الباحث القرآني

وقوله: وَإِذا رَأَوْا آيَةً يَسْتَسْخِرُونَ يريدُ بالآية: العلامةَ والدلالة، ورُوِيَ أنَّها نزلتْ في رُكَانة وَهُوَ رَجُلٌ من المشركينَ من أهل مكة لقيه النبيّ ﷺ في جَبَلٍ خَالٍ وهُوَ يرعى غَنَماً له وكانَ أقوى أهْلِ زَمانِه، فقال له النبيُّ ﷺ: «يَا رُكَانَةُ أَرَأَيْتَ إنْ صَرَعْتُكَ أَتُؤْمِنُ بِي؟ قال: نعم، فصرعه النبيّ ﷺ ثَلاَثاً، ثُمَّ عَرَضَ عَلَيْهِ آيَاتٍ مِنْ دُعَاءِ شجرة وإقبالها، ونَحْوَ ذَلك مما اخْتَلَفَتْ فيه ألفاظُ الحديثِ، فَلَمَّا فَرَغَ ذلكَ لَم يُؤْمِنْ، وجاءَ إلى مَكَّةَ، فَقَالَ: يَا بني هَاشِمٍ، سَاخِرُوا بِصَاحِبِكُمْ أَهْلَ الأرضِ، فنزلَتْ هذه الآية فيه وفي نظرائه، ويَسْتَسْخِرُونَ قال مجاهد وقتادة: معناه: يَسْخَرُونَ [[أخرجه الطبري في «تفسيره» (10/ 477) برقم: (29302) عن قتادة وبرقم: (29303) عن مجاهد، وذكره ابن عطية في «تفسيره» (4/ 468) ، وابن كثير في «تفسيره» (4/ 4) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (5/ 513) ، وعزاه لعبد بن حميد، وابن أبي حاتم عن قتادة، ولعبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مجاهد.]] ، ثم أمر تعالى نبيَّه أن يُجِيبَ تَقْرِيرَهُمْ واستفهامهم عَنِ البَعْثِ ب نَعَمْ، وأن يزيدَهُمْ في الجواب، أنَّهُمْ معَ البعث في صَغَارٍ وذلَّةٍ واستكانةٍ، والدَّاخِرُ: الصَّاغِرُ الذليلُ، وقَدْ تَقَدَّمَ بيانهُ غيرَ ما مَرَّةٍ، والزَّجْرَةُ الواحدةُ: هِيَ نَفْخَةُ البَعْثِ، قال العراقيّ: الزّجرة: الصّيحة بانتهار، انتهى. والدِّينِ: الجزاءُ، وأجمَع المفسِّرُونَ على أن قولَه تعالى: هذا يَوْمُ الْفَصْلِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ لَيْسَ هو من قولِ الكَفَرَةِ وإنما المعنى: يُقَالُ لهُم. وقوله: وَأَزْواجَهُمْ معناه: أنوَاعُهُم وضُرَباؤهم قاله عمر وابن عبّاس وقتادة [[أخرجه الطبري في «تفسيره» (10/ 479) برقم: (29312) عن عمر بن الخطاب وبرقم: (29313) عن ابن عبّاس، وذكره ابن عطية في «تفسيره» (4/ 468) ، وابن كثير في «تفسيره» (4/ 4) عن عمر، والسيوطي في «الدر المنثور» (5/ 513) ، وعزاه لعبد الرزاق، والفريابي، وابن أبي شيبة، وابن منيع في مسنده، وعبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والحاكم وصححه، وابن مردويه، والبيهقي في «البعث» من طرق النعمان بن بشير عن عمر، وللفريابي، وسعيد بن منصور، وابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والبيهقي في «البعث» عن ابن عبّاس، ولعبد بن حميد، وابن مردويه، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن قتادة.]] ، ومعهم ما كانُوا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ آدَمِيٍّ رَضِيَ بذلكَ، ومن صَنَمٍ وَوَثَنٍ توبيخاً لهم وإظهاراً لِسُوءِ حالهم، وقال الحسنُ: أَزْواجَهُمْ نساؤهم المشركاتُ: وقاله ابن عباس أيضاً [[ذكره ابن عطية في «تفسيره» (4/ 469) عن الحسن وابن عبّاس، وذكره ابن كثير في «تفسيره» (4/ 4) عن ابن عبّاس.]] . وقوله تعالى: فَاهْدُوهُمْ معناه: قَدِّمُوهم واحملوهم على طريق الجحيم، ثم يأمر اللَّهُ تعالى بوقوفهم- على جِهَةِ التَّوْبِيخِ لهم- والسؤال، قال جمهور المفسرين: يُسْأَلُونَ عن أعمالهم ويُوقَفُونَ على قُبْحِها، وقد تقدَّم قوله ﷺ: «لاَ تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ ... » الحديثَ، قال ع [[ينظر: «المحرر الوجيز» (4/ 469) .]] : ويَحْتَمِلُ عندي أنْ يكونَ المعنى على نحوِ ما فسّره تعالى بقوله: ما لَكُمْ لا تَناصَرُونَ أي: إنهم مسؤولون عن امْتِنَاعِهم عن التَّنَاصُرِ وهذا على جهة التَّوْبِيخِ، وقرأ خلق [[وقع في المطبوعة: «وقرأ خالد» ، وهو تحريف، والصواب: خلق، كما أثبتناه. وينظر: «المحرر الوجيز» (4/ 469) .]] «لا تَتَنَاصَرُونَ» . ت: قال عِيَاضٌ في «المدارك» : كان أبو إسْحَاقَ الجبنياني ظَاهِرَ الحُزْنِ، كثيرَ الدَّمْعَةِ يَسْرُدُ الصِّيَامَ، قال ولده أبو الطاهِر: قال لي أبي: إن إنساناً بقي في آية سنةً لَمْ يَتَجَاوَزْهَا، وهي قوله تعالى: وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُلُونَ فقلتُ له: أَنْتَ هُوَ؟ فَسَكَتَ، فعلمتُ أَنَّه/ هو، وكانَ إذا دَخَلَ في الصَّلاَةِ: لَوْ سَقَطَ البيتُ الذي هو فيه، ما التَفَتَ، إقبالاً على صَلاَتِهِ، واشتغالا بمناجَاة ربِّهِ، وكانَ رَحِمَهُ اللَّهُ مِنْ أَشَدِّ النَّاسِ تَضْيِيقاً على نَفْسِهِ ثم عَلى أَهْلِه، وكان يأكلُ البَقْلَ البَرِّيَّ والجَرَادَ إذا وَجَدَهُ ويَطْحَنُ قُوتَهُ بِيَدِهِ شَعِيراً، ثُم يَجْعَلُهُ بِنُخَالَتِهِ دَقِيقاً في قِدْرٍ مع مَا وَجَدَ مِنْ بَقْلٍ بَرِّيٍّ وَغيرِه، حتى إِنّه رُبَّما رَمَى بِشَيْءٍ مِنْهُ لِكَلْبٍ أَو هِرٍّ فَلا يَأْكُلُهُ، وكانَ لِبَاسُهُ يَجْمَعُهُ من خرق المزابل ويرقّعه، وَكَانَ يَتَوَطَّأُ الرَّمْلَ، وَفي الشِّتَاءِ يَأْخُذُ قِفَافَ المَعَاصِرِ المُلْقَاةِ على المَزَابِلِ يجعلُها تَحْتَهُ، قال وَلَدُهُ أبو الطَّاهِرِ: وكنَّا إذا بَقِينَا بلا شَيْءٍ نَقْتَاتُهُ، كُنْتُ أَسْمَعُهُ في اللَّيْل يَقُولُ: [البسيط] مَالِي تِلاَدٌ ولاَ استطرفت مِنْ نَشَب ... وَمَا أُؤمِّلُ غَيْرَ اللَّهِ مِنْ أَحَدٍ إنَّ الْقُنُوعَ بِحَمْدِ اللَّهِ يَمْنَعُنِي ... مِنَ التَّعَرُّضِ للمَنَّانَةِ النكد انتهى.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب