغوي 6/ 83، والطبرسي 7/ 265، والقرطبي 13/ 27. ولم ينسبوه وذكره في "الوسيط" 3/ 339، ولم ينسبه. وذكره ابن الجوزي 6/ 88، وصدَّرَه بقوله: قال المفسرون. وأخرجه ابن أبي حاتم 8/ 2688، عن قتادة. وأَخرج ابن جرير 19/ 10، بسنده عن ابن عباس، أنه قال: يوطن محمداً -ﷺ- أنه جاعل له عدواً من المجرمين كما جعل لمن قبله.]]، فقال:
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب