الباحث القرآني
قوله عزّ وجلّ:
﴿حَتّى إذا جاءَ أحَدَهُمُ المَوْتُ قالَ رَبِّ ارْجِعُونِ﴾ ﴿لَعَلِّي أعْمَلُ صالِحًا فِيما تَرَكْتُ كَلا إنَّها كَلِمَةٌ هو قائِلُها ومِن ورائِهِمْ بَرْزَخٌ إلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ﴾ ﴿فَإذا نُفِخَ في الصُورِ فَلا أنْسابَ بَيْنَهم يَوْمَئِذٍ ولا يَتَساءَلُونَ﴾ ﴿فَمَن ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ﴾
"حَتّى" في هَذا المَوْضِعِ حَرْفُ ابْتِداءٍ، ويُحْتَمَلُ أنْ تَكُونَ غايَةً مُجَرَّدَةً بِتَقْدِيرِ كَلامٍ مَحْذُوفٍ، والأوَّلُ أبْيَنُ لَأنَّ ما بَعْدَها هو المَعْنِيُّ بِهِ المَقْصُودُ ذِكْرُهُ. والضَمِيرُ في "أحَدَهُمْ" لِلْكُفّارِ، وقَوْلُهُ: "ارْجِعُونِ" مَعْناهُ: إلى الحَياةِ الدُنْيا. وجَمْعُ الضَمِيرِ يَتَخَرَّجُ عَلى مَعْنَيَيْنِ: إمّا أنْ يُخاطِبَهُ مُخاطَبَةَ الجَمْعِ تَعْظِيمًا، عَلى نَحْوِ إخْبارِهِ تَعالى عن نَفْسِهِ بِنُونِ الجَماعَةِ في غَيْرِ مَوْضِعٍ، وإمّا أنْ تَكُونَ اسْتِغاثَةً بِرَبِّهِ أوَّلًا ثُمْ خاطَبَ مَلائِكَةَ العَذابِ بِقَوْلِهِ: "ارْجِعُونِ". وقالَ الضِحاكُ: هي في المُشْرِكِ، وقالَ النَبِيُّ ﷺ لِعائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عنها: «إذا عايَنَ المُؤْمِنُ قالَتْ لَهُ المَلائِكَةُ: نَرْجِعُكَ؟ فَيَقُولُ: إلى دارِ الهُمُومِ والأحْزانِ؟ بَلْ قُدُمًا إلى اللهِ تَعالى، وأمّا الكافِرُ فَيَقُولُ: ارْجِعُونِ لَعَلِّي أعْمَلُ صالِحًا». وقَرَأ الحَسَنُ والجُمْهُورُ: "لَعَلِّي" بِسُكُونِ الياءِ، وقَرَأ طَلْحَةُ بْنُ مُصَرِّفٍ: (p-٣٢١)"لَعَلِّي" بِفَتْحِ الياءِ، و"كَلّا" كَلِمَةُ زَجْرٍ وهي مِن كَلامِ اللهِ تَعالى.
وقَوْلُهُ: ﴿إنَّها كَلِمَةٌ هو قائِلُها﴾ يَحْتَمِلُ ثَلاثَةَ مَعانٍ: أحُدُها: الإخْبارُ المُؤَكَّدُ بِأنَّ هَذا الشَيْءَ يَقَعُ ويَقُولُ هَذِهِ الكَلِمَةَ، والآخَرُ: أنْ يَكُونَ المَعْنى: إنَّها كَلِمَةٌ لا تُغْنِي أكْثَرَ مِن أنْ يَقُولَها، ولا نَفْعَ لَهُ فِيها ولا غَوْثَ، والثالِثُ: أنْ تَكُونَ إشارَةٌ إلى أنَّهُ لَوْ رُدَّ لَعادَ، فَتَكُونُ آيَةَ ذَمٍّ لَهم. والضَمِيرُ في "وَرائِهِمْ" لِلْكُفّارِ، أيْ يَأْتِي بَعْدَ مَوْتِهِمْ حاجِزٌ مِنَ المُدَّةِ، و"البَرْزَخُ" في كَلامِ العَرَبِ: الحاجِزُ بَيْنَ المَسافَتَيْنِ، ثُمْ يُسْتَعارُ لِما عَدا ذَلِكَ، فَهو هُنا لِلْمُدَّةِ الَّتِي بَيْنَ مَوْتِ الإنْسانِ وبَيْنَ بَعْثِهِ، هَذا إجْماعٌ مِنَ المُفَسِّرِينَ. و"يَوْمِ" مُضافٌ إلى "يَبْعَثُونَ".
وقَرَأ الجُمْهُورُ: "فِي الصُوَرِ" وهو القَرْنُ، وقَرَأ ابْنُ عِياضٍ: "فِي الصُوَرِ" بِفَتْحِ الواوِ جَمْعُ صُورَةٍ، وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿فَلا أنْسابَ بَيْنَهم يَوْمَئِذٍ﴾، اخْتَلَفَ المُتَأوِّلُونَ في صِفَةِ ارْتِفاعِ الأنْسابِ -فَقالَ ابْنُ عَبّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهُما وغَيْرُهُ: هَذا في النَفْخَةِ الأولى، وذَلِكَ أنَّ الناسَ بِأجْمَعِهِمْ يَمُوتُونَ فَلا يَكُونُ بَيْنَهم نَسَبٌ في ذَلِكَ الوَقْتِ وهم أمْواتٌ.
قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللهُ:
وهَذا التَأْوِيلُ يُزِيلُ ما في الآيَةِ مِن ذِكْرِ هَوْلِ الحَشْرِ.
وقالَ ابْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ وغَيْرُهُ: إنَّما المَعْنى أنَّهُ عِنْدَ النَفْخَةِ الثانِيَةِ وقِيامُ الناسِ مِنَ القُبُورِ فَهم حِينَئِذٍ لِهَوْلِ المَطْلَعِ قَدِ اشْتَغَلَ كُلُّ امْرِئٍ بِنَفْسِهِ، قَدِ انْقَطَعَتْ بَيْنَهُمُ الوَسائِلُ وزالَ انْتِفاعُ الأنْسابِ، فَلِذَلِكَ نَفاها، فالمَعْنى: فَلا أنْسابَ نافِعَةٌ، ورُوِيَ عن قَتادَةَ: أنَّهُ لَيْسَ أحَدٌ أبْغَضُ إلى الإنْسانِ في ذَلِكَ اليَوْمِ مِمَّنْ يَعْرِفُ، لَأنَّهُ يَخافُ أنْ يَكُونَ عِنْدَهُ مَظْلَمَةٌ، وفي ذَلِكَ اليَوْمِ يَفِرُّ المَرْءُ مِن أخِيهِ وأُمِّهِ وأبِيهِ وصاحِبَتِهِ وبَنِيهِ، ويَفْرَحُ كُلُّ أحَدٍ يَوْمَئِذٍ أنْ يَكُونَ لَهُ حَقٌّ عَلى ابْنِهِ وأبِيهِ، وقَدْ ورَدَ بِهَذا حَدِيثٌ. وكَذَلِكَ ارْتِفاعُ التَساؤُلِ لِهَذِهِ الوُجُوهِ الَّتِي ذَكَرْناها، ثُمْ تَأْتِي في القِيامَةِ مُواطِنُ يَكُونُ فِيها السُؤالُ والتَعارُفُ.
(p-٣٢٢)قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللهُ:
وهَذا التَأْوِيلُ حَسَنٌ، وهو مَرْوِيُّ المَعْنى عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهُما.
وثِقَلُ المَوازِينِ هو بِالحَسَناتِ، والثِقَلُ والخِفَّةُ إنَّما يَتَعاقَبانِ بِأجْرامٍ يَخْتَرِعُ اللهُ تَعالى فِيها ذَلِكَ، وهي فِيما رُوِيَ بَراءاتٌ.
{"ayahs_start":99,"ayahs":["حَتَّىٰۤ إِذَا جَاۤءَ أَحَدَهُمُ ٱلۡمَوۡتُ قَالَ رَبِّ ٱرۡجِعُونِ","لَعَلِّیۤ أَعۡمَلُ صَـٰلِحࣰا فِیمَا تَرَكۡتُۚ كَلَّاۤۚ إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَاۤىِٕلُهَاۖ وَمِن وَرَاۤىِٕهِم بَرۡزَخٌ إِلَىٰ یَوۡمِ یُبۡعَثُونَ","فَإِذَا نُفِخَ فِی ٱلصُّورِ فَلَاۤ أَنسَابَ بَیۡنَهُمۡ یَوۡمَىِٕذࣲ وَلَا یَتَسَاۤءَلُونَ","فَمَن ثَقُلَتۡ مَوَ ٰزِینُهُۥ فَأُو۟لَـٰۤىِٕكَ هُمُ ٱلۡمُفۡلِحُونَ"],"ayah":"حَتَّىٰۤ إِذَا جَاۤءَ أَحَدَهُمُ ٱلۡمَوۡتُ قَالَ رَبِّ ٱرۡجِعُونِ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق