الباحث القرآني
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿لَوْ يَعْلَمُ الَّذِينَ كَفَرُوا حِينَ لا يَكُفُّونَ عَنْ وُجُوهِهِمُ النّارَ ولا عَنْ ظُهُورِهِمْ ولا هم يُنْصَرُونَ﴾ .
جَوابُ ”لَوْ“ في هَذِهِ الآيَةِ مَحْذُوفٌ، وقَدْ قَدَّمْنا أدِلَّةَ ذَلِكَ وشَواهِدَهُ مِنَ العَرَبِيَّةِ (p-١٥١)فِي سُورَةِ ”البَقَرَةِ“، وأشَرْنا إلَيْهِ في سُورَةِ ”إبْراهِيمَ“ وسُورَةِ ”يُوسُفَ“ . ومَعْنى الآيَةِ الكَرِيمَةِ: لَوْ يَعْلَمُ الكُفّارُ الوَقْتَ الَّذِي يَسْألُونَ عَنْهُ بِقَوْلِهِمْ: مَتى هَذا الوَعْدُ ؟ وهو وقْتٌ صَعْبٌ شَدِيدٌ، تُحِيطُ بِهِمْ فِيهِ النّارُ مِن وراءَ وقُدّامَ. فَلا يَقْدِرُونَ عَلى مَنعِها ودَفْعِها عَنْ أنْفُسِهِمْ، ولا يَجِدُونَ ناصِرًا يَنْصُرُهم؛ لَمّا كانُوا بِتِلْكَ الصِّفَةِ مِنَ الكُفْرِ، والِاسْتِهْزاءِ، والِاسْتِعْجالِ، ولَكِنَّ جَهْلَهم بِذَلِكَ هو الَّذِي هَوَّنَهُ عَلَيْهِمْ. وما تَضَمَّنَتْهُ هَذِهِ الآيَةُ الكَرِيمَةُ مِنَ المَعانِي جاءَ مُبَيَّنًا في مَواضِعَ أُخَرَ مِن كِتابِ اللَّهِ تَعالى.
أمّا إحاطَةُ النّارِ بِهِمْ في ذَلِكَ اليَوْمِ فَقَدْ جاءَتْ مُوَضَّحَةً في آياتٍ مُتَعَدِّدَةٍ،
• كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿إنّا أعْتَدْنا لِلظّالِمِينَ نارًا أحاطَ بِهِمْ سُرادِقُها وإنْ يَسْتَغِيثُوا يُغاثُوا بِماءٍ كالمُهْلِ يَشْوِي الوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرابُ وساءَتْ مُرْتَفَقًا﴾ [الكهف: ٢٩]
• وقَوْلِهِ تَعالى: ﴿لَهم مِن جَهَنَّمَ مِهادٌ ومِن فَوْقِهِمْ غَواشٍ﴾ الآيَةَ [الأعراف: ٤١]
• وقَوْلِهِ تَعالى: ﴿لَهم مِن فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النّارِ ومِن تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ ذَلِكَ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبادَهُ ياعِبادِ فاتَّقُونِ﴾ [الزمر: ١٦]
• وقَوْلِهِ تَعالى: ﴿سَرابِيلُهم مِن قَطِرانٍ وتَغْشى وُجُوهَهُمُ النّارُ﴾ [إبراهيم: ٥٠]
• وقَوْلِهِ تَعالى: ﴿تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النّارُ وهم فِيها كالِحُونَ﴾ [المؤمنون: ١٠٤] إلى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الآياتِ. نَرْجُو اللَّهَ الكَرِيمَ العَظِيمَ أنْ يُعِيذَنا مِنها ومِن كُلِّ ما قَرَّبَ إلَيْها مِن قَوْلٍ وعَمَلٍ، إنَّهُ قَرِيبٌ مُجِيبٌ. وما تَضَمَّنَتْهُ مِن كَوْنِهِمْ في ذَلِكَ اليَوْمِ لَيْسَ لَهم ناصِرٌ ولا قُوَّةٌ يَدْفَعُونَ بِها عَنْ أنْفُسِهِمْ، جاءَ مُبَيَّنًا في مَواضِعَ أُخَرَ.
• كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿فَما لَهُ مِن قُوَّةٍ ولا ناصِرٍ﴾ [الطارق: ١٠]
• وقَوْلِهِ تَعالى: ﴿ما لَكم لا تَناصَرُونَ بَلْ هُمُ اليَوْمَ مُسْتَسْلِمُونَ﴾ [الصافات: ٢٥ - ٢٦]
والآياتُ في ذَلِكَ كَثِيرَةٌ.
وَما أشارَتْ إلَيْهِ هَذِهِ الآيَةُ مِن أنَّ الَّذِي هَوَّنَ عَلَيْهِمْ ذَلِكَ اليَوْمَ العَظِيمَ حَتّى اسْتَعْجَلُوهُ واسْتَهْزَءُوا بِمَن يُخَوِّفُهم مِنهُ إنَّما هو جَهْلُهم بِهِ جاءَ مُبَيَّنًا أيْضًا في مَواضِعَ أُخَرَ. كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿يَسْتَعْجِلُ بِها الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِها والَّذِينَ آمَنُوا مُشْفِقُونَ مِنها ويَعْلَمُونَ أنَّها الحَقُّ﴾ [ ٤٢ ] ١٨، وقَوْلِهِ تَعالى: ﴿قُلْ أرَأيْتُمْ إنْ أتاكم عَذابُهُ بَياتًا أوْ نَهارًا ماذا يَسْتَعْجِلُ مِنهُ المُجْرِمُونَ﴾ [يونس: ٥٠] إلى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الآياتِ.
وَقَوْلُهُ تَعالى في هَذِهِ الآيَةِ الكَرِيمَةِ: لَوْ يَعْلَمُ قالَ بَعْضُ أهْلِ العِلْمِ: هو فِعْلٌ مُتَعَدٍّ، والظّاهِرُ أنَّها عِرْفانِيَّةٌ، فَهي تَتَعَدّى إلى مَفْعُولٍ واحِدٍ، كَما أشارَ لَهُ في الخُلاصَةِ بِقَوْلِهِ:
؎لِعِلْمِ عِرْفانٍ وظَنِّ تُهَمَةْ تَعْدِيَةٌ لِواحِدِ مُلْتَزَمَةْ
(p-١٥٢)وَعَلى هَذا فالمَفْعُولُ هَذا قَوْلُهُ: حِينَ أيْ: لَوْ يَعْرِفُونَ حِينَ وُقُوعِ العَذابِ بِهِمْ وما فِيهِ مِنَ الفَظائِعِ لَما اسْتَخَفُّوا بِهِ واسْتَعْجَلُوهُ. وعَلى هَذا فالحِينُ مَفْعُولٌ بِهِ لا مَفْعُولٌ فِيهِ؛ لِأنَّ العِلْمَ الَّذِي هو بِمَعْنى المَعْرِفَةِ واقِعٌ عَلى نَفْسِ الحِينِ المَذْكُورِ. وقالَ بَعْضُ أهْلِ العِلْمِ: فِعْلُ العِلْمِ في هَذِهِ الآيَةِ مُنَزَّلٌ مَنزِلَةَ اللّازِمِ، فَلَيْسَ واقِعًا عَلى مَفْعُولٍ. وعَلَيْهِ فالمَعْنى: لَوْ كانَ لَهم عِلْمٌ ولَمْ يَكُونُوا جاهِلِينَ لَما كانُوا مُسْتَعْجِلِينَ. وعَلى هَذا فالآيَةُ كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ والَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ﴾ [الزمر: ٩] والمَعْنى: لا يَسْتَوِي مَن عِنْدَهُ عِلْمٌ ومَن لا عِلْمَ عِنْدِهِ. وقَدْ تَقَرَّرَ في فَنِّ المَعانِي أنَّهُ إذا كانَ الغَرَضُ إثْباتُ الفِعْلِ لِفاعِلِهِ في الكَلامِ المُثْبَتِ، أوْ نَفْيِهِ عَنْهُ في الكَلامِ المَنفِيِّ مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنِ اعْتِبارِ تَعَلُّقِ الفِعْلِ بِمَن وقَعَ عَلَيْهِ، فَإنَّهُ يَجْرِي مَجْرى اللّازِمِ، كَقَوْلِهِ: ﴿قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ والَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ﴾ [الزمر: ٩] لِأنَّهُ يُرادُ مِنهُ أنَّ مَن ثَبَتَتْ لَهُ صِفَةُ العِلْمِ لا يَسْتَوِي هو ومَنِ انْتَفَتْ عَنْهُ، ولَمْ يُعْتَبَرْ هُنا وُقُوعُ العِلْمِ عَلى مَعْلُوماتِ مَنِ اتَّصَفَ بِذَلِكَ العِلْمِ. وعَلى هَذا القَوْلِ فَقَوْلُهُ: ﴿حِينَ لا يَكُفُّونَ﴾ مَنصُوبٌ بِمُضْمَرٍ. أيْ: حِينَ لا يَكُفُّونَ عَنْ وجْهِهِمُ النّارَ يَعْلَمُونَ أنَّهم كانُوا عَلى الباطِلِ. والأوَّلُ هو الأظْهَرُ. واسْتَظْهَرَ أبُو حَيّانَ أنَّ مَفْعُولَ ”يَعْلَمُ“ مَحْذُوفٌ، وأنَّهُ هو العامِلُ في الظَّرْفِ الَّذِي هو ”حِينَ“، والتَّقْدِيرُ: لَوْ يَعْلَمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مَجِيءَ المَوْعُودِ الَّذِي اسْتَعْجَلُوهُ حِينَ لا يَكُفُّونَ لَما كَفَرُوا واسْتَعْجَلُوا واسْتَهْزَءُوا.
واعْلَمْ أنَّهُ لا إشْكالَ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿خُلِقَ الإنْسانُ مِن عَجَلٍ﴾ مَعَ قَوْلِهِ ﴿فَلا تَسْتَعْجِلُونِ﴾ فَلا يُقالُ: كَيْفَ يَقُولُ: إنَّ الإنْسانَ خُلِقَ مِنَ العَجَلِ وجُبِلَ عَلَيْهِ، ثُمَّ يَنْهاهُ عَمّا خُلِقَ مِنهُ وجُبِلَ عَلَيْهِ؛ لِأنَّهُ تَكْلِيفٌ بِمُحالٍ ! ؟ لِأنّا نَقُولُ: نَعَمْ هو جُبِلَ عَلى العَجَلِ، ولَكِنْ في اسْتِطاعَتِهِ أنْ يُلْزِمَ نَفْسَهُ بِالتَّأنِّي. كَما أنَّهُ جُبِلَ عَلى حُبِّ الشَّهَواتِ مَعَ أنَّهُ في اسْتِطاعَتِهِ أنْ يُلْزِمَ نَفْسَهُ بِالكَفِّ عَنْها. كَما قالَ تَعالى: ﴿وَأمّا مَن خافَ مَقامَ رَبِّهِ ونَهى النَّفْسَ عَنِ الهَوى فَإنَّ الجَنَّةَ هي المَأْوى﴾ . [النازعات: ٤٠ - ٤١] .
{"ayah":"لَوۡ یَعۡلَمُ ٱلَّذِینَ كَفَرُوا۟ حِینَ لَا یَكُفُّونَ عَن وُجُوهِهِمُ ٱلنَّارَ وَلَا عَن ظُهُورِهِمۡ وَلَا هُمۡ یُنصَرُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق