الباحث القرآني
﴿قُلْ مَن يَرْزُقُكم مِنَ السَّماءِ والأرْضِ أمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ والأبْصارَ ومَن يُخْرِجُ الحَيَّ مِنَ المَيِّتِ ويُخْرِجُ المَيِّتَ مِنَ الحَيِّ ومَن يُدَبِّرُ الأمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أفَلا تَتَّقُونَ﴾ [يونس: ٣١]: لَمّا بَيَّنَ فَضائِحَ عَبَدَةِ الأوْثانِ، أتْبَعَها بِذِكْرِ الدَّلائِلِ عَلى فَسادِ مَذْهَبِهِمْ بِما يُوَبِّخُهم، ويَحُجَّهم بِما لا يُمْكِنُ إلّا الِاعْتِرافُ بِهِ مِن حالِ رِزْقِهِمْ وحَواسِّهِمْ، وإظْهارِ القُدْرَةِ الباهِرَةِ في المَوْتِ والحَياةِ.
فَبَدَأ بِما فِيهِ قِوامُ حَياتِهِمْ وهو الرِّزْقُ الَّذِي لا بُدَّ مِنهُ، فَمِنَ السَّماءِ بِالمَطَرِ، ومِنَ الأرْضِ بِالنَّباتِ. فَمِن لِابْتِداءِ الغايَةِ، وهَيَّءَ الرِّزْقَ بِالعالَمِ العُلْوِيِّ والعالَمِ السُّفْلِيِّ مَعًا، لَمْ يَقْتَصِرْ عَلى جِهَةٍ واحِدَةٍ، تَعالى تَوْسِعَةً مِنهُ وإحْسانًا. ومَن ذَهَبَ إلى أنَّ التَّقْدِيرَ: مِن أهْلِ السَّماءِ والأرْضِ، فَتَكُونُ مِن لِلتَّبْعِيضِ أوْ لِلْبَيانِ. ثُمَّ ذَكَرَ مِلْكَهُ لِهاتَيْنِ الحاسَّتَيْنِ الشَّرِيفَتَيْنِ: السَّمْعِ الَّذِي هو سَبَبُ مَدارِكِ الأشْياءِ، والبَصَرِ (p-١٥٤)الَّذِي يَرى مَلَكُوتَ السَّماواتِ والأرْضِ. ومَعْنى مِلْكِهِما أنَّهُ مُتَصَرِّفٌ فِيهِما بِما يَشاءُ تَعالى، مِن إبْقاءٍ وحِفْظٍ وإذْهابٍ. وقالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: مَن يَمْلِكُ السَّمْعَ والأبْصارَ: مَن يَسْتَطِيعُ خَلْقَهُما وتَسْوِيَتَهُما عَلى الحَدِّ الَّذِي سُوِّيا عَلَيْهِ مِنَ الفِطْرَةِ العَجِيبَةِ، أوْ مَن يَحْمِيهِما ويَعْصِمُهُما مِنَ الآفاتِ مَعَ كَثْرَتِها في المَدَدِ الطِّوالُ، وهُما لَطِيفانِ يُؤْذِيهِما أدْنى شَيْءٍ بِكِلاءَتِهِ وحِفْظِهِ، انْتَهى.
ولا يَظْهَرُ هَذانِ الوَجْهانِ اللَّذانِ ذَكَرَهُما مِن لَفْظِ: ﴿أمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ والأبْصارَ﴾ [يونس: ٣١] . وعَنْ عَلِيٍّ كَرَّمَ اللَّهُ وجْهَهُ: سُبْحانَ مَن بَصَّرَ بِشَحْمٍ، وأسْمَعُ بِعَظْمٍ، وأنْطَقَ بِلَحْمٍ. وأمْ هُنا تَقْتَضِي تَقْدِيرَ بَلْ دُونَ هَمْزَةِ الِاسْتِفْهامِ لِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿أمْ ماذا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ [النمل: ٨٤] فَلا تَتَقَدَّرُ بِـ (بَلْ)، فالهَمْزَةُ لِأنَّها دَخَلَتْ عَلى اسْمِ الِاسْتِفْهامِ، ولَيْسَ إضْرابَ إبْطالٍ بَلْ هو لِانْتِقالٍ مِن شَيْءٍ إلى شَيْءٍ. ونَبَّهَ تَعالى بِالسَّمْعِ والبَصَرِ عَلى الحَواسِّ لِأنَّهُما أشْرَفُها، ولَمّا ذَكَرَ تَعالى سَبَبَ إدامَةِ الحَياةِ وسَبَبَ انْتِفاعِ الحَيِّ بِالحَواسِّ، ذَكَرَ إنْشاءَهُ تَعالى واخْتِراعَهُ لِلْحَيِّ مِنَ المَيِّتِ، والمَيِّتِ مِنَ الحَيِّ، وذَلِكَ مِن باهِرِ قُدْرَتِهِ، وهو إخْراجُ الضِّدِّ مِن ضِدِّهِ. وتَقَدَّمَ تَفْسِيرُ ذَلِكَ ومَن يُدَبِّرُ الأمْرَ شامِلٌ لِما تَقَدَّمَ مِنَ الأشْياءِ الأرْبَعَةِ المَذْكُورَةِ ولِغَيْرِها، والأُمُورُ الَّتِي يُدَبِّرُها تَعالى لا نِهايَةَ لَها، فَلِذَلِكَ جاءَ بِالأمْرِ الكُلِّيِّ بَعْدَ تَفْصِيلِ بَعْضِ الأُمُورِ.
واعْتِرافُهم بِأنَّ الرّازِقَ والمالِكَ والمُخْرِجَ والمُدَبِّرَ هو اللَّهُ. أيْ: لا يُمْكِنُهم إنْكارُهُ ولا المُنافَسَةُ فِيهِ. ومَعْنى أفَلا تَتَّقُونَ: أفَلا تَخافُونَ عُقُوبَةَ اللَّهِ في افْتِرائِكم، وجَعْلِكُمُ الأصْنامَ آلِهَةً ؟ وقِيلَ: أفَلا تَتَّعِظُونَ فَتَنْتَهُونَ عَنْ ما حَذَّرَتْ عَنْهُ تِلْكَ المَوْعِظَةُ ؟ .
﴿فَذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمُ الحَقُّ فَماذا بَعْدَ الحَقِّ إلّا الضَّلالُ فَأنّى تُصْرَفُونَ﴾ ﴿كَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلى الَّذِينَ فَسَقُوا أنَّهم لا يُؤْمِنُونَ﴾: فَذَلِكم إشارَةٌ إلى مَنِ اخْتَصَّ بِالأوْصافِ السّابِقَةِ، الحَقُّ: الثّابِتُ الرُّبُوبِيَّةِ المُسْتَوْجِبَةِ لِلْعِبادَةِ واعْتِقادِ اخْتِصاصِهِ بِالأُلُوهِيَّةِ لا أصْنامِكُمُ المَرْبُوبَةُ الباطِلَةُ.
وماذا اسْتِفْهامٌ مَعْناهُ: النَّفْيُ، ولِذَلِكَ دَخَلَتْ إلّا، وصَحِبَهُ التَّقْرِيرُ والتَّوْبِيخُ، كَأنَّهُ قِيلَ: ما بَعْدَ الحَقِّ إلّا الضَّلالُ، فالحَقُّ والضَّلالُ لا واسِطَةَ بَيْنَهُما، إذْ هُما نَقِيضانِ، فَمَن يُخْطِئُ الحَقَّ وقَعَ في الضَّلالِ.
وماذا: مُبْتَدَأٌ تَرَكَّبَتْ ذا مَعَ ما فَصارَ مَجْمُوعُهُما اسْتِفْهامًا، كَأنَّهُ قِيلَ: أيُّ شَيْءٍ. والخَبَرُ بَعْدَ الحَقِّ، ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ ذا مَوْصُولَةً ويَكُونَ خَبَرَ ما كَأنَّهُ قِيلَ: ما الَّذِي بَعْدَ الحَقِّ ؟ وبَعْدَ صِلَةِ كَذا. ولَمّا ذَكَرَ تَعالى تِلْكَ الصِّفاتِ، وأشارَ إلى أنَّ المُتَّصِفَ بِها هو اللَّهُ، وأنَّهُ مالِكُهم وأنَّهُ هو الحَقُّ، ثُمَّ وبَّخَهم عَلى اتِّباعِ الضَّلالِ بَعْدَ وُضُوحِ الحَقِّ، قالَ تَعالى: (فَأنّى تُصْرَفُونَ)، أيْ كَيْفَ يَقَعُ صَرْفُكم بَعْدَ وُضُوحِ الحَقِّ، وقِيامِ حُجَجِهِ عَنْ عِبادَةِ مَن يَسْتَحِقُّ العِبادَةَ ؟ وكَيْفَ تُشْرِكُونَ مَعَهُ غَيْرَهُ، وهو لا يُشارِكُهُ في شَيْءٍ مِن تِلْكَ الأوْصافِ ؟ واسْتِنْباطُ كَوْنِ الشَّطْرَنْجِ ضَلالًا مِن قَوْلِهِ: ﴿فَماذا بَعْدَ الحَقِّ إلّا الضَّلالُ﴾، لا يَكادُ يَظْهَرُ، لِأنَّ الآيَةَ إنَّما مَساقُها في الكُفْرِ والإيمانِ، وعِبادَةِ الأصْنامِ وعِبادَةِ اللَّهِ، ولَيْسَ مَساقُها في الأُمُورِ الفَرْعِيَّةِ الَّتِي تَخْتَلِفُ فِيها الشَّرائِعُ، وتَخْتَلِفُ فِيها أقْوالُ عُلَماءِ مَلَّتِنا.
وقَدْ تَعَلَّقَ الجُبّائِيُّ بِهَذِهِ الآيَةِ في الرَّدِّ عَلى المُجْبِرَةِ إذْ يَقُولُونَ: إنَّهُ تَعالى يَصْرِفُ الكُفّارَ عَنِ الإيمانِ.
قالَ: لَوْ كانَ كَذَلِكَ ما قالَ: (أنّى تُصْرَفُونَ) . كَما لَوْ أعْمى بَصَرَ أحَدِهِمْ لا يَقُولُ: إنِّي أعْمَيْتُ. كَذَلِكَ الكافُ لِلتَّشْبِيهِ في مَوْضِعِ نَصْبٍ، والإشارَةُ بِذَلِكَ قِيلَ: إلى المَصْدَرِ المَفْهُومِ مِن تُصْرَفُونَ، مِثْلَ صَرْفِهِمْ عَنِ الحَقِّ بَعْدَ الإقْرارِ بِهِ في قَوْلِهِ: (فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ) حَقَّ العَذابُ عَلَيْهِمْ أيْ: جازاهم مِثْلَ أفْعالِهِمْ.
وقِيلَ: إشارَةٌ إلى الحَقِّ. قالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: كَذَلِكَ: مِثْلَ ذَلِكَ الحَقِّ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ، أيْ كَما حَقَّ وثَبَتَ أنَّ الحَقَّ بَعْدَ الضَّلالِ، أوْ كَما حَقَّ أنَّهم مَصْرُوفُونَ عَنِ الحَقِّ، فَكَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ. وقالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: كَذَلِكَ أيْ: كَما كانَتْ صِفاتُ اللَّهِ كَما وصَفَ، وعِبادَتُهُ واجِبَةً كَما تَقَرَّرَ، وانْصِرافُ هَؤُلاءِ كَما قَدَّرَ عَلَيْهِمْ، واكْتَسَبُوا كَذَلِكَ حَقَّتْ.
ومَعْنى فَسَقُوا: تَمَرَّدُوا في كُفْرِهِمْ وخَرَجُوا إلى الحَدِّ الأقْصى فِيهِ، (وأنَّهم لا يُؤْمِنُونَ): بَدَلٌ مِن كَلِمَةِ (p-١٥٥)رَبِّكَ، أيْ: حَقَّ عَلَيْهِمُ انْتِفاءُ الإيمانِ. ويَجُوزُ أنْ يُرادَ بِالكَلِمَةِ عِدَةُ العَذابِ، ويَكُونُ أنَّهم لا يُؤْمِنُونَ تَعْلِيلًا أيْ: لِأنَّهم لا يُؤْمِنُونَ. ويُوَضِّحُ هَذا الوَجْهَ قِراءَةُ ابْنِ أبِي عَبْلَةَ: إنَّهم لا يُؤْمِنُونَ بِالكَسْرِ، وهَذا إخْبارٌ مِنهُ تَعالى أنَّ في الكُفّارِ مَن حَتَّمَ اللَّهُ بِكُفْرِهِ، وقَضى بِتَخْلِيدِهِ.
وقَرَأ أبُو جَعْفَرٍ وشَيْبَةُ والصّاحِبانِ: (كَلِماتُ) عَلى الجَمْعِ هُنا وفي آخِرِ السُّورَةِ. وقَرَأ باقِي السَّبْعَةِ عَلى الإفْرادِ.
﴿قُلْ هَلْ مِن شُرَكائِكم مَن يَبْدَأُ الخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ قُلِ اللَّهُ يَبْدَأُ الخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ فَأنّى تُؤْفَكُونَ﴾: لَمّا اسْتَفْهَمَهم عَنْ أشْياءَ مِن صِفاتِ اللَّهِ تَعالى واعْتَرَفُوا بِها، ثُمَّ أنْكَرَ عَلَيْهِمْ صَرْفَهم عَنِ الحَقِّ وعِبادَةِ اللَّهِ، اسْتَفْهَمَ عَنْ شَيْءٍ هو سَبَبُ العِبادَةِ: وهو إبْداءُ الخَلْقِ، وهم يُسَلِّمُونَ ذَلِكَ.
﴿ولَئِنْ سَألْتَهم مَن خَلَقَ السَّماواتِ والأرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ﴾ [لقمان: ٢٥] ثُمَّ أعادَ الخَلْقَ وهم مُنْكِرُونَ ذَلِكَ، لَكِنَّهُ عَطَفَهُ عَلى ما يُسَلِّمُونَهُ، لِيُعْلِمَ أنَّهُما سَواءٌ بِالنِّسْبَةِ إلى قُدْرَةِ اللَّهِ، وأنَّ ذَلِكَ لِوُضُوحِهِ وقِيامِ بُرْهانِهِ، قُرِنَ بِما يُسَلِّمُونَهُ إذْ لا يَدْفَعُهُ إلّا مُكابِرٌ، إذْ هو مِنَ الواضِحاتِ الَّتِي لا يَخْتَلِفُ في إمْكانِها العُقَلاءُ. وجاءَ الشَّرْعُ بِوُجُوبِهِ، فَوَجَبَ اعْتِقادُهُ. ولَمّا كانُوا لِمُكابَرَتِهِمْ لا يُقِرُّونَ بِذَلِكَ، أمَرَ تَعالى نَبِيَّهُ ﷺ أنْ يُجِيبَ فَقالَ: ﴿قُلِ اللَّهُ يَبْدَأُ الخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ﴾، وأبْرَزَ الجَوابَ في جُمْلَةٍ مُبْتَدَأةٍ مُصَرَّحٍ بِخَبَرِها، فَعادَ الخَبَرُ فِيها مُطابِقًا لِخَبَرِ اسْمِ الِاسْتِفْهامِ، وذَلِكَ تَأْكِيدٌ وتَثْبِيتٌ. ولَمّا كانَ الِاسْتِفْهامُ قَبْلَ هَذا لا مَندُوحَةَ لَهم عَنْ الِاعْتِرافِ بِهِ، جاءَتِ الجُمْلَةُ مَحْذُوفًا مِنها أحَدُ جُزْأيْها في قَوْلِهِ: ﴿فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ﴾ [يونس: ٣١]، ولَمْ يَحْتَجْ إلى التَّأْكِيدِ بِتَصْرِيحِ خَبَرِها. ومَعْنى تُؤْفَكُونَ: تُصْرَفُونَ وتُقْلَبُونَ عَنِ اتِّباعِ الحَقِّ.
﴿قُلْ هَلْ مِن شُرَكائِكم مَن يَهْدِي إلى الحَقِّ قُلِ اللَّهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ أفَمَن يَهْدِي إلى الحَقِّ أحَقُّ أنْ يُتَّبَعَ أمَّنْ لا يَهِدِّي إلّا أنْ يُهْدى فَما لَكم كَيْفَ تَحْكُمُونَ﴾: لَمّا بَيَّنَ تَعالى عَجْزَ أصْنامِهِمْ عَنِ الإبْداءِ والإعادَةِ، اللَّذَيْنِ هُما مِن أقْوى أسْبابِ القُدْرَةِ، وأعْظَمِ دَلائِلَ الأُلُوهِيَّةِ، بَيَّنَ عَجْزَهم عَنْ هَذا النَّوْعِ مِن صِفاتِ الإلَهِ، وهو الهِدايَةُ إلى الحَقِّ وإلى مَناهِجِ الصَّوابِ، وقَدْ أعْقَبَ الخَلْقَ بِالهِدايَةِ في القُرْآنِ في مَواضِعَ، قالَ تَعالى حِكايَةً عَنِ الكَلِيمِ: ﴿قالَ رَبُّنا الَّذِي أعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدى﴾ [طه: ٥٠] وقالَ: ﴿الَّذِي خَلَقَ فَسَوّى﴾ [الأعلى: ٢] ﴿والَّذِي قَدَّرَ فَهَدى﴾ [الأعلى: ٣] فاسْتَدَلَّ بِالخَلْقِ والهِدايَةِ عَلى وُجُودِ الصّانِعِ، وهُما حالانِ لِلْجَسَدِ والرُّوحِ.
ولَمّا كانَتِ العُقُولُ يَلْحَقُها الِاضْطِرابُ والغَلَطُ، بَيَّنَ تَعالى أنَّهُ لا يَهْدِيها إلّا هو، بِخِلافِ أصْنامِهِمْ ومَعْبُوداتِهِمْ، فَإنَّهُ ما كانَ مِنها لا رُوحَ فِيهِ، جَمادٌ لا تَأْثِيرَ لَهُ، وما فِيهِ رُوحٌ فَلَيْسَ قادِرًا عَلى الهِدايَةِ، بَلِ اللَّهُ تَعالى هو الَّذِي يَهْدِيهِ.
وهَدى تَتَعَدّى بِنَفْسِها إلى اثْنَيْنِ، وإلى الثّانِي بِإلى وبِاللّامِ. ويَهْدِي إلى الحَقِّ: (p-١٥٦)حُذِفُ مَفْعُولُهُ الأوَّلُ، ولا يَصِحُّ أنْ يَكُونَ لازِمًا بِمَعْنى يَهْتَدِي، لِأنَّ مُقابِلَهُ إنَّما هو مُتَعَدٍّ، وهو قَوْلُهُ: ﴿قُلِ اللَّهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ﴾، أيْ: يَهْدِي مَن يَشاءُ إلى الحَقِّ.
وقَدْ أنْكَرَ المُبَرِّدُ ما قالَهُ الكِسائِيُّ والفَرّاءُ، وتَبِعَهُما الزَّمَخْشَرِيُّ مِن أنْ يَكُونَ هَدى بِمَعْنى اهْتَدى، وقالَ: لا نَعْرِفُ هَذا، وأحَقُّ لَيْسَتْ أفْعَلَ تَفْضِيلٍ، بَلِ المَعْنى: حَقِيقٌ بِأنْ يُتَّبَعَ. ولَمّا كانُوا مُعْتَقِدِينَ أنَّ شُرَكاءَهم تَهْدِي إلى الحَقِّ، ولا يُسَلِّمُونَ حَصْرَ الهِدايَةِ لِلَّهِ تَعالى، أمَرَ نَبِيَّهُ ﷺ بِأنْ يُبادِرَ بِالجَوابِ فَقالَ: ﴿قُلِ اللَّهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ﴾، ثُمَّ عادَلَ في السُّؤالِ بِالهَمْزَةِ وأمْ بَيْنَ مَن هو حَقِيقٌ بِالِاتِّباعِ، ومَن هو غَيْرُ حَقِيقٍ، وجاءَ عَلى الأفْصَحِ الأكْثَرِ مِن فَصْلِ أمْ مِمّا عُطِفَتْ عَلَيْهِ بِالخَبَرِ، كَقَوْلِهِ: ﴿أذَلِكَ خَيْرٌ أمْ جَنَّةُ الخُلْدِ﴾ [الفرقان: ١٥] بِخِلافِ قَوْلِهِ: ﴿أقَرِيبٌ أمْ بَعِيدٌ ما تُوعَدُونَ﴾ [الأنبياء: ١٠٩] وسَيَأْتِي القَوْلُ في تَرْجِيحِ الوَصْلِ هُنا في مَوْضِعِهِ إنْ شاءَ اللَّهُ تَعالى.
وقَرَأ أهْلُ المَدِينَةِ: إلّا ورْشًا أمَّنْ لا (يَهْدِّي) بِفَتْحِ الياءِ وسُكُونِ الهاءِ وتَشْدِيدِ الدّالِّ، فَجَمَعُوا بَيْنَ ساكِنَيْنِ. قالَ النَّحّاسُ: لا يَقْدِرُ أحَدٌ أنْ يَنْطِقَ بِهِ.
وقالَ المُبَرِّدُ: مَن رامَ هَذا لا بُدَّ أنْ يُحَرِّكَ حَرَكَةً خَفِيفَةً، وسِيبَوَيْهِ يُسَمِّي هَذا اخْتِلاسَ الحَرَكَةِ. وقَرَأ أبُو عَمْرٍو وقالُونُ في رِوايَةٍ كَذَلِكَ إلّا أنَّهُ اخْتَلَسَ الحَرَكَةَ. وقَرَأ ابْنُ عامِرٍ، وابْنُ كَثِيرٍ، ووَرْشٌ، وابْنُ مُحَيْصِنٍ: كَذَلِكَ إلّا أنَّهم فَتَحُوا الهاءَ وأصْلُهُ يَهْتَدِي، فَقُلِبَ حَرَكَةُ التّاءِ إلى الهاءِ، وأُدْغِمَتِ التّاءُ في الدّالِ.
وقَرَأ حَفْصٌ، و يَعْقُوبُ، والأعْمَشُ عَنْ أبِي بَكْرٍ كَذَلِكَ، إلّا أنَّهم كَسَرُوا الهاءَ لَمّا اضْطُرَّ إلى الحَرَكَةِ حُرِّكَ بِالكَسْرِ. قالَ أبُو حاتِمٍ: هي لُغَةُ سُفْلى مُضَرَ. وقَرَأ أبُو بَكْرٍ في رِوايَةِ يَحْيى بْنِ آدَمَ كَذَلِكَ، إلّا أنَّهُ كَسَرَ الياءَ.
ونُقِلَ عَنْ سِيبَوَيْهِ أنَّهُ لا يُجِيزُ يَهِدِّي، ويُجِيزُ تَهِدِّي ونَهِدِّي وأهِدِّي قالَ: لِأنَّ الكَسْرَةَ في الياءِ تَثْقُلُ. وقَرَأ حَمْزَةُ، والكِسائِيُّ، وخَلَفٌ، ويَحْيى بْنُ وثّابٍ، والأعْمَشُ: يَهْدِي مُضارِعُ هَدى.
قالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: هَذِهِ الهِدايَةُ أحَقُّ بِالِاتِّباعِ أمِ الَّذِي لا يَهِدِّي، أيْ لا يَهْتَدِي بِنَفْسِهِ أوْ لا يَهْدِي غَيْرَهُ، إلّا أنْ يَهْدِيَهُ اللَّهُ. وقِيلَ: مَعْناهُ أمَّنْ لا يَهْتَدِي مِنَ الأوْثانِ إلى مَكانٍ فَيَنْتَقِلُ إلَيْهِ، إلّا أنْ يُهْدى، إلّا أنْ يُنْقَلَ أوْ لا يَهْتَدِي، ولا يَصِحُّ مِنهُ الِاهْتِداءُ إلّا بِنَقْلَةِ اللَّهِ تَعالى مِن حالِهِ إلى أنْ يَجْعَلَهُ حَيَوانًا مُطْلَقًا فَيَهْدِيَهُ، انْتَهى.
وتَقَدَّمَ إنْكارُ المُبَرِّدِ ما قالَهُ الكِسائِيُّ والفِراءُ وتَبِعَهُما الزَّمَخْشَرِيُّ مِن أنَّ هَدى بِمَعْنى اهْتَدى. وقالَ أبُو عَلِيٍّ الفارِسِيُّ: وصَفَ الأصْنامَ بِأنَّها لا تَهْتَدِي إلّا أنْ تُهْدى، ونَحْنُ نَجِدُها لا تَهْتَدِي وإنْ هُدِيَتْ. فَوَجْهُ ذَلِكَ أنَّهُ عامِلٌ في العِبادَةِ عَنْها مُعامَلَتَهم في وصْفِها بِأوْصافِ مَن يَعْقِلُ، وذَلِكَ مَجازٌ ومَوْجُودٌ في كَثِيرٍ مِنَ القُرْآنِ. وقالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: والَّذِي أقُولُ إنَّ قِراءَةَ حَمْزَةَ والكِسائِيِّ يُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ المَعْنى أمْ مَن لا يَهْدِي أحَدًا إلّا أنْ يُهْدى ذَلِكَ الأحَدُ بِهِدايَةٍ مِن عِنْدِ اللَّهِ، وأمّا عَلى غَيْرِها مِنَ القِراءاتِ الَّتِي مُقْتَضاها: أمْ مَن لا يَهْتَدِي إلّا أنْ يُهْدى فَيَتَّجِهُ المَعْنى عَلى ما تَقَدَّمَ لِأبِي عَلِيٍّ الفارِسِيِّ، وفِيهِ تَجَوُّزٌ كَثِيرٌ. ويُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ ما ذَكَرَ اللَّهُ مِن تَسْبِيحِ الجَماداتِ هو اهْتِداؤُها. وقِيلَ: تَمَّ الكَلامُ عِنْدَ قَوْلِهِ: أمَّنْ لا يَهِدِّي، أيْ: لا يَهْدِي غَيْرَهُ، ثُمَّ قالَ: إلّا أنْ يُهْدى اسْتِثْناءٌ مُنْقَطِعٌ، أيْ لَكِنَّهُ يَحْتاجُ إلى أنْ يُهْدى كَما تَقُولُ: فُلانٌ لا يُسْمِعُ غَيْرَهُ إلّا أنْ يَسْمَعَ، أيْ لَكِنَّهُ يَحْتاجُ إلى أنْ يَسْمَعَ. وقِيلَ: أمْ مَن لا يَهِدِّي في الرُّؤَساءِ المُضِلِّينَ، انْتَهى.
ويَكُونُ اسْتِثْناءً مُتَّصِلًا لِأنَّهُ إذْ ذاكَ يَكُونُ فِيهِمْ قابِلِيَّةُ الهِدايَةِ، بِخِلافِ الأصْنامِ. فَما لَكم: اسْتِفْهامٌ مَعْناهُ: التَّعَجُّبُ والإنْكارُ أيْ: أيُّ شَيْءٍ لَكم في اتِّخاذِ هَؤُلاءِ الشُّرَكاءِ، إذْ كانُوا عاجِزِينَ عَنْ هِدايَةِ أنْفُسِهِمْ، فَكَيْفَ يُمْكِنُ أنْ يَهْدُوا غَيْرَهم ؟ كَيْفَ تَحْكُمُونَ اسْتِفْهامٌ آخَرُ أيْ: كَيْفَ تَحْكُمُونَ بِالباطِلِ وتَجْعَلُونَ لِلَّهِ أنْدادًا وشُرَكاءَ ؟ وهاتانِ جُمْلَتانِ أنْكَرَ في الأُولى، وتَعَجَّبَ مِنَ اتِّباعِهِمْ مَن لا يَهْدِي ولا يَهْتَدِي، وأنْكَرَ في الثّانِي حُكْمَهم بِالباطِلِ وتَسْوِيَةَ الأصْنامِ بِرَبِّ العالَمِينَ.
﴿وما يَتَّبِعُ أكْثَرُهم إلّا ظَنًّا إنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الحَقِّ شَيْئًا إنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِما يَفْعَلُونَ﴾: الظّاهِرُ أنَّ أكْثَرَهم عَلى بابِهِ، لِأنَّ مِنهم مَن تَبَصَّرَ في الأصَنامِ (p-١٥٧)ورَفَضَها كَما قالَ:
؎أرَبٌّ يَبُولُ الثَّعْلَبانِ بِرَأْسِهِ لَقَدْ هانَ مَن بالَتْ عَلَيْهِ الثَّعالِبُ
وقِيلَ: المُرادُ بِأكْثَرِهِمْ جَمِيعُهم، والمَعْنى: ما يَتَّبِعُ أكْثَرُهم في اعْتِقادِهِمْ في اللَّهِ وفي صِفاتِهِ إلّا ظَنًّا، لَيْسُوا مُتَبَصِّرِينَ ولا مُسْتَنِدِينَ إلى بُرْهانٍ، إنَّما ذَلِكَ شَيْءٌ تَلَقَّفُوهُ مِن آبائِهِمْ. والظَّنُّ في مَعْرِفَةِ اللَّهِ لا يُغْنِي مِنَ الحَقِّ شَيْئًا، أيْ: مِن إدْراكِ الحَقِّ ومَعْرِفَتِهِ عَلى ما هو عَلَيْهِ، لِأنَّهُ تَجْوِيزٌ لا قَطْعٌ. وقِيلَ: وما يَتَّبِعُ أكْثَرُهم في جَعْلِهِمُ الأصْنامَ آلِهَةً، واعْتِقادِهِمْ أنَّها تَشْفَعُ عِنْدَ اللَّهِ وتُقَرِّبُ إلَيْهِ.
وقَرَأ عَبْدُ اللَّهِ: تَفْعَلُونَ بِالتّاءِ عَلى الخِطابِ التِفاتًا والجُمْلَةُ تَضَمَّنَتِ التَّهْدِيدَ والوَعِيدَ عَلى اتِّباعِ الظَّنِّ، وتَقْلِيدِ الآباءِ. وقِيلَ: نَزَلَتْ في رُؤَساءِ اليَهُودِ وقُرَيْشٍ.
﴿وما كانَ هَذا القُرْآنُ أنْ يُفْتَرى مِن دُونِ اللَّهِ ولَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وتَفْصِيلَ الكِتابِ لا رَيْبَ فِيهِ مِن رَبِّ العالَمِينَ﴾: لَمّا تَقَدَّمَ قَوْلُهم: ﴿ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذا أوْ بَدِّلْهُ﴾ [يونس: ١٥] وكانَ مِن قَوْلِهِمْ: إنَّهُ افْتَراهُ قالَ تَعالى: ﴿وما كانَ هَذا القُرْآنُ أنْ يُفْتَرى﴾، أيْ: ما صَحَّ ولا اسْتَقامَ أنَّ يَكُونَ هَذا القُرْآنُ المُعْجِزُ مُفْتَرًى. والإشارَةُ بِهَذا فِيها تَفْخِيمُ المُشارِ إلَيْهِ وتَعْظِيمُهُ، وكَوْنُهُ جامِعًا لِلْأوْصافِ الَّتِي يَسْتَحِيلُ وُجُودُها فِيهِ أنْ يَكُونَ مُفْتَرًى. والظّاهِرُ أنَّ: أنْ يُفْتَرى هو خَبَرُ كانَ، أيِ: افْتِراءً، أيْ: ذا افْتِراءٍ، أوْ مُفْتَرًى. ويَزْعُمُ بَعْضُ النَّحْوِيِّينَ أنَّ أنْ هَذِهِ هي المُضْمَرَةُ بَعْدَ لامِ الجُحُودِ في قَوْلِكَ: ما كانَ زَيْدٌ لِيَفْعَلَ، وأنَّهُ لَمّا حُذِفَتِ اللّامُ أُظْهِرَتْ أنْ وأنَّ اللّامَ وأنْ يَتَعاقَبانِ، فَحَيْثُ جِيءَ بِاللّامِ لَمْ تَأْتِ بِأنْ بَلْ تُقَدِّرُها، وحَيْثُ حُذِفَتِ اللّامُ ظَهَرَتْ أنْ.
والصَّحِيحُ أنَّهُما لا يَتَعاقَبانِ، وأنَّهُ لا يَجُوزُ حَذْفُ اللّامِ وإظْهارُ أنْ إذْ لَمْ يَقُمْ دَلِيلٌ عَلى ذَلِكَ. وعَلى زَعْمِ هَذا الزّاعِمِ لا يَكُونُ أنْ يُفْتَرى خَبَرًا لِكانَ، بَلِ الخَبَرُ مَحْذُوفٌ.
وأنْ يُفْتَرى مَعْمُولٌ لِذَلِكَ الخَبَرِ بَعْدَ إسْقاطِ اللّامِ، ووَقَعَتْ لَكِنْ هُنا أحْسَنَ مَوْقِعٍ إذْ كانَتْ بَيْنَ نَقِيضَيْنِ وهُما: الكَذِبُ والتَّصْدِيقُ المُتَضَمِّنُ الصِّدْقَ، والَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ الكُتُبُ الإلَهِيَّةُ المُتَقَدِّمَةُ قالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ كَما جاءَ: مُصَدِّقًا لِما مَعَكم.
وعَنِ الزَّجّاجِ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ أشْراطُ السّاعَةِ، ولا يَقُومُ البُرْهانُ عَلى قُرَيْشٍ إلّا بِتَصْدِيقِ القُرْآنِ ما في التَّوْراةِ والإنْجِيلِ، مَعَ أنَّ الآتِيَ بِهِ يَقْطَعُونَ أنَّهُ لَمْ يُطالِعْ تِلْكَ الكُتُبَ ولا غَيْرَها، ولا هي في بَلَدِهِ ولا قَوْمِهِ، لا بِتَصْدِيقِ الأشْراطِ، لِأنَّهم لَمْ يُشاهِدُوا شَيْئًا مِنها.
وتَفْصِيلُ الكِتابِ تَبْيِينُ ما فُرِضَ وكُتِبَ فِيهِ مِنَ الأحْكامِ والشَّرائِعِ. وقَرَأ الجُمْهُورُ: تَصْدِيقَ وتَفْصِيلَ بِالنَّصْبِ، فَخَرَّجَهُ الكِسائِيُّ والفَرّاءُ ومُحَمَّدُ بْنُ سَعْدانَ والزَّجّاجُ عَلى أنَّهُ خَبَرُ كانَ مُضْمَرَةً، أيْ: ولَكِنْ كانَ تَصْدِيقَ، أيْ: مُصَدِّقًا ومُفَصِّلًا. وقِيلَ: انْتَصَبَ مَفْعُولًا مِن أجْلِهِ، والعامِلُ مَحْذُوفٌ، والتَّقْدِيرُ: ولَكِنْ أُنْزِلَ لِلتَّصْدِيقِ.
وقِيلَ: انْتَصَبَ عَلى المَصْدَرِ، والعامِلُ فِيهِ فِعْلٌ مَحْذُوفٌ. وقَرَأ عِيسى بْنُ عُمَرَ: تَفْصِيلُ وتَصْدِيقُ بِالرَّفْعِ، وفي يُوسُفَ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ، أيْ: ولَكِنْ هو تَصْدِيقٌ. كَما قالَ الشّاعِرُ:
؎ولَسْتُ الشّاعِرَ السِّفْسافَ فِيهِمْ ∗∗∗ ولَكِنْ مَدَّهُ الحَرْبُ العَوالِي
أيْ: ولَكِنْ أنا. وزَعَمَ الفَرّاءُ ومَن تابَعَهُ أنَّ العَرَبَ إذا قالَتْ: ولَكِنْ بِالواوِ، آثَرَتْ تَشْدِيدَ النُّونِ، وإذا لَمْ تَكُنِ الواوُ آثَرَتِ التَّخْفِيفَ. وقَدْ جاءَ في السَّبْعَةِ مَعَ الواوِ التَّشْدِيدُ والتَّخْفِيفُ، ولا رَيْبَ فِيهِ داخِلٌ في حَيِّزِ الِاسْتِدْراكِ كَأنَّهُ قِيلَ: ولَكِنْ تَصْدِيقًا وتَفْصِيلًا مُنْتَفِيًا عَنْهُ الرَّيْبُ، كائِنًا مِن رَبِّ العالَمِينَ.
قالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: ويَجُوزُ أنْ يُرادَ: ولَكِنْ كانَ تَصْدِيقًا مِن رَبِّ العالَمِينَ وتَفْصِيلًا مِنهُ في ذَلِكَ، فَيَكُونُ ﴿مِن رَبِّ العالَمِينَ﴾ مُتَعَلِّقًا بِـ (تَصْدِيقَ) و(تَفْصِيلَ)، ويَكُونُ لا رَيْبَ فِيهِ اعْتِراضًا كَما تَقُولُ: زَيْدٌ لا شَكَّ فِيهِ كَرِيمٌ، انْتَهى قَوْلُهُ.
فَيَكُونُ ﴿مِن رَبِّ العالَمِينَ﴾ مُتَعَلِّقًا بِـ (تَصْدِيقَ) و(تَفْصِيلَ)، إنَّما يَعْنِي مِن جِهَةِ المَعْنى، وأمّا مِن جِهَةِ الإعْرابِ فَلا يَكُونُ إلّا مُتَعَلِّقًا بِأحَدِهِما، ويَكُونُ مِن بابِ الإعْمالِ وانْتِفاءِ الرَّيْبِ عَنْهُ عَلى ما بَيَّنَ (p-١٥٨)فِي البَقَرَةِ في قَوْلِهِ: ﴿ذَلِكَ الكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ﴾ [البقرة: ٢] وجَمَعَ بَيْنَهُ وبَيْنَ قَوْلِهِ: ﴿وإنْ كُنْتُمْ في رَيْبٍ مِمّا نَزَّلْنا﴾ [البقرة: ٢٣] .
{"ayahs_start":32,"ayahs":["فَذَ ٰلِكُمُ ٱللَّهُ رَبُّكُمُ ٱلۡحَقُّۖ فَمَاذَا بَعۡدَ ٱلۡحَقِّ إِلَّا ٱلضَّلَـٰلُۖ فَأَنَّىٰ تُصۡرَفُونَ","كَذَ ٰلِكَ حَقَّتۡ كَلِمَتُ رَبِّكَ عَلَى ٱلَّذِینَ فَسَقُوۤا۟ أَنَّهُمۡ لَا یُؤۡمِنُونَ","قُلۡ هَلۡ مِن شُرَكَاۤىِٕكُم مَّن یَبۡدَؤُا۟ ٱلۡخَلۡقَ ثُمَّ یُعِیدُهُۥۚ قُلِ ٱللَّهُ یَبۡدَؤُا۟ ٱلۡخَلۡقَ ثُمَّ یُعِیدُهُۥۖ فَأَنَّىٰ تُؤۡفَكُونَ","قُلۡ هَلۡ مِن شُرَكَاۤىِٕكُم مَّن یَهۡدِیۤ إِلَى ٱلۡحَقِّۚ قُلِ ٱللَّهُ یَهۡدِی لِلۡحَقِّۗ أَفَمَن یَهۡدِیۤ إِلَى ٱلۡحَقِّ أَحَقُّ أَن یُتَّبَعَ أَمَّن لَّا یَهِدِّیۤ إِلَّاۤ أَن یُهۡدَىٰۖ فَمَا لَكُمۡ كَیۡفَ تَحۡكُمُونَ","وَمَا یَتَّبِعُ أَكۡثَرُهُمۡ إِلَّا ظَنًّاۚ إِنَّ ٱلظَّنَّ لَا یُغۡنِی مِنَ ٱلۡحَقِّ شَیۡـًٔاۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِیمُۢ بِمَا یَفۡعَلُونَ","وَمَا كَانَ هَـٰذَا ٱلۡقُرۡءَانُ أَن یُفۡتَرَىٰ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَلَـٰكِن تَصۡدِیقَ ٱلَّذِی بَیۡنَ یَدَیۡهِ وَتَفۡصِیلَ ٱلۡكِتَـٰبِ لَا رَیۡبَ فِیهِ مِن رَّبِّ ٱلۡعَـٰلَمِینَ"],"ayah":"وَمَا یَتَّبِعُ أَكۡثَرُهُمۡ إِلَّا ظَنًّاۚ إِنَّ ٱلظَّنَّ لَا یُغۡنِی مِنَ ٱلۡحَقِّ شَیۡـًٔاۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِیمُۢ بِمَا یَفۡعَلُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق