﴿لَوْ يَعْلَمُ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ اسْتِئْنافٌ مَسُوقٌ لِبَيانِ شِدَّةِ هَوْلِ ما يَسْتَعْجِلُونَهُ وفَظاعَةِ ما فِيهِ مِنَ العَذابِ، وأنَّهم إنَّما يَسْتَعْجِلُونَهُ لِجَهْلِهِمْ بِشَأْنِهِ. وإيثارُ صِيغَةِ المُضارِعِ في الشَّرْطِ وإنْ كانَ المَعْنى عَلى المُضِيِّ لِإفادَةِ اسْتِمْرارِ عَدَمِ العِلْمِ، فَإنَّ المُضارِعَ المَنفِيَّ الواقِعَ مَوْقِعَ الماضِي لَيْسَ بِنَصٍّ في إفادَةِ انْتِفاءِ اسْتِمْرارِ الفِعْلِ، بَلْ يُفِيدُ اسْتِمْرارَ انْتِفائِهِ أيْضًا بِحَسَبِ المَقامِ كَما في قَوْلِكَ: لَوْ تُحْسِنُ إلَيَّ لَشَكَرْتُكَ، فَإنَّ المَعْنى أنَّ انْتِفاءَ الشُّكْرِ لِاسْتِمْرارِ انْتِفاءِ الإحْسانِ لا لِانْتِفاءِ اسْتِمْرارِ الإحْسانِ. ووَضَعَ المَوْصُولَ مَوْضِعَ الضَّمِيرِ لِلتَّنْبِيهِ بِما في حَيِّزِ الصِّلَةِ عَلى عِلَّةِ اسْتِعْجالِهِمْ.
وَقَوْلُهُ تَعالى: ﴿حِينَ لا يَكُفُّونَ عَنْ وُجُوهِهِمُ النّارَ ولا عَنْ ظُهُورِهِمْ﴾ مَفْعُولُ "يَعْلَمُ"، وهو عِبارَةٌ عَنِ الوَقْتِ المَوْعُودِ الَّذِي كانُوا (p-68)يَسْتَعْجِلُونَهُ، وإضافَتُهُ إلى الجُمْلَةِ الجارِيَةِ مَجْرى الصِّفَةِ الَّتِي حَقَّها أنْ تَكُونَ مَعْلُومَةَ الِانْتِسابِ إلى المَوْصُوفِ عِنْدَ المُخاطَبِ أيْضًا مَعَ إنْكارِ الكَفَرَةِ لِذَلِكَ لِلْإيذانِ بِأنَّهُ مِنَ الظُّهُورِ بِحَيْثُ لا حاجَةَ لَهُ إلى الإخْبارِ بِهِ، وإنَّما حَقُّهُ الِانْتِظامُ في سِلْكِ المُسَلَّماتِ المَفْرُوغِ عَنْها، وجَوابُ "لَوْ" مَحْذُوفٌ، أيْ: لَوْ لَمْ يَسْتَمِرَّ عَدَمُ عِلْمِهِمْ بِالوَقْتِ الَّذِي يَسْتَعْجِلُونَهُ بِقَوْلِهِمْ: ﴿مَتى هَذا الوَعْدُ﴾ مِنَ الحِينِ الَّذِي تُحِيطُ بِهِمُ النّارُ فِيهِ مِن كُلِّ جانِبٍ. وتَخْصِيصُ الوُجُوهِ والظُّهُورُ بِالذِّكْرِ بِمَعْنى: القُدّامِ والخَلْفِ لِكَوْنِهِما أشْهَرُ الجَوانِبِ، واسْتِلْزامُ الإحاطَةِ بِهِما الإحاطَةُ بِالكُلِّ بِحَيْثُ لا يَقْدِرُونَ عَلى دَفْعِها بِأنْفُسِهِمْ مِن جانِبٍ مِن جَوانِبِهِمْ.
﴿وَلا هم يُنْصَرُونَ﴾ مِن جِهَةِ الغَيْرِ في دَفْعِها .. إلَخِ، لِما فَعَلُوا ما فَعَلُوا مِنَ الِاسْتِعْجالِ. ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ يَعْلَمُ مَتْرُوكَ المَفْعُولِ مُنَـزَّلًا مَنـزِلَةَ اللّازِمِ، أيْ: لَوْ كانَ لَهم عِلْمٌ لَما فَعَلُوهُ. وقَوْلُهُ تَعالى: "حِينٍ .." إلَخِ اسْتِئْنافٌ مُقَرَّرٌ لِجَهْلِهِمْ ومُبَيِّنٌ لِاسْتِمْرارِهِ إلى ذَلِكَ الوَقْتِ، كَأنَّهُ قِيلَ: حِينَ يَرَوْنَ ما يَرَوْنَ يَعْلَمُونَ حَقِيقَةَ الحالِ.
{"ayah":"لَوۡ یَعۡلَمُ ٱلَّذِینَ كَفَرُوا۟ حِینَ لَا یَكُفُّونَ عَن وُجُوهِهِمُ ٱلنَّارَ وَلَا عَن ظُهُورِهِمۡ وَلَا هُمۡ یُنصَرُونَ"}