الباحث القرآني
قوله عزّ وجلّ:
﴿قُلْ هَلْ مِن شُرَكائِكم مِن يَبْدَأُ الخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ قُلْ اللهُ يَبْدَأُ الخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ فَأنّى تُؤْفَكُونَ﴾ ﴿قُلْ هَلْ مِن شُرَكائِكم مِن يَهْدِي إلى الحَقِّ قُلْ اللهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ أفَمَن يَهْدِي إلى الحَقِّ أحَقُّ أنْ يُتَّبَعَ أمَّنْ لا يَهْدِي إلا أنْ يُهْدى فَما لَكم كَيْفَ تَحْكُمُونَ﴾ ﴿وَما يَتَّبِعُ أكْثَرُهم إلا ظَنًّا إنَّ الظَنَّ لا يُغْنِي مِنَ الحَقِّ شَيْئًا إنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِما يَفْعَلُونَ﴾
هَذا تَوْقِيفٌ أيْضًا عَلى قُصُورِ الأصْنامِ وعَجْزِها، وتَنْبِيهٌ عَلى قُدْرَةِ اللهِ عَزَّ وجَلَّ، وبَدْءِ الخَلْقِ يُرِيدُ بِهِ إنْشاءَ الإنْسانِ في أوَّلِ أمْرِهِ، وإعادَتُهُ هي البَعْثُ مِنَ القُبُورِ. و"تُؤْفَكُونَ" مَعْناهُ: تُصْرَفُونَ وتُحْرَمُونَ، تَقُولُ العَرَبُ: "أرْضٌ مَأْفُوكَةٌ" إذا لَمْ يَصِبْها مَطَرٌ فَهي بِمَعْنى الخَيْبَةِ والقَلْبِ، كَما قالَ: ﴿والمُؤْتَفِكَةَ أهْوى﴾ [النجم: ٥٣].
وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿قُلْ هَلْ مِن شُرَكائِكم مِن يَهْدِي﴾ الآيَةُ، ﴿يَهْدِي إلى الحَقِّ﴾ يُرِيدُ بِهِ: يُبَيِّنُ طُرُقَ الصَوابِ ويَدْعُو إلى العَدْلِ ويُفْصِحُ بِالآياتِ ونَحْوِ هَذا. ووَصَفَ الأصْنامَ بِأنَّها لا تَهْدِي إلّا أنْ تُهْدى، ونَحْنُ نَجِدُها لا تَهْتَدِي وإنْ هُدِيَتْ، فَوَجْهُ ذَلِكَ أنَّهُ عامَلَ -فِي العِبارَةِ عنها- مُعامَلَتَهم في وصْفِها بِأوصافِ مَن يَعْقِلُ، وذَلِكَ مُجازٌ ومَوْجُودٌ في كَثِيرٍ مِنَ القُرْآنِ، وذَكَرَ ذَلِكَ أبُو عَلِيٍّ الفارِسِيُّ، والَّذِي أقُولُ: إنَّ قِراءَةَ حَمْزَةَ والكِسائِيِّ تَحْتَمِلُ أنْ يَكُونَ المَعْنى: "أمَّنْ لا يَهْدِي أحَدًا إلّا أنْ يُهْدى ذَلِكَ الأحَدُ بِهِدايَةٍ مِن عِنْدِ اللهِ"، وأمّا عَلى غَيْرِها مِنَ القِراءاتِ الَّتِي مُقْتَضاها: "أمَّنْ لا يَهْتَدِي إلّا أنْ يُهْدى" فَيَتَّجِهُ المَعْنى عَلى ما تَقَدَّمَ لِأبِي عَلِيٍّ الفارِسِيِّ، وفِيهِ تَجَوُّزُ كَثِيرٌ. وقالَ بَعْضُهُمْ: هي عِبارَةٌ عن أنَّها لا تَنْتَقِلُ إلّا أنْ تُنْقَلَ، ويُحْتَمَلَ أنْ يَكُونَ ما ذَكَرَ اللهُ تَعالى مِن تَسْبِيحِ الجَماداتِ هو اهْتِداؤُها، ويُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ الِاسْتِثْناءُ في اهْتِدائِها إلى مُناكَرَةِ الكُفّارِ يَوْمَ القِيامَةِ حَسَبَما مَضى في هَذِهِ السُورَةِ.
وقِراءَةُ حَمْزَةَ والكِسائِيِّ هي "يَهْدِي" بِفَتْحِ الياءِ وسُكُونِ الهاءِ. وقَرَأ نافِعٌ، (p-٤٨٠)وَأبُو عَمْرٍو، وشَيْبَةُ، والأعْرَجُ، وأبُو جَعْفَرٍ: "يَهْدِّي" بِسُكُونِ الهاءِ وتَشْدِيدِ الدالِ، وقَرَأ ابْنُ كَثِيرٍ، وابْنُ عامِرٍ: "يَهَدِّي" بِفَتْحِ الياءِ والهاءِ، وهَذِهِ أفْصَحُ القِراءاتِ، نُقِلَتْ حَرَكَةُ تاءِ "يَهْتَدِي" إلى الهاءِ وأُدْغِمَتِ التاءُ في الدالِ، وهَذِهِ رِوايَةُ ورْشٍ عن نافِعٍ. وقَرَأ عاصِمٌ في رِوايَةِ حَفْصٍ: "يَهِدِّي" بِفَتْحِ الياءِ وكَسْرِ الهاءِ وشَدِّ الدالِ، أتْبَعَ الكَسْرَةَ الكَسْرَةَ، وقَرَأ عاصِمٌ في رِوايَةِ أبِي بَكْرٍ: "يِهِدِّي" بِكَسْرِ الياءِ والهاءِ وشَدِّ الدالِ، وهَذا أيْضًا إتْباعٌ. وقالَ مُجاهِدٌ: اللهُ يَهْدِي مِنَ الأوثانِ وغَيْرِها ما شاءَ.
قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللهُ:
وهَذا ضَعِيفٌ.
وقَرَأ يَحْيى بْنُ الحارِثِ الزَمارِيُّ: "إلّا أنْ يَهَدِّي" بِفَتْحِ الهاءِ وشَدِّ الدالِ، ووَقَفَ القُرّاءُ عَلى: "فَما لَكُمْ"، ثُمَّ يَبْدَأُ "كَيْفَ تَحْكُمُونَ".
وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَما يَتَّبِعُ أكْثَرُهُمْ﴾ إخْبارٌ عن فَسادِ طَرائِقِهِمْ وضَعْفِ نَظَرِهِمْ وأنَّهُ ظَنٌّ، ثُمَّ بَيَّنَ مَنزِلَةَ الظَنِّ مِنَ المَعارِفِ وبُعْدِهِ عَنِ الحَقِّ. والظَنُّ -فِي هَذِهِ الآيَةِ- عَلى بابِهِ في أنَّهُ مُعْتَقَدُ أحَدِ جائِزَيْنِ لَكِنْ ثَمَّ مَيْلٌ إلى أحَدِهِما دُونَ حُجَّةٍ تُبْطِلُ الآخَرَ، وجَوازُ ما اعْتَقَدَهُ هَؤُلاءِ إنَّما هو بِزَعْمِهِمْ لا في نَفْسِهِ. بَلْ ظَنُّهم مُحالٌ في ذاتِهِ. والحَقُّ أيْضًا عَلى بابِهِ في أنَّهُ مَعْرِفَةُ المَعْلُومِ عَلى ما هو بِهِ. وبِهَذِهِ الشُرُوطِ لا يُغْنِي الظَنُّ مِنَ الحَقِّ شَيْئًا. وأمّا في طَرِيقِ الأحْكامِ الَّتِي تَعَبَّدَ الناسُ بِظَواهِرِها فَيُغْنِي الظَنُّ في تِلْكَ الحَقائِقِ ويُصْرَفُ مِن طَرِيقٍ إلى طَرِيقٍ. والشَهادَةُ إنَّما هي مَظْنُونَةٌ. وكَذَلِكَ التُهَمُ في الشَهاداتِ تُغْنِي. ولَيْسَ المُرادُ في هَذِهِ الآيَةِ هَذا النَمَطُ. وقَرَأ جُمْهُورُ الناسِ: "يَفْعَلُونَ". وقَرَأ عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْعُودٍ "تَفْعَلُونَ" بِالتاءِ عَلى مُخاطَبَةِ الحاضِرِ.
{"ayahs_start":34,"ayahs":["قُلۡ هَلۡ مِن شُرَكَاۤىِٕكُم مَّن یَبۡدَؤُا۟ ٱلۡخَلۡقَ ثُمَّ یُعِیدُهُۥۚ قُلِ ٱللَّهُ یَبۡدَؤُا۟ ٱلۡخَلۡقَ ثُمَّ یُعِیدُهُۥۖ فَأَنَّىٰ تُؤۡفَكُونَ","قُلۡ هَلۡ مِن شُرَكَاۤىِٕكُم مَّن یَهۡدِیۤ إِلَى ٱلۡحَقِّۚ قُلِ ٱللَّهُ یَهۡدِی لِلۡحَقِّۗ أَفَمَن یَهۡدِیۤ إِلَى ٱلۡحَقِّ أَحَقُّ أَن یُتَّبَعَ أَمَّن لَّا یَهِدِّیۤ إِلَّاۤ أَن یُهۡدَىٰۖ فَمَا لَكُمۡ كَیۡفَ تَحۡكُمُونَ","وَمَا یَتَّبِعُ أَكۡثَرُهُمۡ إِلَّا ظَنًّاۚ إِنَّ ٱلظَّنَّ لَا یُغۡنِی مِنَ ٱلۡحَقِّ شَیۡـًٔاۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِیمُۢ بِمَا یَفۡعَلُونَ"],"ayah":"وَمَا یَتَّبِعُ أَكۡثَرُهُمۡ إِلَّا ظَنًّاۚ إِنَّ ٱلظَّنَّ لَا یُغۡنِی مِنَ ٱلۡحَقِّ شَیۡـًٔاۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِیمُۢ بِمَا یَفۡعَلُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق