الباحث القرآني
﴿يَوْمَ يُنْفَخُ في الصُّورِ ونَحْشُرُ المُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقًا﴾ ﴿يَتَخافَتُونَ بَيْنَهم إنْ لَبِثْتُمْ إلّا عَشْرًا﴾ ﴿نَحْنُ أعْلَمُ بِما يَقُولُونَ إذْ يَقُولُ أمْثَلُهم طَرِيقَةً إنْ لَبِثْتُمْ إلّا يَوْمًا﴾
﴿يَوْمَ يُنْفَخُ في الصُّورِ﴾ بَدَلٌ مِن يَوْمِ القِيامَةِ في قَوْلِهِ: ﴿وساءَ لَهم يَوْمَ القِيامَةِ حِمْلًا﴾ [طه: ١٠١]، وهو اعْتِراضٌ بَيْنَ جُمْلَةِ ﴿وقَدْ آتَيْناكَ مِن (p-٣٠٤)لَدُنّا ذِكْرًا﴾ [طه: ٩٩] وما تَبِعَها وبَيْنَ جُمْلَةِ ﴿وكَذَلِكَ أنْزَلْناهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا﴾ [طه: ١١٣] . تَخَلُّصٌ لِذِكْرِ البَعْثِ والتَّذْكِيرِ بِهِ والنِّذارَةِ بِما يَحْصُلُ لِلْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ.
والصُّورُ: قَرْنٌ عَظِيمٌ يُجْعَلُ في داخِلِهِ سِدادٌ لِبَعْضِ فَضائِهِ، فَإذا نَفَخَ فِيهِ النّافِخُ بِقُوَّةٍ خَرَجَ مِنهُ صَوْتٌ قَوِيٌّ، وقَدِ اتُّخِذَ لِلْإعْلامِ بِالِاجْتِماعِ لِلْحَرْبِ، وتَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعالى: ﴿قَوْلُهُ الحَقُّ ولَهُ المُلْكُ يَوْمَ يُنْفَخُ في الصُّورِ﴾ [الأنعام: ٧٣] في سُورَةِ الأنْعامِ.
وقَرَأ الجُمْهُورُ ”يُنْفَخُ“ بِياءِ الغِيبَةِ مَبْنِيًّا لِلْمَجْهُولِ، أيْ بِنَفْخِ نافِخٍ، وهو المَلَكُ المُوَكَّلُ بِذَلِكَ. وقَرَأهُ أبُو عَمْرٍو وحْدَهُ: ”نَنْفُخُ“ بِنُونِ العَظَمَةِ وضَمِّ الفاءِ. وإسْنادُ النَّفْخِ إلى اللَّهِ مَجازٌ عَقْلِيٌّ بِاعْتِبارِ أنَّهُ الآمِرُ بِهِ، مِثْلَ: بَنى الأمِيرُ القَلْعَةَ.
والمُجْرِمُونَ: المُشْرِكُونَ والكَفَرَةُ.
والزُّرْقُ: جَمْعُ أزْرَقٍ، وهو الَّذِي لَوْنُهُ الزُّرْقَةُ. والزُّرْقَةُ: لَوْنٌ كَلَوْنِ السَّماءِ إثْرَ الغُرُوبِ، وهو في جَلْدِ الإنْسانِ قَبِيحُ المَنظَرِ؛ لِأنَّهُ يُشْبِهُ لَوْنَ ما أصابَهُ حَرْقُ نارٍ. وظاهِرُ الكَلامِ أنَّ الزُّرْقَةَ لَوْنُ أجْسادِهِمْ، فَيَكُونُ بِمَنزِلَةِ قَوْلِهِ: ﴿يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وتَسْوَدُّ وُجُوهٌ﴾ [آل عمران: ١٠٦]، وقِيلَ: المُرادُ لَوْنُ عُيُونِهِمْ، فَقِيلَ: لِأنَّ زُرْقَةَ العَيْنِ مَكْرُوهَةٌ عِنْدَ العَرَبِ. والأظْهَرُ عَلى هَذا المَعْنى أنْ يُرادَ شِدَّةُ زُرْقَةِ العَيْنِ؛ لِأنَّهُ لَوْنٌ غَيْرُ مُعْتادٍ،، فَيَكُونُ كَقَوْلِ بِشارٍ:
؎ولِلْبَخِيلِ عَلى أمْوالِهِ عِلَلٌ زُرْقُ العُيُونِ عَلَيْها أوْجُهٌ سُودُ
وقِيلَ: المُرادُ بِالزُّرْقِ العُمْيُ؛ لِأنَّ العَمى يُلَوِّنُ العَيْنَ بِزُرْقَةٍ. وهو مُحْتَمَلٌ في بَيْتِ بِشارٍ أيْضًا.
والتَّخافُتُ: الكَلامُ الخَفِيُّ مِن خَوْفٍ ونَحْوِهُ. وتَخافُتُهم لِأجْلِ ما يَمْلَأُ صُدُورَهم مِن هَوْلِ ذَلِكَ اليَوْمِ كَقَوْلِهِ تَعالى ﴿وخَشَعَتِ الأصْواتُ لِلرَّحْمَنِ فَلا تَسْمَعُ إلّا هَمْسًا﴾ [طه: ١٠٨] . (p-٣٠٥)وجُمْلَةُ ﴿إنْ لَبِثْتُمْ إلّا عَشْرًا﴾ مُبِينَةٌ لِجُمْلَةِ يَتَخافَتُونَ، وهم قَدْ عَلِمُوا أنَّهم كانُوا أمْواتًا ورُفاتًا فَأحْياهُمُ اللَّهُ، فاسْتَيْقَنُوا ضَلالَهم؛ إذْ كانُوا يُنْكِرُونَ الحَشْرَ. ولَعَلَّهم أرادُوا الِاعْتِذارَ لِخَطَئِهِمْ في إنْكارِ الإحْياءِ بَعْدَ انْقِراضِ أجْزاءِ البَدَنِ مُبالَغَةً في المُكابَرَةِ، فَزَعَمُوا أنَّهم ما لَبِثُوا في القُبُورِ إلّا عَشْرَ لَيالٍ، فَلَمْ يَصِيرُوا رُفاتًا، وذَلِكَ لِما بَقِيَ في نُفُوسِهِمْ مِنِ اسْتِحالَةِ الإحْياءِ بَعْدَ تَفَرُّقِ الأوْصالِ، فَزَعَمُوا أنَّ إحْياءَهم ما كانَ إلّا بِرَدِّ الأرْواحِ إلى الأجْسادِ، فالمُرادُ بِاللَّبْثِ: المُكْثُ في القُبُورِ، كَقَوْلِهِ تَعالى قالَ ﴿كَمْ لَبِثْتُمْ في الأرْضِ عَدَدَ سِنِينَ﴾ [المؤمنون: ١١٢] ﴿قالُوا لَبِثْنا يَوْمًا أوْ بَعْضَ يَوْمٍ﴾ [المؤمنون: ١١٣] في سُورَةِ المُؤْمِنِينَ، وقَوْلُهُ: ﴿ويَوْمَ تَقُومُ السّاعَةُ يُقْسِمُ المُجْرِمُونَ﴾ [الروم: ٥٥] ﴿ما لَبِثُوا غَيْرَ ساعَةٍ كَذَلِكَ كانُوا يُؤْفَكُونَ﴾ [الروم: ٥٥] في سُورَةِ الرُّومِ.
و”إذا“ ظَرْفٌ، أيْ يَتَخافَتُونَ في وقْتٍ يَقُولُ فِيهِ أمْثَلُهم طَرِيقَةً. والأمْثَلُ: الأرْجَحُ الأفْضَلُ. والمَثالَةُ: الفَضْلُ، أيْ صاحِبُ الطَّرِيقَةِ المُثْلى؛ لِأنَّ النِّسْبَةَ في الحَقِيقَةِ لِلتَّمْيِيزِ.
والطَّرِيقَةُ: الحالَةُ والسُّنَّةُ والرَّأْيُ. والمُرادُ هُنا الرَّأْيُ، وتَقَدَّمَ في قَوْلِهِ: ﴿ويَذْهَبا بِطَرِيقَتِكُمُ المُثْلى﴾ [طه: ٦٣] في هَذِهِ السُّورَةِ، ولَمْ يَأْتِ المُفَسِّرُونَ في مَعْنى وصْفِ القائِلِ: ﴿إنْ لَبِثْتُمْ إلّا يَوْمًا﴾ بِأنَّهُ أمْثَلُ طَرِيقَةٍ بِوَجْهٍ تَطْمَئِنُّ لَهُ النَّفْسُ؛ والَّذِي أراهُ: أنَّهُ يَحْتَمِلُ الحَقِيقَةَ والمَجازَ؛ فَإنْ سَلَكْنا بِهِ مَسْلَكَ الحَمْلِ عَلى الحَقِيقَةِ كانَ المَعْنى أنَّهُ أقْرَبُهم إلى اخْتِلاقِ الِاعْتِذارِ عَنْ خَطَئِهِمْ في إنْكارِهِمُ البَعْثَ بِأنَّهم ظَنُّوا البَعْثَ واقِعًا بَعْدَ طُولِ المُكْثِ في الأرْضِ طُولًا تَتَلاشى فِيهِ أجْزاءُ الأجْسامِ، فَلَمّا وجَدُوا أجْسادَهم كامِلَةً مِثْلَ ما كانُوا في الدُّنْيا قالَ بَعْضُهم: ﴿إنْ لَبِثْتُمْ إلّا عَشْرًا﴾ . فَكانَ ذَلِكَ القَوْلُ عُذْرًا؛ لِأنَّ عَشْرَ اللَّيالِيَ تَتَغَيَّرُ في مِثْلِها الأجْسامُ. فَكانَ الَّذِي قالَ: ﴿إنْ لَبِثْتُمْ إلّا (p-٣٠٦)يَوْمًا﴾ أقْرَبَ إلى رَواجِ الِاعْتِذارِ. فالمُرادُ: أنَّهُ الأمْثَلُ مِن بَيْنِهِمْ في المَعاذِيرِ، ولَيْسَ المُرادُ أنَّهُ مُصِيبٌ. وإنْ سَلَكْنا بِهِ مَسْلَكَ المَجازِ فَهو تَهَكُّمٌ بِالقائِلِ في سُوءِ تَقْدِيرِهِ مِن لَبْثِهِمْ في القُبُورِ، فَلَمّا كانَ كِلا التَّقْدِيرَيْنِ مُتَوَغِّلًا في الغَلَطِ، مُؤْذِنًا بِجَهْلِ المُقَدِّرِينَ واسْتِبْهامُ الأمْرِ عَلَيْهِمْ، دالًّا عَلى الجَهْلِ بِعَظِيمِ قُدْرَةِ اللَّهِ تَعالى الَّذِي قَضّى الأزْمانَ الطَّوِيلَةَ والأُمَمَ العَظِيمَةَ وأعادَهم بَعْدَ القُرُونِ الغابِرَةِ - فَكانَ الَّذِي قُدَّرَ زَمَنَ المُكْثِ في القُبُورِ بِأقَلِّ قَدْرٍ أوْغَلَ في الغَلَطِ، فَعُبِّرَ عَنْهُ بِـ ”أمْثَلُهم طَرِيقَةً“ تَهَكُّمًا بِهِ وبِهِمْ مَعًا، إذِ اسْتَوى الجَمِيعُ في الخَطَأِ.
وجُمْلَةُ ﴿نَحْنُ أعْلَمُ بِما يَقُولُونَ﴾ مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَ فِعْلِ ”يَتَخافَتُونَ“ وظَرْفِيَّةِ ﴿إذْ يَقُولُ أمْثَلُهُمْ﴾، أيْ إنَّهم يَقُولُونَ ذَلِكَ سِرًّا ونَحْنُ أعْلَمُ بِهِ، وإنَّنا نُخْبِرُ عَنْ قَوْلِهِمْ يَوْمَئِذٍ خَبَرَ العَلِيمِ الصّادِقِ.
{"ayahs_start":102,"ayahs":["یَوۡمَ یُنفَخُ فِی ٱلصُّورِۚ وَنَحۡشُرُ ٱلۡمُجۡرِمِینَ یَوۡمَىِٕذࣲ زُرۡقࣰا","یَتَخَـٰفَتُونَ بَیۡنَهُمۡ إِن لَّبِثۡتُمۡ إِلَّا عَشۡرࣰا","نَّحۡنُ أَعۡلَمُ بِمَا یَقُولُونَ إِذۡ یَقُولُ أَمۡثَلُهُمۡ طَرِیقَةً إِن لَّبِثۡتُمۡ إِلَّا یَوۡمࣰا"],"ayah":"یَوۡمَ یُنفَخُ فِی ٱلصُّورِۚ وَنَحۡشُرُ ٱلۡمُجۡرِمِینَ یَوۡمَىِٕذࣲ زُرۡقࣰا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق