الباحث القرآني
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَلِلْمُطَلَّقاتِ مَتاعٌ بِالمَعْرُوفِ حَقًّا عَلى المُتَّقِينَ﴾ ظاهِرُ هَذِهِ الآيَةِ الكَرِيمَةِ أنَّ المُتْعَةَ حَقٌّ لِكُلِّ مُطَلَّقَةٍ عَلى مُطَلَّقِها المُتَّقِي، سَواءٌ أطُلِّقَتْ قَبْلَ الدُّخُولِ أمْ لا ؟ فَرَضَ لَها صَداقٌ أمْ لا ؟ ويَدُلُّ لِهَذا العُمُومِ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿ياأيُّها النَّبِيُّ قُلْ لِأزْواجِكَ إنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الحَياةَ الدُّنْيا وزِينَتَها فَتَعالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وأُسَرِّحْكُنَّ سَراحًا جَمِيلًا﴾ [الأحزاب: ٢١]، مَعَ قَوْلِهِ: ﴿لَقَدْ كانَ لَكم في رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ﴾ الآيَةَ [الأحزاب: ٢١]، وقَدْ تَقَرَّرَ في الأُصُولِ أنَّ الخِطابَ الخاصَّ بِهِ ﷺ يَعُمُّ حُكْمُهُ جَمِيعَ الأمَةِ إلّا بِدَلِيلٍ عَلى الخُصُوصِ كَما عَقَدَهُ في ”مَراقِي السُّعُودِ“ بِقَوْلِهِ: [ الرَّجَزِ ]
؎وَما بِهِ قَدْ خُوطِبَ النَّبِيُّ تَعْمِيمُهُ في المَذْهَبِ السُّنِّيِّ
وَهُوَ مَذْهَبُ الأئِمَّةِ الثَّلاثَةِ، خِلافًا لِلشّافِعِيِّ القائِلِ بِخُصُوصِهِ بِهِ ﷺ إلّا بِدَلِيلٍ عَلى العُمُومِ، كَما بَيَّناهُ في غَيْرِ هَذا المَوْضِعِ.
وَإذا عَرَفْتَ ذَلِكَ فاعْلَمْ: أنَّ أزْواجَ النَّبِيِّ مَفْرُوضٌ لَهُنَّ ومَدْخُولٌ بِهِنَّ، وقَدْ يُفْهَمُ مِن مَوْضِعٍ آخَرَ أنَّ المُتْعَةَ لِخُصُوصِ المُطَلَّقَةِ قَبْلَ الدُّخُولِ، وفَرْضِ الصَّداقِ مَعًا؛ لِأنَّ المُطَلَّقَةَ بَعْدَ الدُّخُولِ تَسْتَحِقُّ الصَّداقَ، والمُطَلَّقَةُ قَبْلَ الدُّخُولِ وبَعْدَ فَرْضِ الصَّداقِ تَسْتَحِقُّ نِصْفَ الصَّداقِ. والمُطَلَّقَةُ قَبْلَهُما لا تَسْتَحِقُّ شَيْئًا، فالمُتْعَةُ لَها خاصَّةً لِجَبْرِ كَسْرِها وذَلِكَ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿لا جُناحَ عَلَيْكم إنْ طَلَّقْتُمُ النِّساءَ ما لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً ومَتِّعُوهُنَّ﴾ [البقرة: ٢٣٦]، ثُمَّ قالَ: ﴿وَإنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أنْ تَمَسُّوهُنَّ وقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ ما فَرَضْتُمْ﴾ [البقرة: ٢٣٧]، فَهَذِهِ الآيَةُ ظاهِرَةٌ في هَذا التَّفْصِيلِ، ووَجْهُهُ ظاهِرٌ مَعْقُولٌ.
وَقَدْ ذَكَرَ تَعالى في مَوْضِعٍ آخَرَ ما يَدُلُّ عَلى الأمْرِ بِالمُتْعَةِ لِلْمُطَلَّقَةِ قَبْلَ الدُّخُولِ وإنْ كانَ مَفْرُوضًا لَها، وذَلِكَ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿ياأيُّها الَّذِينَ آمَنُوا إذا نَكَحْتُمُ المُؤْمِناتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أنْ تَمَسُّوهُنَّ فَما لَكم عَلَيْهِنَّ مِن عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَها فَمَتِّعُوهُنَّ وسَرِّحُوهُنَّ سَراحًا جَمِيلًا﴾ [الأحزاب: ٤٩]؛ لِأنَّ ظاهِرَ عُمُومِها يَشْمَلُ المَفْرُوضَ لَها الصَّداقُ وغَيْرَها، وبِكُلِّ واحِدَةٍ مِنَ الآياتِ الثَّلاثِ أخَذَ جَماعَةٌ مِنَ العُلَماءِ، والأحْوَطُ الأخْذُ بِالعُمُومِ، وقَدْ تَقَرَّرَ في الأُصُولِ أنَّ النَّصَّ الدّالَّ عَلى الأمْرِ مُقَدَّمٌ عَلى الدّالِ عَلى الإباحَةِ، وعَقَدَهُ في ”مَراقِي السُّعُودِ“ بِقَوْلِهِ: [ الرَّجَزِ ] (p-١٥٢)
؎وَناقِلٌ ومُثْبِتٌ والآمِرُ ∗∗∗ بَعْدَ النَّواهِي ثُمَّ هَذا الآخَرِ
عَلى إباحَةٍ إلَخْ. . .
فَقَوْلُهُ ثُمَّ هَذا الآخَرُ عَلى إباحَةِ، يَعْنِي: أنَّ النَّصَّ الدّالَّ عَلى أمْرٍ مُقَدَّمٍ عَلى النَّصِّ الدّالِّ عَلى إباحَةٍ، لِلِاحْتِياطِ في الخُرُوجِ مِن عُهْدَةِ الطَّلَبِ.
والتَّحْقِيقُ أنَّ قَدْرَ المُتْعَةِ لا تَحْدِيدَ فِيهِ شَرْعًا لِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿عَلى المُوسِعِ قَدَرُهُ وعَلى المُقْتِرِ قَدَرُهُ﴾، فَإنْ تَوافَقا عَلى قَدْرٍ مُعَيَّنٍ فالأمْرُ واضِحٌ، وإنِ اخْتَلَفا فالحاكِمُ يَجْتَهِدُ في تَحْقِيقِ المَناطِ، فَيُعَيِّنُ القَدْرَ عَلى ضَوْءِ قَوْلِهِ تَعالى: ﴿عَلى المُوسِعِ قَدَرُهُ﴾ الآيَةَ، هَذا هو الظّاهِرُ، وظاهِرُ قَوْلِهِ: ﴿وَمَتِّعُوهُنَّ﴾، وقَوْلُهُ: ﴿وَلِلْمُطَلَّقاتِ مَتاعٌ﴾ [البقرة: ٢٤١]، يَقْتَضِي وُجُوبَ المُتْعَةِ في الجُمْلَةِ خِلافًا لِمالِكٍ ومَن وافَقَهُ في عَدَمِ وُجُوبِ المُتْعَةِ أصْلًا، واسْتَدَلَّ بَعْضُ المالِكِيَّةِ عَلى عَدَمِ وُجُوبِ المُتْعَةِ بِأنَّ اللَّهَ تَعالى قالَ: ﴿حَقًّا عَلى المُحْسِنِينَ﴾ [البقرة: ٢٣٦]، وقالَ: ﴿حَقًّا عَلى المُتَّقِينَ﴾ [البقرة: ٢٤١]، قالُوا: فَلَوْ كانَتْ واجِبَةً لَكانَتْ حَقًّا عَلى كُلِّ أحَدٍ، وبِأنَّها لَوْ كانَتْ واجِبَةً لَعَيَّنَ فِيها القَدْرَ الواجِبَ.
قالَ مُقَيِّدُهُ عَفا اللَّهُ عَنْهُ: هَذا الِاسْتِدْلالُ عَلى عَدَمِ وُجُوبِها لا يَنْهَضُ فِيما يَظْهَرُ؛ لِأنَّ قَوْلَهُ: ﴿عَلى المُحْسِنِينَ﴾ و ﴿عَلى المُتَّقِينَ﴾ تَأْكِيدٌ لِلْوُجُوبِ ولَيْسَ لِأحَدٍ أنْ يَقُولَ لَسْتُ مُتَّقِيًا مَثَلًا؛ لِوُجُوبِ التَّقْوى عَلى جَمِيعِ النّاسِ.
قالَ القُرْطُبِيُّ في تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعالى: ﴿وَمَتِّعُوهُنَّ﴾ الآيَةَ ما نَصُّهُ: وقَوْلُهُ ﴿عَلى المُتَّقِينَ﴾ تَأْكِيدٌ لِإيجابِها؛ لِأنَّ كُلَّ واحِدٍ يَجِبُ عَلَيْهِ أنْ يَتَّقِيَ اللَّهَ في الإشْراكِ بِهِ، ومَعاصِيهِ وقَدْ قالَ تَعالى في القُرْآنِ: ﴿هُدًى لِلْمُتَّقِينَ﴾ [ ٢ ]، وقَوْلُهم لَوْ كانَتْ واجِبَةً لَعَيَّنَ القَدْرَ الواجِبَ فِيها، ظاهِرُ السُّقُوطِ. فَنَفَقَةُ الأزْواجِ والأقارِبِ واجِبَةٌ ولَمْ يُعَيِّنْ فِيها القَدْرَ اللّازِمَ، وذَلِكَ النَّوْعُ مِن تَحْقِيقِ المَناطِ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ في جَمِيعِ الشَّرائِعِ كَما هو مَعْلُومٌ.
{"ayah":"وَلِلۡمُطَلَّقَـٰتِ مَتَـٰعُۢ بِٱلۡمَعۡرُوفِۖ حَقًّا عَلَى ٱلۡمُتَّقِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق