الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَقالَ نِسْوَةٌ في المَدِينَةِ﴾ قالَ جُوَيْبِرٌ: كُنَّ أرْبَعًا: امْرَأةُ الحاجِبِ وامْرَأةُ السّاقِي وامْرَأةُ الخَبّازِ وامْرَأةُ القَهْرَمانِ. قالَ مُقاتِلٌ: وامْرَأةُ صاحِبِ السِّجْنِ. وَفي هَذِهِ المَدِينَةِ قَوْلانِ: أحَدُهُما: مِصْرُ. الثّانِي: عَيْنُ شَمْسَ. ﴿امْرَأتُ العَزِيزِ تُراوِدُ فَتاها عَنْ نَفْسِهِ﴾ قُلْنَ ذَلِكَ ذَمًّا لَها وطَعْنًا فِيها وتَحْقِيقًا لِبَراءَةِ يُوسُفَ وإنْكارًا لِذَنْبِهِ. والعَزِيزُ اسْمُ المَلِكِ مَأْخُوذٌ مِن عِزَّتِهِ، ومِنهُ قَوْلُ أبِي دُؤادٍ: ؎ دُرَّةٌ غاصَ عَلَيْها تاجِرٌ جُلِبَتْ عِنْدَ عَزِيزٍ يَوْمَ طَلٍّ ﴿قَدْ شَغَفَها حُبًّا﴾ أيْ قَدْ دَخَلَ حُبُّهُ مِن شَغافِ قَلْبِها. وَفي شَغافِ القَلْبِ خَمْسَةُ أقاوِيلَ: أحَدُها: أنَّهُ حِجابُ القَلْبِ، قالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ. الثّانِي: أنَّهُ غِلافُ القَلْبِ وهو جِلْدَةٌ رَقِيقَةٌ بَيْضاءُ تَكُونُ عَلى القَلْبِ ورُبَّما سُمِّيَتْ لِباسُ القَلْبِ، قالَهُ السُّدِّيُّ وسُفْيانُ. الثّالِثُ: أنَّهُ باطِنُ القَلْبِ، قالَهُ الحَسَنُ، وقِيلَ هو حَبَّةُ القَلْبِ. الرّابِعُ: أنَّهُ ما يَكُونُ في الجَوْفِ، قالَهُ الأصْمَعِيُّ. الخامِسُ: هو الذُّعْرُ والفَزَعُ الحادِثُ عَنْ شِدَّةِ الحُبِّ، قالَهُ إبْراهِيمُ. وَقَدْ قُرِئَ في الشَّواذِّ عَنِ ابْنِ مُحَيْصِنٍ: قَدْ شَعَفَها حُبًّا (بِالعَيْنِ غَيْرَ مُعْجَمَةٍ) . واخْتُلِفَ في الفَرْقِ بَيْنَهُما عَلى قَوْلَيْنِ: (p-٣١)أحَدُهُما: أنَّ الشَّغَفَ بِالغَيْنِ مُعْجَمَةً هو الجُنُونُ وبِالعَيْنِ غَيْرَ مُعْجَمَةٍ هو الحُبُّ، قالَهُ الشَّعْبِيُّ. والثّانِي: أنَّ الشَّغَفَ بِالإعْجامِ الحُبُّ القاتِلُ، والشَّعَفُ بِغَيْرِ إعْجامٍ دُونَهُ، قالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ وقالَ أبُو ذُؤَيْبٍ: ؎ فَلا وجْدَ إلّا دُونَ وجْدٍ وجَدْتُهُ ∗∗∗ أصابَ شَغافَ القَلْبِ والقَلْبُ يُشْغَفُ ﴿إنّا لَنَراها في ضَلالٍ مُبِينٍ﴾ فِيهِ وجْهانِ: أحَدُهُما: في ضَلالٍ عَنِ الرُّشْدِ وعُدُولٍ عَنِ الحَقِّ. الثّانِي: مَعْناهُ في مَحَبَّةٍ شَدِيدَةٍ. وَلَمّا اقْتَرَنَ شِدَّةُ حُبِّها بِالشَّهْوَةِ طَلَبَتْ دَفْعَ الضَّرَرِ عَنْ نَفْسِها بِالكَذِبِ عَلَيْهِ، ولَوْ خَلَصَ مِنَ الشَّهْوَةِ طَلَبَتْ دَفْعَ الضَّرَرِ عَنْهُ بِالصِّدْقِ عَلى نَفْسِها. قَوْلُهُ عَزَّ وجَلَّ: ﴿فَلَمّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ﴾ فِيهِ وجْهانِ: أحَدُهُما: أنَّهُ ذَمُّهُنَّ لَها وإنْكارُهُنَّ عَلَيْها. الثّانِي: أنَّها أسَرَّتْ إلَيْهِنَّ بِحُبِّها لَهُ فَأشَعْنَ ذَلِكَ عَنْها. ﴿أرْسَلَتْ إلَيْهِنَّ وأعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً﴾ وفي "أعْتَدَتْ" وجْهانِ: أحَدُهُما: أنَّهُ مِنَ الإعْدادِ. الثّانِي: أنَّهُ مِنَ العُدْوانِ. وَفي (المُتْكَأِ) ثَلاثَةُ أقاوِيلَ: أحَدُها: أنَّهُ المَجْلِسُ، قالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ والحَسَنُ. والثّانِي: أنَّهُ النَّمارِقُ والوَسائِدُ يُتَّكَأُ عَلَيْها، قالَهُ أبُو عُبَيْدَةَ والسُّدِّيُّ. الثّالِثُ: أنَّهُ الطَّعامُ مَأْخُوذٌ مِن قَوْلِ العَرَبِ اتَّكَأْنا عِنْدَ فُلانٍ أيْ طَعِمْنا عِنْدَهُ، وأصْلُهُ أنَّ مَن دُعِيَ إلى طَعامٍ أُعِدَّ لَهُ مُتَّكَأً فَسُمِّيَ الطَّعامُ بِذَلِكَ مُتَّكَأً عَلى الِاسْتِعارَةِ. فَعَلى هَذا أيُّ الطَّعامِ هُوَ؟ فِيهِ أرْبَعَةُ أقاوِيلَ: أحَدُها: أنَّهُ الزُّماوَرْدُ، قالَهُ الضَّحّاكُ وابْنُ زَيْدٍ. (p-٣٢)الثّانِي: أنَّهُ الأُتْرُجُّ، قالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ ومُجاهِدٌ وهو وتَأْوِيلُ مَن قَرَأها مُخَفَّفَةً غَيْرَ مَهْمُوزَةٍ، والمَتْكُ في كَلامِهِمُ الأُتْرُجُّ، قالَ الشّاعِرُ: ؎ نَشْرَبُ الإثْمَ بِالصُّواعِ جِهارًا ∗∗∗ وتَرى المَتْكَ بَيْنَنا مُسْتَعارا والإثْمُ: الخَمْرُ، والمَتْكُ: الأُتْرُجُّ. الثّالِثُ: أنَّهُ كُلُّ ما يُجَزُّ بِالسِّكِّينِ وهو قَوْلُ عِكْرِمَةَ لِأنَّهُ في الغالِبِ يُؤْكَلُ عَلى مُتَّكَأٍ. الرّابِعُ: أنَّهُ كُلُّ الطَّعامِ والشَّرابِ عَلى عُمُومِهِ، وهو قَوْلُ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وقَتادَةَ. ﴿وَآتَتْ كُلَّ واحِدَةٍ مِنهُنَّ سِكِّينًا وقالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ﴾ وإنَّما دَفَعَتْ ذَلِكَ إلَيْهِنَّ في الظّاهِرِ مَعُونَةً عَلى الأكْلِ، وفي الباطِنِ لِيَظْهَرَ مِن دَهْشَتِهِنَّ ما يَكُونُ شاهِدًا عَلَيْهِنَّ. قالَ الزَّجّاجُ: كانَ كالعَبْدِ لَها فَلَمْ تُمَكِّنْهُ أنْ يَخْرُجَ إلّا بِأمْرِها. ﴿فَلَمّا رَأيْنَهُ أكْبَرْنَهُ﴾ وفِيهِ ثَلاثَةُ تَأْوِيلاتٍ: أحَدُها: مَعْناهُ أعْظَمْنَهُ، قالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ. الثّانِي: مَعْناهُ وجَدْنَ شَأْنَهُ في الحُسْنِ والجَمالِ كَبِيرًا، قالَ ابْنُ بَحْرٍ. الثّالِثُ: مَعْناهُ: حِضْنَ عِنْدَ رُؤْيَتِهِ، وهو قَوْلٌ رَواهُ عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عَلِيٍّ الهاشِمِيُّ عَنْ أبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبّاسٍ. وَقِيلَ: إنَّ المَرْأةَ إذا جَزِعَتْ أوْ خافَتْ حاضَتْ، وقَدْ يُسَمّى الحَيْضُ إكْبارًا، قالَ الشّاعِرُ: ؎ نَأْتِي النِّساءَ عَلى أطْهارِهِنَّ ولا ∗∗∗ نَأْتِي النِّساءَ إذا أكْبَرْنَ إكْبارًا (p-٣٣)﴿وَقَطَّعْنَ أيْدِيَهُنَّ﴾ دَهَشًا لِيَكُونَ شاهِدًا عَلَيْهِنَّ عَلى ما أضْمَرَتْهُ امْرَأةُ العَزِيزِ فِيهِنَّ. وَفي قَطْعِ أيْدِيهِنَّ وجْهانِ: أحَدُهُما: أنَّهُنَّ قَطَّعْنَ أيْدِيَهُنَّ حَتّى بانَتْ. الثّانِي: أنَّهُنَّ جَرَحْنَ أيْدِيَهُنَّ حَتّى دَمِيَتْ، مِن قَوْلِهِمْ قَطَعَ فُلانٌ يَدَهُ إذا جَرَحَها. ﴿وَقُلْنَ حاشَ لِلَّهِ﴾ بِالألِفِ في قِراءَةِ أبِي عَمْرٍو ونافِعٍ في رِوايَةِ الأصْمَعِيِّ وقَرَأ الباقُونَ حاشَ لِلَّهِ بِإسْقاطِ الألِفِ، ومَعْناهُما واحِدٌ. وَفي تَأْوِيلِ ذَلِكَ وجْهانِ: أحَدُهُما: مَعاذَ اللَّهِ، قالَهُ مُجاهِدٌ. الثّانِي: مَعْناهُ سُبْحانَ اللَّهِ، قالَهُ ابْنُ شَجَرَةَ. وَفي أصْلِهِ وجْهانِ: أحَدُهُما: أنَّهُ مَأْخُوذٌ مِن قَوْلِهِمْ كُنْتُ في حَشا فُلانٍ أيْ في ناحِيَتِهِ. والثّانِي: أنَّهُ مَأْخُوذٌ مِن قَوْلِهِمْ حاشَ فُلانًا أيِ اعْزِلْهُ في حَشًا يَعْنِي في ناحِيَةٍ. ﴿ما هَذا بَشَرًا﴾ فِيهِ وجْهانِ: أحَدُهُما: ما هَذا أهْلًا لِلْمُباشَرَةِ. الثّانِي: ما هَذا مِن جُمْلَةِ البَشَرِ. وَفِيهِ وجْهانِ: أحَدُهُما: لِما عَلِمْنَ مِن عِفَّتِهِ وأنَّهُ لَوْ كانَ مِنَ البَشَرِ لَأطاعَها. الثّانِي: لِما شاهَدْنَ مِن حُسْنِهِ البارِعِ وجَمالِهِ البَدِيعِ ﴿إنْ هَذا إلا مَلَكٌ كَرِيمٌ﴾ وقُرِئَ: ما هَذا بِشِرًا (بِكَسْرِ الباءِ والشِّينِ) أيْ ما هَذا عَبْدًا مُشْتَرًى إنْ هَذا إلّا مَلَكٌ كَرِيمٌ، مُبالَغَةً في تَفْضِيلِهِ في جِنْسِ المَلائِكَةِ تَعْظِيمًا لِشَأْنِهِ. قَوْلُهُ عَزَّ وجَلَّ ﴿قالَ رَبِّ السِّجْنُ أحَبُّ إلَيَّ مِمّا يَدْعُونَنِي إلَيْهِ﴾ وهَذا يَدُلُّ عَلى أنَّها دَعَتْهُ إلى نَفْسِها ثانِيَةً بَعْدَ ظُهُورِ حالِهِما، فَقالَ: ﴿رَبِّ السِّجْنُ أحَبُّ إلَيَّ﴾ يَعْنِي: (p-٣٤)الحَبْسُ في السِّجْنِ أحَبُّ إلَيَّ مِمّا يَدْعُونَنِي إلَيْهِ. وَيَحْتَمِلُ وجْهَيْنِ: أحَدُهُما: أنَّهُ أرادَ امْرَأةَ العَزِيزِ فِيما دَعَتْهُ إلَيْهِ مِنَ الفاحِشَةِ وكَنّى عَنْها بِخِطابِ الجَمْعِ إمّا تَعْظِيمًا لِشَأْنِها في الخِطابِ وإمّا لِيَعْدِلَ عَنِ التَّصْرِيحِ إلى التَّعْرِيضِ. الثّانِي: أنَّهُ أرادَ بِذَلِكَ جَماعَةَ النِّسْوَةِ اللّاتِي قَطَّعْنَ أيْدِيَهُنَّ حِينَ شاهَدْنَهُ لِاسْتِحْسانِهِنَّ لَهُ واسْتِمالَتِهِنَّ لِقَلْبِهِ. ﴿وَإلا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ﴾ يَحْتَمِلُ وجْهَيْنِ: أحَدُهُما: ما دُعِيَ إلَيْهِ مِنَ الفاحِشَةِ إذا أُضِيفَ ذَلِكَ إلى امْرَأةِ العَزِيزِ. الثّانِي: اسْتِمالَةُ قَلْبِهِ إذا أُضِيفَ ذَلِكَ إلى النِّسْوَةِ. ﴿أصْبُ إلَيْهِنَّ﴾ فِيهِ وجْهانِ: أحَدُهُما: أُتابِعْهُنَّ، قالَهُ قَتادَةُ. الثّانِي: أمِلُ إلَيْهِنَّ، ومِنهُ قَوْلُ الشّاعِرِ: ؎ إلى هِنْدٍ صَبا قَلْبِي ∗∗∗ وهِنْدٌ مِثْلُها يُصْبِي
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب