الباحث القرآني

قوله تعالى: ﴿وَحَنَانًا مِنْ لَدُنَّا وَزَكَاةً وَكَانَ تَقِيًّا﴾ الحنان معناه في اللغة: العطف والرحمة. يقال: حنانك وحنانيك يذكره الرحمة والبر، ومنه قول الشاعر [[هذا عجز بيت لطرفة بن العبد، وصدره: أبا منذر أفنيت فاستبق بعضنا انظر: "ديوانه" 66، "مجاز القرآن" لأبي عبيدة 2/ 2، "الكتاب" لسيبويه 1/ 348، "همع الهوامع" 1/ 190، "الدر المصون" 7/ 575، "لسان العرب" (حنن) 2/ 1030، "جمهرة أشعار العرب" 3/ 449.]]: حَنَانَيْكَ بَعضُ الشَّرِّ أَهْوَنُ مِنْ بَعْضِ ويقال: حَنَّ عليه أي: عطف عليه، وحَنَّ إليه أي: نزع إليه [[انظر: "تهذيب اللغة" (حن) 1/ 945، "القاموس المحيط" (الحنين) 1188، "الصحاح" (حنن) 5/ 2104.]]، ونحو هذا قال المفسرون في معنى الحَنَان، قال ابن عباس في رواية علي بن أبي طلحة: ﴿وَحَنَانًا مِنْ لَدُنَّا﴾ يقول: (رحمة من عندنا) [["جامع البيان" 16/ 55، "النكت والعيون" 3/ 360، "تفسير القرآن العظيم" 3/ 126، "زاد المسير" 5/ 214، "الدر المنثور" 4/ 471.]]. وهو قول عكرمة، وقتادة، والربيع [["جامع البيان" 16/ 55، "تفسير القرآن" للصنعاني 2/ 7، "النكت والعيون" 3/ 360، "تفسير القرآن العظيم" 3/ 126.]]. وقوله تعالى: ﴿وَزَكَاةً﴾ قال ابن عباس: (يعني بالزكاة طاعة الله والإخلاص) [["معالم التزيل" 5/ 222، "زاد المسير" 5/ 214.]]. وقال قتادة: (هي العمل الصالح) [["جامع البيان" 16/ 57، "معالم التزيل" 5/ 222، "تفسير القرآن العظيم" 3/ 126، "زاد المسير" 5/ 214.]]. وهو قول الضحاك وابن جريج [["جامع البيان" 16/ 58، "النكت والعيون" 3/ 360، "معالم التزيل" 5/ 222.]]. ومعنى الآية: وآتيناه رحمة من عندنا وتحننا على العباد ليدعوهم إلى طاعة ربهم وعملا صالحا في إخلاص، فعلى هذا الموصوف بالحنان والزكاة يحيى؛ لأن الله آتاه إياهما. وقال ابن عباس في رواية عكرمة: (لا أدري ما الحنان؟ غير أني أظنه يعطف الله على عبده) [["جامع البيان" 16/ 56، "المحرر الوجيز" 9/ 437، "تفسير القرآن العظيم" 3/ 126، "الدر المنثور" 4/ 471.]]. ونحو هذا قال مجاهد في تفسير: ﴿وَحَنَانًا﴾ (تعطفا من ربه على يحيى) [["جامع البيان" 16/ 56، "النكت والعيون" 3/ 360، "تفسير القرآن العظيم" 3/ 126، "زاد المسير" 5/ 214.]]. وقال أبو إسحاق في تفسير ﴿وَزَكَاةً﴾: (الزكاة التطهير) [["معاني القرآن" للزجاج 3/ 322.]]. وعلى هذا معني الآية: وآيتنا يحيى تعطفا منا عليه، وتطهيرا إياه من عندنا، والموصوف بالحنان والزكاة هو الله تعالى على هذا القول؛ لأنه ذو الرحمة على يحيى والمطهر له. وقال قوم: الحنان والزكاة يعودان إلى زكريا، وهو قول الكلبي والفراء. قال الفراء: (وفعلنا ذلك رحمة لأبويك) [["معاني القرآن" للفراء 2/ 163.]]. وقال الكلبي في قوله: ﴿وَزَكَاةً﴾ (يعني: صدقه تصدق الله بها على أبويه) [["معالم التنزيل" 5/ 222.]]. وعلى هذا القول يحتاج إلى إضمار كما ذكره الفراء ويكون التقدير: وفعلنا ذلك يعني هبة الولد واستجابة الدعاء حنانا من لدنا أي: رحمة منا على زكريا، وزكاة، وصدقة منا عليه [[قال الشنقيطي في "أضواء البيان" 4/ 229: والتحقيق فيه إن شاء الله هو أن المعنى: وأعطيناه زكاة أي: طهارة من الذنوب والمعاصي بتوفيقنا إياه للعمل بما يرضي الله تعالى. وانظر: "الجامع لأحكام القرآن" 11/ 88.]]. وقوله تعالى: ﴿وَكَانَ تَقِيًّا﴾ قال ابن عباس: (جعلته يتقيني ولا يعدل بي غيري) [["زاد المسير" 5/ 214.]]. قال المفسرون: (وكان من تقواه أنه لم يعمل خطيئة ولا هم بها) [["جامع البيان" 16/ 58، "المحرر الوجيز" 9/ 438، "معالم التنزيل" 5/ 222، "الجامع لأحكام القرآن" 11/ 88.]]. كما قال رسول الله -ﷺ-: "ما من الناس عبد إلا قد هم بخطيئه أو عملها غير يحيى بن زكريا" [[أخرجه الطبري في "تفسيره" 16/ 58، والصنعاني في "تفسيره" 2/ 7، والإمام أحمد في "مسنده" 1/ 215، وذكره ابن كثير في "تفسيره" 3/ 126، بروايات مختلفة وضعفها جميعا. وقال الشنقيطي في "أضواء البيان" 4/ 226: والظاهر أنه لم يثبت شيء من ذلك مرفوعًا: إما بانقطاع، وإما بعنعنة مدلس، وإما بضعف راوٍ كما أشار له ابن كثير وغيره. وأخرج نحوه ابن أبي شيبه في مصنفه موقوفًا على عبد الله بن عمرو بن العاص 11/ 561، و"الحاكم في مستدركه" 2/ 373 وقال: صحيح على شرط مسلم ووافقه الذهبي، والسيوطي في "الدر المنثور" 4/ 471 وعزاه لأحمد وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتاده.]].
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب