الباحث القرآني
وقوله: ﴿وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ﴾ الآية، قال الفراء: (ما) هاهنا جحد لا موضع لها [[اهـ. كلام الفراء، "معاني القرآن" 1/ 470.]]، والشأن: الخطب، والجمع الشؤون، والعرب تقول ما شأن فلان: أي: ما حاله.
قال الأخفش: وتقول ما شأنتُ شأنه أي: ما عملت عمله [["الكشف والبيان" 7/ 18 أ، "تفسير الرازي" 17/ 121، والقرطبي 8/ 356، ولم يذكره الأخفش في كتابه "معاني القرآن" كما لم أجد من أشار إليه من أهل اللغة.]].
وقال غيره: يقال: أتاني فلان وما شأنتُ شأنه، إذا لم تكترث له [[هذا قول الأزهري، انظر: "تهذيب اللغة" (شأن) 3/ 1814.]]، ويقال: لأشأنن شأنهم، أي لأفسدن أمرهم [["الصحاح" (شأن) 5/ 2142.]]، فالشأن اسم إذا كان بمعنى الخطب، وإذا كان بمعنى المصدر كان معناه القصد [[في (م): (الفسد)، وهو خطأ.]]، والذي في هذه الآية يجوز أن يكون المراد به اسم الأمر وهو قول المفسرين [[انظر: "تفسير ابن جرير" 17/ 121، والسمرقندي 2/ 103، والثعلبي 7/ 18 أ.]].
قال ابن عباس: (وما تكون) يا محمد (في شأن) يريد من أعمال البر [[ذكره الرازي في "تفسيره" 17/ 121.]].
وقال الحسن: في شأن من شأن الدنيا، وحوائجك فيها [[ذكره الرازي في "تفسيره" 17/ 121، والمؤلف في "الوسيط" 2/ 551.]]، ويجوز أن يكون المراد به المصدر يعني قصد الشيء، قال الشاعر [["مقاييس اللغة" 3/ 238.]]:
يا طالب الجود [إن الجود] [[ما بين المعقوفين ساقط من (ح) و (ز).]] مكرمة ... لا البخل منك ولا من شأنك الجودا [[في (م): (الجودُ)، والصواب ما أثبته إذ هو مفعول به للمصدر (شأن) الذي هو بمعنى القصد كما بينه المؤلف.]]
أي ولا من قصدك الجود، وقوله تعالى: ﴿وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ﴾ اختلفوا في الكناية في (منه)، فقيل: إنه كناية عن القرآن [[هذا قول ابن جرير 11/ 129، واحد قولي الزمخشري في "كشافه" 2/ 242.]]، على تأويل: وما تتلو من القرآن، أي من جميعه ﴿مِنْ قُرْآنٍ﴾ أي من [[ساقط من (ح).]] شيء؛ لأن عامته قرآن وبعضه أيضاً قرآن، وقد سبق ذكر القرآن في معنى قوله: ﴿قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ﴾ [يونس: 58] والمعنى وما تتلو من القرآن من سورة.
وقال بعض أهل المعاني: ذكر القرآن بالإضمار ثم بالإظهار لتفخيم ذكره، على نحو قوله: ﴿إِنَّهُ أَنَا اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ [[وقد اعتمد هذا القول الزمخشري 2/ 242، وانظر: "الدر المصون" 6/ 228.]] [النمل: 9]، وقد قيل: إن معناه من الله [[هذا قول السمرقندي 2/ 103، والثعلبي 7/ 18 أ، والبغوي 4/ 139، وهو القول الآخر للزمخشري 2/ 242.]]، أي ما تتلو من قرآن من الله، أي نازل منه، ويجوز أن يعود الضمير إلى الشأن [[هذا قول الزجاج في "معاني القرآن وإعرابه" 3/ 26، وذكره عن الفراء أبو جعفر النحاس في "إعراب القرآن" 2/ 65، ومكي في "مشكل إعراب القرآن" 1/ 348.]]، كأنه قيل من الشأن من قرآن [[قال النحاس في "إعراب القرآن" 2/ 65 بعد ذكر قول الفراء: وهذا كلام يحتاج إلى شرح، يكون المعنى: وما تتلو من الشأن، أي من أجل الشأن، أي يحدث شأن فيتلى من أجله القرآن ليعلم كيف حكمه، أو ينزل فيه قرآن فيتلى.]]، أي وما تتلو فيما تعمل من شأنك من قرآن، وهذا الوجه اختيار الزجاج [["معاني القرآن وإعرابه" 3/ 26.]]، وذكر صاحب النظم الأوجه الثلاثة.
وقوله تعالى: ﴿وَلَا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ﴾، قال ابن عباس: خاطبه وأمته جميعًا [["الوجيز" 1/ 502.]]. قال ابن الأنباري: قوله: ﴿وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو﴾ خطاب للنبي ﷺ، وأمته داخلون فيه، ومعنيون به، ومعروف عندهم أن يخاطب الرئيس والمراد هو وأتباعه إذ كان هو زعيمهم، يدل على هذا قوله ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ﴾ [الطلاق: 1]، ثم جمع في قوله: ﴿وَلَا تَعْمَلُونَ﴾ ليدل على أنهم داخلون في الفعلين الأولين الذين أفردا [[في (ى): (افردوا)، وهو خطأ.]] لخطاب النبي ﷺ [[ذكر بعض قول ابن الأنباري هذا ابن الجوزي في "زاد المسير" 4/ 45، والمؤلف في "الوسيط" 2/ 553.]].
وقوله تعالى: ﴿إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا﴾، قال الفراء: يقول: الله شاهد على كل شيء، وهو كقوله: ﴿مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ﴾ [المجادلة: 7] يقول: إلا هو شاهدهم [["معاني القرآن" 1/ 470.]]، قال: وهو جمع [[ساقط من (ى).]] ليس بمصدر، والمعنى: إلا نعلمه فنجازيكم به [[لم يذكره الفراء في "معاني القرآن"، وقد ذكره المؤلف في "الوسيط" 2/ 552.]].
وقوله تعالى: ﴿إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ﴾، معنى الإفاضة هاهنا: الدخول في العمل على جهة الانصباب إليه، وهو الانبساط في العمل، قال ابن الأنباري: ﴿إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ﴾ إذ تندفعون فيه وتنبسطون في ذكره، يقال: قد أفاض القوم في الحديث: إذا اندفعوا [[في (ى): (انتشروا).]] فيه، وقد أفاضوا من عرفة: إذا دفعوا منه بكثرتهم فتفرقوا [[في (م): (فتعرفوا)، وفي (ح) و (ز): (فنفروا)، وأثبت ما في (ى) لأمرين:
أ- ما جاء في "تهذيب اللغة" (فاض) ونصه: كل ما في اللغة من باب الإفاضة فليس يكون إلا عن تفرق وكثرة.
ب- موافقته لـ"تفسير الرازي"، وهو كثير النقل من "البسيط".]] [[ذكره مختصرًا البغوي 4/ 139، والمؤلف في "الوسيط" 2/ 552.]].
وقال الزجاج: إذ تنتشرون فيه، وأفاض القوم في الحديث: إذا انتشروا فيه [["معاني القرآن وإعرابه" 3/ 26.]]، وهو قول ابن كيسان [[انظر: "تفسير الثعلبي" 7/ 18/ أ، والقرطبي 8/ 356.]].
وقال ابن عباس: يقول الله تعالى: شهدت ذلك منكم إذ تأخذون فيه [[رواه بمعناه مختصرًا ابن جرير 11/ 129، وابن أبي حاتم 6/ 1962، والثعلبي 7/ 18 أ، وذكره بلفظه مختصرًا المؤلف في "الوسيط" 2/ 552.]].
قال صاحب النظم: (إذ) هاهنا بمعنى حين، ولذلك جاز في المستقبل، والمعنى حين تفيضون فيه.
وقوله تعالى: ﴿وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ﴾ أي: وما يبعد وما يغيب، قاله ابن عباس [[رواه ابن أبي حاتم 6/ 1963، والثعلبي 7/ 18 أ، وانظر كتاب "غريب القرآن" لابن عباس ص 48.]]، وغيره [[انظر: "غريب القرآن" لليزيدي ص 171، ولابن قتية ص 203، "تفسير ابن جرير" 11/ 131، "نزهة القلوب" للسجستاني ص 498، "تفسير الثعلبي" 7/ 18 أ.]]، ومعنى العزوب [[في (ى): (العزب).]]: ذهاب المعنى عن المعلوم، وأصله من البعد، ومنه [[ساقط من (ى).]] يقال: كلأ عازب، إذا كان بعيد المطلب، وعزب الرجل بإبله: إذا راعها بعيدًا عن الحلة، لا يأوي إليهم، وعزب الشيء عن علمي: إذا بعد، وفيه لغتان: عَزَبَ يعزُب وعَزَبَ يَعْزِب [[وقد قرأ الكسائي بكسر الزاي، وقرأ الباقون بضمها. انظر كتاب "السبعة" ص 328، "الغاية" ص 172، "النشر" 2/ 285.]].
وقوله تعالى: ﴿مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ﴾ أي وزن ذرة، ومثقال الشيء: ميزانه من مثله، والمعنى: ما يزن ذرة، والذر صغار النمل، واحدها ذرة [[انظر: "لسان العرب" (ذرر) 3/ 1494، وفيه أيضًا في نفس الموضع: وقيل: الذرة ليس لها وزن، ويراد بها ما يرى في شعاع الشمس الداخل في النافذة.]]، وهي خفيفة الوزن جدًّا، ﴿فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَلَا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرَ﴾ ويقرآن بالرفع [[قرأهما بالرفع حمزة ويعقوب وخلف، والباقون بالنصب. انظر المصادر السابقة، نفس المواضع.]]، قال الفراء: فمن نصبهما فإنما يريد الخفض يُتْبعهما المثقال أر الذرة، ومن رفعهما أتبعهما معنى المثقال؛ لأنك لو ألقيت من المثقال (من) كان رفعًا، وهو كقولك ما أتاني من أحد عاقلٍ [[في (ح): (واحد).]]، وعاقلٌ [[يعني بالجر والرفع، فجره باعتباره صفة لأحد، ورفعه باعتبار معنى (أحد) لأنك لو حذفت (من) لكان فاعلًا مرفوعًا.]]، وكذلك قوله: ﴿مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ﴾ [الأعراف: 59، 65، 73، 85]، [هود: 50، 61، 84]، [المؤمنون: 23، 32] وغَيْرِهِ [[قال الإمام ابن الجزري: قرأ أبو جعفر والكسائي (من إله غيره) بخفض الراء وكسر الهاء بعدها، والباقون بالرفع والضم حيث وقع. "تقريب النشر" ص 115، وانظر: "حجة القراءات" لابن زنجلة ص 286.]]. هذا كلامه [["معاني القرآن" 1/ 470.]].
وشرحه أبو علي الفارسي فقال: من فتح الراء من ﴿وَلَا أَصْغَرَ﴾، ﴿وَلَا أَكْبَرَ﴾؛ فلأن (أفعل) في الموضعين في موضع جر؛ لأنه صفة للمجرور الذي هو (مثقال)، وإنما فتح لأن (أفعل) إذا اتصل به (من) كان صفة، [وإذا كان صفة] [[ما بين المعقوفين ساقط من (ح).]] لم ينصرف في النكرة، ومن رفع حمله على موضع الموصوف، وذلك [[في (م): (وقال)، وهو خطأ.]] أن الموصوف الذي هو ﴿مِن مِّثقَالِ﴾ الجار والمجرور فيه في موضع رفع، كما كان [[في "الحجة": (كانا).]] في موضعه في قوله: ﴿كَفَى بِاللَّهِ﴾ [[وقد وردت أيضًا في مواضع كثيرة مسبوقة بالواو.]] [الرعد: 43]، [الإسراء: 96]، [العنكبوت، 52] وقوله:
ألم يأتيك والأنباء تنمي ... بما لاقت .............. [[وعجزه بتمامه:
بما لاقت لبون بني زياد
والبيت لقيس بن زهير، كما في "الأغاني" 17/ 131، "خزانة الأدب" 8/ 359، "شرح أبيات سيبويه" 1/ 340، "شرح شواهد الشافية" ص 408، "الخصائص" 1/ 333.
وكان قيس هذا استاق إبل الربيع بن زياد العبسي وباعها بمكة؛ لأن الربيع كان قد أخذ منه درعًا ولم يردها عليه فقال قيس في ذلك قصيدة مطلعها هذا البيت.]] فحمل الصفة على الموضع، ومما يجوز أن يكون محمولًا على الموضع قوله: ﴿مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ﴾ وقوله: ﴿فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ﴾ [المنافقون: 10]، وقول الشاعر:
فلسنا بالجبال ولا الحديدا [[عجز بيت وصدره:
معاوي إننا بشر فأَسْجِح
والبيت لعقبة أو عقيبة الأسدي كما في "خزانة الأدب" 2/ 260، "سر صناعة الإعراب" 1/ 131، "شرح أبيات سيبويه" 1/ 300، "شرح شواهد المغني" 2/ 870، "كتاب سيبويه" 1/ 67، "لسان العرب" (غمز) 6/ 3296.
ومعنى الإسجاح: حسن العفو والتسهيل. انظر: "لسان العرب" (سجح) (1944).]]
قال: وقد يجوز أن يعطف قوله: ﴿وَلَا أَصْغَرَ﴾ على ﴿ذَرَّةٍ﴾ فيكون التقدير: وما يعزب عن ربك مثقال ذرة ولا مثقال أصغر، فإذا حمل على هذا لم يجز فيه إلا الجر؛ لأنه لا موضع للذرة غير لفظها كما كان لقوله: ﴿مِنْ مِثْقَالِ﴾ [[في "الحجة": من مثقال ذرة.]] موضع غير لفظه، ولا يجوز على قراءة من قرأ بالرفع أن يكون معطوفًا على (ذرة) كما جاز في قراءة الباقين؛ لأنه إذا عطف على ﴿ذَرَّةٍ﴾ وجب أن يكون مجرورًا [[في "الحجة": وجب أن يكون (أصغر) مجرورًا.]]، وإنما فتح؛ لأنه لا ينصرف، وكذلك يكون على قول من عطفه على الجار الذي هو (من) [["الحجة للقراء السبعة" 4/ 285 بتصرف.]].
وقوله تعالى: ﴿إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ﴾، قال ابن عباس: يريد: اللوح المحفوظ [[ذكره ابن الجوزي في "زاد المسير" 4/ 43، والمؤلف "الوسيط" 2/ 552،== وبنحوه رواه عبد بن حميد وابن أبي حاتم عند تفسير آية الأنعام كما في "الدر المنثور" 3/ 29.]]، وذكرنا معنى إثبات الله الكائنات في اللوح المحفوظ عند قوله: ﴿وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ﴾ [الأنعام: 59] مشروحًا، وذكر أبو علي الجرجاني هاهنا فصلاً لابد من الوقوف عليه وهو أنه قال: قول: ﴿وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ﴾ إلى قوله: ﴿وَلَا أَكْبَرَ﴾ كلام تام نفى الله عز وجل [[ساقط من (ح) و (ز).]] به عن نفسه عزوب شيء من الأحداث، وهاهنا انقطاعه [[في (ى): (تحقيق).]]، وقوله تعالى: ﴿إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ﴾ خبرآخر منقطع بما قبله؛ لأنه لو كان متصلًا بما قبله فيكون محققًا من قوله: ﴿وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ﴾؛ وجب أن يكون قوله: ﴿وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ﴾ نفيًا منتظرًا له تحقيق، وإذا كان النفي منتظرًا له التحقيق كان نفيًا [[ساقط من (ح) و (ز).]] إذا خلا من الحال التي تحقق ما قبلها، مثل قولك: ما ينام زيد إلا بجهد، وما يصبح عمرو إلا مريضًا، فأنت لم تنف النوم عن زيد ولا الإصباح عن عمرو، إلا بخلاف الحال التي حققت النوم والإصباح بها؛ لأن التأويل (هكذا ينام زيد، وهكذا يصبح عمرو)، فلو كان قوله: ﴿وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ﴾ متصلًا بقوله: ﴿إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ﴾ لوجب أن يكون قد عزب عن الله أو يعزب عنه مثقال ذرة وأصغر وأكبر [[في (ي): (أو أكبر أو أصغر).]] منها إلا في الحال التي [[ساقط من (م).]] استثناها، وهو قوله: ﴿إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ﴾ فيكون ما يعزب عنه من ذلك مستدركًا في الكتاب وفي هذا ما فيه، ونظيره من الكلام قول القائل (ما يغيب عني زيد إلا في بيته)، فالغيبة واجبة بهذه الحال.
وإذا كان كان آخر الكلام منقطعًا من الأول لم يؤد [[في (خ) و (ز): (يرد).]] إلى هذا النوع من الفساد، فكأنه قال: لا يعزب عنه شيء في السماء ولا في الأرض لا صغيرًا ولا كبيرًا، وانقطع الكلام هاهنا ثم استأنف خبرًا آخر بقوله: ﴿إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ﴾ [أي: وهو أيضًا في كتاب مبين] [[ما بين المعقوفين ساقط من (ى).]]، والعرب تضع (إلا) موضع واو النسق كثيراً على معنى الابتداء، كقوله تعالى: ﴿إِنِّي لَا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ (10) إِلَّا مَنْ ظَلَمَ﴾ [النمل: 10، 11] يعني ومن ظلم، وقوله: ﴿لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا﴾ [[وقد كتب نساخ (ح) و (ز) و (ى) و (ص) الآية هكذا: ﴿لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ﴾ ﴿إلا الذين ظلموا﴾ وأسقط ناسخ (م) لفظ (للناس) ولا توجد آية بأحد هذين اللفظين، وفي قول الله تعالى: ﴿لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا﴾ [النساء: 165]، ودلالة السياق تدل على أن المؤلف أراد آية سورة البقرة وعندها ذكر أبو عبيدة مذهبه.]] [البقرة: 150] يعني: والذين ظلموا [[انظر قول أبي علي الجرجاني في "تفسير الرازي" 17/ 124، "الدر المصون" 6/ 231 مختصرًا، وقال الرازي: هذا الوجه في غاية التعسف. اهـ. وقال السمين الحلبي: هذا الذي قاله الجرجاني ضعيف جدًا، ولم يثبت ذلك بدليل صحيح.]]. وهذا مذهب أبي عبيدة في تلك الآية [[انظر: "مجاز القرآن" 1/ 60، وانظر أيضًا: "معاني القرآن" للأخفش 1/ 162 فهو يجيز أن تكون (إلا) بمنزلة الواو.]]، وقد ذكرنا في سورة البقرة ما احتج به من الأبيات [[انظر النسخة الأزهرية 1/ 97 أ.]]، فقد ثبت أن (إلا) بمعنى واو النسق تستعمل، فقوله: ﴿إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ﴾ معنى (إلا) هاهنا: واو النسق، وأضمر بعده (هو)، والعرب تضمر (هو) وما يتصرف منه كقوله: ﴿وَقُولُوا حِطَّةٌ﴾ [البقرة: 58، الأعراف: 161]، أي: هي حطة، وقوله: ﴿وَلَا تَقُولُوا ثَلَاثَةٌ﴾ [النساء: 171] أي: هم ثلاثة، ومما جاء من [[ساقط من (ى).]] مثل هذا النظم قوله: ﴿وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا﴾ [الأنعام: 59] إلى قوله: ﴿وَلَا يَابِسٍ﴾ فهذا تمام، ثم قال: ﴿إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ﴾ [المعنى: وهو في كتاب مبين] [[ما بين المعقوفين ساقط من النسخ عدا (م).]] كهذه الآية سواء.
وذكر أبو إسحاق على قراءة من قرأ (ولا أصغرُ، ولا أكبرُ) رفعًا وجهًا للرفع سوى ما ذكرنا يستغنى فيه عن هذا التطويل الذي ذكره الجرجاني، وهو [[في (ح) و (ز): (وهذا).]] أنه قال: يجوز رفعه على الابتداء، فيكون المعنى وما أصغر من ذلك وما أكبر ﴿إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ﴾ [["معاني القرآن وإعرابه" 3/ 26 بمعناه.]]، فجعل ﴿إِلَّا فِي كِتَابٍ﴾ خبر المبتدأ، وهذا مستقيم، ولكن لا يستقيم هذا الوجه في قراءة من قرأ بالفتح وهو قراءة أكثر القراء [[سبق تخريج القراءة عند أول تفسير الجملة.]].
{"ayah":"وَمَا تَكُونُ فِی شَأۡنࣲ وَمَا تَتۡلُوا۟ مِنۡهُ مِن قُرۡءَانࣲ وَلَا تَعۡمَلُونَ مِنۡ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَیۡكُمۡ شُهُودًا إِذۡ تُفِیضُونَ فِیهِۚ وَمَا یَعۡزُبُ عَن رَّبِّكَ مِن مِّثۡقَالِ ذَرَّةࣲ فِی ٱلۡأَرۡضِ وَلَا فِی ٱلسَّمَاۤءِ وَلَاۤ أَصۡغَرَ مِن ذَ ٰلِكَ وَلَاۤ أَكۡبَرَ إِلَّا فِی كِتَـٰبࣲ مُّبِینٍ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق