الباحث القرآني
﴿وما تَكُونُ في شَأْنٍ﴾ أيْ في أمْرٍ مُعْتَنًى بِهِ مِن شَأنَهُ بِالهَمْزِ كَسَألَهُ إذا قَصَدَهُ وقَدْ تُبْدَلُ هَمْزَتُهُ ألِفًا وهو في الأصْلِ مَصْدَرٌ وقَدْ أُرِيدَ المَفْعُولُ ﴿وما تَتْلُو مِنهُ﴾ الضَّمِيرُ المَجْرُورُ لِلشَّأْنِ والتِّلاوَةُ أعْظَمُ شُئُونِهِ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ ولِذا خُصَّتْ بِالذِّكْرِ أوْ لِلتَّنْزِيلِ والإضْمارُ قَبْلَ الذِّكْرِ لِتَفْخِيمِ شَأْنِهِ عَزَّ وجَلَّ و(مِن) قِيلَ تَبْعِيضِيَّةٌ عَلى الِاحْتِمالَيْنِ الأوَّلَيْنِ وابْتِدائِيَّةٌ عَلى الثّالِثِ والَّتِي في قَوْلِهِ سُبْحانَهُ: ﴿مِن قُرْآنٍ﴾ زائِدَةٌ لِتَأْكِيدِ النَّفْيِ عَلى جَمِيعِ التَّقادِيرِ وإلى ذَلِكَ ذَهَبَ القُطْبُ وقالَ الطِّيبِيُّ: إنَّ (مِن) الأُولى عَلى الِاحْتِمالِ الأخِيرِ ابْتِدائِيَّةٌ والثّانِيَةُ مَزِيدَةٌ وعَلى الِاحْتِمالِ الأوَّلِ الأُولى لِلتَّبْعِيضِ والثّانِيَةُ لِلْبَيانِ وعَلى الثّانِي الأُولى ابْتِدائِيَّةٌ والثّانِيَةُ لِلْبَيانِ
وفِي إرْشادِ العَقْلِ السَّلِيمِ أنَّ الضَّمِيرَ الأوَّلَ لِلشَّأْنِ والظَّرْفِ صِفَةٌ لِمَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ أيْ تِلاوَةً كائِنَةً مِنَ الشَّأْنِ أوْ لِلتَّنْزِيلِ و(مِن) ابْتِدائِيَّةٌ وتَبْعِيضِيَّةٌ أوْ لِلَّهِ تَعالى شَأْنُهُ و(مِن) ابْتِدائِيَّةٌ ومِنِ الثّانِيَةُ مَزِيدَةٌ وابْتِدائِيَّةٌ عَلى الوَجْهِ الأوَّلِ وبَيانِيَّةٌ أوْ تَبْعِيضِيَّةٌ عَلى الوَجْهِ الثّانِي والثّالِثِ وأنْتَ تَعْلَمُ أنَّهُ قَدْ يَكُونُ الظَّرْفُ مُتَعَلِّقًا بِما عِنْدَهُ والتِزامُ تَعَلُّقِهِ بِمَحْذُوفٍ وقَعَ صِفَةً لِمَصْدَرٍ كَذَلِكَ في جَمِيعِ الِاحْتِمالاتِ مِمّا لا حاجَةَ إلَيْهِ. نَعَمِ اللّازِمُ بِناءٌ عَلى المَشْهُورِ أنْ لا يَتَعَلَّقَ حَرْفانِ بِمَعْنًى بِمُتَعَلِّقٍ (p-144)واحِدٍ وذَهَبَ أبُو البَقاءِ إلى أنَّ الضَّمِيرَ الأوَّلَ لِلشَّأْنِ و(مِن) الأُولى لِلْأجَلِ كَما في قَوْلِهِ سُبْحانَهُ: ﴿مِمّا خَطِيئاتِهِمْ أُغْرِقُوا﴾ و(مِن) الثّانِيَةُ مَزِيدَةٌ وما بَعْدَها مَفْعُولٌ بِهِ لِتَتْلُوَ ولَهُ وجْهٌ ومِمّا يُقْضى مِنهُ العَجَبُ ما قالَهُ بَعْضُهم إنَّهُ يَحْتَمِلُ أنْ يَكُونَ ضَمِيرُ (مِنهُ) لِلشَّأْنِ إمّا عَلى تَقْدِيرِ ما تَتْلُو حالَ كَوْنِ القِراءَةِ بَعْضَ شُئُونِكَ وإمّا أنْ يُحْمَلَ الكَلامُ عَلى حَذْفِ المُضافِ أيْ وما تَتْلُو مِن أجْلِ الشَّأْنِ بِأنْ يَحْدُثَ لَكَ شَأْنٌ فَتَتْلُو القُرْآنَ مِن أجْلِهِ فَإنَّ الحالِيَّةَ مِمّا لا تَكادُ تَخْطِرُ بِبالِ مِن لَهُ أدْنى ذَوْقٍ في العَرَبِيَّةِ ولَمْ نَرَ القَوْلَ بِتَقْدِيرِ مُضافٍ في الكَلامِ إذا كانَ فِيهِ مِنَ الأجَلِيَّةِ أوْ نَحْوِها وما في كَلامِ غَيْرِ واحِدٍ مِنَ الأفاضِلِ في أمْثالِ ذَلِكَ تَقْدِيرُ مَعْنى لا تَقْدِيرُ إعْرابٍ ويَبْعُدُ حَمْلُ هَذا البَعْضِ عَلى ذَلِكَ كَما لا يَخْفى (هَذا) ثُمَّ إنَّ القُرْآنَ عامٌّ لِلْمَقْرُوءِ كَلّا وبَعْضًا وهو حَقِيقَةٌ في كُلٍّ كَما حُقِّقَ في مَوْضِعِهِ والقَوْلُ بِأنَّهُ مَجازٌ في البَعْضِ بِإطْلاقِ الكُلِّ وإرادَةِ الجُزْءِ مِمّا لا يُلْتَفَتُ إلَيْهِ ﴿ولا تَعْمَلُونَ مِن عَمَلٍ﴾ أيْ أيُّ عَمَلٍ كانَ، والخِطابُ الأوَّلُ خاصٌّ بِرَأْسِ النَّوْعِ الإنْسانِيِّ وسَيِّدِ المُخاطَبِينَ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ وهَذا عامٌّ ويَشْمَلُ سائِرَ العِبادِ بَرَّهُمَ وفاجِرَهم لا الأخِيرَيْنِ فَقَطْ وقَدْ رُوعِيَ في كُلٍّ مِنَ المَقامَيْنِ ما يَلِيقُ بِهِ فَعَبَّرَ في مَقامِ الخُصُوصِ في الأوَّلِ بِالشَّأْنِ لِأنَّ عَمَلَ العَظِيمِ عَظِيمٌ وفي الثّانِي بِالعَمَلِ العامِّ لِلْجَلِيلِ والحَقِيرِ وقِيلَ: الخِطابُ الأوَّلُ عامٌّ لِلْأُمَّةِ أيْضًا كَما في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿يا أيُّها النَّبِيُّ إذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ﴾ ﴿إلا كُنّا عَلَيْكم شُهُودًا﴾ اسْتِثْناءٌ مُفَرَّغٌ مِن أعَمِّ أحْوالِ المُخاطَبِينَ بِالأفْعالِ الثَّلاثَةِ أيْ وما تُلابِسُونَ بِشَيْءٍ مِنها في حالٍ مِنَ الأحْوالِ كَوْنَنا رُقَباءَ مُطَّلِعِينَ عَلَيْهِ حافِظِينَ لَهُ كَذا قالُوا ويُفْهَمُ مِنهُ أنَّ الجارَّ والمَجْرُورَ مُتَعَلِّقٌ بِما بَعْدَهُ ولَعَلَّ تَقْدِيمَهُ لِلِاهْتِمامِ بِتَخْوِيفِ مَن أُرِيدَ تَخْوِيفُهُ مِنَ المُخاطِبِينَ وكَأنَّهُ لِلْمُبالَغَةِ فِيهِ جِيءَ بِضَمِيرِ العَظَمَةِ وأنَّ المَقْصُودَ مِنَ الِاطِّلاعِ عَلَيْهِمُ الِاطِّلاعُ عَلى عَمَلِهِمْ ﴿إذْ تُفِيضُونَ فِيهِ﴾ أيْ تَشْرَعُونَ فِيهِ وتَتَلَبَّسُونَ بِهِ وأصْلُ الإفاضَةِ الِانْدِفاعُ بِكَثْرَةٍ أوْ بِقُوَّةٍ وحَيْثُ أُرِيدَ بِالأفْعالِ السّابِقَةِ الحالَّةِ المُسْتَمِرَّةِ الدّائِمَةِ المُقارَنَةُ لِلزَّمانِ الماضِي أيْضًا أُوثِرَ في الِاسْتِثْناءِ صِيغَةُ الماضِي وفي الظَّرْفِ كَلِمَةُ إذا الَّتِي تُفِيدُ المُضارِعَ مَعْنى الماضِي كَذا قِيلَ ولَمْ أرَ مَن تَعَرَّضَ لِبَيانِ وجْهِ اخْتِيارِ النَّفْيِ بِما الَّتِي تُخَلِّصُ المُضارِعَ لِلْحالِ عِنْدَ الجُمْهُورِ عِنْدَ انْتِفاءِ قَرِينَةٍ خِلافَهُ في الجُمْلَتَيْنِ الأُولَيَيْنِ والنَّفْيُ بِلا الَّتِي تُخَلِّصُ المُضارِعَ لِلِاسْتِقْبالِ عِنْدَ الأكْثَرِينَ خِلافًا لِابْنِ مالِكٍ في الجُمْلَةِ الثّالِثَةِ ولَعَلَّ ذَلِكَ مِن آثارِ اخْتِلافِ الخِطابِ خُصُوصًا وعُمُومًا فَتَأمَّلَهُ فَإنَّهُ دَقِيقٌ جِدًّا ﴿وما يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ﴾ أيْ ما يَبْعُدُ وما يَغِيبُ ومِنهُ يُقالُ: الرَّوْضُ العازِبُ ورَوْضٌ عَزِيبٌ إذا كانَ بَعِيدًا مِنَ النّاسِ والكَلامُ عَلى حَذْفِ مُضافٍ أيْ وما يَعْزُبُ عَنْ عِلْمِ رَبِّكَ عَزَّ وجَلَّ أوْ هو كِنايَةٌ عَنْ ذَلِكَ وفي التَّعَرُّضِ لِعُنْوانِ الرُّبُوبِيَّةِ مَعَ الإضافَةِ إلى ضَمِيرِهِ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ مِنَ الإشْعارِ بِاللُّطْفِ ما لا يَخْفى
وقَرَأ الكِسائِيُّ والأعْمَشُ ويَحْيى بْنُ وثّابٍ بِكَسْرِ الزّايِ ﴿مِن مِثْقالِ ذَرَّةٍ﴾ مِن مَزِيدَةٌ لِتَأْكِيدِ النَّفْيِ والمِثْقالُ اسْمٌ لِما يُوازِنُ الشَّيْءَ ويَكُونُ في ثِقَلِهِ وهو في الشَّرْعِ أرْبَعَةٌ وعِشْرُونَ قِيراطًا وأخْرَجَ ذَلِكَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ في تَفْسِيرِهِ عَنْ أبِي جَعْفَرٍ والصَّحِيحُ أنَّهُ لَمْ يَخْتَلِفْ جاهِلِيَّةً وإسْلامًا فَقَدْ نَقَلَ الجَلالُ السُّيُوطِيُّ عَنِ الرّافِعِيِّ أنَّهُ قالَ: أجْمَعَ أهْلُ العَصْرِ الأوَّلِ عَلى التَّقْدِيرِ بِهَذا الوَزْنِ وهو أنَّ الدِّرْهَمَ سِتَّةُ دَوانِيقَ وكُلُّ عَشَرَةِ دَراهِمَ سَبْعَةُ مَثاقِيلَ ولَمْ يَتَغَيَّرِ المِثْقالُ في الجاهِلِيَّةِ ولا في الإسْلامِ والذَّرَّةُ واحِدَةُ الذَّرِّ وهو النَّمْلُ الأحْمَرُ الصَّغِيرُ وسُئِلَ (p-145)ثَعْلَبٌ عَنْها فَقالَ: إنَّ مِائَةَ نَمْلَةِ وزْنُ حَبَّةٍ والذَّرَّةُ واحِدَةٌ مِنها وقِيلَ: الذَّرَّةُ لَيْسَ لَها وزْنٌ ويُرادُ بِها ما يُرى في شُعاعِ الشَّمْسِ الدّاخِلِ في النّافِذَةِ ﴿فِي الأرْضِ ولا في السَّماءِ﴾ أيْ في جِهَتَيِ السُّفْلِ والعُلْوِ أوْ في دائِرَةِ الوُجُودِ والإمْكانِ لِأنَّ العامَّةَ لا تَعْرِفُ سِواهُما مُمْكِنًا لَيْسَ فِيهِما ولا مُتَعَلِّقًا بِهِما والكَلامُ شامِلٌ لَهُما أنْفُسِهِما أيْضًا كَما لا يَخْفى وتَقْدِيمُ الأرْضِ عَلى السَّماءِ مَعَ أنَّها قُدِّمَتْ عَلَيْها في كَثِيرٍ مِنَ المَواضِعِ ووَقَعَتْ أيْضًا في سَبَأٍ في نَظِيرِ هَذِهِ الآيَةِ مُقَدَّمَةً لِأنَّ الكَلامَ في حالِ أهْلِها والمَقْصُودِ إقامَةُ البُرْهانِ عَلى إحاطَةِ عِلْمِهِ سُبْحانَهُ بِتَفاصِيلِها وذَكَرَ السَّماءَ لِئَلّا يُتَوَهَّمَ اخْتِصاصُ إحاطَةِ عِلْمِهِ جَلَّ وعَلا بِشَيْءٍ دُونَ شَيْءٍ وحاصِلُ الِاسْتِدْلالِ أنَّهُ سُبْحانَهُ لا يَغِيبُ عَنْهُ شَيْءٌ ومَن يَكُونُ هَذا شَأْنَهُ كَيْفَ لا يَعْلَمُ حالَ أهْلِ الأرْضِ وما هم عَلَيْهِ مَعَ نَبِيِّهِ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ؟ وقَوْلُهُ سُبْحانَهُ: ﴿ولا أصْغَرَ مِن ذَلِكَ ولا أكْبَرَ إلا في كِتابٍ مُبِينٍ﴾ جُمْلَةٌ مُسْتَقِلَّةٌ لَيْسَتْ مَعْطُوفَةً عَلى ما قَبْلَها ولا نافِيَةٌ لِلْجِنْسِ وأصْغَرَ اسْمُها مَنصُوبٌ لِشَبَهِهِ بِالمُضافِ وكَذا أكْبَرُ لِتَقْدِيرِ عَمَلِهِ وقَوْلُ السَّمِينِ: إنَّهُما مَبْنِيّانِ عَلى الفَتْحِ ضَعِيفٌ وهو مَذْهَبُ البَغْدادِيِّينَ وزَعَمَ أنَّهُ سَبَقَ قَلَمٌ مُتَأخِّرٌ عَنْ حَيِّزِ القَبُولِ و(فِي كِتابٍ) مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ وقَعَ خَبَرًا
وقَرَأ حَمْزَةُ ويَعْقُوبُ وخَلَفٌ وسَهْلٌ بِالرَّفْعِ عَلى الِابْتِداءِ والخَبَرِ ولا يَجُوزُ إلْغاؤُها إذا تَكَرَّرَتْ وأما قَوْلُهُمْ: إنَّ الشَّبِيهِ بِالمُضافِ يَجِبُ نَصْبُهُ فالمُرادُ مِنهُ المَنعُ مِنَ البِناءِ لا المَنعُ مِنَ الرَّفْعِ والإلْغاءِ كَما تَوَهَّمَهُ بَعْضُهم وجُوِّزَ أنْ يَكُونَ ذَلِكَ عَلى جَعْلِ لا عامِلَةً عَمَلَ لَيْسَ وقِيلَ: إنَّ أصْغَرَ عَلى القِراءَةِ الأُولى عَطْفٌ عَلى مِثْقالُ أوْ ذَرَّةٍ بِاعْتِبارِ اللَّفْظِ وجِيءَ بَدَلًا عَنِ الكَسْرِ لِأنَّهُ لا يَنْصَرِفُ لِلْوَصْفِ ووَزْنِ الفِعْلِ وعَلى القِراءَةِ الأُخْرى مَعْطُوفٌ عَلى مِثْقالٍ بِاعْتِبارِ مَحَلِّهِ لِأنَّهُ فاعِلٌ ومِن كَما عَرَفْتَ مَزِيدٌ واسْتَشْكَلَ بِأنَّهُ يَصِيرُ التَّقْدِيرُ ولا يَعْزُبُ عَنْهُ أصْغَرُ مِن ذَلِكَ ولا أكْبَرُ مِنهُ إلّا في كِتابٍ فَيَعْزُبُ عَنْهُ ومَعْناهُ غَيْرُ صَحِيحٍ وأُجِيبُ بِأنَّ هَذا عَلى تَقْدِيرِ اتِّصالِ الِاسْتِثْناءِ وأمّا عَلى تَقْدِيرِ انْقِطاعِهِ فَيَصِيرُ التَّقْدِيرُ لَكِنْ لا أصْغَرُ ولا أكْبَرُ إلّا هو في كِتابٍ مُبِينٍ وهو مُؤَكِّدٌ لِقَوْلِهِ سُبْحانَهُ: ﴿لا يَعْزُبُ عَنْهُ﴾ إلَخْ وأجابَ بَعْضُهم عَلى تَقْدِيرِ الِاتِّصالِ بِأنَّهُ عَلى حَدٍّ لا يَذُوقُونَ فِيها المَوْتَ إلّا المَوْتَةَ الأُولى ﴿وأنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الأُخْتَيْنِ إلا ما قَدْ سَلَفَ﴾ في رَأْيٍ فالمَعْنى لا يَبْعُدُ عَنْ عِلْمِهِ شَيْءٌ إلّا ما في اللَّوْحِ الَّذِي هو مَحَلُّ صُوَرِ مَعْلُوماتِهِ تَعالى شَأْنُهُ بِناءً عَلى تَفْسِيرِ الكِتابِ المُبِينِ بِهِ أوْ إلّا ما في عِلْمِهِ بِناءً عَلى ما قِيلَ: إنَّ الكِتابَ العِلْمُ فَإنْ عُدَّ ذَلِكَ مِنَ العُزُوبِ فَهو عازِبٌ عَنْ عِلْمِهِ وظاهِرٌ أنَّهُ لَيْسَ مِنَ العُزُوبِ قَطْعًا فَلا يَعْزُبُ عَنْ عِلْمِهِ شَيْءٌ قَطْعًا ونُقِلَ عَنْ بَعْضِ المُحَقِّقِينَ في دَفْعِ الإشْكالِ أنَّ العُزُوبَ عِبارَةٌ عَنْ مُطْلَقِ البُعْدِ والمَخْلُوقاتُ قِسْمانِ قِسْمٌ أوْجَدَهُ اللَّهُ تَعالى مِن غَيْرِ واسِطَةٍ كالأرْضِ والسَّماءِ والمَلائِكَةِ عَلَيْهِمُ السَّلامُ وقِسْمٌ أوْجَدَهُ بِواسِطَةِ القِسْمِ الأوَّلِ مِثْلَ الحَوادِثِ في العالَمِ وقَدْ تَتَباعَدُ سِلْسِلَةِ العِلِّيَّةِ والمَعْلُولِيَّةِ عَنْ مَرْتَبَةِ وُجُودِ واجِبِ الوُجُودِ سُبْحانَهُ فالمَعْنى لا يَبْعُدُ عَنْ مَرْتَبَةِ وُجُودِهِ تَعالى ذَرَّةً في الأرْضِ ولا في السَّماءِ إلّا وهو في كِتابٍ مُبِينٍ أثْبَتَ فِيهِ سُبْحانَهُ تِلْكَ المَعْلُوماتِ فَهو اسْتِثْناءٌ مُفَرَّغٌ مِن أعَمِّ الأحْوالِ وإثْباتُ العُزُوبِ بِمَعْنى البُعْدِ عَنْهُ تَعالى في سِلْسِلَةِ الإيجادِ لا مَحْذُورَ فِيهِ وهو وجْهٌ دَقِيقٌ إلّا أنَّهُ أشْبَهُ بِتَدْقِيقاتِ الحُكَماءِ وإنْ خالَفَ ما هم عَلَيْهِ في الجُمْلَةِ
وقالَ الكَواشِيُّ: مَعْنى يَعْزُبُ يَبِينُ ويَنْفَصِلُ أيْ لا يَصْدُرُ عَنْ رَبِّكَ شَيْءٌ مِن خَلْقِهِ إلّا وهو في اللَّوْحِ وتَلْخِيصُهُ (p-146)أنَّ كُلَّ شَيْءٍ مَكْتُوبٌ فِيهِ واعْتُرِضَ بِأنَّ تَفْسِيرَهُ بِيبَيْنِ ويَنْفَصِلُ غَيْرُ مَعْرُوفٍ وقِيلَ: المُرادُ بِالبُعْدِ عَنِ الرَّبِّ سُبْحانَهُ البُعْدُ والخُرُوجُ عَنْ غَيْبِهِ أيْ لا يَخْرُجُ عَنْ غَيْبِهِ إلّا ما كانَ في اللَّوْحِ فَيَعْزُبُ عَنِ الغَيْبِ ويَبْعُدُ إذْ لا يَبْقى ذَلِكَ غَيْبًا حِينَئِذٍ لِاطِّلاعِ المَلائِكَةِ عَلَيْهِمُ السَّلامُ وغَيْرِهِمْ عَلَيْهِ فَيُفِيدُ إحاطَةَ عِلْمِهِ سُبْحانَهُ بِالغَيْبِ والشَّهادَةِ
ومِن هُنا يَظْهَرُ وجْهٌ آخَرُ لِتَقْدِيمِ الأرْضِ عَلى السَّماءِ وقِيلَ: إنَّ (إلّا) عاطِفَةٌ بِمَنزِلَةِ الواوِ كَما قالَ بِذَلِكَ الفَرّاءُ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿لا يَخافُ لَدَيَّ المُرْسَلُونَ﴾ ﴿إلا مَن ظَلَمَ﴾ والأخْفَشُ في قَوْلِهِ سُبْحانَهُ: ﴿لِئَلا يَكُونَ لِلنّاسِ عَلَيْكم حُجَّةٌ إلا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنهُمْ﴾ وقَوْمٌ في قَوْلِهِ جَلَّ شَأْنُهُ: ﴿الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الإثْمِ والفَواحِشَ إلا اللَّمَمَ﴾ وهو مُقَدَّرٌ بَعْدَها والكَلامُ قَدْ تَمَّ عِنْدَ قَوْلِهِ سُبْحانَهُ: ﴿ولا أكْبَرَ﴾ ثُمَّ ابْتَدَأ بِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿إلا في كِتابٍ﴾ أيْ وهُو فِيَ كِتابٍ ونَقَلَ ذَلِكَ مَكِّيٌّ عَنْ أبِي عَلِيٍّ الحَسَنِ بْنِ يَحْيى الجُرْجانِيِّ ثُمَّ قالَ: وهو قَوْلٌ حَسَنٌ لَوْلا أنَّ جَمِيعَ البَصْرِيِّينَ لا يَعْرِفُونَ (إلّا) بِمَعْنى الواوِ والإنْصافُ أنَّهُ لا يَنْبَغِي تَخْرِيجُ كَلامِ اللَّهِ تَعالى العَزِيزِ عَلى ذَلِكَ ولَوِ اجْتَمَعَ الخَلْقُ إنْسُهم وجِنُّهم عَلى مَجِيءِ (إلّا) بِمَعْنى الواوِ وقِيلَ: إنَّ الِاسْتِثْناءَ مِن مَحْذُوفٍ دَلَّ عَلَيْهِ الكَلامُ السّابِقُ أيْ ولا شَيْءَ إلّا في كِتابٍ ونَظِيرُهُ ﴿ما فَرَّطْنا في الكِتابِ مِن شَيْءٍ﴾ ويَكُونُ مِن مَجْمُوعِ ذَلِكَ إثْباتُ العِلْمِ لِلَّهِ تَعالى في كُلِّ مَعْلُومٍ وإنَّ كُلَّ شَيْءٍ مَكْتُوبٌ في الكِتابِ ويَشْهَدُ لِهَذا عَلى ما قِيلَ كَثِيرٌ مِن أسالِيبِ كَلامِ العَرَبِ ونُقِلَ عَنْ صاحِبِ كِتابِ تَبْصِرَةِ المُتَذَكِّرِ أنَّهُ يَجُوزُ أنْ يَكُونَ الِاسْتِثْناءُ مُتَّصِلًا بِما قَبْلَ قَوْلِهِ تَعالى: (لا يَعْزُبُ) ويَكُونُ في الآيَةِ تَقْدِيمٌ وتَأْخِيرٌ وتَرْتِيبُها وما تَكُونُ في شَأْنٍ وما تَتْلُو مِنهُ مِن قُرْآنٍ ولا تَعْمَلُونَ مِن عَمَلٍ إلّا في كُتّابٍ مُبِينٍ إلّا كُنّا عَلَيْكم شُهُودًا إذْ تُفِيضُونَ فِيهِ إلَيَّ ولا أكْبَرُ وتَخْلِيصُهُ وما مِن شَيْءٍ إلّا وهو في اللَّوْحِ المَحْفُوظِ ونَحْنُ نُشاهِدُهُ في كُلِّ آنٍ ونَظَرَ فِيهِ البَلْقِينِيُّ في رِسالَتِهِ المُسَمّاةِ بِالِاسْتِغْناءِ بِالفَتْحِ المُبِينِ في الِاسْتِثْناءِ في ﴿ولا أكْبَرَ إلا في كِتابٍ مُبِينٍ﴾ بِأنَّهُ عَلى ما فِيهِ مِنَ التَّكَلُّفِ يَلْزَمُ عَلَيْهِ القَوْلُ بِتَرْكِيبٍ في الكَلامِ المَجِيدِ لَمْ يُوجَدْ في كَلامِ العَرَبِ مِثْلُهُ أعْنِي إلّا في كِتابٍ مُبِينٍ إلّا كُنّا عَلَيْكم شُهُودًا ولَيْسَ ذَلِكَ نَظِيرٌ
أمْرِرْ رَبِّهِمْ إلّا الفَتى إلّا العُلا كَما لا يَخْفى
وأنْتَ تَعْلَمُ أنَّ أقَلَّ الأقْوالِ تَكَلُّفًا القَوْلُ بِالِانْقِطاعِ وأجَلُّها قَدْرًا وأدَقُّها سِرًّا القَوْلُ بِالِاتِّصالِ وإخْراجُ الكَلامِ مَخْرَجَ ﴿إلا ما قَدْ سَلَفَ﴾ ونَظائِرِهِ الكَثِيرَةِ نَثْرًا ونَظْمًا ولا عَيْبَ فِيهِ إلّا أنَّ الآيَةَ عَلَيْهِ أبْلَغُ فَلْيُفْهَمْ
{"ayah":"وَمَا تَكُونُ فِی شَأۡنࣲ وَمَا تَتۡلُوا۟ مِنۡهُ مِن قُرۡءَانࣲ وَلَا تَعۡمَلُونَ مِنۡ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَیۡكُمۡ شُهُودًا إِذۡ تُفِیضُونَ فِیهِۚ وَمَا یَعۡزُبُ عَن رَّبِّكَ مِن مِّثۡقَالِ ذَرَّةࣲ فِی ٱلۡأَرۡضِ وَلَا فِی ٱلسَّمَاۤءِ وَلَاۤ أَصۡغَرَ مِن ذَ ٰلِكَ وَلَاۤ أَكۡبَرَ إِلَّا فِی كِتَـٰبࣲ مُّبِینٍ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق