الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعالى: ﴿يا يَحْيى﴾ قالَ الزَّجّاجُ: المَعْنى: فَوَهَبْنا لَهُ يَحْيى، وقُلْنا لَهُ: يا يَحْيى، ﴿خُذِ الكِتابَ﴾ يَعْنِي: التَّوْراةَ، وكانَ مَأْمُورًا بِالتَّمَسُّكِ بِها. وقالَ ابْنُ الأنْبارِيِّ: (p-٢١٣)المَعْنى: اقْبَلْ كُتُبَ اللَّهِ كُلَّها إيمانًا بِها واسْتِعْمالًا لِأحْكامِها. وقَدْ شَرَحْنا في ( البَقَرَةِ: ٦٣ ) مَعْنى قَوْلِهِ: " بِقُوَّةٍ " . قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَآتَيْناهُ الحُكْمَ﴾ فِيهِ أرْبَعَةُ أقْوالٍ: أحَدُها: أنَّهُ الفَهْمُ، قالَهُ مُجاهِدٌ. والثّانِي: اللُّبُّ، قالَهُ الحَسَنُ وعِكْرِمَةُ. والثّالِثُ: العِلْمُ، قالَهُ ابْنُ السّائِبِ. والرّابِعُ: حِفْظُ التَّوْراةِ وعِلْمُها، قالَهُ أبُو سُلَيْمانَ الدِّمَشْقِيُّ. وقَدْ زِدْنا هَذا شَرْحًا في سُورَةِ ( يُوسُفَ: ٢٣ ) . ورَوى سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ، قالَ: مَن قَرَأ القُرْآَنَ [ مِن ] قَبْلِ أنْ يَحْتَلِمَ، فَهو مِمَّنْ أُوتِيَ الحُكْمَ صَبِيًّا. فَأمّا قَوْلُهُ: ﴿صَبِيًّا﴾ فَفي سِنِّهِ يَوْمَ أُوتِيَ الحُكْمَ قَوْلانِ: أحَدُهُما: أنَّهُ سَبْعُ سِنِينَ، رَواهُ ابْنُ عَبّاسٍ عَنْ رَسُولِ اللهِ ﷺ . والثّانِي: ثَلاثُ سِنِينَ، قالَهُ قَتادَةُ ومُقاتِلٌ. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَحَنانًا مِن لَدُنّا﴾ قالَ الزَّجّاجُ: أيْ: وآَتَيْناهُ حَنانًا. وقالَ ابْنُ الأنْبارِيِّ: المَعْنى: وجَعَلْناهُ حَنانًا لِأهْلِ زَمانِهِ. وَفِي الحَنانِ سِتَّةُ أقْوالٍ: أحَدُها: أنَّهُ الرَّحْمَةُ، رَواهُ ابْنُ أبِي طَلْحَةَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ، وبِهِ قالَ الحَسَنُ، وعِكْرِمَةُ، وقَتادَةُ، والضَّحّاكُ، والفَرّاءُ، وأبُو عُبَيْدَةَ، وأنْشُدُ: ؎ تَحَنَّنْ عَلَيَّ هَداكَ المَلِيكُ فَإنَّ لِكُلِّ مَقامٍ مَقالًا (p-٢١٤)قالَ: وعامَّةُ ما يُسْتَعْمَلُ في المَنطِقِ عَلى لَفْظِ الِاثْنَيْنِ، قالَ طَرْفَةُ: ؎ أبا مُنْذِرٍ أفْنَيْتَ فاسْتَبْقِ بَعْضَنا ∗∗∗ حَنانَيْكَ بَعْضُ الشَّرِّ أهْوَنُ مِن بَعْضِ قالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ: ومِنهُ يُقالُ: تَحَنَّنْ عَلَيَّ، وأصْلُهُ مِن حَنِينِ النّاقَةِ عَلى ولَدِها. وقالَ ابْنُ الأنْبارِيِّ: لَمْ يَخْتَلِفِ اللُّغَوِيُّونَ أنَّ الحَنانَ: الرَّحْمَةُ، والمَعْنى: فَعَلْنا ذَلِكَ رَحْمَةً لِأبَوَيْهِ وتَزْكِيَةً لَهُ. والثّانِي: أنَّهُ التَّعَطُّفُ مِن رَبِّهِ عَلَيْهِ، قالَهُ مُجاهِدٌ. والثّالِثُ: أنَّهُ اللِّينُ، قالَهُ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ. والرّابِعُ: البَرَكَةُ، ورُوِيَ عَنِ ابْنِ جُبَيْرٍ أيْضًا. والخامِسُ: المَحَبَّةُ، قالَهُ عِكْرِمَةُ وابْنُ زَيْدٍ. والسّادِسُ: التَّعْظِيمُ، قالَهُ عَطاءُ بْنُ أبِي رَباحٍ. وَفِي قَوْلِهِ: ﴿وَزَكاةً﴾ أرْبَعَةُ أقْوالٍ: أحَدُها: أنَّها العَمَلُ الصّالِحُ، قالَهُ الضَّحّاكُ وقَتادَةُ. والثّانِي: أنَّ مَعْنى الزَّكاةِ: الصَّدَقَةُ، فالتَّقْدِيرُ: إنَّ اللَّهَ تَعالى جَعَلَهُ صَدَقَةً تَصَدَّقَ بِها عَلى أبَوَيْهِ، قالَهُ ابْنُ السّائِبِ. والثّالِثُ: أنَّ الزَّكاةَ: التَّطْهِيرُ، قالَهُ الزَّجّاجُ. والرّابِعُ: أنَّ الزَّكاةَ: الزِّيادَةُ، فالمَعْنى: وآَتَيْناهُ زِيادَةً في الخَيْرِ عَلى ما وصَفَ وذَكَرَ، قالَهُ ابْنُ الأنْبارِيِّ. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَكانَ تَقِيًّا﴾ قالَ ابْنُ عَبّاسٍ: جَعَلْتُهُ يَتَّقِينِي لا يَعْدِلُ بِي غَيْرِي. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَبَرًّا بِوالِدَيْهِ﴾؛ أيْ: وجَعَلْناهُ بَرًّا بِوالِدَيْهِ، والبَرُّ بِمَعْنى (p-٢١٥)البارُّ، والمَعْنى: لَطِيفًا بِهِما مُحْسِنًا إلَيْهِما. والعَصِيُّ بِمَعْنى العاصِي. وقَدْ شَرَحْنا مَعْنى الجَبّارِ في ( هُودٍ: ٥٩ ) . قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَسَلامٌ عَلَيْهِ﴾ فِيهِ قَوْلانِ: أحَدُهُما: أنَّهُ السَّلامُ المَعْرُوفُ مِنَ اللَّهِ تَعالى. قالَ عَطاءٌ: سَلامٌ عَلَيْهِ مِنِّي في هَذِهِ الأيّامِ، وهَذا اخْتِيارُ أبِي سُلَيْمانَ. والثّانِي: أنَّهُ بِمَعْنى السَّلامَةِ، قالَهُ ابْنُ السّائِبِ. فَإنْ قِيلَ: كَيْفَ خَصَّ التَّسْلِيمَ عَلَيْهِ بِالأيّامِ، وقَدْ يَجُوزُ أنْ يُولَدَ لَيْلًا ويَمُوتَ لَيْلًا ؟ فالجَوابُ: أنَّ المُرادَ بِاليَوْمِ: الحِينُ والوَقْتُ، عَلى ما بَيَّنّا في قَوْلِهِ: ﴿اليَوْمَ أكْمَلْتُ لَكم دِينَكُمْ﴾ [ المائِدَةِ: ٣ ] . قالَ ابْنُ عَبّاسٍ: وسَلامٌ عَلَيْهِ حِينَ وُلِدَ. وقالَ الحَسَنُ البَصْرِيُّ: التَقى يَحْيى وعِيسى، فَقالَ يَحْيى لِعِيسى: أنْتَ خَيْرٌ مِنِّي، فَقالَ عِيسى لِيَحْيى: بَلْ أنْتَ خَيْرٌ مِنِّي، سَلَّمَ اللَّهُ عَلَيْكَ وأنا سَلَّمْتُ عَلى نَفْسِي. وقالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ مِثْلَهُ، إلّا أنَّهُ قالَ: أثْنى اللَّهُ عَلَيْكَ وأنا أثْنَيْتُ عَلى نَفْسِي. وقالَ سُفْيانُ بْنُ عُيَيْنَةَ: أوْحَشُ ما يَكُونُ الإنْسانُ في ثَلاثَةِ مَواطِنَ، يَوْمَ يُولَدُ فَيَرى نَفْسَهُ خارِجًا مِمّا كانَ فِيهِ، ويَوْمَ يَمُوتُ فَيَرى قَوْمًا لَمْ يَكُنْ عايَنَهُمْ، ويَوْمَ يُبْعَثُ فَيَرى نَفْسَهُ في مَحْشَرٍ لَمْ يَرَهْ، فَخَصَّ اللَّهُ تَعالى يَحْيى فِيها بِالكَرامَةِ والسَّلامَةِ في المَواطِنِ الثَّلاثَةِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب