الباحث القرآني

ولَمّا ذَكَرَ سُبْحانَهُ أقْوالَ الكَفّارِ إلى أنْ خَتَمَ بِالإضْلالِ عَنِ الذِّكْرِ، (p-٣٧٦)وكانُوا مَعَ إظْهارِهِمُ التَّكْذِيبَ بِهِ وأنَّهُ مُفْتَعِلٌ في غايَةِ الطَّرَبِ لَهُ، والِاهْتِزازِ بِهِ، والتَّعَجُّبِ مِنهُ، والمَعْرِفَةِ بِأنَّهُ يَكُونُ لَهُ نَبَأٌ، أشارَ إلى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: عاطِفًا عَلى ﴿وقالُوا مالِ هَذا الرَّسُولِ﴾ [الفرقان: ٧] مُعَظِّمًا لِهَذِهِ الشِّكايَةِ مِنهُ ﷺ، مُخَوِّفًا لِقَوْمِهِ لِأنَّ الرُّسُلَ قَبْلَهُ عَلَيْهِمُ الصَّلاةُ والسَّلامُ كانُوا إذا شَكُّوا أنْزَلَ بِقَوْمِهِمْ عَذابَ الِاسْتِئْصالِ: ﴿وقالَ الرَّسُولُ﴾ يَعْنِي مُحَمَّدًا ﷺ: ﴿يا رَبِّ﴾ أيُّها المُحْسِنُ إلَيَّ بِأنْواعِ الإحْسانِ الَّذِي أعْظَمُهُ الرِّسالَةُ، وعَبَّرَ بِأداةِ البُعْدِ هَضْمًا لِنَفْسِهِ مُبالَغَةً في التَّضَرُّعِ ﴿إنَّ قَوْمِي﴾ أيْ قُرَيْشًا الَّذِينَ لَهم قُوَّةٌ وقِيامٌ ومَنَعَةٌ ﴿اتَّخَذُوا﴾ أيْ بِتَكْلِيفِ أنْفُسِهِمْ ضِدَّ ما تَجِدُهُ ﴿هَذا القُرْآنَ﴾ أيِ المُقْتَضِي لِلِاجْتِماعِ عَلَيْهِ والمُبادَرَةِ إلَيْهِ ﴿مَهْجُورًا﴾ أيْ مَتْرُوكًا، فَأشارَ بِصِيغَةِ الِافْتِعالِ إلى أنَّهم عالَجُوا أنْفُسَهم في تَرْكِهِ عِلاجًا كَثِيرًا، لِما يَرَوْنَ مِن حُسْنِ نَظْمِهِ، ويَذُوقُونَ مِن لَذِيذِ مَعانِيهِ، ورائِقِ أسالِيبِهِ، ولَطِيفِ عَجائِبِهِ، وبَدِيعِ غَرائِبِهِ، كَما تُعْرَفُ بِهِ قِصَّةُ أبِي جَهْلٍ وأبِي سُفْيانَ بْنِ حَرْبٍ والأخْنَسِ بْنِ شَرِيقٍ حِينَ كانُوا يَسْتَمِعُونَ لِقِراءَتِهِ لَيْلًا، كُلُّ واحِدٍ مِنهم في مَكانٍ لا يَعْلَمُ بِهِ صاحِباهُ، ثُمَّ يَجْمَعُهُمُ الطَّرِيقُ إذا أصْبَحُوا فَيَتَلاوَمُونَ ويَتَعاهَدُونَ عَلى أنْ لا يَعُودُوا، ثُمَّ يَعُودُونَ (p-٣٧٧)حَتّى فَعَلُوا ذَلِكَ ثَلاثَ لَيالٍ ثُمَّ أكَّدُوا عَلى أنْفُسِهِمُ العُهُودَ حَتّى تَرَكُوا ذَلِكَ كَما هو مَشْهُورٌ في السِّيَرِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب