الباحث القرآني
سُورَةُ الصّافّاتِ مَكِّيَّةٌ وهي مِائَةٌ واثْنانِ وثَمانُونَ آيَةً
﷽
﴿والصّافّاتِ صَفًّا﴾ ﴿فالزّاجِراتِ زَجْرًا﴾ ﴿فالتّالِياتِ ذِكْرًا﴾ ﴿إنَّ إلَهَكم لَواحِدٌ﴾ ﴿رَبُّ السَّماواتِ والأرْضِ وما بَيْنَهُما ورَبُّ المَشارِقِ﴾ ﴿إنّا زَيَّنّا السَّماءَ الدُّنْيا بِزِينَةٍ الكَواكِبِ﴾ ﴿وحِفْظًا مِن كُلِّ شَيْطانٍ مارِدٍ﴾ ﴿لا يَسَّمَّعُونَ إلى المَلَإ الأعْلى ويُقْذَفُونَ مِن كُلِّ جانِبٍ﴾ ﴿دُحُورًا ولَهم عَذابٌ واصِبٌ﴾ ﴿إلّا مَن خَطِفَ الخَطْفَةَ فَأتْبَعَهُ شِهابٌ ثاقِبٌ﴾ ﴿فاسْتَفْتِهِمْ أهم أشَدُّ خَلْقًا أمْ مَن خَلَقْنا إنّا خَلَقْناهم مِن طِينٍ لازِبٍ بَلْ عَجِبْتَ ويَسْخَرُونَ﴾ [الصافات: ١١] ﴿وإذا ذُكِّرُوا لا يَذْكُرُونَ﴾ [الصافات: ١٣] ﴿وإذا رَأوْا آيَةً يَسْتَسْخِرُونَ﴾ [الصافات: ١٤] ﴿وقالُوا إنْ هَذا إلّا سِحْرٌ مُبِينٌ﴾ [الصافات: ١٥] ﴿أئِذا مِتْنا وكُنّا تُرابًا وعِظامًا أئِنّا لَمَبْعُوثُونَ﴾ [الصافات: ١٦] ﴿أوَآباؤُنا الأوَّلُونَ﴾ [الصافات: ١٧] ﴿قُلْ نَعَمْ وأنْتُمْ داخِرُونَ﴾ [الصافات: ١٨] ﴿فَإنَّما هي زَجْرَةٌ واحِدَةٌ فَإذا هم يَنْظُرُونَ﴾ [الصافات: ١٩] ﴿وقالُوا ياوَيْلَنا هَذا يَوْمُ الدِّينِ﴾ [الصافات: ٢٠] ﴿هَذا يَوْمُ الفَصْلِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ﴾ [الصافات: ٢١] ﴿احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وأزْواجَهم وما كانُوا يَعْبُدُونَ﴾ [الصافات: ٢٢] ﴿مِن دُونِ اللَّهِ فاهْدُوهم إلى صِراطِ الجَحِيمِ﴾ [الصافات: ٢٣] ﴿وقِفُوهم إنَّهم مَسْئُولُونَ﴾ [الصافات: ٢٤] ﴿ما لَكم لا تَناصَرُونَ﴾ [الصافات: ٢٥] ﴿بَلْ هُمُ اليَوْمَ مُسْتَسْلِمُونَ﴾ [الصافات: ٢٦] ﴿وأقْبَلَ بَعْضُهم عَلى بَعْضٍ يَتَساءَلُونَ﴾ [الصافات: ٢٧] ﴿قالُوا إنَّكم كُنْتُمْ تَأْتُونَنا عَنِ اليَمِينِ﴾ [الصافات: ٢٨] ﴿قالُوا بَلْ لَمْ تَكُونُوا مُؤْمِنِينَ﴾ [الصافات: ٢٩] ﴿وما كانَ لَنا عَلَيْكم مِن سُلْطانٍ بَلْ كُنْتُمْ قَوْمًا طاغِينَ﴾ [الصافات: ٣٠] ﴿فَحَقَّ عَلَيْنا قَوْلُ رَبِّنا إنّا لَذائِقُونَ﴾ [الصافات: ٣١] ﴿فَأغْوَيْناكم إنّا كُنّا غاوِينَ﴾ [الصافات: ٣٢] ﴿فَإنَّهم يَوْمَئِذٍ في العَذابِ مُشْتَرِكُونَ﴾ [الصافات: ٣٣] ﴿إنّا كَذَلِكَ نَفْعَلُ بِالمُجْرِمِينَ﴾ [الصافات: ٣٤] ﴿إنَّهم كانُوا إذا قِيلَ لَهم لا إلَهَ إلّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ﴾ [الصافات: ٣٥] ﴿ويَقُولُونَ أئِنّا لَتارِكُو آلِهَتِنا لِشاعِرٍ مَجْنُونٍ﴾ [الصافات: ٣٦] ﴿بَلْ جاءَ بِالحَقِّ وصَدَّقَ المُرْسَلِينَ﴾ [الصافات: ٣٧] ﴿إنَّكم لَذائِقُو العَذابِ الألِيمِ﴾ [الصافات: ٣٨] ﴿وما تُجْزَوْنَ إلّا ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ [الصافات: ٣٩] ﴿إلّا عِبادَ اللَّهِ المُخْلَصِينَ﴾ [الصافات: ٤٠] ﴿أُولَئِكَ لَهم رِزْقٌ مَعْلُومٌ﴾ [الصافات: ٤١] ﴿فَواكِهُ وهم مُكْرَمُونَ﴾ [الصافات: ٤٢] ﴿فِي جَنّاتِ النَّعِيمِ﴾ [الصافات: ٤٣] ﴿عَلى سُرُرٍ مُتَقابِلِينَ﴾ [الصافات: ٤٤] ﴿يُطافُ عَلَيْهِمْ بِكَأْسٍ مِن مَعِينٍ﴾ [الصافات: ٤٥] ﴿بَيْضاءَ لَذَّةٍ لِلشّارِبِينَ﴾ [الصافات: ٤٦] ﴿لا فِيها غَوْلٌ ولا هم عَنْها يُنْزَفُونَ﴾ [الصافات: ٤٧] ﴿وعِنْدَهم قاصِراتُ الطَّرْفِ عِينٌ﴾ [الصافات: ٤٨] ﴿كَأنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ﴾ [الصافات: ٤٩] ﴿فَأقْبَلَ بَعْضُهم عَلى بَعْضٍ يَتَساءَلُونَ﴾ [الصافات: ٥٠] ﴿قالَ قائِلٌ مِنهم إنِّي كانَ لِي قَرِينٌ﴾ [الصافات: ٥١] ﴿يَقُولُ أئِنَّكَ لَمِنَ المُصَدِّقِينَ﴾ [الصافات: ٥٢] ﴿أئِذا مِتْنا وكُنّا تُرابًا وعِظامًا أئِنّا لَمَدِينُونَ﴾ [الصافات: ٥٣] ﴿قالَ هَلْ أنْتُمْ مُطَّلِعُونَ﴾ [الصافات: ٥٤] ﴿فاطَّلَعَ فَرَآهُ في سَواءِ الجَحِيمِ﴾ [الصافات: ٥٥] ﴿قالَ تاللَّهِ إنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ﴾ [الصافات: ٥٦] ﴿ولَوْلا نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنْتُ مِنَ المُحْضَرِينَ﴾ [الصافات: ٥٧] ﴿أفَما نَحْنُ بِمَيِّتِينَ﴾ [الصافات: ٥٨] ﴿إلّا مَوْتَتَنا الأُولى وما نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ﴾ [الصافات: ٥٩] ﴿إنَّ هَذا لَهو الفَوْزُ العَظِيمُ﴾ [الصافات: ٦٠] ﴿لِمِثْلِ هَذا فَلْيَعْمَلِ العامِلُونَ﴾ [الصافات: ٦١] ﴿أذَلِكَ خَيْرٌ نُزُلًا أمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ﴾ [الصافات: ٦٢] ﴿إنّا جَعَلْناها فِتْنَةً لِلظّالِمِينَ﴾ [الصافات: ٦٣] ﴿إنَّها شَجَرَةٌ تَخْرُجُ في أصْلِ الجَحِيمِ﴾ [الصافات: ٦٤] ﴿طَلْعُها كَأنَّهُ رُءُوسُ الشَّياطِينِ﴾ [الصافات: ٦٥] ﴿فَإنَّهم لَآكِلُونَ مِنها فَمالِئُونَ مِنها البُطُونَ﴾ [الصافات: ٦٦] ﴿ثُمَّ إنَّ لَهم عَلَيْها لَشَوْبًا مِن حَمِيمٍ﴾ [الصافات: ٦٧] ﴿ثُمَّ إنَّ مَرْجِعَهم لَإلى الجَحِيمِ﴾ [الصافات: ٦٨] ﴿إنَّهم ألْفَوْا آباءَهم ضالِّينَ﴾ [الصافات: ٦٩] ﴿فَهم عَلى آثارِهِمْ يُهْرَعُونَ﴾ [الصافات: ٧٠] ﴿ولَقَدْ ضَلَّ قَبْلَهم أكْثَرُ الأوَّلِينَ﴾ [الصافات: ٧١] ﴿ولَقَدْ أرْسَلْنا فِيهِمْ مُنْذِرِينَ﴾ [الصافات: ٧٢] ﴿فانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ المُنْذَرِينَ﴾ [الصافات: ٧٣] (p-٣٥٠)﴿إلّا عِبادَ اللَّهِ المُخْلَصِينَ﴾ [الصافات: ٧٤] ﴿ولَقَدْ نادانا نُوحٌ فَلَنِعْمَ المُجِيبُونَ﴾ [الصافات: ٧٥] ﴿ونَجَّيْناهُ وأهْلَهُ مِنَ الكَرْبِ العَظِيمِ﴾ [الصافات: ٧٦] ﴿وجَعَلْنا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الباقِينَ﴾ [الصافات: ٧٧] ﴿وتَرَكْنا عَلَيْهِ في الآخِرِينَ﴾ [الصافات: ٧٨] ﴿سَلامٌ عَلى نُوحٍ في العالَمِينَ﴾ [الصافات: ٧٩] ﴿إنّا كَذَلِكَ نَجْزِي المُحْسِنِينَ﴾ [الصافات: ٨٠] ﴿إنَّهُ مِن عِبادِنا المُؤْمِنِينَ﴾ [الصافات: ٨١] ﴿ثُمَّ أغْرَقْنا الآخَرِينَ﴾ [الصافات: ٨٢] ﴿وإنَّ مِن شِيعَتِهِ لَإبْراهِيمَ﴾ [الصافات: ٨٣] ﴿إذْ جاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ﴾ [الصافات: ٨٤] ﴿إذْ قالَ لِأبِيهِ وقَوْمِهِ ماذا تَعْبُدُونَ﴾ [الصافات: ٨٥] ﴿أئِفْكًا آلِهَةً دُونَ اللَّهِ تُرِيدُونَ﴾ [الصافات: ٨٦] ﴿فَما ظَنُّكم بِرَبِّ العالَمِينَ﴾ [الصافات: ٨٧] ﴿فَنَظَرَ نَظْرَةً في النُّجُومِ﴾ [الصافات: ٨٨] ﴿فَقالَ إنِّي سَقِيمٌ﴾ [الصافات: ٨٩] ﴿فَتَوَلَّوْا عَنْهُ مُدْبِرِينَ﴾ [الصافات: ٩٠] ﴿فَراغَ إلى آلِهَتِهِمْ فَقالَ ألا تَأْكُلُونَ﴾ [الصافات: ٩١] ﴿ما لَكم لا تَنْطِقُونَ﴾ [الصافات: ٩٢] ﴿فَراغَ عَلَيْهِمْ ضَرْبًا بِاليَمِينِ﴾ [الصافات: ٩٣] ﴿فَأقْبَلُوا إلَيْهِ يَزِفُّونَ﴾ [الصافات: ٩٤] الزَّجْرُ: الدَّفْعُ عَنِ الشَّيْءِ بِتَسْلِيطٍ وصِياحٍ. والزَّجْرَةُ: الصَّيْحَةُ، مِن قَوْلِكَ: زَجَرَ الرّاعِي الإبِلَ والغَنَمَ، إذا صاحَ عَلَيْهِما فَرَجَعَتْ لِصَوْتِهِ، قالَ الشّاعِرُ:
؎زَجْرَ أبِي عُرْوَةَ السِّباعَ إذا أشْفَقَ أنْ يَخْتَلِطْنَ بِالغَنَمِ
يُرِيدُ تَصْوِيتَهُ بِها. الثّاقِبُ: الشَّدِيدُ النَّفاذِ. اللّازِبُ: اللّازِمُ ما جاوَرَهُ واللّاصِقُ بِهِ. اللَّذِيذُ: المُسْتَطابُ، يُقالُ لَذَّ الشَّيْءُ يَلَذُّ، فَهو لَذِيذٌ ولَذَّ عَلى وزْنِ فَعَلَ، كَطَلَبَ. قالَ الشّاعِرُ:
؎تَلَذُّ بِطَعْمِهِ وتَخالُ فِيهِ ∗∗∗ إذا نَبَّهَتْها بَعْدَ المَنامِ
وقالَ:
؎ولَذٍّ كَطَعْمِ الصَّرْخَدِيِّ تَرَكْتُهُ ∗∗∗ بِأرْضِ العِدا مِن خَشْيَةِ الحَدَثانِ
يُرِيدُ النَّوْمَ.
وقالَ:
؎بِحَدِيثِكَ اللَّذِّيِّ الَّذِي لَوْ كَلَّمْتَ ∗∗∗ أسَدَ الفَلاةِ بِهِ أتَيْنَ سِراعا
الغَوْلُ: اسْمٌ عامٌّ في الأذى، تَقُولُ: غالَهُ كَذا وكَذا، إذا ضَرَّهُ في خَفاءٍ، ومِنهُ: الغِيلَةُ في العَقْلِ، والغِيلَةُ في الرِّضاعِ، وغالَهُ الشَّيْءُ: أهْلَكَهُ وأفْسَدَهُ، ومِنهُ: الغُولُ الَّتِي في أكاذِيبِ العَرَبِ وفي أمْثالِهِمْ: الغَضَبُ غُولُ الحِلْمِ. وقالَ الشّاعِرُ:
؎مَضى أوَّلُونا ناعِمِينَ بِعَيْشِهِمْ ∗∗∗ جَمِيعًا وغالَتْنِي بِمَكَّةَ غُولُ
أيْ: عاقَتْنِي عَوائِقُ، وقالَ:
؎وما زالَتِ الخَمْرُ تَغْتالُنا ∗∗∗ وتَذْهَبُ بِالأوَّلِ فالأوَّلِ
نَزَفَتِ الشّارِبَ الخَمْرُ وأنْزَفَ هو: ذَهَبَ عَقْلُهُ مِنَ السُّكْرِ، فَهو نَزِيفٌ ومُنْزِفٌ، الثُّلاثِيُّ مُتَعَدٍّ والرُّباعِيُّ لازِمٌ، نَحْوُ: كَبَيْتُ الرَّجُلَ وأكَبَّ، وقَشَعَتِ الرِّيحُ السَّحابَ، وقَشَعَ هَوايَ: أيْ دَخَلا في الكَبِّ والقَشْعِ. قالَ الشّاعِرُ، وهو الأسْوَدُ:
؎لَعَمْرِي لَئِنْ أنَزَفْتُمْ أوْ صَحَوْتُمْ ∗∗∗ لَبِئْسَ النَّدامى كُنْتُمْ آلَ أبْحَرا
ونَزُفَ الشّارِبُ، بِضَمِّ الزّايِ، ويُقالُ: نُزِفَ المَطْعُونُ: ذَهَبَ دَمُهُ كُلُّهُ، مَبْنِيًّا لِلْمَفْعُولِ، ونُزِحَتِ الرَّكِيَّةُ حَتّى نَزْفَتُها: لَمْ يَبْقَ فِيها ماءٌ، ويُقالُ: أنْزَفَ الرَّجُلُ بَعْدَ شَرابِهِ، فَأنْزَفَ مُشْتَرِكٌ بَيْنَ سَكِرَ ونَفِدَ. البَيْضُ: مَعْرُوفٌ، وهو اسْمُ جِنْسٍ، الواحِدُ بَيْضَةٌ، وسُمِّي بِذَلِكَ لِبَياضِهِ، ويُجْمَعُ عَلى بُيُوضٍ. قالَ الشّاعِرُ:
؎بِتَيْهاءَ قَفْرٍ والمَطِيُّ كَأنَّها ∗∗∗ قَطا الحُزْنِ قَدْ كانَتْ فِراخًا بُيُوضُها
الزَّقُّومُ: شَجَرَةٌ مَسْمُومَةٌ لَها لَبَنٌ، إنْ مَسَّ جِسْمَ إنْسانٍ تَوَرَّمَ وماتَ مِنهُ في أغْلَبِ الأمْرِ، تَنْبُتُ في البِلادِ المُجْدِبَةِ المُجاوِرَةِ لِلصَّحْراءِ. والتَّزَقُّمُ: البَلْعُ عَلى شِدَّةٍ وجَهْدٍ. شابَ الشَّيْءُ بِالشَّيْءِ يَشُوبُهُ شَوْبًا: خَلَطَهُ ومَزَجَهُ. راغَ يَرُوغُ: مالَ في خُفْيَةٍ مِن رَوْغَةِ الثَّعْلَبِ. زَفَّ: أسْرَعَ، وأزَفَّ: دَخَلَ في الزَّفِيفِ، فَهَمْزَتُهُ بِهِ لَيْسَتْ لِلتَّعْدِيَةِ، وأزَفَّهُ: حَمَلَهُ عَلى الزَّفِيفِ. قالَ الأصْمَعِيُّ: فالهَمْزَةُ فِيهِ لِلتَّعْدِيَةِ. وقالَ الشّاعِرُ، (p-٣٥١)وهُوَ الفَرَزْدَقُ:
؎فَجاءَ قَرِيعُ الشَّوْلِ قَبْلَ إفالِها ∗∗∗ يَزِفُّ وجاءَتْ خَلْفَهُ وهي زُفَّفُ
* * *
﴿والصّافّاتِ صَفًّا﴾ ﴿فالزّاجِراتِ زَجْرًا﴾ ﴿فالتّالِياتِ ذِكْرًا﴾ ﴿إنَّ إلَهَكم لَواحِدٌ﴾ ﴿رَبُّ السَّماواتِ والأرْضِ وما بَيْنَهُما ورَبُّ المَشارِقِ﴾ ﴿إنّا زَيَّنّا السَّماءَ الدُّنْيا بِزِينَةٍ الكَواكِبِ﴾ ﴿وحِفْظًا مِن كُلِّ شَيْطانٍ مارِدٍ﴾ ﴿لا يَسَّمَّعُونَ إلى المَلَإ الأعْلى ويُقْذَفُونَ مِن كُلِّ جانِبٍ﴾ ﴿دُحُورًا ولَهم عَذابٌ واصِبٌ﴾ ﴿إلّا مَن خَطِفَ الخَطْفَةَ فَأتْبَعَهُ شِهابٌ ثاقِبٌ﴾ .
هَذِهِ السُّورَةُ مَكِّيَّةٌ، ومُناسَبَةُ أوَّلِها لِآخِرِ يس أنَّهُ تَعالى لَمّا ذَكَرَ المَعادَ وقُدْرَتَهُ عَلى إحْياءِ المَوْتى، وأنَّهُ هو مُنْشِئُهم، وإذا تَعَلَّقَتْ إرادَتُهُ بِشَيْءٍ كانَ، ذَكَرَ تَعالى وحْدانِيَّتَهُ، إذْ لا يَتِمُّ ما تَعَلَّقَتْ بِهِ الإرادَةُ وُجُودًا وعَدَمًا إلّا بِكَوْنِ المُرِيدِ واحِدًا، وتَقَدَّمَ الكَلامُ عَلى ذَلِكَ في قَوْلِهِ ﴿لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إلّا اللَّهُ لَفَسَدَتا﴾ [الأنبياء: ٢٢] .
وأقْسَمَ تَعالى بِأشْياءَ مِن مَخْلُوقاتِهِ فَقالَ ﴿والصّافّاتِ﴾ . قالَ ابْنُ مَسْعُودٍ، وقَتادَةُ، ومَسْرُوقٌ: هُمُ المَلائِكَةُ، تُصَفُّ في السَّماءِ في العِبادَةِ والذِّكْرِ صُفُوفًا؛ وقِيلَ: تَصِفُّ أجْنِحَتَها في الهَواءِ واقِفَةً مُنْتَظِرَةً لِأمْرِ اللَّهِ. وقِيلَ: مَن يُصَفُّ مِن بَنِي آدَمَ في قِتالٍ في سَبِيلِ اللَّهِ، أوْ في صَلاةٍ وطاعَةٍ. وقِيلَ: والطَّيْرُ صافّاتٌ. والزّاجِراتُ، قالَ مُجاهِدٌ، والسُّدِّيُّ: المَلائِكَةُ تَزْجُرُ السَّحابَ وغَيْرَها مِن مَخْلُوقاتِ اللَّهِ تَعالى. وقالَ قَتادَةُ: آياتُ القُرْآنِ لِتَضَمُّنِهِ النَّواهِيَ الشَّرْعِيَّةَ؛ وقِيلَ: كُلُّ ما زُجِرَ عَنْ مَعاصِي اللَّهِ. والتّالِياتُ: القارِئاتُ. قالَ مُجاهِدٌ: المَلائِكَةُ يَتْلُونَ ذِكْرَهُ. وقالَ قَتادَةُ: بَنُو آدَمَ يَتْلُونَ كَلامَهُ المُنَزَّلَ وتَسْبِيحَهُ وتَكْبِيرَهُ. وقالَ مُجاهِدٌ: المَلائِكَةُ يَتْلُونَ ذِكْرَهُ. قالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: ويَجُوزُ أنْ يُقْسِمَ بِنُفُوسِ العُلَماءِ العُمّالِ الصّافّاتِ أقْدامَها في التَّهَجُّدِ وسائِرِ الصَّلَواتِ وصُفُوفِ الجَماعاتِ، فالزّاجِراتِ بِالمَوْعِظَةِ والنَّصائِحِ، فالتّالِياتِ آياتِ اللَّهِ، والدّارِساتِ شَرائِعَهِ؛ أوْ بِنُفُوسِ قُرّاءِ القُرْآنِ في سَبِيلِ اللَّهِ الَّتِي تَصِفُّ الصُّفُوفَ، وتَزْجُرُ الخَيْلَ لِلْجِهادِ، وتَتْلُو الذِّكْرَ مَعَ ذَلِكَ لا يَشْغَلُها عَنْهُ تِلْكَ الشَّواغِلُ. انْتَهى. وقالَ ما مَعْناهُ: إنَّ الفاءَ العاطِفَةَ في الصّافّاتِ، إمّا أنْ تَدُلَّ عَلى تَرَتُّبِ مَعانِيها في الوُجُودِ كَقَوْلِهِ: يا لَهْفَ زِيابَةٍ لِلْحارِثِ الصّابِحِ، فالغانِمِ، فالآيِبِ، أيِ الَّذِي صَبُحَ فَغَنِمَ فَآبَ؛ وإمّا عَلى تَرَتُّبِها في التَّفاوُتِ مِن بَعْضِ الوُجُوهِ، كَقَوْلِكَ: خُذِ الأفْضَلَ فالأفْضَلَ، واعْمَلِ الأحْسَنَ فالأجْمَلَ؛ وإمّا عَلى تَرْتِيبِ (p-٣٥٢)مَوْصُوفاتِها في ذَلِكَ، كَقَوْلِكَ: رَحِمَ اللَّهُ المُحَلِّقِينَ فالمُقَصِّرِينَ. فَإمّا هُنا، فَإنْ وحَّدْتَ المَوْصُوفَ كانَتْ لِلدَّلالَةِ عَلى تَرْتِيبِ الصّافّاتِ في التَّفاضُلِ، فَإذا كانَ المُوَحَّدُ المَلائِكَةَ، فَيَكُونُ الفَضْلُ لِلصَّفِّ، ثُمَّ الزَّجْرِ، ثُمَّ التِّلاوَةِ؛ وإمّا عَلى العَكْسِ، وإنْ تَلِيَتِ المَوْصُوفَ، فَتُرَتَّبُ في الفَضْلِ، فَتَكُونُ الصّافّاتُ ذَواتَ فَضْلٍ، والزّاجِراتُ أفْضَلَ، والتّالِياتُ أبْهَرَ فَضْلًا، أوْ عَلى العَكْسِ. انْتَهى. ومَعْنى العَكْسِ في المَكانَيْنِ: أنَّكَ تَرْتَقِي مِن أفْضَلَ إلى فاضِلٍ إلى مَفْضُولٍ أوْ تَبْدَأُ بِالأدْنى، ثُمَّ بِالفاضِلِ، ثُمَّ بِالأفْضَلِ. وأدْغَمَ ابْنُ مَسْعُودٍ، ومَسْرُوقٌ، والأعْمَشُ، وأبُو عَمْرٍو، وحَمْزَةُ التّاءاتِ الثَّلاثَةَ. والجُمْلَةُ المُقْسَمُ عَلَيْها تَضَمَّنَتْ وحْدانِيَّتَهُ تَعالى، أيْ هو واحِدٌ مِن جَمِيعِ الجِهاتِ الَّتِي يَنْظُرُ فِيها المُتَفَكِّرُونَ خَبَرٌ بَعْدَ خَبَرٍ، عَلى مَذْهَبِ مَن يُجِيزُ تَعْدادَ الأخْبارِ، أوْ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ، وهو أمْدَحُ، أيْ هو رَبٌّ.
وذَكَرَ المَشارِقَ لِأنَّها مَطالِعُ الأنْوارِ، والإبْصارُ بِها أكْلَفُ، وذِكْرُها يُغْنِي عَنْ ذِكْرِ المَغارِبِ، إذْ ذاكَ مَفْهُومٌ مِنَ المَشارِقِ، والمَشارِقُ ثَلاثُمِائَةٍ وسِتُّونَ مَشْرِقًا، وكَذَلِكَ المَغارِبُ. تُشْرِقُ الشَّمْسُ كُلَّ يَوْمٍ مِن مَشْرِقٍ مِنها وتَغْرُبُ في مَغْرِبٍ، ولا تَطْلُعُ ولا تَغْرُبُ في واحِدٍ يَوْمَيْنِ. وثَنَّيَ في ﴿رَبُّ المَشْرِقَيْنِ ورَبُّ المَغْرِبَيْنِ﴾ [الرحمن: ١٧]، بِاعْتِبارِ مَشْرِقِيِّ الصَّيْفِ والشِّتاءِ ومَغْرِبَيْهِما. وقالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: أرادَ تَعالى مَشارِقَ الشَّمْسِ ومَغارِبَها، وهي مِائَةٌ وثَمانُونَ في السَّنَةِ، فِيما يَزْعُمُونَ، مِن أطْوَلِ أيّامِ السَّنَةِ إلى أقْصَرِها.
ثُمَّ أخْبَرَ تَعالى عَنْ قُدْرَتِهِ بِتَزْيِينِ السَّماءِ بِالكَواكِبِ، وانْتِظامِ التَّزْيِينِ أنْ جَعَلَها حِفْظًا وحِذْرًا مِنَ الشَّيْطانِ. انْتَهى. والزِّينَةُ مَصْدَرٌ كالسَّنَةِ، واسْمٌ لِما يُزانُ بِهِ الشَّيْءُ، كاللِّيقَةِ اسْمٌ لِما يُلاقِ بِهِ الدَّواةُ. وقَرَأ الجُمْهُورُ ﴿بِزِينَةٍ الكَواكِبِ﴾ بِالإضافَةِ، فاحْتَمَلَ المَصْدَرُ مُضافًا لِلْفاعِلِ، أيْ بِأنْ زانَتِ السَّماءَ الكَواكِبُ، ومُضافًا لِلْمَفْعُولِ، أيْ بِأنْ زَيَّنَ اللَّهُ الكَواكِبَ. واحْتَمَلَ أنْ يَكُونَ ما يُزانُ بِهِ، والكَواكِبُ بَيانٌ لِلزِّينَةِ؛ لِأنَّ الزِّينَةَ مُبْهَمَةٌ في الكَواكِبِ وغَيْرِها مِمّا يُزانُ بِهِ، أوْ مِمّا زَيَّنَتِ الكَواكِبُ مِن إضاءَتِها وثُبُوتِها. وقَرَأ ابْنُ مَسْعُودٍ، ومَسْرُوقٌ: بِخِلافٍ عَنْهُ؛ وأبُو زُرْعَةَ، وابْنُ وثّابٍ، وطَلْحَةُ: بِزِينَةٍ مُنَوَّنًا، الكَواكِبِ بِالخَفْضِ بَدَلًا مِن زِينَةٍ. وقَرَأ ابْنُ وثّابٍ، ومَسْرُوقٌ: بِخِلافٍ عَنْهُما؛ والأعْمَشُ، وطَلْحَةُ، وأبُو بَكْرٍ: بِزِينَةٍ مُنَوَّنًا، الكَواكِبَ نَصْبًا، فاحْتَمَلَ أنْ يَكُونَ بِزِينَةٍ مَصْدَرًا، (والكَواكِبَ) مَفْعُولًا بِهِ، كَقَوْلِهِ ﴿أوْ إطْعامٌ في يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ يَتِيمًا﴾ [البلد: ١٤] . واحْتَمَلَ أنْ يَكُونَ (الكَواكِبَ) بَدَلًا مِنَ السَّماءِ، أيْ زَيَّنّا كَواكِبَ السَّماءِ. وقَرَأ زَيْدُ بْنُ عَلِيٍّ بِتَنْوِينِ (زِينَةٍ)، ورَفْعِ (الكَواكِبِ) عَلى خَبَرِ مُبْتَدَأٍ، أيْ هو الكَواكِبُ، أوْ عَلى الفاعِلِيَّةِ بِالمَصْدَرِ، أيْ بِأنْ زَيَّنَتِ الكَواكِبُ. ورَفْعُ الفاعِلِ بِالمَصْدَرِ المُنَوَّنِ، زَعَمَ الفَرّاءُ أنَّهُ لَيْسَ بِمَسْمُوعٍ، وأجازَ البَصْرِيُّونَ ذَلِكَ عَلى قِلَّةٍ. وقالَ ابْنُ عَبّاسٍ ﴿بِزِينَةٍ الكَواكِبِ﴾ بِضَوْءِ الكَواكِبِ؛ قِيلَ: ويَجُوزُ أنْ يُرادَ أشْكالُها المُخْتَلِفَةُ، كَشَكْلِ الثُّرَيّا، وبَناتِ نَعْشٍ، والجَوْزاءِ، وغَيْرِ ذَلِكَ، ومَطالِعُها ومَسايِرُها. وخَصَّ (السَّماءَ الدُّنْيا) بِالذِّكْرِ؛ لِأنَّها الَّتِي تُشاهَدُ بِالأبْصارِ؛ والحِفْظُ مِنَ الشَّياطِينِ، إنَّما هو فِيها وحْدَها. وانْتَصَبَ (وحِفْظًا) عَلى المَصْدَرِ، أيْ وحَفِظْناها حِفْظًا، أوْ عَلى المَفْعُولِ مِن أجْلِهِ عَلى زِيادَةِ الواوِ، أوْ عَلى تَأْخِيرِ العامِلِ، أيْ ولِحِفْظِها زَيَّناها بِالكَواكِبِ، وحَمْلًا عَلى مَعْنى ما تَقَدَّمَ؛ لِأنَّ المَعْنى: إنّا خَلَقْنا الكَواكِبَ زِينَةً لِلسَّماءِ وحِفْظًا: وكُلُّ هَذِهِ الأقْوالِ مَنقُولَةٌ، والمارِدُ تَقَدَّمَ شَرْحُهُ في قَوْلِهِ ﴿شَيْطانًا مَرِيدًا﴾ [النساء: ١١٧] في النِّساءِ، وهُناكَ جاءَ ﴿مَرِيدًا﴾ [النساء: ١١٧]، وهُنا ﴿مارِدٍ﴾، مُراعاةً لِلْفَواصِلِ.
﴿لا يَسَّمَّعُونَ إلى المَلَإ الأعْلى﴾ كَلامٌ مُنْقَطِعٌ مُبْتَدَأٌ اقْتِصاصًا لِما عَلَيْهِ حالُ المُسْتَرِقَةِ لِلسَّمْعِ، وأنَّهم لا يَقْدِرُونَ أنْ يَسْتَمِعُوا أوْ يَسَّمَّعُوا، وهم مَقْذُوفُونَ بِالشُّهُبِ مُبْعَدُونَ عَنْ ذَلِكَ، إلّا مَن أُمْهِلَ حَتّى خَطِفَ الخَطْفَةَ واسْتَرَقَ اسْتِراقَةً، فَعِنْدَها تُعاجِلُهُ المَلائِكَةُ بِاتِّباعِ الشِّهابِ الثّاقِبِ. ولا يَجُوزُ أنْ يَكُونَ لا يَسَّمَّعُونَ صِفَةً ولا اسْتِئْنافًا جَوابًا لِسائِلٍ سَألَ لِمَ يُحْفَظُ مِنَ الشَّياطِينِ ؟؛ لِأنَّ الوَصْفَ (p-٣٥٣)كَوْنُهم لا يَسَّمَّعُونَ، أوِ الجَوابُ لا مَعْنى لِلْحِفْظِ مِنَ الشَّياطِينِ عَلى تَقْدِيرِهِما، إذْ يَصِيرُ المَعْنى مَعَ الوَصْفِ: وحِفْظًا مِن كُلِّ شَيْطانٍ مارِدٍ غَيْرِ سامِعٍ أوْ مُسَّمِّعٍ، وكَذَلِكَ لا يَسْتَقِيمُ مَعَ كَوْنِهِ جَوابًا. وقَوْلُ مَن قالَ: إنَّ الأصْلَ لِأنْ لا يَسَّمَّعُوا، فَحُذِفَتِ اللّامُ وإنْ، فارْتَفَعَ الفِعْلُ، قَوْلٌ مُتَعَسِّفٌ يُصانُ كَلامُ اللَّهِ عَنْهُ. وقَرَأ الجُمْهُورُ: لا يَسَّمَّعُونَ: نَفى سَماعَهم، وإنْ كانُوا يَسَّمَّعُونَ بِقَوْلِهِ ﴿إنَّهم عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ﴾ [الشعراء: ٢١٢]، وعَدّاهُ بِإلى لِتَضَمُّنِهِ مَعْنى الإصْغاءِ. وقَرَأ ابْنُ عَبّاسٍ بِخِلافٍ عَنْهُ؛ وابْنُ وثّابٍ، وعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُسْلِمٍ، وطَلْحَةُ، والأعْمَشُ، وحَمْزَةُ، والكِسائِيُّ، وحَفْصٌ: بِشَدِّ السِّينِ والمِيمِ بِمَعْنى لا يَتَسَمَّعُونَ، أُدْغِمَتِ التّاءُ في السِّينِ، وتَقْتَضِي نَفْيَ التَّسَمُّعِ. وظاهِرُ الأحادِيثِ أنَّهم يَتَسَمَّعُونَ حَتّى الآنَ، لَكِنَّهم لا يَسْمَعُونَ؛ وإنْ سَمِعَ أحَدٌ مِنهم شَيْئًا لَمْ يُفْلِتْ حَرَسًا وشُهُبًا مِن وقْتِ بِعْثَةِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وكانَ الرَّجْمُ في الجاهِلِيَّةِ أحَقَّ، فَأمّا كانَتْ ثَمَرَةُ التَّسَمُّعِ هو السَّمْعَ، وقَدِ انْتَفى السَّمْعُ بِنَفْيِ التَّسَمُّعِ في هَذِهِ القِراءَةِ لِانْتِفاءِ ثَمَرَتِهِ، وهو السَّمْعُ. و(المَلَأِ الأعْلى) يَعُمُّ المَلائِكَةَ، والإنْسُ والجِنُّ هُمُ المَلَأُ الأسْفَلُ لِأنَّهم سُكّانُ الأرْضِ. وقالَ ابْنُ عَبّاسٍ: هم أشْرافُ المَلائِكَةِ، وعَنْهُ كِتابُهم.
(ويُقْذَفُونَ) يُرْمَوْنَ ويُرْجَمُونَ، ﴿مِن كُلِّ جانِبٍ﴾ أيْ مِن كُلِّ جِهَةٍ يَصْعَدُونَ إلى السَّماءِ مِنها، والمَرْجُومُ بِها هي الَّتِي يَراها النّاسُ تَنْقُضُ، ولَيْسَتْ بِالكَواكِبِ الجارِيَةِ في السَّماءِ؛ لِأنَّ تِلْكَ لا تُرى حَرَكَتُها، وهَذِهِ الرّاجِمَةُ تُرى حَرَكَتُها لِقُرْبِها مِنّا، قالَهُ مَكِّيٌّ والنَّقّاشُ. وقَرَأ مَحْبُوبٌ عَنِ ابْنِ عَمْرٍو ويَقْذِفُونَ مَبْنِيًّا لِلْفاعِلِ، ودُحُورًا مَصْدَرٌ في مَوْضِعِ الحالِ. قالَ مُجاهِدٌ: مَطْرُودِينَ، أوْ مَفْعُولٌ مِن أجْلِهِ، أيْ ولَوْ يُقْذَفُونَ لِلطَّرْدِ، أوْ مَصْدَرٌ لِيُقْذَفُونَ؛ لِأنَّهُ مُتَضَمِّنُ مَعْنى الطَّرْدِ، أيْ ويُدْحَرُونَ مِن كُلِّ جانِبٍ دُحُورًا، ويُقْذَفُونَ مِن كُلِّ جانِبٍ قَذْفًا. فَإمّا أنْ يَكُونَ التَّجَوُّزُ في ويُقْذَفُونَ، وإمّا في دُحُورًا. وقَرَأ عَلِيٌّ، والسُّلَمِيُّ، وابْنُ أبِي عَبْلَةَ، والطَّبَرانِيُّ عَنْ رِجالِهِ عَنْ أبِي جَعْفَرٍ: دَحُورًا، بِنَصْبِ الدّالِ، أيْ قَذْفًا دَحُورًا، بِنَصْبِ الدّالِ. ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ مَصْدَرًا، كالقَبُولِ والوُلُوغِ، إلّا أنَّ هَذِهِ ألْفاظٌ ذُكِرَ أنَّها مَحْصُورَةٌ. والواصِبُ: الدّائِمُ، قالَهُ السُّدِّيُّ وأبُو صالِحٍ، وتَقَدَّمَ في سُورَةِ النَّحْلِ. ويُقالُ: وصَبَ الشَّيْءُ وُصُوبًا: دامَ. وقالَ مُجاهِدٌ: المُوجِعُ، ومِنهُ الوَصَبُ، كَأنَّ المَعْنى: أنَّهم في الدُّنْيا مَرْجُومُونَ، وفي الآخِرَةِ مُعَذَّبُونَ. ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ هَذا العَذابُ الدّائِمُ لَهم في الدُّنْيا، وهو رَجْمُهم دائِمًا، وعَدَمُ بُلُوغِهِمْ ما يَقْصِدُونَ مِنِ اسْتِراقِ السَّمْعِ.
﴿إلّا مَن خَطِفَ الخَطْفَةَ﴾ (مَن) بَدَلٌ مِنَ الضَّمِيرِ في لا يَسَّمَّعُونَ، ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ مَنصُوبًا عَلى الِاسْتِثْناءِ، أيْ لا يَسْمَعُ الشَّياطِينُ إلّا الشَّيْطانَ الَّذِي خَطِفَ. وقَرَأ الجُمْهُورُ: خَطِفَ ثُلاثِيًا بِكَسْرِ الطّاءِ. وقَرَأ الحَسَنُ، وقَتادَةُ: بِكَسْرِ الخاءِ والطّاءِ مُشَدَّدَةً. قالَ أبُو حاتِمٍ: ويُقالُ هي لُغَةُ بَكْرِ بْنِ وائِلٍ وتَمِيمِ بْنِ مُرَّةَ. وقُرِئَ: خَطِّفَ بِفَتْحِ الخاءِ وكَسْرِ الطّاءِ مُشَدَّدَةً، ونَسَبَها ابْنُ خالَوَيْهِ إلى الحَسَنِ وقَتادَةَ وعِيسى، وعَنِ الحَسَنِ أيْضًا التَّخْفِيفُ. وأصْلُهُ في هاتَيْنِ القِراءَتَيْنِ اخْتَطَفَ، فَفي الأوَّلِ لَمّا سُكِّنَتْ لِلْإدْغامِ، والخاءُ ساكِنَةٌ، كُسِرَتْ لِالتِقاءِ السّاكِنَيْنِ، فَذَهَبَتْ ألِفُ الوَصْلِ وكُسِرَتِ الطّاءُ اتِّباعًا لِحَرَكَةِ الخاءِ. وعَنِ ابْنِ عَبّاسٍ: خِطِفَ بِكَسْرِ الخاءِ والطّاءِ مُخَفَّفَةً، اتْبَعَ حَرَكَةَ الخاءِ لِحَرَكَةِ الطّاءِ، كَما قالُوا نِعِمْ. وقُرِئَ: فَأتْبَعَهُ، مُخَفَّفًا ومُشَدَّدًا. والثّاقِبُ، قالَ السُّدِّيُّ وقَتادَةُ: هو النّافِذُ بِضَوْئِهِ وشُعاعِهِ المُنِيرِ.
{"ayahs_start":1,"ayahs":["وَٱلصَّـٰۤفَّـٰتِ صَفࣰّا","فَٱلزَّ ٰجِرَ ٰتِ زَجۡرࣰا","فَٱلتَّـٰلِیَـٰتِ ذِكۡرًا","إِنَّ إِلَـٰهَكُمۡ لَوَ ٰحِدࣱ","رَّبُّ ٱلسَّمَـٰوَ ٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَمَا بَیۡنَهُمَا وَرَبُّ ٱلۡمَشَـٰرِقِ","إِنَّا زَیَّنَّا ٱلسَّمَاۤءَ ٱلدُّنۡیَا بِزِینَةٍ ٱلۡكَوَاكِبِ","وَحِفۡظࣰا مِّن كُلِّ شَیۡطَـٰنࣲ مَّارِدࣲ","لَّا یَسَّمَّعُونَ إِلَى ٱلۡمَلَإِ ٱلۡأَعۡلَىٰ وَیُقۡذَفُونَ مِن كُلِّ جَانِبࣲ","دُحُورࣰاۖ وَلَهُمۡ عَذَابࣱ وَاصِبٌ","إِلَّا مَنۡ خَطِفَ ٱلۡخَطۡفَةَ فَأَتۡبَعَهُۥ شِهَابࣱ ثَاقِبࣱ"],"ayah":"فَٱلتَّـٰلِیَـٰتِ ذِكۡرًا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق