الباحث القرآني

(p-٣٠٥)﴿قالَتْ فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ ولَقَدْ راوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فاسْتَعْصَمَ ولَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ ما آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ ولَيَكُونًا مِنَ الصّاغِرِينَ﴾ ﴿قالَ رَبِّ السِّجْنُ أحَبُّ إلَيَّ مِمّا يَدْعُونَنِي إلَيْهِ وإلّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أصْبُ إلَيْهِنَّ وأكُنْ مِنَ الجاهِلِينَ﴾ ﴿فاسْتَجابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إنَّهُ هو السَّمِيعُ العَلِيمُ﴾ ﴿ثُمَّ بَدا لَهم مِن بَعْدِ ما رَأوُا الآياتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتّى حِينٍ﴾ (ذا) اسْمُ الإشارَةِ، واللّامُ لِبُعْدِ المُشارِ، و(كُنَّ) خِطابٌ لِتِلْكَ النِّسْوَةِ، واحْتَمَلَ أنْ يَكُونَ لَمّا رَأى دَهْشَهُنَ وتَقْطِيعَ أيْدِيهِنَّ بِالسَّكاكِينِ وقَوْلِهِنَّ: ﴿ما هَذا بَشَرًا﴾ [يوسف: ٣١] بَعُدَ عَنْهُنَّ إبْقاءً عَلَيْهِنَّ في أنْ لا تَزْدادَ فِتْنَتُهُنَّ، وفي أنْ يَرْجِعْنَ إلى حُسْنِهِنَّ، فَأشارَتْ إلَيْهِ بِاسْمِ الإشارَةِ الَّذِي لِلْبَعِيدِ، ويُحْتَمَلُ أنْ تَكُونَ (أشارَتْ إلَيْهِ) وهو لِلْبُعْدِ قَرِيبٌ بِلَفْظِ البَعِيدِ رَفْعًا لِمَنزِلَتِهِ في الحُسْنِ، واسْتِبْعادًا لِمَحَلِّهِ فِيهِ، وأنَّهُ لِغَرابَتِهِ بَعِيدٌ أنْ يُوجَدَ مِنهُ، واسْمُ الإشارَةِ تَضَمَّنَ الأوْصافَ السّابِقَةَ (p-٣٠٦)فِيهِ كَأنَّهُ قِيلَ: الَّذِي قَطَعْتُنَّ أيْدِيَكُنَّ بِسَبَبِهِ وأكْبَرْتُنَّهُ وقُلْتُنَّ فِيهِ ما قُلْتُنَّ مِن نَفْيِ البَشَرِيَّةِ عَنْهُ وإثْباتِ المَلَكِيَّةِ لَهُ (هو الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ) أيْ: في مَحَبَّتِهِ وشَغَفِي بِهِ، قالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ إشارَةً إلى المَعْنى بِقَوْلِهِنَّ: عَشِقَتْ عَبْدَها الكَنْعانِيَّ تَقُولُ: هَذا ذَلِكَ العَبْدُ الكَنْعانِيُّ الَّذِي صَوَّرْتُنَّ في أنْفُسِكُنَّ ثُمَّ لُمْتُنَّنِي فِيهِ، يَعْنِي: إنَّكُنَّ لَوْ تُصَوِّرْنَهُ بِحَقٍّ صُورَتِهِ، ولَوْ صَوَّرْتُنَّهُ بِما عايَنْتُنَّ لَعَذَرْتُنَّنِي في الِافْتِتانِ بِهِ، انْتَهى. والضَّمِيرُ في (فِيهِ) عائِدٌ عَلى يُوسُفَ، وقالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: ويَجُوزُ أنْ تَكُونَ الإشارَةُ إلى حُبِّ يُوسُفَ، والضَّمِيرُ عائِدٌ عَلى الحُبِّ، فَيَكُونُ ذَلِكَ إشارَةً إلى غائِبٍ عَلى بابِهِ، انْتَهى. ثُمَّ أقَرَّتِ امْرَأةُ العَزِيزِ لِلنِّسْوَةِ بِالمُراوَدَةِ، واسْتَنامَتْ إلَيْهِنَّ في ذَلِكَ؛ إذْ عَلِمَتْ أنَّهُنَّ قَدْ عَذَرْنَها. ﴿فاسْتَعْصَمَ﴾ قالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: مَعْناهُ طَلَبَ العِصْمَةَ، وتَمَسَّكَ بِها وعَصانِي، وقالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: والِاسْتِعْصامُ بِناءُ مُبالَغَةٍ يَدُلُّ عَلى الِامْتِناعِ البَلِيغِ والتَّحَفُّظِ الشَّدِيدِ، كَأنَّهُ في عِصْمَةٍ وهو يَجْتَهِدُ في الِاسْتِزادَةِ مِنها، ونَحْوَ: اسْتَمْسَكَ، واسْتَوْسَعَ، واسْتَجْمَعَ الرَّأْيَ، واسْتَفْحَلَ الخَطْبُ، وهَذا بَيانٌ لِما كانَ مِن يُوسُفَ - عَلَيْهِ السَّلامُ - لا مَزِيدَ عَلَيْهِ، وبُرْهانٌ لا شَيْءَ أنْوَرُ مِنهُ عَلى أنَّهُ بَرِيءٌ مِمّا أضافَ إلَيْهِ أهْلُ الحَشْوِ مِمّا فَسَّرُوا بِهِ الهَمَّ والبُرْهانَ، انْتَهى. والَّذِي ذَكَرَ التَّصْرِيفِيُّونَ في اسْتَعْصَمَ أنَّهُ مُوافِقٌ لِاعْتَصَمَ، فاسْتَفْعَلَ فِيهِ مُوافِقٌ لِافْتَعَلَ، وهَذا أجْوَدُ مِن جَعْلِ اسْتَفْعَلَ فِيهِ لِلطَّلَبِ؛ لِأنَّ اعْتَصَمَ يَدُلُّ عَلى وُجُودِ اعْتِصامِهِ، وطَلَبَ العِصْمَةِ لا يَدُلُّ عَلى حُصُولِها، وأمّا أنَّهُ بِناءُ مُبالَغَةٍ يَدُلُّ عَلى الِاجْتِهادِ في الِاسْتِزادَةِ مِنَ العِصْمَةِ، فَلَمْ يَذْكُرِ التَّصْرِيفِيُّونَ هَذا المَعْنى لِاسْتَفْعَلَ، وأمّا اسْتَمْسَكَ واسْتَوْسَعَ واسْتَجْمَعَ الرَّأْيَ فاسْتَفْعَلَ فِيهِ مُوافَقَةٌ لِافْتَعَلَ، والمَعْنى: امْتَسَكَ واتَّسَعَ واجْتَمَعَ الرَّأْيَ، وأمّا اسْتَفْحَلَ الخَطْبُ فاسْتَفْعَلَ فِيهِ مُوافَقَةٌ لِتَفَعَّلَ أيْ: تَفَحَّلَ الخَطْبُ نَحْوَ: اسْتَكْبَرَ وتَكَبَّرَ، ثُمَّ جَعَلَتْ تَتَوَعَّدُهُ مُقْسِمَةً عَلى ذَلِكَ وهو يَسْمَعُ قَوْلَها بِقَوْلِها: ﴿ولَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ ما آمُرُهُ﴾ والضَّمِيرُ في (آمُرُهُ) عائِدٌ عَلى المَوْصُولِ؛ أيْ: ما آمُرُ بِهِ، فَحُذِفَ الجارُّ، كَما حُذِفَ في أمَرْتُكَ الخَيْرَ، ومَفْعُولُ (آمُرُ) الأوَّلُ مَحْذُوفٌ، وكانَ التَّقْدِيرُ ما آمُرُهُ بِهِ، وإنْ جَعَلْتَ (ما) مَصْدَرِيَّةً جازَ، فَيَعُودُ الضَّمِيرُ عَلى يُوسُفَ أيْ: أمْرِي إيّاهُ، ومَعْناهُ: مُوجِبٌ أمْرِي، وقَرَأتْ فِرْقَةٌ: (ولَيَكُونَنَّ) بِالنُّونِ المُشَدَّدَةِ، وكَتْبُها في المُصْحَفِ بِالألِفِ مُراعاةً لِقِراءَةِ الجُمْهُورِ بِالنُّونِ الخَفِيفَةِ، ويُوقَفُ عَلَيْها بِالألِفِ كَقَوْلِ الأعْشى: ؎ولا تَعْبُدِ الشَّيْطانَ واللَّهُ فاعْبُدا (ومِنَ الصّاغِرِينَ): مِنَ الأذِلّاءِ، ولَمْ يَذْكُرْ هُنا العَذابَ الألِيمَ الَّذِي ذَكَرَتْهُ في ﴿ما جَزاءُ مَن أرادَ بِأهْلِكَ سُوءًا﴾ [يوسف: ٢٥] لِأنَّها إذْ ذاكَ كانَتْ في طَراوَةِ غَيْظِها ومُتَنَصِّلَةً مِن أنَّها هي الَّتِي راوَدَتْهُ، فَناسَبَ هُناكَ التَّغْلِيظَ بِالعُقُوبَةِ، وأمّا هُنا فَإنَّها في طَماعِيَةٍ ورَجاءٍ، وأقامَتْ عُذْرَها عِنْدَ النِّسْوَةِ، فَرَقَتْ عَلَيْهِ فَتَوَعَّدَتْهُ بِالسِّجْنِ، وقالَ لَهُ النِّسْوَةُ: أطِعْ وافْعَلْ ما أمَرَتْكَ بِهِ، فَقالَ: ﴿رَبِّ السِّجْنُ أحَبُّ إلَيَّ مِمّا يَدْعُونَنِي إلَيْهِ﴾ فَأسْنَدَ الفِعْلَ إلَيْهِنَّ لِما يَنْصَحْنَ لَهُ وزَيَّنَّ لَهُ مُطاوَعَتَها، ونَهَيْنَهُ عَنْ إلْقاءِ نَفْسِهِ في السِّجْنِ والصَّغارِ، فالتَجَأ إلى اللَّهِ تَعالى. والتَّقْدِيرُ: دُخُولُ السِّجْنِ، وقَرَأ عُثْمانُ ومَوْلاهُ طارِقٌ وزَيْدُ بْنُ عَلِيٍّ والزُّهْرِيُّ وابْنُ أبِي إسْحاقَ وابْنُ هُرْمُزَ ويَعْقُوبُ: (السَّجْنُ) بِفَتْحِ السِّينِ وهو مَصْدَرُ سَجَنَ؛ أيْ: حَبْسُهم إيّايَ في السِّجْنِ أحَبُّ إلَيَّ، و(أحَبُّ) هُنا لَيْسَتْ عَلى بابِها مِنَ التَّفْضِيلِ؛ لِأنَّهُ لَمْ يُحِبَّ ما يَدْعُونَهُ إلَيْهِ قَطُّ، وإنَّما هَذانِ شَرّانِ، فَآثَرَ أحَدَ الشَّرَّيْنِ عَلى الآخَرِ، وإنْ كانَ في أحَدِهِما مَشَقَّةٌ وفي الآخَرِ لَذَّةٌ، لَكِنْ لِما يَتَرَتَّبُ عَلى تِلْكَ اللَّذَّةِ مِن مَعْصِيَةِ اللَّهِ وسُوءِ العاقِبَةِ لَمْ يَخْطُرْ لَهُ بِبالٍ، ولِما في الآخِرِ مِنِ احْتِمالِ المَشَقَّةِ في ذاتِ اللَّهِ، والصَّبْرِ عَلى النَّوائِبِ، وانْتِظارِ الفَرَجِ، والحُضُورِ مَعَ اللَّهِ تَعالى في كُلِّ وقْتٍ داعِيًا لَهُ في تَخْلِيصِهِ، آثَرَهُ ثُمَّ ناطَ العِصْمَةَ بِاللَّهِ، واسْتَسْلَمَ لِلَّهِ كَعادَةِ الأنْبِياءِ والصّالِحِينَ، وأنَّهُ تَعالى لا يَصْرِفُ السُّوءَ إلّا هو، فَقالَ: ﴿وإلّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أصْبُ إلَيْهِنَّ﴾ أيْ: أمِلْ إلى ما (p-٣٠٧)يَدْعُونَنِي إلَيْهِ، وجَعَلَ جَوابَ الشَّرْطِ قَوْلَهُ: (أصْبُ) وهي كَلِمَةٌ مُشْعِرَةٌ بِالمَيْلِ فَقَطْ، لا بِمُباشَرَةِ المَعْصِيَةِ، وقُرِئَ ﴿أصْبُ إلَيْهِنَّ﴾ مِن صَبَبْتُ صَباةً فَأنا صَبٌّ، والصَّبابَةُ إفْراطُ الشَّوْقِ، كَأنَّهُ يَنْصَبُّ فِيما يَهْوى، وقِراءَةُ الجُمْهُورِ: (أصْبُ) مِن صَبا إلى اللَّهْوِ يَصْبُو صَبًا وصَبْوًا، ويُقالُ: صَبا يَصْبا صَبًا، والصِّبا بِالكَسْرِ اللَّهْوُ واللَّعِبُ، وأكُنْ مِنَ الجاهِلِينَ مِنَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ؛ لِأنَّ مَن لا جَدْوى لِعِلْمِهِ فَهو ومَن لا يَعْلَمُ سَواءٌ، أوْ مِنَ السُّفَهاءِ لِأنَّ الوُقُوعَ في مُوافَقَةِ النِّساءِ والمَيْلِ إلَيْهِنَّ سَفاهَةٌ. قالَ الشّاعِرُ: ؎أحْدى بِلَيْلِي وما هامَ الفُؤادُ بِها ∗∗∗ إلّا السَّفاهَ وإلّا ذَكِرَةً حُلُمًا وذَكَرَ اسْتِجابَةَ اللَّهِ لَهُ ولَمْ يَتَقَدَّمْ لَفْظُ دُعاءٍ؛ لِأنَّ قَوْلَهُ: ﴿وإلّا تَصْرِفْ عَنِّي﴾ فِيهِ مَعْنى طَلَبِ الصَّرْفِ والدُّعاءِ، وكَأنَّهُ قالَ: رَبِّ اصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ، فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ؛ أيْ: حالَ بَيْنَهُ وبَيْنَ المَعْصِيَةِ، إنَّهُ هو السَّمِيعُ لِدُعاءِ المُلْتَجِئِينَ إلَيْهِ، العَلِيمُ بِأحْوالِهِمْ وما انْطَوَتْ عَلَيْهِ نِيّاتُهم، ثُمَّ بَدا لَهم أيْ: ظَهَرَ لَهم، والفاعِلُ لِـ (بَدا) ضَمِيرٌ يُفَسِّرُهُ ما يَدُلُّ عَلَيْهِ المَعْنى؛ أيْ: بَدا لَهم هو؛ أيْ: رَأى أوْ بَدا، كَما قالَ: ؎بَـدا لَـكَ مِـنْ تِلْكَ القَلُوصِ بَداءُ هَكَذا قالَهُ النُّحاةُ والمُفَسِّرُونَ، إلّا مَن أجازَ أنْ تَكُونَ الجُمْلَةُ فاعِلَةً، فَإنَّهُ زَعَمَ أنَّ قَوْلَهُ: لَيَسْجُنُنَّهُ في مَوْضِعِ الفاعِلِ لِـ (بَدا) أيْ: سَجَنَهُ حَتّى حِينٍ، والرَّدُّ عَلى هَذا المَذْهَبِ مَذْكُورٌ في عِلْمِ النَّحْوِ، والَّذِي أذْهَبُ إلَيْهِ أنَّ الفاعِلَ ضَمِيرٌ يَعُودُ عَلى السِّجْنِ المَفْهُومِ مِن قَوْلِهِ: ﴿لَيُسْجَنَنَّ﴾ أوْ مِن قَوْلِهِ: (السِّجْنُ) عَلى قِراءَةِ الجُمْهُورِ، أوْ عَلى (السَّجْنُ) عَلى قِراءَةِ مَن فَتَحَ السِّينَ، والضَّمِيرُ في (لَهم) لِلْعَزِيزِ وأهْلِهِ، و(الآياتِ) هي: الشَّواهِدُ الدّالَّةُ عَلى بَراءَةِ يُوسُفَ، قالَ مُجاهِدٌ وغَيْرُهُ: قَدُّ القَمِيصِ، فَإنْ كانَ الشّاهِدُ طِفْلًا فَهي آيَةٌ عَظِيمَةٌ، وإنْ كانَ رَجُلًا فَيَكُونُ اسْتِدْلالًا بِالعادَةِ، والَّذِي يَظْهَرُ أنَّ الآيَةَ إنَّما يُعَبَّرُ بِها عَنِ الواضِحِ الجَلِيِّ، وجَمْعُها يَدُلُّ عَلى ظُهُورِ أُمُورٍ واضِحَةٍ دَلَّتْ عَلى بَراءَتِهِ، وقَدْ تَكُونُ الآياتُ الَّتِي رَأوْها لَمْ يَنُصَّ عَلى جَمِيعِها في القُرْآنِ، بَلْ رَأوْا قَوْلَ الشّاهِدِ وقَدَّ القَمِيصِ وغَيْرَ ذَلِكَ مِمّا لَمْ يَذْكُرْهُ، وأمّا ما ذَكَرَهُ عِكْرِمَةُ أنَّ مِنَ الآياتِ خَمْشُ وجْهِها، والسُّدِّيُّ مِن حَزِّ أيْدِيهِنَّ، فَلَيْسَ في ذَلِكَ دَلالَةٌ عَلى البَراءَةِ فَلا يَكُونُ آيَةً، و﴿لَيَسْجُنُنَّهُ﴾ جَوابُ قَسَمٍ مَحْذُوفٍ، والقَسَمُ وجَوابُهُ مَعْمُولٌ لِقَوْلٍ مَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ قائِلِينَ، وقَرَأ الحَسَنُ: (لَتَسْجُنُنَّهُ) بِالتّاءِ عَلى خِطابِ بَعْضِهِمُ العَزِيزَ ومَن يَلِيهِ، أوِ العَزِيزَ وحْدَهُ عَلى وجْهِ التَّعْظِيمِ، وقَرَأ ابْنُ مَسْعُودٍ: ”عَتّى“ بِإبْدالِ حاءِ حَتّى عَيْنًا، وهي لُغَةُ هُذَيْلٍ، وأقْرَأ بِذَلِكَ فَكَتَبَ إلَيْهِ يَأْمُرُهُ أنْ يُقْرِئَ بِلُغَةِ قُرَيْشٍ ”حَتّى“ لا بِلُغَةِ هُذَيْلٍ، والمَعْنى: إلى زَمانٍ، والحِينُ يَدُلُّ عَلى مُطْلَقِ الوَقْتِ، ومَن عَيَّنَ لَهُ هُنا زَمانًا فَإنَّما كانَ ذَلِكَ بِاعْتِبارِ مُدَّةِ سِجْنِ يُوسُفَ، لا أنَّهُ مَوْضُوعٌ في اللُّغَةِ كَذَلِكَ، وكَأنَّها اقْتَرَحَتْ زَمانًا حَتّى تُبْصِرَ ما يَكُونُ مِنهُ، وفي سَجْنِهِمْ لِيُوسُفَ دَلِيلٌ عَلى مَكِيدَةِ النِّساءِ، واسْتِنْزالُ المَرْأةِ لِزَوْجِها ومُطاوَعَتِهِ لَها، وعِشْقِهِ لَها، وجَعْلِهِ زِمامَ أمْرِهِ بِيَدِها، هَذا مَعَ ظُهُورِ خِيانَتِها وبَراءَةِ يُوسُفَ، رُوِيَ أنَّهُ لَمّا امْتَنَعَ يُوسُفُ مِنَ المَعْصِيَةِ، ويَئِسَتْ مِنهُ امْرَأةُ العَزِيزِ قالَتْ لِزَوْجِها: إنَّ هَذا الغُلامَ العِبْرانِيَّ قَدْ فَضَحَنِي في النّاسِ، وهو يَعْتَذِرُ إلَيْهِمْ ويَصِفُ الأمْرَ بِحَسَبِ اخْتِيارِهِ، وأنا مَحْبُوسَةٌ مَحْجُوبَةٌ، فَإمّا أذِنْتَ لِي فَخَرَجْتُ إلى النّاسِ فاعْتَذَرْتُ وكَذَّبْتُهُ، وإلّا حَبَسْتَهُ كَما أنا مَحْبُوسَةٌ، فَحِينَئِذٍ بَدا لَهم سَجْنُهُ، قالَ ابْنُ عَبّاسٍ: فَأمَرَ بِهِ فَحُمِلَ عَلى حِمارٍ، وضُرِبَ بِالطَّبْلِ، ونُودِيَ عَلَيْهِ في أسْواقِ مِصْرَ أنَّ يُوسُفَ العِبْرانِيَّ أرادَ سَيِّدَتَهُ، فَهَذا جَزاؤُهُ أنْ يُسْجَنَ، قالَ أبُو صالِحٍ: ما ذَكَرَ ابْنُ عَبّاسٍ هَذا الحَدِيثَ إلّا بَكى.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب