الباحث القرآني

قوله تعالى ﴿يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ﴾ وقرأ أبو عمرو (ننفخ) بالنون، والوجه قراءة العامة [[قرأ نافع، وابن كثير، وابن عامر، وحمزة والكسائي، وعاصم: (ينفح) بالياء، وقرأ أبو عمرو البصري: (تنفخ) بالنون. انظر: "السبعة" ص 424، "الحجة للقراء السبعة" 5/ 250، "حجة القراءات" ص 463،"التبصرة" 261.]] لقوله: ﴿وَنُفِخَ فِي الصُّورِ﴾ [[وردت هذه الآية في سور متعددة: في الكهف: (99)، ويس: (51)، والزمر (68)، وق: (20).]]، وقوله: ﴿يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْوَاجًا﴾ [النبأ: 18]، ولأن النفخ يكون من المَلَك الموكل بالصور بأمر الله، فالأجود أن يقرأ على غير تسمية الفاعل، ووجه قراءة أبي عمرو: أنه على معنى إضافة الأمر بالنفخ إلى الله تعالى، ويقوي ذلك ما عطف عليه من قوله: ﴿وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقًا﴾ يقال: زَرِقَت عينه، تَزْرَقُ، زَرَقًا، وزُرْقَةً، وازْرَاقَّت، ازرِقَاقًا [[انظر: "تهذيب اللغة" (زرق) 2/ 1525، "القاموس المحيط" (الزرق) 3/ 240،== "الصحاح" (زرق) 4/ 1489، "لسان العرب" (زرق) 3/ 1827.]]. قال ابن عباس: (يريد: بالمجرمين الذين اتخذوا مع الله إلهًا) [[ذكر نحوه ابن الجوزي في "زاد المسير" 5/ 321 بدون نسبة.]]. قال: (يريد: زرق العيون سود الوجوه) [["روح المعاني" 16/ 260، وذكره البغوي في "تفسيره" 5/ 294 بدون نسبة.]]. وإلى هذا ذهب جماعة من المفسرين: (أن معنى الزرق هاهنا أن في عيونهم زرقًا، وهي الخضرة في سواد العين) [["الكشف والبيان" 3/ 24 ب، "بحر العلوم" 2/ 354، "عالم التنزيل" 5/ 294، "فتح القدير" 3/ 551.]]. كعين السَّنَّوْرُ [[السَّنَّوْرُ: الهر، مشتق منه، وجمعه السَّنَانيِر. انظر: "لسان العرب" (سنر) 4/ 2117، "المعجم الوسيط" (السنور) 1/ 454.]] والعرب تتشاءم بالزرت وتذمه [[قال الزمخشري في "تفسيره" 2/ 553: إن الزرقة أبغض شيء من ألوان العيون إلى العرب؛ لأن الروم أعداؤهم وهم زرق العيون، ولذلك قالوا في صفة العدو: أسود الكبد، أصهب السيال، أزرك العين.]]. والمعنى في هذا: تشويه الخلق بسواد الوجوه وزرقة العيون. وقال الكلبي: (زرقا: عميا) [["زاد المسير" 5/ 321، "الجامع لأحكام القرآن" 11/ 244، "التفسير الكبير" 22/ 114، وذكرته بعض كتب التفسير بدون نسبة. انظر: "جامع البيان" 16/ 210، "بحر العلوم" 2/ 354، "النكت والعيون" 3/ 424.]]. وذكره الفراء وابن الأعرابي، والزجاج [["معاني القرآن" للفراء 2/ 191، "معاني القرآن" للزجاج 3/ 376، "تهذيب اللغة" (زرق) 2/ 1525.]]، قال الزجاج: (يخرجون من قبورهم بصراء ويعمون في المحشر. قال: وإنما قيل للعمى: زرق؛ لأن السواد يزرق إذا ذهب نواظرهم) [["معاني القرآن" للزجاج 3/ 367.]]، هذا كلامه، ولم يكشف عن المعنى. وذكر ابن قتيبة فقال: (أي بيض العيون من العمى قد ذهب الناظر والسواد) [["تفسير غريب القرآن" لابن قتيبة ص 282.]]. وهذا كلامه كما قال؛ لأن العرب تسمى كل أبيض صافي البياض: أزرق، ويقال للمياه الصافية: زرق، قال زهير [[البيت لزهير بن أبي سلمى. زرقاء: الزرقة: شدة الصفاء، يقال: ما أزرق إذا اشتد صفاؤه. جِمَامَة: الجمام جمع جم الماء، وجمته وهو: ما اجتمع منه في البئر والحوض وغيرهما. وضع العصي: كناية عن الإقامة. الحاضر المتخيم: الحاضر النازل على الماء والمتخيم المقيم، وأصله من تخيم إذا نصب الخيمة. انظر: "ديوان زهير" ص 78، "المحرر الوجيز" 10/ 91، "البحر المحيط" 6/ 279، "شرح القصائد العشر" للتبريزي ص 133، "شرح المعلقات السبع" للزوزني ص 141، "تهذيب اللغة" (زرق) 2/ 1525، "لسان العرب" (زرق) 3/ 18027.]]: فلَمَّا وَرَدْنَ المَاءَ زُرْقًا جِمَامهُ ... وَضَعْنَ عِصيّ الحَاضِر المتَخَيَمِ ويقال للأسنة: زرق لصفاء لونها [[انظر: "تهذيب اللغة" (زرق) 2/ 1525، "القاموس المحيط" (الزرق) 3/ 240، "لسان العرب" (زرق) 3/ 1827.]]. وهذا التفسير يوافق قوله: ﴿وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وُجُوهِهِمْ عُمْيًا﴾ [الإسراء: 97]، وحكى الفراء، والزجاج في تفسير ﴿زُرْقًا﴾: (عطاشا) [["معاني القرآن" للفراء 2/ 191، "معاني القرآن" للزجاج 3/ 376.]]. ورواه أيضًا أبو العباس عن ابن الأعرابي [["تهذيب اللغة" (زرق) 2/ 1525.]]. قال أبو إسحاق: (ومن قال: عطاشا فجيد أيضًا؛ لأنهم من شدة العطش يتغير سواد أعينهم، حتى يزرق) [["معاني القرآن" للزجاج 3/ 376.]]. وهذا الذي ذكره صحيح؛ لأن العطش يؤثر في العين، ومن مات عطشا ظهر ذلك في سواد عينيه، ويشهد لهذا التفسير قوله تعالى: ﴿وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلَى جَهَنَّمَ وِرْدًا﴾ [مريم: 86]. وحكى ثعلب عن ابن الأعرابي في تفسير ﴿زُرْقًا﴾: (طامعين فيما لا ينالونه) [["تهذيب اللغة" (زرق) 2/ 1525.]]. ووجه هذا التفسير: أن من يتطلع إلى شيء وطال به انتظاره يقول: قد ابيضت عيني بطول انتظاري [[ويشهد لهذا قوله تعالى في سورة يوسف الآية رقم (84): ﴿وَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ﴾.]].
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب