الباحث القرآني
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿ألَمْ تَرَ أنَّ اللَّهَ أنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَتُصْبِحُ الأرْضُ مُخْضَرَّةً إنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ﴾، الظّاهِرُ: أنَّ ”تَرَ“ هُنا مِن رَأى بِمَعْنى: عَلِمَ؛ لِأنَّ إنْزالَ المَطَرِ وإنْ كانَ مُشاهَدًا بِالبَصَرِ فَكَوْنُ اللَّهِ هو الَّذِي أنْزَلَهُ، إنَّما يُدْرَكُ بِالعِلْمِ لا بِالبَصَرِ، فالرُّؤْيَةُ هُنا عِلْمِيَّةٌ عَلى التَّحْقِيقِ.
فالمَعْنى: ألَمْ تَعْلَمِ اللَّهَ مُنْزِلًا مِنَ السَّماءِ ماءً فَتُصْبِحُ الأرْضُ مُخْضَرَّةً أيْ: ذاتَ خُضْرَةٍ بِسَبَبِ النَّباتِ الَّذِي يُنْبِتُهُ اللَّهُ فِيها بِسَبَبِ إنْزالِهِ الماءَ مِنَ السَّماءِ، وهَذِهِ آيَةٌ مِن آياتِهِ وبَراهِينِ قُدْرَتِهِ عَلى البَعْثِ كَما بَيَّنّاهُ مِرارًا.
وَهَذا المَعْنى المَذْكُورُ هُنا مِن كَوْنِ إنْباتِ نَباتِ الأرْضِ، بِإنْزالِ الماءِ مِن آياتِهِ الدّالَّةِ عَلى كَمالِ قُدْرَتِهِ جاءَ مُوَضَّحًا في آياتٍ كَثِيرَةٍ؛
• كَقَوْلِهِ تَعالى ﴿وَمِن آياتِهِ أنَّكَ تَرى الأرْضَ خاشِعَةً فَإذا أنْزَلْنا عَلَيْها الماءَ اهْتَزَّتْ ورَبَتْ﴾ [فصلت: ٣٩] ثُمَّ بَيَّنَ أنَّ ذَلِكَ مِن بَراهِينِ البَعْثِ
• بِقَوْلِهِ: ﴿إنَّ الَّذِي أحْياها لَمُحْيِي المَوْتى﴾ [فصلت: ٣٩]
• وكَقَوْلِهِ: ﴿فانْظُرْ إلى آثارِ رَحْمَةِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِي الأرْضَ بَعْدَ مَوْتِها﴾ [الروم: ٥٠] ثُمَّ بَيَّنَ أنَّ ذَلِكَ مِن بَراهِينِ البَعْثِ
• بِقَوْلِهِ: ﴿إنَّ ذَلِكَ لَمُحْيِي المَوْتى وهو عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ [الروم: ٥٠]،
• وقَوْلِهِ: ﴿وَنَزَّلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً مُبارَكًا فَأنْبَتْنا بِهِ جَنّاتٍ وحَبَّ الحَصِيدِ﴾ ﴿والنَّخْلَ باسِقاتٍ لَها طَلْعٌ نَضِيدٌ﴾ ﴿رِزْقًا لِلْعِبادِ وأحْيَيْنا بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا﴾ [ق: ٩ - ١١] ثُمَّ بَيَّنَ أنَّ ذَلِكَ مِن بَراهِينِ البَعْثِ
• بِقَوْلِهِ: ﴿كَذَلِكَ الخُرُوجُ﴾ [ق: ١١] أيْ: (p-٢٩٥)خُرُوجُكم مِن قُبُورِكم أحْياءً بَعْدَ المَوْتِ،
• كَقَوْلِهِ: ﴿وَيُحْيِي الأرْضَ بَعْدَ مَوْتِها وكَذَلِكَ تُخْرَجُونَ﴾ [الروم: ١٩]
• وقَوْلِهِ: ﴿وَأحْيَيْنا بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا﴾ [ق: ١١]، ﴿كَذَلِكَ نُخْرِجُ المَوْتى لَعَلَّكم تَذَكَّرُونَ﴾ [الأعراف: ٥٧]
والآياتُ بِمِثْلِ هَذا كَثِيرَةٌ.
* * *
تَنْبِيهٌ.
فِي هَذِهِ الآيَةِ الكَرِيمَةِ سُؤالانِ مَعْرُوفانِ:
الأوَّلُ: هو ما حِكْمَةُ عَطْفِ المُضارِعِ في قَوْلِهِ: فَتُصْبِحُ عَلى الماضِي الَّذِي هو أنْزَلَ ؟
السُّؤالُ الثّانِي: ما وجْهُ الرَّفْعِ في قَوْلِهِ: فَتُصْبِحُ مَعَ أنَّ قَبْلَها اسْتِفْهامًا ؟
فالجَوابُ عَنِ الأوَّلِ: أنَّ النُّكْتَةَ في المُضارِعِ هي إفادَةُ بَقاءِ أثَرِ المَطَرِ زَمانًا بَعْدَ زَمانٍ كَما تَقُولُ: أنْعَمَ عَلى فُلانٍ عامَ كَذا وكَذا، فَأرُوحُ وأغْدُو شاكِرًا لَهُ، ولَوْ قُلْتَ: فَغَدَوْتُ ورُحْتُ، لَمْ يَقَعْ ذَلِكَ المَوْقِعَ، هَكَذا أجابَ بِهِ الزَّمَخْشَرِيُّ.
والَّذِي يَظْهَرُ لِي واللَّهُ أعْلَمُ: أنَّ التَّعْبِيرَ بِالمُضارِعِ يُفِيدُ اسْتِحْضارَ الهَيْئَةِ الَّتِي اتَّصَفَتْ بِها الأرْضُ: بَعْدَ نُزُولِ المَطَرِ، والماضِي لا يُفِيدُ دَوامَ اسْتِحْضارِها؛ لِأنَّهُ يُفِيدُ انْقِطاعَ الشَّيْءِ.
أمّا الرَّفْعُ في قَوْلِهِ: فَتُصْبِحُ؛ فَلِأنَّهُ لَيْسَ مُسَبَّبًا عَنِ الرُّؤْيَةِ الَّتِي هي مَوْضِعُ الِاسْتِفْهامِ، وإنَّما هو مُسَبَّبُ الإنْزالِ في قَوْلِهِ: أنْزَلَ، والإنْزالُ الَّذِي هو سَبَبُ إصْباحِ الأرْضِ مُخْضَرَّةً لَيْسَ فِيهِ اسْتِفْهامٌ، ومَعْلُومٌ أنَّ الفاءَ الَّتِي يُنْصَبُ بَعْدَها المُضارِعُ إنْ حُذِفَتْ جازَ جَعْلُ مَدْخُولِها جَزاءً لِلشَّرْطِ، ولا يُمْكِنُ أنْ تَقُولَ هُنا: إنْ تَرَ أنَّ اللَّهَ أنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً، تُصْبِحُ الأرْضُ مُخْضَرَّةً؛ لِأنَّ الرُّؤْيَةَ لا أثَرَ لَها ألْبَتَّةَ في اخْضِرارِ الأرْضِ، بَلْ سَبَبُهُ إنْزالُ الماءِ لا رُؤْيَةُ إنْزالِهِ.
وَقَدْ قالَ الزَّمَخْشَرِيُّ في ”الكَشّافِ“ في الجَوابِ عَنْ هَذا السُّؤالِ: فَإنْ قُلْتَ: فَما لَهُ رُفِعَ ولَمْ يُنْصَبْ جَوابًا لِلِاسْتِفْهامِ.
قُلْتُ: لَوْ نُصِبَ لَأعْطى ما هو عَكْسُ الغَرَضِ؛ لَأنَّ مَعْناهُ إثْباتُ الِاخْضِرارِ فَيَنْقَلِبُ بِالنَّصْبِ إلى نَفْيِ الِاخْضِرارِ.
مِثالُهُ: أنْ تَقُولَ لِصاحِبِكَ: ألَمْ تَرَ أنِّي أنْعَمْتُ عَلَيْكَ فَتَشْكُرُ، إنْ تَنْصِبْهُ فَأنْتَ نافٍ لِشُكْرِهِ شاكٌّ تَفْرِيطَهُ، وإنْ رَفَعْتَهُ فَأنْتَ مُثْبِتٌ لِلشُّكْرِ، وهَذا وأمْثالُهُ مِمّا يَجِبُ أنْ يَرْغَبَ لَهُ مَنِ (p-٢٩٦)اتَّسَمَ بِالعِلْمِ في عِلْمِ الإعْرابِ، وتَوْقِيرِ أهْلِهِ، انْتَهى مِنهُ. وذَكَرَ نَحْوَهُ أبُو حَيّانَ في البَحْرِ ظانًّا أنَّهُ أوْضَحَهُ، ولا يَظْهَرُ لِي كُلَّ الظُّهُورِ، والعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعالى.
فَإنْ قِيلَ: كَيْفَ قالَ: فَتُصْبِحُ مَعَ أنَّ اخْضِرارَ الأرْضِ، قَدْ يَتَأخَّرُ عَنْ صَبِيحَةِ المَطَرِ.
فالجَوابُ: أنَّهُ عَلى قَوْلِ مَن قالَ: فَتُصْبِحُ الأرْضُ مُخْضَرَّةً أيْ: تَصِيرُ مُخْضَرَّةً فالأمْرُ واضِحٌ، والعَرَبُ تَقُولُ: أصْبَحَ فُلانٌ غَنِيًّا مَثَلًا بِمَعْنى صارَ، وذَكَرَ أبُو حَيّانَ عَنْ بَعْضِ أهْلِ العِلْمِ: أنَّ بَعْضَ البِلادِ تُصْبِحُ فِيهِ الأرْضُ مُخْضَرَّةً في نَفْسِ صَبِيحَةِ المَطَرِ.
وَذَكَرَ عِكْرِمَةُ وابْنُ عَطِيَّةَ وعَلِيٌّ هَذا فَلا إشْكالَ. وقالَ بَعْضُهم: إنَّ الفاءَ لِلتَّعْقِيبِ، وتَعْقِيبُ كُلِّ شَيْءٍ بِحَسَبِهِ كَقَوْلِهِ: ﴿ثُمَّ خَلَقْنا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنا العَلَقَةَ مُضْغَةً﴾ [المؤمنون: ١٤] مَعَ أنَّ بَيْنَ ذَلِكَ أرْبَعِينَ يَوْمًا كَما في الحَدِيثِ، قالَهُ ابْنُ كَثِيرٍ، وقَوْلُهُ: لَطِيفٌ خَبِيرٌ أيْ: لَطِيفٌ بِعِبادِهِ، ومِن لُطْفِهِ بِهِمْ إنْزالُهُ المَطَرَ وإنْباتُهُ لَهم بِهِ أقْواتَهم، خَبِيرٌ بِكُلِّ شَيْءٍ، لا يَعْزُبُ عَنْ عِلْمِهِ مِثْقالُ ذَرَّةٍ في السَّماءِ ولا في الأرْضِ سُبْحانَهُ وتَعالى عُلُوًّا كَبِيرًا.
{"ayah":"أَلَمۡ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ أَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَاۤءِ مَاۤءࣰ فَتُصۡبِحُ ٱلۡأَرۡضُ مُخۡضَرَّةًۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَطِیفٌ خَبِیرࣱ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق