قوله تعالى: ﴿وَقَالُوا يَا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ﴾ أي: القرآن، قال ابن عباس في رواية عطاء: هذا استهزاء منهم لو أيقنوا أنه نزل عليه الذكر ما قالوا: إنك لمجنون [["تفسير ابن الجوزي" 4/ 383، وورد بمعناه غير منسوب في "تفسير البيغوي" 4/ 369، والزمخشري 2/ 310، والفخر الرازي 19/ 158، و"تفسير القرطبي" 9/ 4.]]، ولكنهم استهزؤوا، كما قال قوم شعيب لشعيب: ﴿إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ﴾ [هود: 87]. وذكر أبو علي وجهًا آخر هو لأصحاب المعاني فقال: الذين يقولون للنبيّ ﷺ مجنون لا يقرون بإنزال الذكر عليه، فهذا على ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ﴾: عنده وعند من تبعه، كما قال تعالى: ﴿ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ﴾ [الدخان: 49] أي عند نفسك، وكما أخبر عن السحرة، ﴿وَقَالُوا يَا أَيُّهَ السَّاحِرُ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ﴾ [الزخرف: 49] ومن آمن من السحرة لا يعتقدون فيه أنه ساحر، وإنما التقدير [[من قوله: (ادع لنا ربك) حتى هذا الموضع، ساقط من (أ)، (د).]] فيما يذهب إليه فرعون وقومه، أو فيما يظهرون من ذلك، وقد قال زهرة اليمن [[وفي الخصائص أنه لبعض اليمانية، ولم أقف عليه.]]:
أبْلِغْ كُلَيْبًا وأَبْلِغْ عَنْك شَاعِرَها ... أنَّي الأغَرُّ وأنِّي زهرةُ اليَمَنِ [[ورد البيت في "المسائل الحلبية" ص 82، 161، "الخصائص" 2/ 461، "سر صناعة الإعراب" 1/ 405، "تفسير ابن عطية" 13/ 287، أبي حيان 8/ 40، "الدر المصون" 9/ 629، وبلا نسبة في "المسائل العسكرية" ص 94.]]
(وأجابه جرير:
ألَمْ يَكُنْ في وُسُومٍ قد وَسَمْتُ بِهَا ... مَنْ حانَ موعظةً يازهرةَ اليَمنِ) [["ديوان جرير" ص 467، وليس فيه الشاهد لأنه برواية (ياحارث اليمن)، وورد في "المسائل الحلبية" ص 82، 162، "المسائل العسكرية" ص 94، "الخصائص" 2/ 461، "سر صناعة الإعراب" 1/ 405، "تفسير ابن عطية" 13/ 287، أبي حيان 8/ 40، "الدر المصون" 9/ 629، وفي الأخيرين برواية (كان) بدل (حان)، (وسوم) جمع وسم، وهو أثر الكي بالنار، والمراد الأثر السيء الناتج عن هجائه، (حان) أي هلك. ومعناه: ألم تكن لك موعظة في الشعر الذي هجوتك به من قبل فكان كالنار التي أكويك بها وأقضي عليك يا من تسمي نفسك زهرة اليمن، والشاهد: قوله: (يا زهرة اليمن) أي: يا من سمى نفسه زهرة اليمن، ولست عندي كذلك.]] [[ما بين القوسين ساقط من (أ)، (د).]]
يعني: عند نفسك، لا أنه سَلَّم [[في جميع النسخ: (سلمه) وقد أدى إلى اضطراب المعنى، والمثبت هو الصحيح، ولعله من تصحيف النساخ.]] له هذه التسمية.
وقوله تعالى: ﴿إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ﴾ يقال: جُنّ فلان فهو مجنون، وقد أجَنّه الله، وبه جنون وجِنّة ومَجِنّة، وأصله من الستر، ومنه قيل للنبت الملتف مجنون؛ لأن بعضَه يستر بعضًا [["جمهرة اللغة" 1/ 92، و (جنن) في: "لمحيط في اللغة" 6/ 409، "الصحاح" 5/ 2093.]]، وهذا الحرف مذكور فيما سبق.
{"ayah":"وَقَالُوا۟ یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِی نُزِّلَ عَلَیۡهِ ٱلذِّكۡرُ إِنَّكَ لَمَجۡنُونࣱ"}