الباحث القرآني

﴿وقالَ الرَّسُولُ﴾ عَطْفٌ عَلى قَوْلِهِ تَعالى: ﴿وقالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا﴾ إلَخْ، وما بَيْنَهُما اعْتِراضٌ مَسُوقٌ لِاسْتِعْظامِ ما قالُوهُ، وبَيانِ ما يَحِيقُ بِهِمْ مِنَ الأهْوالِ والخُطُوبِ، والمُرادُ بِالرَّسُولِ نَبِيُّنا - صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ وشَرَّفَ وعَظَّمَ وكَرَّمَ - وإيرادُهُ - عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ - بِعُنْوانِ الرِّسالَةِ لِتَحْقِيقِ الحَقِّ، والرَّدِّ عَلى نُحُورِهِمْ حَيْثُ كانَ ما حُكِيَ عَنْهم قَدْحًا في رِسالَتِهِ ﷺ أيْ قالُوا كَيْتَ وكَيْتَ، وقالَ الرَّسُولُ إثْرَ ما شاهَدَ مِنهم غايَةَ العُتُوِّ ونِهايَةَ الطُّغْيانِ بِطَرِيقِ البَثِّ إلى رَبِّهِ عَزَّ وجَلَّ والشَّكْوى عَلَيْهِمْ: ﴿يا رَبِّ إنَّ قَوْمِي﴾ الَّذِينَ حَكى عَنْهم ما حَكى مِنَ الشَّنائِعِ ﴿اتَّخَذُوا هَذا القُرْآنَ﴾ الجَلِيلَ الشَّأْنِ المُشْتَمِلَ عَلى ما فِيهِ صَلاحُ مَعاشِهِمْ ومَعادِهِمْ ﴿مَهْجُورًا﴾ أيْ مَتْرُوكًا بِالكُلِّيَّةِ، ولَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ، ولَمْ يَرْفَعُوا إلَيْهِ رَأْسًا، ولَمْ يَتَأثَّرُوا بِوَعِيدِهِ ووَعْدِهِ، فَمَهْجُورًا مِنَ الهَجْرِ بِفَتْحِ الهاءِ بِمَعْنى التَّرْكِ وهو الظّاهِرُ، ورُوِيَ ذَلِكَ عَنْ مُجاهِدٍ والنَّخَعِيِّ وغَيْرِهِما، واسْتَدَلَّ ابْنُ الفَرَسِ بِالآيَةِ عَلى كَراهَةِ هَجْرِ المُصْحَفِ وعَدَمِ تَعاهُدِهِ بِالقِراءَةِ فِيهِ، وكانَ ذَلِكَ لِئَلّا يَنْدَرِجَ مَن لَمْ يَتَعاهَدِ القِراءَةَ فِيهِ تَحْتَ ظاهِرِ (p-14)النَّظْمِ الكَرِيمِ، فَإنَّ ظاهِرَهُ ذَمُّ الهَجْرِ مُطْلَقًا، وإنْ كانَ المُرادُ بِهِ عَدَمَ القَبُولِ لا عَدَمَ الِاشْتِغالِ مَعَ القَبُولِ ولا ما يَعُمُّهُما، فَإنْ كانَ مِثْلَ هَذا يَكْفِي في الِاسْتِدْلالِ فَذاكَ وإلّا فَلْيُطْلَبْ دَلِيلٌ آخَرُ لِلْكَراهَةِ. وأوْرَدَ بَعْضُهم في ذَلِكَ خَبَرًا وهُوَ: ««مَن تَعَلَّمَ القُرْآنَ وعَلَّقَ مُصْحَفَهُ لَمْ يَتَعاهَدْهُ ولَمْ يَنْظُرْ فِيهِ جاءَ يَوْمَ القِيامَةِ مُتَعَلِّقًا بِهِ يَقُولُ: يا رَبِّ عَبْدُكَ هَذا اتَّخَذَنِي مَهْجُورًا اقْضِ بَيْنِي وبَيْنَهُ»» وقَدْ تَعَقَّبَ هَذا الخَبَرَ العِراقِيُّ بِأنَّهُ رُوِيَ عَنْ أبِي هُدْبَةَ، وهو كَذّابٌ، والحَقُّ أنَّهُ مَتى كانَ ذَلِكَ مُخِلًّا بِاحْتِرامِ القُرْآنِ والِاعْتِناءِ بِهِ كُرِهَ بَلْ حَرُمَ وإلّا فَلا. وقِيلَ: مَهْجُورًا مِنَ الهُجْرِ - بِالضَّمِّ عَلى المَشْهُورِ - أيِ الهَذَيانُ وفُحْشُ القَوْلِ، والكَلامُ عَلى الحَذْفِ والإيصالِ، أيْ جَعَلُوهُ مَهْجُورًا فِيهِ إمّا عَلى زَعْمِهِمُ الباطِلِ نَحْوُ ما قالُوا: إنَّهُ أساطِيرُ الأوَّلِينَ اكْتَتَبَها، وإمّا بِأنْ هَجَرُوا فِيهِ ورَفَعُوا أصْواتَهم بِالهَذَيانِ لِما قُرِئَ لِئَلّا يُسْمَعَ كَما قالُوا: ﴿لا تَسْمَعُوا لِهَذا القُرْآنِ والغَوْا فِيهِ﴾ وجُوِّزَ أنْ يَكُونَ مَصْدَرًا مِنَ الهُجْرِ بِالضَّمِّ كالمَعْقُولِ بِمَعْنى العَقْلِ والمَجْلُودِ بِمَعْنى الجَلادَةِ أيِ: اتَّخَذُوهُ نَفْسَ الهُجْرِ والهَذَيانِ، ومَجِيءُ مَفْعُولٍ مَصْدَرًا مِمّا أثْبَتَهُ الكُوفِيُّونَ لَكِنْ عَلى قِلَّةٍ، وفي هَذِهِ الشَّكْوى مِنَ التَّخْوِيفِ والتَّحْذِيرِ ما لا يَخْفى؛ فَإنَّ الأنْبِياءَ - عَلَيْهِمُ الصَّلاةُ والسَّلامُ - إذا شَكَوْا إلى اللَّهِ تَعالى قَوْمَهم عُجِّلَ لَهُمُ العَذابُ ولَمْ يَنْظُرُوا. وقِيلَ: إنَّ ( قالَ ) إلَخْ، عَطْفٌ عَلى ﴿يَعَضُّ الظّالِمُ﴾، والمُرادُ: ويَقُولُ الرَّسُولُ، إلّا أنَّهُ عُدِلَ إلى الماضِي لِتَحَقُّقِ الوُقُوعِ مَعَ عَدَمِ قَصْدِ الِاسْتِمْرارِ التَّجَدُّدِي المُرادِ بِمَعُونَةِ المُقامِ في بَعْضٍ وإنْ كانَ إخْبارًا عَمّا في الآخِرَةِ. وحالُ عَطْفِهِ عَلى ﴿وكانَ الشَّيْطانُ﴾ إلَخْ، عَلى أنَّهُ مِن كَلامِهِ تَعالى لا يَخْفى حالُهُ، وقَوْلُ الرَّسُولِ ذَلِكَ يَوْمَ القِيامَةِ وهو كالشَّهادَةِ عَلى أُولَئِكَ الكَفَرَةِ ولَيْسَ بِتَخْوِيفٍ وإلى ذَلِكَ ذَهَبَتْ فِرْقَةٌ مِنهم أبُو مُسْلِمٍ، والأوَّلُ أنْسَبُ بِقَوْلِهِ تَعالى:
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب