الباحث القرآني
قوله عزّ وجلّ:
﴿وَقالُوا يا أيُّها الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِكْرُ إنَّكَ لَمَجْنُونٌ﴾ ﴿لَوْ ما تَأْتِينا بِالمَلائِكَةِ إنْ كُنْتَ مِنَ (p-٢٧٤)الصادِقِينَ﴾ ﴿ما نُنَزِّلُ المَلائِكَةَ إلا بِالحَقِّ وما كانُوا إذًا مُنْظَرِينَ﴾ ﴿إنّا نَحْنُ نَزَّلْنا الذِكْرَ وإنّا لَهُ لَحافِظُونَ﴾ ﴿وَلَقَدْ أرْسَلْنا مِن قَبْلِكَ في شِيَعِ الأوَّلِينَ﴾ ﴿وَما يَأْتِيهِمْ مِن رَسُولٍ إلا كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ﴾
الضَمِيرُ في "قالُوا" يُرادُ بِهِ كُفّارُ قُرَيْشٍ، ويُرْوى أنَّ القائِلِينَ كانُوا: عَبْدَ اللهِ بْنَ أبِي أُمَيَّةَ، والنَضِرَ بْنَ الحارِثِ وأشْباهَهُما، وقَرَأ الأعْمَشُ: "يا أيُّها الَّذِي أُلْقِيَ إلَيْهِ الذِكْرُ". وقَوْلُهُمْ: ﴿يا أيُّها الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِكْرُ﴾ كَلامٌ عَلى جِهَةِ الِاسْتِخْفافِ، أيْ بِزَعْمِكَ ودَعْواكَ، وهَذِهِ المُخاطَبَةُ كَما تَقُولُ لِرَجُلٍ جاهِلٍ أرادَ أنْ يَتَكَلَّمَ فِيما لا يُحْسِنُ: يا أيُّها العالَمُ لا تُحْسِنُ تَتَوَضَّأُ.
و"لَوْما" بِمَعْنى "لَوْلا" فَتَكُونُ تَحْضِيضًا كَما في هَذِهِ الآيَةِ، وقَدْ تَكُونُ دالَّةً عَلى امْتِناعِ شَيْءٍ لِوُجُوبِ غَيْرِهِ، كَما قالَ ابْنُ مُقْبِلٍ:
؎ لَوْلا الحَياءُ ولَوْما الدِينُ عِبْتُكُما ∗∗∗ بِبَعْضِ ما فِيكُما إذْ عِبْتُما عَوَرِي
وقَرَأ ابْنُ كَثِيرٍ، ونافِعٌ، وأبُو عَمْرٍو، وابْنُ عامِرٍ: "ما تَنْزِلُ المَلائِكَةُ" بِفَتْحِ التاءِ والرَفْعِ، وقَرَأ عاصِمٌ في رِوايَةِ أبِي بَكْرٍ إلّا أنَّهُ ضَمَّ التاءَ، وهي قِراءَةُ يَحْيى بْنِ وثّابٍ، وقَرَأ حَمْزَةُ، والكِسائِيُّ، وحَفْصٌ: "نُنَزِّلُ" بِنُونِ العَظَمَةِ "المَلائِكَةَ" نَصْبًا، وهي قِراءَةُ طَلْحَةَ بْنِ مُصَرِّفٍ.
وقَوْلُهُ: ﴿إلا بِالحَقِّ﴾، قالَ مُجاهِدٌ: المَعْنى: بِالرِسالَةِ والعَذابِ.
قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللهُ:
والظاهِرُ أنَّ مَعْناهُ: كَما يَجِبُ ويَحِقُّ مِنَ الوَحْيِ والمَنافِعِ الَّتِي أراها اللهُ لِعِبادِهِ، لا عَلى اقْتِراحِ كافِرٍ، ولا بِاخْتِيارِ مُعْتَرِضٍ. ثُمَّ ذَكَرَ عادَةَ اللهِ في الأُمَمِ مِن أنَّهُ لَمْ يَأْتِهِمْ بِآيَةِ اقْتِراحٍ إلّا ومَعَها العَذابُ في أثَرِها إنْ لَمْ يُؤْمِنُوا، وكَأنَّ الكَلامَ: ما نُنَزِّلُ المَلائِكَةَ إلّا بِحَقٍّ وواجِبٍ لا بِاقْتِراحِكُمْ، وأيْضًا فَلَوْ نَزَلَتْ لَمْ يُنْظَرُوا بَعْدَ ذَلِكَ بِالعَذابِ، أيْ: لَمْ (p-٢٧٥)يُؤَخِّرُوا، والنَظِرَةُ: التَأْخِيرُ، والمَعْنى: فَهَذا لا يَكُونُ إذْ كانَ في عِلْمِ اللهِ أنَّ مِنهم مَن يُؤْمِنُ، أو يَلِدُ مَن يُؤْمِنُ.
وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿إنّا نَحْنُ نَزَّلْنا الذِكْرَ﴾ رَدٌّ عَلى المُسْتَخِفِّينَ في قَوْلِهِمْ: ﴿يا أيُّها الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِكْرُ﴾، وهَذا كَما يَقُولُ لَكَ رَجُلٌ عَلى جِهَةِ الِاسْتِخْفافِ: "يا عَظِيمَ القَدْرِ"، فَتَقُولُ لَهُ عَلى جِهَةِ الرَدِّ والنَجْهِ: نَعَمْ أنا عَظِيمُ القَدْرِ، ثُمَّ تَأْخُذُ في قَوْلِكَ، فَتَأمَّلْهُ. وقَوْلُهُ: ﴿وَإنّا لَهُ لَحافِظُونَ﴾، قالَتْ فِرْقَةٌ: الضَمِيرُ في "لَهُ" عائِدٌ عَلى مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ الصَلاةُ والسَلامُ، أيْ: نَحْفَظُهُ مِن أذاكُمْ، ونَحُوطُهُ مِن مَكْرِكم وغَيْرِهِ، ذَكَرَ الطَبَرِيُّ هَذا القَوْلَ ولَمْ يَنْسِبْهُ، وفي ضِمْنِ هَذِهِ العُدَّةِ كانَ رَسُولُ اللهِ ﷺ حَتّى أظْهَرَ اللهُ بِهِ الشَرْعَ وحانَ أجْلُهُ، وقالَتْ فِرْقَةٌ -وَهِيَ الأكْثَرُ-: الضَمِيرُ في "لَهُ" عائِدٌ عَلى القُرْآنِ، وقالَهُ مُجاهِدٌ، وقَتادَةُ، والمَعْنى: لَحافِظُونَ مِن أنْ يُبَدَّلَ أو يُغَيَّرَ كَما جَرى في سائِرِ الكُتُبِ المُنَزَّلَةِ، وفي آخِرِ ورَقَةٍ مِنَ البُخارِيِّ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهُما أنَّ التَبْدِيلَ فِيها إنَّما كانَ في التَأْوِيلِ، وأمّا في اللَفْظِ فَلا، وظاهِرُ آياتِ القُرْآنِ أنَّهم بَدَّلُوا اللَفْظَ، ووَضْعُ اليَدِ عَلى آيَةِ الرَجْمِ هو في مَعْنى تَبْدِيلِ الألْفاظِ. وقِيلَ: لَحافِظُونَ بِاخْتِزانِهِ في صُدُورِ الرِجالِ، والمَعْنى مُتَقارِبٌ، وقالَ قَتادَةُ: هَذِهِ الآيَةُ نَحْوَ قَوْلِهِ تَعالى: ﴿لا يَأْتِيهِ الباطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ ولا مِن خَلْفِهِ﴾ [فصلت: ٤٢].
وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَلَقَدْ أرْسَلْنا مِن قَبْلِكَ﴾ الآيَةُ، تَسْلِيَةٌ لِلنَّبِيِّ عَلَيْهِ الصَلاةُ والسَلامُ، وعَرْضُ أُسْوَةٍ، أيْ: لا يَضِيقُ صَدْرُكَ يا مُحَمَّدُ بِما يَفْعَلُهُ قَوْمُكَ مِنَ الِاسْتِهْزاءِ في قَوْلِهِمْ: ﴿يا أيُّها الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِكْرُ﴾ وغَيْرِ ذَلِكَ، فَقَدْ تَقَدَّمَ مِنّا إرْسالُ الرُسُلِ في شِيَعِ (p-٢٧٦)الأوَّلِينَ، وكانَتْ تِلْكَ سِيرَتُهم في الِاسْتِهْزاءِ بِالرُسُلِ، و"الشِيَعُ" جَمْعُ شِيعَةٍ، وهي الفِرْقَةُ التابِعَةُ لِرَأْسٍ، إمّا مَذْهَبٌ أو رَجُلٌ أو نَحْوَهُ، وهي مَأْخُوذَةٌ مِن قَوْلِهِمْ: شَيَّعْتُ النارَ إذا اسْتَدَمْتُ وقَدَها بِحَطَبٍ أو غَيْرِهِ، فَكَأنَّ الشِيعَةَ تَصِلُ أمْرَ رَأْسِها وتُظْهِرُهُ وتَمُدُّهُ بِمَعُونَةٍ. وقَوْلُهُ: ﴿أرْسَلْنا مِن قَبْلِكَ﴾ تَقْتَضِي "رُسُلًا"، ثُمَّ اخْتَصَرَ ذِكْرَهم لِدَلالَةِ ظاهِرٍ مِنَ القَوْلِ عَلى ذَلِكَ.
{"ayahs_start":6,"ayahs":["وَقَالُوا۟ یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِی نُزِّلَ عَلَیۡهِ ٱلذِّكۡرُ إِنَّكَ لَمَجۡنُونࣱ","لَّوۡ مَا تَأۡتِینَا بِٱلۡمَلَـٰۤىِٕكَةِ إِن كُنتَ مِنَ ٱلصَّـٰدِقِینَ","مَا نُنَزِّلُ ٱلۡمَلَـٰۤىِٕكَةَ إِلَّا بِٱلۡحَقِّ وَمَا كَانُوۤا۟ إِذࣰا مُّنظَرِینَ","إِنَّا نَحۡنُ نَزَّلۡنَا ٱلذِّكۡرَ وَإِنَّا لَهُۥ لَحَـٰفِظُونَ","وَلَقَدۡ أَرۡسَلۡنَا مِن قَبۡلِكَ فِی شِیَعِ ٱلۡأَوَّلِینَ","وَمَا یَأۡتِیهِم مِّن رَّسُولٍ إِلَّا كَانُوا۟ بِهِۦ یَسۡتَهۡزِءُونَ"],"ayah":"وَقَالُوا۟ یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِی نُزِّلَ عَلَیۡهِ ٱلذِّكۡرُ إِنَّكَ لَمَجۡنُونࣱ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق