الباحث القرآني

(p-٣٥٤)﴿فاسْتَفْتِهِمْ أهم أشَدُّ خَلْقًا أمْ مَن خَلَقْنا إنّا خَلَقْناهم مِن طِينٍ لازِبٍ﴾ ﴿بَلْ عَجِبْتَ ويَسْخَرُونَ﴾ ﴿وإذا ذُكِّرُوا لا يَذْكُرُونَ﴾ ﴿وإذا رَأوْا آيَةً يَسْتَسْخِرُونَ﴾ ﴿وقالُوا إنْ هَذا إلّا سِحْرٌ مُبِينٌ﴾ ﴿أئِذا مِتْنا وكُنّا تُرابًا وعِظامًا أئِنّا لَمَبْعُوثُونَ﴾ ﴿أوَآباؤُنا الأوَّلُونَ﴾ ﴿قُلْ نَعَمْ وأنْتُمْ داخِرُونَ﴾ ﴿فَإنَّما هي زَجْرَةٌ واحِدَةٌ فَإذا هم يَنْظُرُونَ﴾ ﴿وقالُوا ياوَيْلَنا هَذا يَوْمُ الدِّينِ﴾ ﴿هَذا يَوْمُ الفَصْلِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ﴾ . الِاسْتِفْتاءُ نَوْعٌ مِنَ السُّؤالِ، والهَمْزَةُ وإنْ خَرَجَتْ إلى مَعْنى التَّقْرِيرِ فَهي في الأصْلِ لِمَعْنى الِاسْتِفْهامِ، أيْ: فاسْتَخْبِرْهم، والضَّمِيرُ لِمُشْرِكِي مَكَّةَ. وقِيلَ: نَزَلَتْ في أبِي الأشَدِّ بْنِ كَلَدَةَ، وكُنِّيَ بِذَلِكَ لِشِدَّةِ بَطْشِهِ وقُوَّتِهِ. وعادَلَ في هَذا الِاسْتِفْهامِ التَّقْرِيرِيِّ في الأشُدِّيَّةِ بَيْنَهم وبَيْنَ مَن خَلَقَ مِن غَيْرِهِمْ مِنَ الأُمَمِ والجِنِّ والمَلائِكَةِ والأفْلاكِ والأرَضِينَ. وفي مُصْحَفِ عَبْدِ اللَّهِ: أمْ مَن عَدَدْنا، وهو تَفْسِيرٌ لِمَن خَلَقْنا، أيْ مَن عَدَدْنا مِنَ الصّافّاتِ وما بَعْدَها مِنَ المَخْلُوقِينَ. وغُلِّبَ العاقِلُ عَلى غَيْرِهِ في قَوْلِهِ ﴿مَن خَلَقْنا﴾، واقْتَصَرَ عَلى الفاعِلِ في ﴿خَلَقْنا﴾، ولَمْ يَذْكُرْ مُتَعَلِّقَ الخَلْقِ اكْتِفاءً بِبَيانِ ما تَقَدَّمَهُ، وكَأنَّهُ قالَ: أمْ مَن خَلَقْنا مِن غَرائِبِ المَصْنُوعاتِ وعَجائِبِها. وقَرَأ الأعْمَشُ: أمَن بِتَخْفِيفِ المِيمِ دُونَ أمْ، جَعَلَهُ اسْتِفْهامًا ثانِيًا تَقْرِيرًا أيْضًا، فَهُما جُمْلَتانِ مُسْتَقِلَّتانِ في التَّقْرِيرِ، ومَن مُبْتَدَأٌ، والخَبَرُ مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ أشَدُّ. فَعَلى أمْ مَن هو تَقْرِيرٌ واحِدٌ ونَظِيرُهُ ﴿أأنْتُمْ أشَدُّ خَلْقًا أمِ السَّماءُ﴾ [النازعات: ٢٧] . قالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: وأشَدُّ خَلْقًا يَحْتَمِلُ أقْوى خَلْقًا، مِن قَوْلِهِمْ: شَدِيدُ الخَلْقِ، وفي خَلْقِهِ شِدَّةٌ، وأصْعَبُ خَلْقًا. وأشَدُّ خَلْقًا وأشَقُّهُ يَحْتَمِلُ أقْوى خَلْقًا مِن قَوْلِهِمْ: شَدِيدُ الخَلْقِ، وفي خَلْقِهِ شِدَّةٌ، عَلى مَعْنى الرَّدِّ، لِإنْكارِهِمُ البَعْثَ والنَّشْأةَ الأُخْرى. وإنَّ مَن هانَ عَلَيْهِ خَلْقُ هَذِهِ الخَلائِقِ العَظِيمَةِ، ولَمْ يَصْعُبْ عَلَيْهِ اخْتِراعُها، كانَ خَلْقُ البَشَرِ عَلَيْهِ أهْوَنَ. وخَلْقُهم مِن طِينٍ لازِبٍ، إمّا شَهادَةٌ عَلَيْهِمْ بِالضَّعْفِ والرَّخاوَةِ؛ لِأنَّ ما يُصْنَعُ مِنَ الطِّينِ غَيْرُ مَوْصُوفٍ بِالصَّلابَةِ والقُوَّةِ؛ أوِ احْتِجاجٌ عَلَيْهِمْ بِأنَّ الطِّينَ اللّازِبَ الَّذِي خُلِقُوا مِنهُ تُرابٌ. فَمِن أيْنَ اسْتَنْكَرُوا أنْ يُخْلَقُوا مِن تُرابٍ مِثْلِهِ ؟ قالُوا ﴿أئِذا كُنّا تُرابًا﴾ [الرعد: ٥]، وهَذا المَعْنى يُعَضِّدُهُ ما يَتْلُوهُ مِن ذِكْرِ إنْكارِهِمُ البَعْثَ. انْتَهى. والَّذِي يَظْهَرُ الِاحْتِمالُ الأوَّلُ. وقِيلَ ﴿أمْ مَن خَلَقْنا﴾ مِنَ الأُمَمِ الماضِيَةِ، كَقَوْلِهِ ﴿وكَمْ أهْلَكْنا قَبْلَهم مِن قَرْنٍ هم أشَدُّ مِنهم بَطْشًا﴾ [ق: ٣٦]، وقَوْلِهِ ﴿وكانُوا أشَدَّ مِنكم قُوَّةً﴾ [التوبة: ٦٩]، وأضافَ الخَلْقَ مِنَ الطِّينِ إلَيْهِمْ، والمَخْلُوقُ مِنهُ هو أبُوهم آدَمُ، إذْ كانُوا نَسْلَهُ. وقالَ الطَّبَرِيُّ: خُلِقَ ابْنُ آدَمَ مِن تُرابٍ وماءٍ ونارٍ وهَواءٍ، وهَذا كُلُّهُ إذا خُلِطَ صارَ طِينًا لازِبًا يَلْزَمُ ما جاوَرَهُ. وعَنِ ابْنِ عَبّاسٍ: (اللّازِبِ) بِالجَرِّ، أيِ الكَرِيمِ الجَيِّدِ. وقَرَأ الجُمْهُورُ ﴿بَلْ عَجِبْتَ﴾، بِتاءِ الخِطابِ، أيْ مِن قُدْرَةِ اللَّهِ عَلى هَذِهِ الخَلائِقِ العَظِيمَةِ، وهم يَسْخَرُونَ مِنكَ ومِن تَعَجُّبِكَ، ومِمّا تُرِيهِمْ مِن آثارِ قُدْرَةِ اللَّهِ، أوْ عَجِبْتَ مِن إنْكارِهِمُ البَعْثَ، وهم يَسْخَرُونَ مِن أمْرِ البَعْثِ. أوْ عَجِبْتَ مِن إعْراضِهِمْ عَنِ الحَقِّ وعَماهم عَنِ الهُدى، وأنْ يَكُونُوا كافِرِينَ مَعَ ما جِئْتُمْ بِهِ مِن عِنْدِ اللَّهِ. وقَرَأ حَمْزَةُ، والكِسائِيُّ، وابْنُ سَعْدانَ، وابْنُ مِقْسَمٍ: بِياءِ المُتَكَلِّمِ. ورُوِيَتْ عَنْ عَلِيٍّ، وعَبْدِ اللَّهِ، وابْنِ عَبّاسٍ، والنَّخَعِيِّ، وابْنِ وثّابٍ، وطَلْحَةَ، وشَقِيقٍ، والأعْمَشِ. وأنْكَرَ شُرَيْحٌ القاضِي هَذِهِ القِراءَةَ. وقالَ: اللَّهُ لا يَعْجَبُ، فَقالَ إبْراهِيمُ: كانَ شُرَيْحٌ مُعْجَبًا بِعِلْمِهِ، وعَبْدُ اللَّهِ أعْلَمَ مِنهُ، يَعْنِي عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ. والظّاهِرُ أنَّ ضَمِيرَ المُتَكَلِّمِ هو لِلَّهِ تَعالى، والعَجَبُ لا يَجُوزُ عَلى اللَّهِ تَعالى؛ لِأنَّهُ رَوْعَةٌ تَعْتَرِي المُتَعَجِّبَ مِنَ الشَّيْءِ. وقَدْ جاءَ في الحَدِيثِ إسْنادُ العَجَبِ إلى اللَّهِ تَعالى، وتُئُوِّلَ عَلى أنَّهُ صِفَةُ فِعْلٍ يُظْهِرُها اللَّهُ تَعالى في صِفَةِ المُتَعَجَّبِ مِنهُ مِن تَعْظِيمٍ أوْ تَحْقِيرٍ حَتّى يَصِيرَ النّاسُ مُتَعَجِّبِينَ مِنهُ. فالمَعْنى: بَلْ عَجِبْتُ مِن ضَلالَتِهِمْ وسُوءِ عَمَلِهِمْ، وجَعَلْتُها لِلنّاظِرِينَ فِيها وفِيما اقْتَرَنَ فِيها مِن شَرْعِي وهُدايَ مُتَعَجَّبًا. وقالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: أيْ بَلَغَ مِن عَظِيمِ آياتِي وكَثْرَةِ خَلائِقِي أنِّي عَجِبْتُ مِنها، فَكَيْفَ بِعِبادِي وهَؤُلاءِ، (p-٣٥٥)لِجَهْلِهِمْ وعِنادِهِمْ، يَسْخَرُونَ مِن آياتِي ؟ أوْ عَجِبْتُ مِن أنْ يُنْكِرُوا البَعْثَ مِمَّنْ هَذِهِ أفْعالُهُ، وهم يَسْخَرُونَ بِمَن يَصِفُ اللَّهَ بِالقُدْرَةِ عَلَيْهِ، قالَ: ويُجَرَّدُ العَجَبُ لِمَعْنى الِاسْتِعْظامِ، أوْ يُخَيَّلُ العَجَبُ ويُفْرَضُ. وقِيلَ: هو ضَمِيرُ الرَّسُولِ، أيْ قُلْ بَلْ عَجِبْتُ. قالَ مَكِّيٌّ، وعَلِيُّ بْنُ سُلَيْمانَ: وهم يَسْخَرُونَ مِن نُبُوَّتِكَ والحَقِّ الَّذِي عِنْدَكَ. ﴿وإذا ذُكِّرُوا﴾ ووُعِظُوا، ﴿لا يَذْكُرُونَ﴾، ولا يَتَّعِظُونَ. وذَكَرَ جَناحُ بْنُ حُبَيْشٍ: ذَكَرُوا، بِتَخْفِيفِ الكافِ. رُوِيَ أنَّ رُكانَةَ رَجُلًا مِنَ المُشْرِكِينَ مِن أهْلِ مَكَّةَ لَقِيَهُ الرَّسُولُ في جَبَلٍ خالٍ يَرْعى غَنَمًا لَهُ، وكانَ مِن أقْوى النّاسِ، فَقالَ لَهُ: ”يا رُكانَةُ، أرَأيْتَ إنْ صَرَعْتُكَ أتُؤْمِنُ بِي“ ؟ قالَ: نَعَمْ، فَصَرَعَهُ ثَلاثًا، ثُمَّ عَرَضَ عَلَيْهِ آياتٍ مِن دُعاءِ شَجَرَةٍ وإقْبالِها، فَلَمْ يُؤْمِن، وجاءَ إلى مَكَّةَ فَقالَ: يا بَنِي هاشِمٍ، ساحِرُوا بِصاحِبِكم أهْلَ الأرْضِ، فَنَزَلَتْ فِيهِ وفي نُظَرائِهِ ﴿وإذا رَأوْا آيَةً يَسْتَسْخِرُونَ﴾ . قالَ مُجاهِدٌ، وقَتادَةُ: يَسْخَرُونَ، يَكُونُ اسْتَفْعَلَ بِمَعْنى المُجَرَّدِ. وقِيلَ: فِيهِ مَعْنى الطَّلَبِ، أيْ يَطْلُبُونَ أنْ يَكُونُوا مِمَّنْ يَسْخَرُونَ. وقالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: يُبالِغُونَ في السُّخْرِيَةِ، أوْ يَسْتَدْعِي بَعْضُهم مِن بَعْضٍ أنْ يَسْخَرَ مِنها. وقُرِئَ: يَسْتَسْحِرُونَ، بِالحاءِ المُهْمَلَةِ، وهو عِبارَةٌ عَنْ ما قالَ رُكانَةُ: لَأسْحَرَنَّ الرَّسُولَ. والإشارَةُ بِهَذا إلى ما ظَهَرَ عَلى يَدَيْهِ - عَلَيْهِ السَّلامُ - مِنَ الخارِقِ المُعْجِزِ. وتَقَدَّمَ الخِلافُ في كَسْرِ مِيمِ (مِتْنا) وضَمِّها. ومَن قَرَأ (أئِذا) بِالِاسْتِفْهامِ، فَجَوابُ (إذا) مَحْذُوفٌ، أيْ (نُبْعَثُ)، ويَدُلُّ عَلَيْهِ إنّا لَمَبْعُوثُونَ، أوْ يُعَرّى عَنِ الشَّرْطِ ويَكُونُ ظَرْفًا مَحْضًا، ويُقَدَّرُ العامِلُ: أنُبْعَثُ إذا مِتْنا ؟ وقَرَأ الجُمْهُورُ (أوَآباؤُنا) بِفَتْحِ الواوِ في (أوَ) . وقَرَأ أبُو جَعْفَرٍ، وشَيْبَةُ، وابْنُ عامِرٍ، ونافِعٌ في رِوايَةِ قالُونَ: بِالسُّكُونِ، فَهي حَرْفُ عَطْفٍ، ومَن فَتَحَ قالُوا وحَرْفُ عَطْفٍ دَخَلَتْ عَلَيْهِ هَمْزَةُ الِاسْتِفْهامِ. قالَ الزَّمَخْشَرِيُّ (أوَآباؤُنا) مَعْطُوفٌ عَلى مَحَلِّ إنَّ واسْمِها، أوْ عَلى الضَّمِيرِ في مَبْعُوثُونَ. والَّذِي جَوَّزَ العَطْفَ عَلَيْهِ الفَصْلُ بِهَمْزَةِ الِاسْتِفْهامِ، والمَعْنى: أيُبْعَثُ أيْضًا آباؤُنا ؟ عَلى زِيادَةِ الِاسْتِبْعادِ، يَعْنُونَ أنَّهم أقْدَمُ، فَبَعْثُهم أبْعَدُ وأبْطَلُ. انْتَهى. أمّا قَوْلُهُ مَعْطُوفٌ عَلى مَحَلِّ (إنَّ) واسْمِها فَمَذْهَبُ سِيبَوَيْهِ خِلافُهُ؛ لِأنَّ قَوْلَكَ: إنَّ زَيْدًا قائِمٌ وعَمْرٌو، فِيهِ مَرْفُوعٌ عَلى الِابْتِداءِ، وخَبَرُهُ مَحْذُوفٌ. وأمّا قَوْلُهُ: أوْ عَلى الضَّمِيرِ في (مَبْعُوثُونَ) إلى آخِرِهِ، فَلا يَجُوزُ عَطْفُهُ عَلى الضَّمِيرِ؛ لِأنَّ هَمْزَةَ الِاسْتِفْهامِ لا تَدْخُلُ إلّا عَلى الجُمَلِ، لا عَلى المُفْرَدِ؛ لِأنَّهُ إذا عُطِفَ عَلى المُفْرَدِ كانَ الفِعْلُ عامِلًا في المُفْرَدِ بِوَساطَةِ حَرْفِ العَطْفِ، وهَمْزَةُ الِاسْتِفْهامِ لا يَعْمَلُ فِيما بَعْدَها ما قَبْلَها. فَقَوْلُهُ (أوَآباؤُنا) مُبْتَدَأٌ، خَبَرُهُ مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ مَبْعُوثُونَ، ويَدُلُّ عَلَيْهِ ما قَبْلَهُ. فَإذا قُلْتَ: أقامَ زَيْدٌ أوْ عَمْرٌو، فَعَمْرٌو مُبْتَدَأٌ مَحْذُوفُ الخَبَرِ لِما ذَكَرْنا، واسْتِفْهامُهم تَضَمَّنَ إنْكارًا واسْتِبْعادًا، فَأمَرَ اللَّهُ نَبِيَّهُ أنْ يُجِيبَهم بِـ (نَعَمْ) . ﴿وأنْتُمْ داخِرُونَ﴾ أيْ صاغِرُونَ، وهي جُمْلَةٌ حالِيَّةٌ، العامِلُ فِيها مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ نَعَمْ تُبْعَثُونَ، وزادَهم في الجَوابِ أنَّ بَعْثَهم وهم مُلْتَبِسُونَ بِالصَّغارِ والذُّلِّ. وقَرَأ ابْنُ وثّابٍ: نَعِمْ بِكَسْرِ العَيْنِ، وتَقَدَّمَ الخِلافُ فِيها في سُورَةِ الأعْرافِ، وهي كِنايَةٌ عَنِ البَعْثَةِ، فَإنَّما بَعْثَتُهم (زَجْرَةٌ) أيْ صَيْحَةٌ، وهي النَّفْخَةُ الثّانِيَةُ. لَمّا كانَتْ بَعْثَتُهم ناشِئَةً عَنِ الزَّجْرَةِ جُعِلَتْ إيّاها مَجازًا. وقالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: هي مُبْهَمَةٌ يُوَضِّحُها خَبَرُها. انْتَهى. وكَثِيرًا ما يَقُولُ هو وابْنُ مالِكٍ أنَّ الضَّمِيرَ يُفَسِّرُهُ الخَبَرُ، وجَعَلَ مِن ذَلِكَ ابْنُ مالِكٍ ﴿إنْ هي إلّا حَياتُنا الدُّنْيا﴾ [الأنعام: ٢٩]، وتَكَلَّمْنا مَعَهُ في ذَلِكَ في شَرْحِ التَّسْهِيلِ. وقالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: فَإنَّما جَوابُ شَرْطٍ مُقَدَّرٍ، وتَقْدِيرُهُ: إذا كانَ ذَلِكَ، فَما هي إلّا زَجْرَةٌ واحِدَةٌ. انْتَهى. وكَثِيرًا ما تُضَمَّنُ (p-٣٥٦)جُمْلَةُ الشَّرْطِ قَبْلَ فاءٍ إذا ساغَ تَقْدِيرُهُ، ولا ضَرُورَةَ تَدْعُو إلى ذَلِكَ، ولا يُحْذَفُ الشَّرْطُ ويَبْقى جَوابُهُ إلّا إذا انْجَزَمَ الفِعْلُ في الَّذِي يُطْلَقُ عَلَيْهِ أنَّهُ جَوابُ الأمْرِ والنَّهْيِ، وما ذُكِرَ مَعَهُما عَلى قَوْلِ بَعْضِهِمْ، إمّا ابْتِداءٌ فَلا يَجُوزُ حَذْفُهُ. و(يَنْظَرُونَ) مِنَ النَّظَرِ، أيْ فَإذا هم بُصَراءُ يَنْظُرُونَ، أوْ مِنَ الِانْتِظارِ، أيْ فَإذا هم يَنْتَظِرُونَ ما يُفْعَلُ بِهِمْ وما يُؤْمَرُونَ بِهِ. والظّاهِرُ أنَّ قَوْلَهُ (يا ويْلَنا) مِن كَلامِ بَعْضِ الكُفّارِ لِبَعْضٍ، إلى آخِرِ الجُمْلَتَيْنِ، أقَرُّوا بِأنَّهُ يَوْمُ الجَزاءِ، وأنَّهُ يَوْمُ الفَصْلِ، وخاطَبَ بَعْضُهم بَعْضًا. ووَقَفَ أبُو حاتِمٍ عَلى قَوْلِهِ (يا ويْلَنا)، وجَعَلَ ﴿هَذا يَوْمُ الدِّينِ﴾ إلى آخِرِهِ مِن قَوْلِ اللَّهِ لَهم أوِ المَلائِكَةِ. وقِيلَ ﴿هَذا يَوْمُ الدِّينِ﴾ مِن كَلامِ الكَفَرَةِ، و﴿هَذا يَوْمُ الفَصْلِ﴾ لَيْسَ مِن كَلامِهِمْ، وإنَّما المَعْنى يُقالُ لَهم هَذا يَوْمُ الفَصْلِ. ويَوْمُ الدِّينِ: يَوْمُ الجَزاءِ والمُعاوَضَةِ، ويَوْمُ الفَصْلِ: يَوْمُ الفَرْقِ بَيْنَ فِرَقِ الهُدى وفِرَقِ الضَّلالِ. وفي ﴿الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ﴾ تَوْبِيخٌ لَهم وتَقْرِيعٌ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب