الباحث القرآني

قوله تعالى: ﴿إِنَّ الذين كَفَرُوا﴾ الآية. ﴿إِنَّ﴾ الثقيلة تكون منصوبة الألف وتكون مكسورة الألف. فإذا [[في (ب): (وإذا).]] كانت مبتدأة ليس قبلها شيء تعتمد [[في (ب)، (ج): (يعتمد) وهو موافق لـ"تهذيب اللغة" 1/ 222، والكلام منقول منه.]] عليه، أو جاءت بعدها (لام) مؤكدة يعتمد عليه [[(عليه) في جميع النسخ. وفي "تهذيب اللغة" (عليها) 1/ 222.]] أو جاءت بعد القول وما تصرف [[في (ب): (يصرف).]] منه، وكانت حكاية: كسرت الألف، وفيما سوى ذلك تنصب [[في (ب). (ينصب) وفي "تهذيب اللغة" (تنصب الألف). والكلام بنصه ذكره الأزهري عن الليث عن الخليل، سوى قوله: أو جاءت بعد القول فذكره عن الفراء. "تهذيب اللغة" (أن) 1/ 222، وانظر مواضع فتح وكسر همزة (إن) في "الكتاب" 3/ 134 وما بعدها، "الأصول في النحو" 1/ 262 وما بعدها.]]. ومعناها في الكلام: التوكيد، وهي التي تنصب الأسماء وترفع الأخبار، وإنما نصبت ورفعت، لأنها تشبه بالفعل، وشبهها أنها لا تلي الأفعال ولا تعمل فيها، وأنها يذكر بعدها الاسم والخبر، كما يذكر بعد الفعل الفاعل والمفعول، إلا أنه قدم المفعول فيها ليفصل بين ما يشبه بالفعل وليس لفظه لفظ الفعل [[من هنا بدأ سقط لوحة كاملة من (ب).]]، وبين ما يشبه بالفعل ولفظه لفظ الفعل، نحو (كان) وبابه [[ذكره الزجاج في "معاني القرآن" 1/ 40، وانظر: "الأصول في النحو" 1/ 23، "الإيضاح في علل النحو" ص 135، "الإنصاف" ص 153 - 155.]]. وقوله تعالى: ﴿كَفَرُوا﴾ معنى الكفر في اللغة: التغطية. أقرأني أحمد بن محمد بن عبد الله بن يوسف العروضي [[شيخ الواحدي، تقدمت ترجيته مع شيوخه.]] -رحمه الله- قال: أخبرني الأزهري، عن المنذري، عن الحراني، عن ابن السكيت قال: إذا لبس الرجل فوق درعه ثوباً فهو كافر، وقد كفر فوق درعه، وكل ما غطى شيئاً فقد كفره. ومنه قيل لليل: كافر، لأنه ستر بظلمته وغطى، وأنشد لثعلبة بن صُعَير المازني [[هو ثعلبة بن صعير بن خزاعي المازني، شاعر جاهلي قديم، قال الأصمعي: لو قال ثعلبة بن صعير مثل قصيدته خمساً كان فحلاً، انظر "فحولة الشعراء" الأصمعي ص 12، "الأعلام" للزركلي 2/ 99.]]: فتذكّرا ثَقَلًا رثيداً بعدما ... ألقت ذكاءُ يمينَها في كافرِ [[البيت من قصيدة له، ذكرها المفضل الضبي في "المفضليات" ص 128 - 131، والبيت في "إصلاح المنطق" ص 49، 339، وفي "تهذيب اللغة" (كفر) 4/ 3162، "المشوف المعلم في ترتيب الإصلاح" 1/ 332، 2/ 679، "أمالي القالي" 2/ 145، "الصحاح" (كفر) 2/ 808، "مقاييس اللغة" (كفر) 5/ 191، "المخصص" 6/ 78 ، 9/ 19،7/ 17، "اللسان" (رثد) 3/ 15981، و (كفر) 7/ 3899، و (ذكا) 3/ 1510، و"تفسير ابن عطية" 1/ 151، و"تفسير القرطبي" 1/ 159، و"تفسير الطبري" 1/ 110، "الدر المصون" 1/ 107. وفي هذا البيت يذكر الظليم والنعامة، والثقل: بيضهما، والرثد: المتاع المرثود، وذكاء. الشمس، أي بدأت في المغيب، والكافر: الليل.]] أي: الليل. ومنه يسمى الكافر كافراً، لأنه ستر نعم الله. ويقال: رماد مكفور، أي: سَفَت عليه الريح التراب حتى وارته، قال الراجز: قد درسَتْ [[في (ج): (رزشت).]] غير رمادٍ مكفورْ ... مكتئبِ اللون مَريحٍ ممطورْ [[الرجز لمنظور بن مرثد الأسدي، وقيل: لأبي مهدي. وقبله: هل تعرف الدار بأعلى ذى القور؟ يقول: درست معالم الدار إلا رماداً مكفوراً، أي: سفت عليه الريح، والأبيات في "إصلاح المنطق" ص 340، وفي "التهذيب" (كفر) 4/ 3162، "الصحاح" (كفر) 2/ 807، "المخصص" 6/ 78، "المشوف المعلم في ترتيب الإصلاح" 2/ 679، "مقاييس اللغة" (كفر) 10/ 198، "اللسان" (كفر) 7/ 3900. وكلهم رووه (مروح ممطور) سوى (المخصص) فنصه مثل رواية المؤلف هنا.]] وقال آخر [[هو حميد الأرقط.]]: فوردَتْ قبلَ انبلاجِ [[في (ج): (ابلاج).]] الفَجْرِ ... وابنُ ذُكاءٍ كامنٌ فى كَفْرِ [[قال ابن السكيت. ويروى: (في كفر) وهما لغتان. وابن ذكاء: يعني الصبح، "إصلاح المنطق" ص 340، وانظر: "تهذيب اللغة" (كفر) 4/ 3162، ورد البيت كذلك في "الصحاح" (كفر) 7/ 3900، "المخصص" 6/ 78، "المشوف المعلم" 2/ 679، "اللسان" (كفر) 7/ 3900، و"تفسير القرطبي" 1/ 160، "الدر المصون" 1/ 106.]] أي: فيما يواريه من سواد الليل، وقد كفر الرجل متاعه [أي:] [[في (أ)، (ج): (إلى)، وفي "إصلاح المنطق"، "التهذيب": (أي) وهو الصحيح. "الإصلاح" ص 340، "التهذيب" (كفر) 4/ 3162.]] أوعاه في وعاء [[انتهى كلام ابن السكيت وهو في "الإصلاح" ص 339،340، "تهذيب اللغة" (كفر) 4/ 3162، ونص الواحدي من "التهذيب".]]. وقال ابن المظفر [[هو الليث. انظر: "التهذيب" (كفر) 4/ 3161، ومقدمة "التهذيب" 1/ 47.]]: سمي الكافر: كافراً، لأن الكفر غطى قلبه كله. قال الأزهري: وهذا يحتاج إلى إيضاح. وهو: أن (الكفر) في اللغة: التغطية، فالكافر معناه: ذو الكفر، ذو تغطية لقلبه بكفره، كما يقال للابس السلاح: كافر، وهو الذي غطاه السلاح. ومثله: رجل كاس أي: ذو كسوة، وناعل: ذو نعل [[في (التهذيب) بدل (فاعل: ذو نعل)، وماء دافق: ذو دفق 4/ 3161.]]. وقول ابن [[في (ج): (بن).]] السكيت في معنى الكافر أبين وأصح [[قال الأزهري: قلت: وما قاله ابن السكيت بيِّن صحيح، 4/ 3161.]]. والنعمة التي أنعم الله على العبد فكفرها [[في "التهذيب": (والنعم التي سترها الكافر هي الآيات التي أبانت لذي التمييز .. إلخ) 4/ 3162.]] الكافر، أي: سترها، هي الهدى والآيات التي أبانت لذوي التمييز أن الله واحد لا شريك له، فمن لم يصدق بها وردها فقد كفر النعمة، أي: سترها وغطاها. ويجوز أن يقال: إن الكافر لما دعاه الله إلى توحيده فقد دعاه إلى نعمة أوجبها له إذا أجابه إلى ما دعاه إليه، فإذا لم [[في "التهذيب": (.. فقد دعاه إلى نعمة ينعم بها عليه إذا قبلها، فلما رد ما دعاه إليه من توحيده كان كافرا نعمة الله ..)، 4/ 3161.]] يجب كان كافرا لتلك النعمة، أي: مغطيا لها، مكذبًا بها، حاجبا لها عنه [["التهذيب" (كفر) 4/ 3160، وقد تصرف الواحدي في نقل كلام الأزهري.]]. قال شمر: قال بعض أهل العربية [[في "التهذيب" (قال شمر: قال بعض أهل العلم)، 4/ 3160.]]: الكفر على أربعة أنحاء: كفر إنكار، وكفر جحود، وكفر معاندة، وكفر نفاق، من لقي ربه بشيء من ذلك لم يغفر له. فأما كفر الإنكار: فهو أن يكفر بقلبه ولسانه ولا يعرف ما يذكر له من التوحيد. وكذلك روي في تفسير قوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ﴾ [البقرة: 6]، أي: الذين كفروا بتوحيد الله. وأما كفر الجحود: فأن يعرف بقلبه ولا يقر بلسانه، فهذا كافر جاحد ككفر إبليس، وكفر أمية بن أبي الصلت [[شاعر جاهلي أدرك النبي ﷺ وكفر به حسدًا، كان له شعر جيد، وكان يخبر أن نبيًّا قد أظل زمانه، وكان يؤمل أن يكون ذلك النبي، فلما بلغه خروج النبي ﷺ كفر به حسداً، ولما أنشد النبي ﷺ شعره قال: "آمن لسانه وكفر قلبه". وسبقت ترجمته، وانظر: "الخزانة" 1/ 249.]]، ومنه قوله تعالى: ﴿فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ﴾ [البقرة: 89]، يعني: كفر الجحود. وأما كفر المعاندة: فهو أن يعرف بقلبه ويقر بلسانه، ويأبى أن يقبل، ككفر أبي طالب حيث يقول: ولقد علمتُ بأنّ [[في (ج): (أن).]] دين محمد ... من خير أديان البرية دينا [[إلى هنا ينتهي السقط من (ب).]] لولا الملامةُ أو حِذارُ مسَبّةٍ ... لوجدتَني سمحاً [[في (ب): (سحا).]] بذاك متينا [[كذا جاءت الأبيات في "التهذيب" 4/ 3160، "اللسان" (كفر) 7/ 3898، و"تفسير البغوي" 1/ 64، وفي "تفسير النسفي" 1/ 50، (ضمن مجموعة من التفاسير) وفيها (سمحا بذلك مبينا) وفي "تفسير القرطبي" (بقينا) 6/ 406. وذكرها المؤلف في "أسباب النزول" بمثل روايته لها هنا. ص 210.]] وأما كفر النفاق: فأن يقر بلسانه ويكفر بقلبه. قال [[أي: شمر. "التهذيب" 4/ 3160.]]: والكفر -أيضا- يكون بمعنى: البراءة، كقول الله عز وجل خبرًا عن الشيطان ﴿إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ﴾ [إبراهيم: 22]، أي تبرأت [[كلام شمر جميعه في "تهذيب اللغة" (كفر) 4/ 3160، "اللسان" (كفر) 7/ 3898، وانظر أنواع الكفر في "التصاريف" المنسوب ليحيى بن سلام ص 104، 105، و"النسفي" 1/ 50 (ضمن مجموعة من التفاسير).]]. ويقال: كفر كفراً وكفوراً، كما يقال: شكر شكراً وشكوراً [["الحجة" لأبي علي1/ 245، وانظر "تهذيب اللغة" 4/ 3160.]] قال الله تعالى: ﴿فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُورًا﴾ [الإسراء:89]. وقوله تعالى: ﴿سَوَآءُ عَلَيهِم﴾. السواء [[الكلام في "الحجة" بنصه 1/ 245. وانظر "التصاريف" ص 111، 112، "تهذيب اللغة" 2/ 1795، "الصحاح" (سوا) 6/ 2384.]]، والعدل، والوسط، والقصد، والنصف: ألفاظ متقاربة في المعنى. يقال للعدل: السواء، قال زهير [[هو زهير بن أبي سلمى، أحد فحول شعراء الجاهلية، توفي قبل المبعث بسنة. انظر ترجمته في "الشعر والشعراء" ص 69، "الخزانة" 2/ 332.]]. أرُوني [[في "الحجة" (أرونا) وفي الهامش في ط (أرني) 1/ 246.]] خُطَّةً لا خَسْفَ فيها ... يُسَوِّي [[في (ب): (يسوا).]] بيننا فيها السَّوَاءُ [[رواية البيت في الديوان: أرونا سنة لا عيب فيها. يقول: أرونا سنة لا عيب فيها ولا ظلم، تسوى بيننا بالحق، "ديوان زهير" ص 84، "الحجة" 1/ 246، "تهذيب اللغة" "لفيف السين" 2/ 1795، "البحر" 1/ 347، "الدر المصون" 1/ 108.]] وأنشد أبو زيد لعنترة [[هو عنترة بن عمرو بن شداد العبسي، كان شاعرًا، وكان أشجع أهل زمانه وأجودهم. انظر ترجمته في: "الشعر والشعراء" ص 149، "طبقات فحول الشعراء" 1/ 152، "الخزانة" 1/ 128.]]: أبَينا فلا نُعطي السَّواءَ عدوَّنا ... قيامًا بأعضاد السَّراءِ المُعَطَّفِ [[البيت من قصيدة قالها عنترة يوم (عرار) يخاطب فيها بني حنيفة، قوله: السواء: الصلح، أعضاد: جمع عضد، وهو القوس، والسراء: شجر يتخذ منه القسي، المعطف: المعوج، انظر. "ديوان عنترة" ص 52، "نوادر أبي زيد" ص 377، "الحجة" 1/ 246.]] و (السواء): وسط الشيء، ومنه قوله: ﴿فِي سَوَاءِ الْجَحِيمِ﴾ [[كلمة (في) في الآية ساقط من (أ).]] [الصافات: 55]. و (سواء) مأخوذ من الاستواء والتساوي، وهو الاعتدال [["الأضداد" لابن الأنباري ص 43.]]، قال الشاعر: وليلٍ يقولُ المرءُ من ظلماته ... سواءٌ صحيحاتُ العيونِ وعُورُها [[البيت للأعشى كما في "ديوانه" ص 68، وفيه: "يقول القوم" سواء بصيرات .. " وهو في "الأضداد" لابن الأنباري ص 43، وفيه "يقول القوم"، "الطبري" 1/ 111، "البحر المحيط" 1/ 47، "القرطبي" 1/ 160، "الدر المصون" 1/ 107.]] أي: معتدلة في البصر والإدراك. وقالوا: سِيٌّ بمعنى: سواء، كما قالوا: قِيّ وقَواء [[(القي) بالكسر والتشديد (فعل) من القوا (وهي الأرض القفر) "اللسان" (قوا) 6/ 3789، انظر: "الصحاح" 6/ 2470، "مقاييس اللغة" (قوي) 5/ 37.]]، ولا يثنى (سواء) كما ثني (سيان) وإن كانوا قد جمعوه جمع التكسير في قولهم: (سواسية) [[في (ج): (سواء سييه). الكلام في "الحجة" لأبي علي 1/ 246، 247.]]. قال أبو الهيثم [["تهذيب اللغة" 2/ 1793.]]: يقال فلان وفلان سواء [[في "التهذيب": (فلان وفلان سواعد، أي: متساويان) وهو تصحيف 2/ 1795.]]، أي: متساويان، وقوم سواء، لأنه مصدر، لا يثنى ولا يجمع. قال الله عز وجل: ﴿لَيسُواْ سَوَآء﴾ [آل عمران: 113] أي: ليسوا مستوين [[في (ب): (مستويين).]]، وإذا قلت: سواء عليّ، احتجت أن تترجم عنه بشيئين، كقولك: سواء حرمتني أو أعطيتني. وحكى السكري عن أبي حاتم إجازة تثنية (سواء) [[ذكره أبو علي في "الحجة" 1/ 268.]]. قال أبو علي الفارسي: لم يصب ابن [[في (ب): (لم يصف ممن).]] السجستاني في ذلك، لأن الأخفش وأبا عمر الجرمي [[هو صالح بن إسحاق، أبو عمر الجرمي، النحوي، بصري، قدم بغداد، لقي الفراء، وأخذ عن الأخفش وأبي عبيدة والأصمعي، وكان ذا دين وورع، توفى سنة خمس وعشرين ومائتين. انظر ترجمته في: "تاريخ بغداد" 9/ 313، "طبقات النحويين واللغويين" ص 174، (إنباه الرواة) 2/ 80، "وفيات الأعيان" 2/ 485.]] زعما [[في (ب): (زعموا).]] أن ذلك لا يثنى، كأنهم استغنوا بتثنية (سي) [[في (ب): (بتثنيته شي).]] عن تثنية (سواء)، كما استغنوا عن (ودع)، بـ (ترك) [[في (ب) (بكرا). "الحجة" 1/ 268، وما بعده في "الحجة" في موضع آخر.]]. وأنشد أبو زيد: هلاّ، [[في (ب): (مهلا).]] كوصل ابن عمّارٍ تُواصلني ... ليس الرجالُ وإن سُوُّوا بأسواءِ [[أنشده أبو زيد في (النوادر) قال: (وقال رافع بن هريم، وأدرك الإسلام، ثم ذكر البيت وبيتين قبله، "النوادر" ص 282، وانظر: "الحجة" 1/ 247، "اللسان" (سوا) 4/ 2160.]] فـ (أسواء): ليس يخلو من [[(من) ساقطة من (ب).]] أن يكون جمع (سي) [أو (سواء) فإن كان جمع (سي)] [[ما بين المعقوفين ساقط من (ب).]] فهو كـ (مثل) و (أمثال) و (نقض) و (أنقاض)، وإن كان جمع (سواء) فهو كقولهم في النعت [[في "الحجة": (وإن كان جمع سواء فهو مثل ما حكاه أبو زيد من قولهم: جواد وأجواد ..)، 1/ 247.]]: جواد وأجواد، وفي الاسم: حياء الناقة وأحياء، ولا يمتنع جمعه، وإن كانوا لم يثنوه كما لم يمتنعوا من جمعه على سواسية [[انتهى من "الحجة" 1/ 247، 248.]]. وقوله تعالى: ﴿ءَأَنذَرتَهُم﴾ [[في (أ) رسمت: (آنذرتهم).]]. الإنذار: إعلام مع تخويف، فكل منذر معلم، وليس كل معلم منذراً [[ذكره أبو علي في "الحجة" 1/ 253، وانظر (تفسير أبي الليث) 1/ 92، "تفسير الثعلبي" 1/ 48/أ.]]. وأنذرت يتعدى إلى مفعولين كقوله تعالى: ﴿فَقُل أَنذَرتُكُم صعِقَةً﴾ [فصلت: 13] وقوله: ﴿إِنَّا أَنذَرناكم عَذَابًا قَرِيبًا﴾ [النبأ: 40] ويقال: أنذرتُه فنَذِرَ، أي: علم بموضع الخوف [["الحجة" 1/ 253، "تفسير الثعلبي" 1/ 48 أ.]]. و (النذر) ما يجعله الإنسان على نفسه إن سلم مما يخافه [[تعريف النذر اصطلاحًا: التزام قربة غير لازمة في أصل الشرع، بلفظ يشعر بذلك، انظر: "الروض المربع مع حاشية ابن قاسم" 7/ 496، "التعريفات" للجرجاني ص240، و"فقه السنة" 2/ 22.]]. وقد جاء: النذير والنذر مصدرين كالإنذار [[في "الحجة": (وقالوا: النذير والنذر، كما قالوا: النكير والنكر، فجاء المصدر على فعيل وعلى فعل ..) 1/ 254.]]، فجاء المصدر على: (فعيل) و (فعل). وفي القرآن ﴿فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ﴾ [[جزء من آية في الحج: 44، وسبأ: 45، وفاطر:26، والملك: 18.]] وفيه ﴿فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ﴾ [القمر: 16]. وقيل في قوله: ﴿نَذِيَرًا لِلْبَشَرِ﴾ [المدثر: 36]: إنه مصدر في موضع الحال من قوله: ﴿إِنَّهَا لَإِحْدَى الْكُبَرِ﴾ [المدثر: 35]، كما تقول [[(تقول) ساقط من (ب).]]: جاء [[في (ج): (أجاء).]] ركضاً. فتجعل المصدر حالاً [[في "الحجة": (فأما قوله تعالى: ﴿نَذِيَرًا لِلْبَشَرِ﴾ فقد قيل فيه قولان: أحدهما: أن يكون حالا من (قم) المذكورة في أول السورة والآخر: أن يكون حالا من قوله: ﴿إِنَّهَا لَإِحْدَى الْكُبَرِ﴾ فإذا جعل (نذيرا) حالا مما في (قم) فإن (النذير) اسم فاعل بمعنى المنذر .. وإن جعلته حالا من قوله: ﴿لَإِحْدَى الْكُبَرِ﴾ فليس يخلو الحال أن يكون من المضاف أومن المضاف إليه .. وفي كلا الوجهين ينبغي أن يكون (نذيرا) مصدرا، والمصدر يكون حالا من الجميع كما يكون حالا من المفرد. تقول: جاؤوا ركضًا، كما تقول: جاء ركضًا ..) 1/ 255.]]. وجعل (نذير) أيضًا مصدراً في قوله: ﴿وَجَآءكُمُ اَلنذِير﴾ [فاطر: 37] إذا فسر بأنه الشيب [[في "الحجة". (.. فمن قال: إن النذير النبي ﷺ كان اسم فاعل كالمنذر، ومن قال: إنه الشيب كان الأولى أن يكون مصدرًا كالإنذار)، "الحجة" 1/ 255.]]. وفي قوله: ﴿ءَأَنذَرتَهُم﴾ وجهان من القراءة [[(من القراءة) ساقط من (ب).]] تحقيق الهمزتين، وتليين الثانية [[بالتحقيق قرأ عاصم، وحمزة، والكسائي، وابن عامر. "السبعة" لابن مجاهد ص 137، "الكشف عن وجوه القراءات" 1/ 73. وبتليين الثانية قرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو. "السبعة" لابن مجاهد ص 137، "الكشف" 1/ 73 قال في (السبعة). من قول أبي عمرو أنه يدخل بين الهمزتين ألفا.]]. فمن حققهما [[في (ب): (حققها) وفي (ج): (حقق).]] فحجته [["الحجة" 1/ 274.]]: أن الهمزة حرف من حروف الحلق، فجاز أن يجتمع مع مثله كسائر الحروف الحلقية، نحو: فَهَّ [[الفهّ: الكليل اللسان العيي، وفه عن الشيء: نسيه، وقد فهه كفرح. عيي. انظر: "اللسان" (فهه) 6/ 3481، "القاموس" (فهه) ص 1251.]] وفَهِهْتُ، وكَعَّ [[الكع. الضعيف العاجز، وكع الوجه: رقيقه، وكع يكع: جبن وضعف. انظر. "اللسان" (كعع) 8/ 312، "القاموس" (كع) ص 759.]] وكَعَعْتُ، كذلك حكم الهمزة. ومما يقوّي ذلك قولهم: (رَأّس) [[وهو الذي يبيع الرؤوس. إصلاح المنطق ص 148.]] وسأّل، (تذأَّبت الريح) [[(تذأبت الريح) إذا جاءت مرة من هاهنا، ومرة من هاهنا. "إصلاح المنطق" ص 144، " اللسان" (ذأب) 3/ 1479.]]، و (رأيت [[رأيته: إذا أريته على خلاف ما أنا عليه. انظر: "القاموس" ص 1285.]] الرجل). وكما جمع الجميع بينهما إذا كانتا عينين، كذلك يجوز الجمع بينهما في غير هذا الموضع [["الحجة" 1/ 275، وانظر: "الكشف" لمكي 1/ 73.]]. وحجة من خفف [[في (ب): (حقق).]] الثانية: أن القرب قد رفضت جمعهما [[في (ب): (جمعها).]] في مواضع من كلامهم، من ذلك أنهما [[في "الحجة" (أنهم لما اجتمعتا ...)، 1/ 275.]] لما اجتمعتا في (آدم) و (آدر) و (آخر) ألزموا جميعا الثانية البدل [[أبدلوا مكانها الألف، انظر "الكتاب" 3/ 552.]] ولم يحققوها. ولما كسروا وحقروا جعلوا هذه المبدلة بمنزلة مالا أصل له في الهمزة فقالوا: أواخر وأويخر [[وقالوا في آدم: أوادم في الجمع، وفي التصغير: أويدم. انظر "الكتاب" 3/ 552.]]، فأبدلوا منها (الواو)، كما أبدلوها مما هو ألفط لا يناسب [[في (أ): (تناسب) وما في (ب)، (ج) موافق لما في "الحجة" 1/ 276.]] الهمزة، نحو: ضوارب وضويرب، وفي هذا دلالة بينة على رفضهم اجتماعهما. ألا تراهم لم يرجعوها [[في (ب): (يرجعوا لها).]] في التحقير والتكسير، كما رجعوا (الواو) في: ميقات وميعاد [[(وميعاد) ساقط من (ب).]]، و (الياء) في: موسر [[في (ب): (مولس)]]، في قولهم: مواقيت ومياسير، وفي ذلك دلالة بينة على رفضهم لجمعها [[(لجمعها) كذا في جميع النسخ، وفي "الحجة" (لجمعهما) 1/ 276، وهذا هو الصحيح أي: جمع الهمزتين.]]. ومن ذلك أيضا أنا لم نجد كلمة عينها همزة ولامها كذلك، كما وجدنا في سائر أخوات الهمزة من الحلقية كقولهم: مهاه [[المهه والمهاه. النضارة والحسن، وقيل: الشيء الحقير اليسير، والهاء فيها لا تصير تاء، إلا إذا أردت بالمهاة. البقرة. انظر: "اللسان" (مهه) 7/ 4290.]]، فهّ [[في (أ): (فة) وفي "الحجة" (فه) بدون نقط وهو الصحيح 1/ 276، فه عن الشيء: إذا نسيه، والفه: اللسان العيى. "اللسان" (فهه) 6/ 3481.]]، و ﴿يَدُعُّ الْيَتِيمَ﴾ [الماعون: 2]، و (مح) [[(مح): المح: الثوب الخلق، مح: أخلق. "اللسان" (محح) 7/ 4143.]] و (ألح) و (مخ) [[في (أ): (مح) وفي (ب)، (ج) بدون نقط أو تشكيل. وفي "الحجة" (مخ) 1/ 276.]]. فإذا لم يجمعوا بين الهمزتين في المواضع [[في "الحجة": (الموضع) 1/ 276.]] التي جمع فيها بين أخواتها [[في "الحجة": (وكررت) 1/ 276، أي جمع بين حروف الحلق وكررت]]، دل ذلك على رفضهم [[في (ب). (بعصهم).]] لجمعها [[في "الحجة": (لجمعهما) 1/ 276 أي الهمزتين.]]. ومن ذلك [[انظر بقية كلام أبي علي في "الحجة" 1/ 277.]] أنهم ألزموا باب (رزيئة) و (خطيئة) [[في (ج): (ذربه) و (خطئه).]] القلب [[في "الحجة": (.. عما يؤدي إلى اجتماع همزتين فيه، فقالوا ...) 1/ 277.]] في الجمع، لما يؤدي اجتماع الهمزتين، فقالوا: (خطايا) و (رزايا) [[قال المازني: (اعلم أنك إذا جمعت (خطيئة) و (رزيئة) على (فعائل) قلت: (خطايا) و (رزايا) وما أشبه هذا مما لامه همزة في الأصل، لأنك همزت ياء (خطيئة) و (رزيئة) في الجمع كما همزت ياء (قبيلة) و (سفينة) حين قلت: (قبائل) و (سفائن) وموضع اللام من (خطيئة) مهموز فاجتمع همزتان، فقلبت الثانية ياء، لاجتماع الهمزتين فصارت (خطائى) ثم أبدلت مكان الياء ألفاء ... فصارت (خطاءا) وتقديرها: (خطاءا) والهمزة قريبة المخرج من الألف فكأنك جمعت == بين ثلاث ألفات فلما كان كذلك أبدلوا من الهمزة (ياء) فصار (خطايا)، "المنصف" 2/ 54، 55.]]، فلو كان لاجتماعهما عندهم مساغ ما رفضوا ذلك الأصل، كما أنه لو كان لتحرك العينات في نحو: (قال) و (باع) مجاز، ما ألزموها القلب [[(القلب) ساقط من (ب).]]. فإن قيل: فقد حكى عن بعضهم: (خطائئ) بتحقيق الهمزتين [[انظر "المقتضب" 1/ 159، "المنصف" 2/ 57، "سر صناعة الإعراب" 1/ 71، قال ابن جني: حكاه أبو زيد.]]؟ قيل: هذا يجري مجرى الأصول المرفوضة [[قال أبو الفتح ابن جني: شاذ لا يقاس عليه. "سر صناعة الإعراب" 1/ 72.]] نحو: ............. ضننوا [[جزء من بيت كما في "الحجة" 1/ 277 وتمامه: مهلا أعاذل قد جربت من خلقي ... أني أجود لأقوام وإن ضننوا أراد. ضنوا، فأظهر التضعيف لضرورة الشعر. انظر "الكتاب" 1/ 29، 3/ 535، "النوادر" لأبي زيد ص 230، "المقتضب" 1/ 142، 253، "المنصف" 1/ 339 "اللسان" (ضنن) 5/ 2614، "ظلل" 5/ 2756.]] ........... والأظلل [[المراد بالأظلل ما ورد في قول الراجز: تشكو الوجى من أظلل وأظلل ففك الإدغام في (أظلل) ضرورة، والبيت للعجاج، وبعضهم نسبه لأبي النجم. وهو في "ديوان العجاج" ص 155، "الكتاب" 3/ 535، "النوادر" ص 230، "المقتضب" 1/ 252،3/ 354، "الخصائص" 1/ 161، 3/ 87، "المنصف" 1/ 339 "اللسان" (ظلل) 4/ 2756، و (ملل) 7/ 4271، وقوله (تشكو): أي: الإبل و (الوجى): الحفى، الأظلل: باطن الخف.]] ولا يعتد بذلك [["الحجة" 1/ 277، 278.]]. ومن ذلك أيضا أنهم إذا بنوا اسم فاعل من [[في (ب): (على من) زيادة (على).]] (ناء) و (شاء) [و (جاء) [[في "الحجة" (ناء وساء وشاء).]] قالوا: (شاءٍ) [[ما بين المعقوفين ساقط من (ب).]]] و (ناءٍ) [[في (ب): (تا). وترك التمثيل لاسم الفاعل من (جاء) وهو: (جاء) والأصل فيها (شائئ) و (جائئ) و (نائئ) فلما التقت همزتان أبدلت الثانية (ياء) ثم عوملت مثل (قاض). انظر: "المنصف" 2/ 52.]]، فرفضوا الجمع بينهما ورفضوه في هذا الطرف كما رفضوه أولا في: (آدم) و (آخر) [[انظر بقية كلام أبي علي في: "الحجة" 1/ 278.]]. ومن ذلك أيضًا أن من قال: هذا فرجّ، وهو يجعلّ، فضاعف [[في (ب): (تضاعف).]] في الوقف حرصاً على البيان، في يضاعف نحو: (البناء) [[في "الحجة" (النبأ).]]، و (الرشاء)، لكنه رفض [[في (ب): (نفض).]] هذا الضرب [[في (ب): (الصوت).]] من الوقف، وما كان يحرص عليه من البيان لما كان يلزمه الأخذ بما تركوه، والاستعمال لما رفضوه من اجتماع الهمزتين [["الحجة" 1/ 279.]]. وإذا كان الأمر على هذا [[أي: رفض اجتماع الهمزتين. قال أبو علي بعد سياق تلك الحجج، (فهذِه الأشياء تدل على رفض اجتماع الهمزتين في كلامهم. فأما جمعهما وتحقيقهما في (أأنذرتهم) فهو أقبح ....) 1/ 280.]]، فالجمع في: ﴿أَأَنْذَرْتَهُمْ﴾ [[في (أ)، (ب): (أنذرتهم) بهمزة واحدة، وما في (ج) موافق لما في "الحجة".]] أقبح من الجمع في كلمتين منفصلتين، نحو: قرأ أبوك، ورشاء أخيك، لأن الهمزة الأولى من ﴿أَأَنْذَرْتَهُمْ﴾ تنزل منزلة ما هو من الكلمة نفسها، لكونها على حرف مفرد [[في (ب): (منفرد).]]، ألا ترى أنهم قالوا [[في (ب): (إذا قالوا).]]: لهو ولهي، فخففوا كما خففوا: عضدا [[أصلها: (عضد).]]، فكذلك الهمزة الأولى، لما لم تنفصل من الكلمة صارت بمنزلة التي في آخر [[في (ب): (آخرها).]]. فأما إذا كانتا [[أي: (الهمزتان)]] من كلمتين، فاجتماعهما في القياس أحسن من هذا [[قال سيبويه: (وأعلم أن الهمزتين إذا التقتا وكانت كل واحدة منهما من كلمة فإن أهل التحقيق يخففون إحداهما ويستثقلون تحقيقهما ...)، "الكتاب" 3/ 548.]]، ألا ترى أن المثلين إذا كانا في كلمة نحو: يرد ويعض، لا يكون فيها [[في "الحجة" (فيهما) 1/ 280.]] إلا الإدغام. ولو كانا منفصلين نحو: (يد داود)، لكنت [[في (ب): (الكنت).]] في الإدغام والبيان بالخيار. فعلى هذا تحقيق الهمزتين في: ﴿أَأَنْذَرْتَهُمْ﴾ [[في جميع النسخ (أنذرتهم) بهمزة واحدة والتصحيح من "الحجة" 1/ 281.]] -وما أشبهه- أبعد منه في الكلمتين المنفصلتين. ومما يقوي ترك الجمع بين الهمزتين: أنهم قالوا في جمع (ذؤابة): ذوائب، فأبدلوا [[في (ب): (وأبدلوا).]] من الهمزة التي هي عين [[في (ب): (غير).]] (واوا) في التكسير كراهة للهمزتين مع فصل حرف بينهما. فإذا كرهوهما مع فصل حرف بينهما حتى أبدلوا الأولى منهما، فأن [[في (ب): (وإن).]] يكرهوهما غير مفصول بينهما بشيء أجدر [[في (ب): (واحد). "الحجة" لأبي علي 1/ 281.]]. وأيضاً فإنهم كرهوا [[الضمير يعود على من يقول بتخفيف الهمزة، قال في "الحجة": (من ذلك أن الهمزة إذا كانت مفردة غير متكررة، كرهها أهل التخفيف، حتى قلبوها أو حذفوها، لئلا، يلزمهم تحقيقها، وقد وافقهم في بعض ذلك أهل التحقيق، كموافقتهم لهم في: (يرى) ..)، 1/ 279.]] الهمزة المفردة حتى قلبوها أو حذفوها، وذلك إجماعهم [[أي. أهل التخفيف والتحقيق. انظر كلام أبي علي السابق.]] في [[(في) ساقطة من (ج).]] (يرى) [[في (ب): (ترى).]] على حذف الهمزة [[(يرى) مضارع (رأى) اتفق أهل تحقيق الهمزة، وتخفيفها، على حذفها على التخفيف. انظر "الكتاب" 3/ 546، "المسائل الحلبيات" لأبي علي ص 83، "سر صناعة الإعراب" 1/ 76.]]، فلما كرهوا ذلك في الإفراد وجب أن لا يجوز في المتكرر [[أي: الهمزة المكررة. "الحجة" 1/ 279.]] إلا التغيير. وإذا كان الجمع بينهما في [البعد على هذا، فالجمع بينهما في] [[ما بين المعقوفين ساقط من (ب).]]: (أئمة) [[في (أ): (أأيمة) وفي (ب)، (ج): (أئمة) ومثله في "الحجة" 1/ 281.]] أبعد، لأن الهمزتين لا تفارقان الكلمة [[في (ب): (الضمة).]]، وهمزة الاستفهام قد تسقط في الإخبار وغيره، فلما كانت أشد لزومًا للكلمة كان التحقيق فيها أبعد [[يشير إلى أن التحقيق في (أئمة) أبعد، لأن الهمزتين لا تفارقان الكلمة، بينما الهمزة الأولى في (أأنذرتهم) همزة استفهام قد تسقط، فهي كالمنفصلة، ومع ذلك كرهوا تحقيقها. وبعد هذا الاحتجاج الطويل لمن يرى تخفيف الهمزة الثانية الذي نقله الواحدي عن أبي علي من كتاب "الحجة"، والذي هو مذهب أكثر النحويين وعليه أكثر العرب، كما قال سيبويه: (فليس من كلام العرب أن تلتقى همزتان فتحققا ...) انظر "الكتاب" 3/ 548، 549، وانظر "المقتضب" 1/ 158، "معاني القرآن" للزجاج 1/ 41 - 45، مع ذلك فقراءة التحقيق قراءة سبعية متواترة من حيث السند، ولها حجتها من اللغة. انظر "الكشف" لمكي1/ 73، ولا يقال فيها ما قال أبو الفتح عثمان بن جني: قراءة أهل الكوفة أئمة شاذة عندنا. "سر صناعة الإعراب" 1/ 72 وإن كان يريد من الناحية اللغوية.]]. وأما أبو عمرو فكان يلين الثانية ويجعل بينهما مدة [[انظر "السبعة" ص 136، "الحجة" لأبي علي 1/ 385، "الكتاب" 3/ 551، قال في "الكشف": وهو مذهب أبي عمرو، وقالون عن نافع، وهشام عن عامر 1/ 74.]]. وحجته: أنه وإن خفف الثانية بأن جعلها بين الألف والهمز، فذلك لا يخرجها عن أن تكون همزة متحركة، وإن كان الصوت بها أضعف؛ ألا ترى أنها إذا كانت مخففة في الوزن مثلها إذا كانت محققة [[في (ب) ، (ج): (مخففة).]]، فلولا ذلك لم يتزن [[في (ب): (تبرز).]] قوله [[أي: لو لم تكن الهمزة المخففة بزنة المحققة لا نكسر وزن الشعر. انظر "الكتاب" 3/ 550، "الحجة" 1/ 385.]]: .... آأنتَ [[في (ب) (أنت).]] زيد الأراقم [[الكلام بنصه في "الحجة"، قال: (.. ولولا ذلك لم يتزن قوله: أأن رأت رجلاً == أعشى "الحجة" 1/ 285، 286. فاستشهد أبو علي ببيت الأعشى، وهو شاهد سيبويه على هذِه المسألة انظر "الكتاب" 3/ 550. أما الواحدي فاستشهد ببيت ذي الرمة، الذي استشهد به الثعلبي في (تفسيره) ونصه: تطاللت فاستشرفته فعرفته ... فقلت له: آأنت زيد الأراقم وروايته في "ديوان ذي الرمة"، وفي "الحجة" وغيرهما (زيد الأرانب). نظر "تفسير الثعلبي" 1/ 48/ أ، "الحجة" 1/ 279، "تهذيب اللغة" (اجتماع الهمزتين) 1/ 73، "اللسان" (حرف الهمزة) 1/ 18، "ديوان ذى الرمة" 3/ 1849.]] لأنه يجتمع [[في (ب): (لأنه كان تجتمع) مثله في "الحجة": (لأنه كان يجتمع فيه ساكنان) 1/ 286، وقصد الواحدي بثلاثة سواكن هي: السكون الذي في مدة الهمزة الأولى وسكون الثانية على الاحتمال الممنوع، وسكون النون.]] ثلاث سواكن، وإذا كان كذلك فتجعل [[في (ب): (يجعل)، (ويكون) بالياء في الموضعين.]] بينهما (مدة)، لئلا تكون جامعاً بين الهمزتين. وقوله تعالى: ﴿ءَأَنذَرتَهُم﴾: لفظه لفظ الاستفهام [[من قوله: وقوله تعالى ﴿ءَأَنذَرْتَهُم﴾ .. نقله من "الحجة" بنصه، 1/ 264.]]، ومعناه الخبر، ومثل ذلك قولك: ما أبالي [[في (ب): (لا أبالي).]] أشهدت أم غبت، وما أدري أأقبلت [[في (ب): (أقبلت).]] أم أدبرت. وإنما جرى عليه لفظ الاستفهام وإن كان خبرا، لأن فيه التسوية التي في الاستفهام، ألا ترى أنك إذا استفهمت فقلت: أخرج زيد أم أقام؟ فقد استوى الأمران عندك في الاستفهام، وعدم علم أحدهما بعينه، كما أنك [[في (ب): (أنت).]] إذا أخبرت [[في (ب): (اختبرت).]] فقلت. سواء عليّ أقعدت أم قمت، فقد سويت الأمرين عليك، فلما عمتهما التسوية، جرى على هذا الخبر لفظ الاستفهام، لمشاركته له في الإبهام، فكل استفهام تسوية، وإن لم يكن كل تسوية استفهاما [[انتهى ما نقله عن أبي علي من "الحجة" 1/ 264، 265، ونحوه قال أبو عبيدة في "المجاز" 1/ 31 وانظر. الطبري 1/ 111، وابن عطية 1/ 154 - 155.]]. وحرر أبو إسحاق هذا الفصل فقال [[في "معاني القرآن" 1/ 41.]]: إنما [[في (ب): (إذا).]] دخلت ألف الاستفهام وأم التي هي للاستفهام [[في (ب): (الاستفهام).]]، والكلام خبر، لمعنى التسوية، والتسوية آلتها [[في "معاني القرآن": (والكلام خبر فإنما وقع ذلك لمعنى التسوية، والتسوية آلتها (ألف) الاستفهام و (أم)، تقول: أزيد في الدار أم عمر.). 1/ 41.]] الاستفهام وأم. تقول من ذلك [[في (ب): (في ذلك) وفي (ج) (يقول).]]: أزيد في الدار أم عمرو؟ فإنما دخلت الألف وأم، لأن علمك [[في (ب): (عليك).]] قد استوى في زيد وعمرو، وقد علمت أن أحدهما في الدار لا محالة، ولكنك استدعيت [[في "المعاني": (أردت) 1/ 41.]] أن يبين [[في (ب): (تبين).]] لك الذي علمت ويلخص [[كذا رسمت في (أ)، (ج)، وفي (ب) (ويلحظ) وفي "المعاني" (ويخلص) وهو الأصوب.]] لك علمه من غيره، ولهذا تقول [[في (ج): (يقول).]]. قد علمت أزيد في الدار أم عمرو، وإنما تريد أن تسوي عند من تخبره العام الذي قد خلص عندك [[انتهى كلام الزجاج 1/ 41، وانظر الطبري 1/ 111.]]. ولا يجوز هاهنا (أو) مكان (أم) لأن (أم) للتسوية بين الشيئين، و (أو) إنما هي لأحد شيئين [[انظر: "الحجة" 1/ 265، 266، "مغني اللبيب" 1/ 43.]]، يدلك [[في (ب): (فذلك).]] على هذا أن (أم) [[في (ب): (لم).]] تكون مع الألف بتأويل (أي) فإذا قلت: أزيد عندك أم عمرو؟ فكأنك قلت: أيهما [[في (ب): (أنهما).]] عندك، [وإذا قلت: أزيد عندك أو عمرو؟ لم يكن على معنى: أيهما عندك [[ما بين المعقوفين ساقط من (ب).]]]، هذا اختلاف الجواب، لأنك إذا قلت: أزيد عندك أم عمرو؟ فجوابه: زيد أو عمرو [[في (ب): (ونحوا به زيدا وعمرا).]]، وكذلك في (أي) جوابه أن يذكر أحد الاسمين بعينه، فأما إذا قلت: أزيد عندك أو عمرو؟ فجوابه: نعم أو لا، فهذا فرق بينهما واضح [[انظر: "الكتاب" 3/ 169، 170، 171، "مغني اللبيب" 1/ 42.]]. ومثل هذه الآية قوله [[انظر: "الحجة" 1/ 271.]]: ﴿سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ﴾ [المنافقون: 6]، وقوله: ﴿سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا﴾ [إبراهيم: 21] و ﴿سَوَاءٌ﴾ في الآية رفع بالابتداء، ويقوم ﴿أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ﴾ مقام الخبر في المعنى، كأنه بمنزلة قولك: (سواء عليهم الإنذار وتركه) لا في الإعراب، لأنك إذا قدرت هذا التقدير في الإعراب صار ﴿سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ﴾ خبراً مقدَّمًا [[قال أبو علي. (.. فإن رفعته بأنه خبر لم يجز، لأنه ليس في الكلام مخبر عنه، فإذا لم يكن مخبر عنه بطل أن يكون خبرا .. وأيضا فإنه لا يجوز أن يكون خبرا لأنه قبل الاستفهام، وما قبل الاستفهام لا يكون داخلا في حيز الاستفهام، فلا يجوز إذن أن يكون الخبر عما في الاستفهام متقدما على الاستفهام ..)، "الحجة" 1/ 269،]]. والجملة في موضع رفع، بأنها [[في (ب): (بأن).]] خبر ﴿إن﴾ [["الحجة"، 1/ 268، "معاني القرآن" للزجاج 1/ 41.]]. ويجوز أن يكون خبر ﴿إن﴾ قوله: ﴿لَا يؤْمِنُونَ﴾ كأنه قيل: (إن الذين كفروا لا يؤمنون سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم). فيكون قوله: ﴿سَوَآءٌ عَلَيهمءَأَنذَرتَهُم﴾ جملة معترضة بين الاسم والخبر، وجاز ذلك، لأنه تأكيد لامتناعهم عن الإيمان [["الحجة" 1/ 268، 269، وانظر "معاني القرآن" للزجاج 1/ 41، "إعراب القرآن" للنحاس 1/ 134، "المشكل" لمكي 1/ 20، "الدر المصون" للسمين الحلبي 1/ 105.]]، ولو كان كلاماً أجنبياً لم يجز اعتراضه بينهما، وسترى لهذا [[في (ب): (لها).]] نظائر. ومعنى: ﴿سَوَآءٌ عَلَيْهِم﴾ أي: معتدل متساو، و ﴿سَوَآءٌ﴾ اسم مشتق من التساوي. يقول: هما عندي سواء، ومنه قوله ﴿فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ﴾ [الأنفال: 58]، يعني: أعلمهم [[في (أ)، (ج): (علمهم). وأثبت ما في (ب)، لأنه المناسب للسياق.]] حتى يستوي علمك وعلمهم [[ذكره الطبري 10/ 27، وانظر: "الثعلبي" 1/ 48 أ.]]. و ﴿سَوَآءٌ اَلْجَحِيمِ﴾ [الصافات:55] وسطه، لاستواء مقادير نواحيه إليه. وقول القائل: (سواك وسواءك) [[في (أ): (سواؤك) و (ب): (سواك) و (ج): (سوائك)، والتصحيح من "الحجة" 1/ 250، 251، وانظر "الأضداد" لابن الأنباري ص 40، وقد سبق كلام الواحدي عن (سواء) في أول تفسير الآية.]] أي [[(أي) ساقطة من (ب).]]: من هو في مكانك بدلا منك لاستوائه [[في (ب): (لاستوائك).]] في مكانك. قال ابن عباس: نزلت هذه الآية في اليهود الذين كانوا بنواحي المدينة [[ذكره الطبري 1/ 108، وابن أبي حاتم 1/ 186 - 187 وذكره الثعلبي عن الكلبي 1/ 47 ب، ومثله أبو الليث 1/ 92، والبغوي 1/ 64، وانظر ابن كثير 1/ 48.]] على عهد رسول الله ﷺ. وهذا القول اختيار ابن جرير، قال: لأن الله تعالى إنما ذكر هؤلاء عقيب مؤمني أهل الكتاب، فذكر بعد مؤمنيهم كافريهم، والكلام بعضه لبعض تبع [["تفسير الطبري" 1/ 109.]]. وقال الضحاك: نزلت في أبي جهل وخمسة [[في (ب): (وحمته).]] من أهل بيته [[ذكره الثعلبي1/ 47 ب.]]. وقال الربيع: نزلت في قادة الأحزاب يوم بدر [[أخرجه الطبري بسنده عن الربيع 1/ 109، وأخرجه ابن أبي حاتم بسنده عن الربيع ابن أنس عن أبي العالية 1/ 40، وفي حاشيته: قال المحقق: في سنده اضطراب وذكره ابن كثير، قال: قال أبو جعفر الرازي عن الربيع بن أنس عن أبي العالية ثم ذكره، 1/ 48. وذكره السيوطي في "الدر" عن أبي العالية ونسبه إلى ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم، 1/ 65، وهو عند ابن جرير عن الربيع بن أنس ولم يوصله لأبي العالية كما سبق.]]، وكذلك الآية التي بعدها. قال أبو العالية: لم يسلم منهم إلا رجلان، وكانا مغموصاً عليهما في دينهما [[هذِه الزيادة عن أبي العالية، ذكرها النحاس في "القطع والائتناف" ص 116، والسيوطي في "الدر" ولفظه: (ولم يدخل من القادة أحد في الإسلام إلا رجلان أبو سفيان، والحكم بن أبي العاص)، ولم ترد عند ابن جرير ولا ابن أبي حاتم، كما أن قوله (وكان مغموصاً عليهما في دينهما) لم يذكرها السيوطي. "الدر" 1/ 65.]]، أحدهما: أبو سفيان [[أبو سفيان هو صخر بن حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف، رأس قريش وقائدهم في يوم الأحزاب، أسلم يوم الفتح، كان من دهاة العرب، توفي بالمدينة سنة إحدى وثلاثين. انظر ترجمته في "الإصابة" 2/ 178 - 179، "سير أعلام النبلاء" 2/ 105 - 107.]]، والأخر: الحكم بن أبي العاص [[الحكم بن أبي العاص بن أمية، ابن عم أبي سفيان، من مسلمة الفتح، وله نصيب من الصحبة، نفاه النبي ﷺ إلى الطائف، وأقدمه للمدينة عثمان - رضي الله عنه - مات سنة إحدى وثلاثين. انظر ترجمته في: "الإصابة" 1/ 345، "سير أعلام النبلاء" 2/ 107، "الجرح والتعديل" 3/ 120.]]. ثم ذكر الله تعالى سبب تركهم الإيمان فقال:
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب