الباحث القرآني

ثم أعلم -تعالى ذكره- أن هؤلاء الذين ذكروا قبل هذا الموضع ودفعوا البعث يسألون المرجع إلى الدنيا عند معاينة الموت فقال: ﴿حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ﴾ قال مقاتل: يعني [[(يعني): لست في (أ).]] الكفار [["تفسير مقاتل" 2/ 33 أ.]]. ﴿الْمَوْتُ﴾ قال الكلبي ومقاتل [["تفسير مقاتل" 2/ 33 أ.]]: يعني ملك الموت. وقال غيرهما: يعني [[(يعني): ساقطة من (أ).]] أسباب الموت ومقدماته كقوله: ﴿وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ﴾ [[في (ظ): (فيأتيه).]] [إبراهيم: 17]. وقد مرّ. ﴿قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ﴾ قال ابن عباس والمفسرون: يريد إلى الدنيا [[انظر: "الطبري" 18/ 52.]]. قال الفراء، والزجاج، وجميع أصحاب العربية: قوله: ﴿ارْجِعُونِ﴾ وهو يريد الله -عز وجل- وحده [[في (أ). (الله وحده -عز وجل-).]]، فجاء الخطاب في المسألة على لفظ الإخبار، لأن الله -عز وجل- قال: ﴿إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَإِلَيْنَا الْمَصِيرُ﴾ [ق: 43] وهو وحده يحيي، وهذا لفظ تعرفه العرب للجليل الشأن يخبر عن نفسه بما يخبر به [[في (ع): (عن الجماعة).]] الجماعة، فكذلك جاء الخطاب في ﴿ارْجِعُونِ﴾ [[هذا كلاء الزجاج بنصِّه في "معاني القرآن" 4/ 21 - 22. وانظر: "معاني القرآن" == للفراء 2/ 241 - 242. وقد جَوَّد هذا الوجه السمين الحلبي 8/ 366، واستظهره الشنقيطي في "تفسيره" 5/ 821.]]. وروي عن ابن جريج أنه قال -في هذه الآية-: إنّهم استغاثوا [[في (أ): (استعانوا)، ومهملة في (ظ).]] بالله أولاً ثم رجعوا إلى مسألة الملائكة المرجع [[في (ظ): (المرجع).]] إلى الدنيا [[ذكره القرطبي 12/ 149 وأبو حيان 6/ 421 عن ابن جريج. وذكر البغوي 5/ 428 هذا القول وصدَّره بقيل. وفي نسبة هذا القول إلى ابن جريج نظر؛ والأظهر أن هذا قول الطبري، وبيان ذلك: أنَّ الطبري روى في "تفسيره" 18/ 52 عن ابن جريج قال: قال النبي -ﷺ- لعائشة: "إذا عاين المؤمن الملائكة قالوا: نرجعك إلى الدنيا؟ فيقول: إلى دار الهموم والأحزان! فيقول: بل قدَّماني إلى الله. وأما الكافر فيقال: نرجعك؟ فيقول: لعلّي أعمل صالحا فيما تركت ... " الآية. ثم قال الطبري بعد ذلك: وقيل "ربِّ ارجعون" فابتدأ الكلام بخطاب الله تعالى، ثم قيل "ارجعون" فصار إلى خطاب الجماعة، والله تعالى ذكره واحد. وإنما فعل ذلك كذلك؛ لأن مسألة القوم الرّد إلى الدنيا إنّما كانت منهم للملائكة الذين يقبضون روحهم كما ذكر ابن جريج أن النبي -ﷺ- قاله. وإنما ابتدئ الكلام بخطاب الله جل ثناؤه لأنَّهم استغاثوا به ثم رجعوا إلى مسألة الملائكة الرجوع والرد إلى الدنيا. اهـ. فظاهر العبارة أن قائل "وإنما ابتدىء ... الدنيا" هو الطبري. والله أعلم.]]. واختار المبرد هذا الوجه فقال: ﴿ارْجِعُونِ﴾ خطاب للملائكة بعد أن قال: رب، مستغيثا. ومثل هذا يكثر [[في (ظ): (كثر).]] في الكلام عن العرب أن يخاطبوا أحدًا ثم يصرف المخاطبة إلى غيره، لأنَّ المعنى مشتمل على ذلك. وأنشد للأحوص [[في (ظ)، (ع): (للأخوص).]]: يا دارُ غَيَّرها البلى تغييرا [[في (ظ): (تغيَّرا).]] ... وسفت [[في (أ): (وسقت)، وفي (ظ) مهملة.]] عليها الريح بعدك مورا [[البيت في "ديوان الأحْوص" ص 130، "الكتاب" 2/ 201، "تحصيل عين الذهب" للشنتمري 1/ 312 وعندهم: "حسَّرها البلى تحسيرا" عوضًا من "غيرها البلى تغييرًا". ونسبه الأصبهاني في "الأغاني" 3/ 336، والسيرافي في "شرح أبيات سيبويه" 1/ 523 للحارث بن خالد المخزومي. وروايتهما مثل رواية الديوان إلا أنَّه وقع في الأغاني: "بورا" عوضًا من "مورا". والبيت بمثل رواية الواحدي في "معاني القرآن" للفراء 2/ 376 من غير نسبة. قال الشنتمري 1/ 312: البلى: القدم، ومعنى "سفت": طيرت، والمور: ما تطيره الريح من التراب.]] فدعا الدار، ثم أخبر عنها، ثم خاطب صاحبها [[انظر: "شرح أبيات سيبويه" للسيرافي 1/ 523.]]. قال: وذلك قول [[(قول): ساقطة من (أ).]] النابغة [[بيت النابغة هذا أول أبيات قصيدته المشهورة التي يعذر فيها للنعمان بن المنذر من وشاية بلغته عنه، ويمدحه فيها. وهو في "ديوانه" ص 14، "شرح القصائد التسع" للنَّحَّاس 2/ 733، "شرح القصائد العشر" للتبريزي ص 512. قال أبو جعفر النحاس في شرحه 2/ 733: قوله: "يا دار ميَّة" داء مضاف، و"ميَّه" معرفة، فذلك لم يصرفها. قال الأصمعي: "العلياء": مرتفع من الأرض. و"السَّند": سند الوادي في الجبل، وهو ارتفاعه حيث يُسند فيه، أي يُصعد. و"أقوت" خلت من أهلها .. السالف: الماضي .. و"الأبد": الدَّهْر. اهـ.]]: يا دار ميَّة بالعلياء فالسند [[في (ظ): (والسَّند).]] ... أقوت [[في (أ)، (ظ): (أموت).]] وطال عليها سالف الأبد فدعا أولاً ثم حدث عنها.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب