الباحث القرآني
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَأرْسَلْنا الرِّياحَ لَواقِحَ﴾ . اللَّواقِحُ جَمْعُ لاقِحٍ، وأصْلُ اللّاقِحِ الَّتِي قَبِلَتِ اللِّقاحَ فَحَمَلَتِ الجَنِينَ، ومِنهُ قَوْلُ ذِي الرُّمَّةِ:
؎إذا قُلْتُ عاجٍ أوْ تَفَتَّيْتُ أبْرَقَتْ بِمِثْلِ الخَوافِي لاقِحًا أوْ تَلَقَّحُ
وَأصْلُ تَلَقَّحُ: تَتَلَقَّحُ، حُذِفَتْ إحْدى التّاءَيْنِ، أيْ تَوَهَّمَ أنَّها لاقِحٌ ولَيْسَ كَذَلِكَ، ووَصْفُ الرِّياحِ بِكَوْنِها لَواقِحَ؛ لِأنَّها حَوامِلُ تَحْمِلُ المَطَرَ كَما قالَ تَعالى ﴿حَتّى إذا أقَلَّتْ سَحابًا ثِقالًا﴾ [الأعراف: ٥٧] (p-٢٦٧)أيْ حَمَلَتْ سَحابًا ثِقالًا، فاللَّواقِحُ مِنَ الإبِلِ حَوامِلُ الأجِنَّةِ، واللَّواقِحُ مِنَ الرِّيحِ حَوامِلُ المَطَرِ، فالجَمِيعُ يَأْتِي بِخَيْرٍ، ولِذا كانَتِ النّاقَةُ الَّتِي لا تَلِدُ يُقالُ لَها عَقِيمٌ، كَما أنَّ الرِّيحَ الَّتِي لا خَيْرَ فِيها يُقالُ لَها عَقِيمٌ كَما قالَ تَعالى: ﴿وَفِي عادٍ إذْ أرْسَلْنا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ العَقِيمَ﴾ الآيَةَ [الذاريات: ٤١] وقالَ بَعْضُ العُلَماءِ: اللَّواقِحُ بِمَعْنى المَلاقِحِ، أيْ الَّتِي تُلَقِّحُ غَيْرَها مِنَ السَّحابِ والشَّجَرِ، وعَلى هَذا فَفِيهِ وجْهانِ: أحَدُهُما: أنَّ المُرادَ النِّسْبَةُ، فَقَوْلُهُ: لَواقِحُ، أيْ ذَواتُ لَقاحٍ كَما يُقالُ: سائِفٌ ورامِحٌ، أيْ ذُو سَيْفٍ ورُمْحٍ ومِن هَذا قَوْلُ الشّاعِرِ: وغَرَرْتَنِي وزَعَمْتَ أنَّكِ لابِنٌ في الحَيِّ تامِرُ أيْ ذُو لَبَنٍ وتَمْرٍ، وعَلى هَذا فَمَعْنى لَواقِحَ أيْ ذَواتِ لَقاحٍ، لِأنَّها تُلَقِّحُ السَّحابَ والشَّجَرَ.
الوَجْهُ الثّانِي: أنَّ لَواقِحَ بِمَعْنى مَلاقِحَ جَمْعُ مُلْقَحَةٍ، ومُلْقِحٌ اسْمُ فاعِلٍ ألْقَحَتِ السَّحابَ والشَّجَرَ كَما يَلْقَحُ الفَحْلُ الأُنْثى، وغايَةُ ما في هَذا القَوْلِ إطْلاقُ لِواقِحَ وإرادَةُ مَلاقِحَ، ونَظِيرُهُ قَوْلُ ضِرارِ بْنِ نَهْشَلٍ يَرْثِي أخاهُ يَزِيدَ أوْ غَيْرَهُ:
؎لِيَبْكِ يَزِيدُ ضارِعٌ لِخُصُومَةٍ ∗∗∗ ومُخْتَبِطٌ مِمّا تُطِيحُ الطَّوائِحُ
فَإنَّ الرِّوايَةَ تُطِيحُ بِضَمِّ التّاءِ مِن أطاحَ الرُّباعِيِّ، والمُناسِبُ لِذَلِكَ المُطِيحاتُ لا الطَّوائِحُ، ولَكِنَّ الشّاعِرَ أطْلَقَ الطَّوائِحَ وأرادَ المُطِيحاتِ، كَما قِيلَ هُنا بِإطْلاقِ اللَّواقِحِ وإرادَةِ المَلاقِحِ أيِ المُلْقِحاتِ بِاسْمِ الفاعِلِ، ومَعْنى إلْقاحِ الرِّياحِ السَّحابَ والشَّجَرَ، أنَّ اللَّهَ يَجْعَلُها لَهُما كَما يَجْعَلُ الذَّكَرَ لِلْأُنْثى، فَكَما أنَّ الأُنْثى تَحْمِلُ بِسَبَبِ ضِرابِ الفَحْلِ، فَكَذَلِكَ السَّحابُ يَمْتَلِئُ ماءً بِسَبَبِ مَرْيِ الرِّياحِ لَهُ، والشَّجَرُ يَنْفَتِقُ عَنْ أكْمامِهِ وأوْراقِهِ بِسَبَبِ إلْقاحِ الرِّيحِ لَهُ. قالَ ابْنُ كَثِيرٍ في تَفْسِيرِ هَذِهِ الآيَةِ الكَرِيمَةِ ﴿وَأرْسَلْنا الرِّياحَ لَواقِحَ﴾ [الحجر: ٢٢] أيْ تَلْقَحُ السَّحابَ فَتُدِرُّ ماءً، وتَلْقَحُ الشَّجَرَ فَتَنْفَتِحُ عَنْ أوْراقِها وأكْمامِها، وقالَ السَّيُوطِيُّ في الدُّرِّ المَنثُورِ: ”وَأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وابْنُ المُنْذِرِ وابْنُ أبِي حاتِمٍ والطَّبَرانِيُّ والخَرائِطِيُّ في مَكارِمِ الأخْلاقِ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - في قَوْلِهِ ﴿وَأرْسَلْنا الرِّياحَ لَواقِحَ﴾ قالَ: يُرْسِلُ اللَّهُ الرِّيحَ فَتَحْمِلُ الماءَ فَتَلْقَحُ بِهِ السَّحابَ فَيُدِرُّ كَما تُدِرُّ اللِّقْحَةُ ثُمَّ يُمْطِرُ“ . وأخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ وأبُو الشَّيْخَ في العَظَمَةِ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما - قالَ: يُرْسِلُ اللَّهُ الرِّيحَ، فَتَحْمِلُ الماءَ مِنَ السَّحابِ، فَتَمْرِي بِهِ السَّحابَ، فَيُدِرُّ كَما تُدِرُّ (p-٢٦٨)اللِّقْحَةُ. وأخْرَجَ أبُو عُبَيْدٍ وابْنُ جَرِيرٍ وابْنُ المُنْذِرِ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ في قَوْلِهِ: ﴿وَأرْسَلْنا الرِّياحَ لَواقِحَ﴾، قالَ: تَلْقَحُ الشَّجَرَةَ وتَمْرِي السَّحابَ: وأخْرَجَ أبُو عُبَيْدٍ وابْنُ جَرِيرٍ وابْنُ المُنْذِرِ وابْنُ أبِي حاتِمٍ وأبُو الشَّيْخِ عَنْ أبِي رَجاءٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قالَ قُلْتُ لِلْحَسَنِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: ﴿وَأرْسَلْنا الرِّياحَ لَواقِحَ﴾ قالَ: لَواقِحُ لِلشَّجَرِ، قُلْتُ: أوِ السَّحابِ، قالَ: ولِلسَّحابِ تَمُرُّ بِهِ حَتّى يُمْطِرَ. وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ قَتادَةَ في قَوْلِهِ: ﴿وَأرْسَلْنا الرِّياحَ لَواقِحَ﴾ قالَ: تَلْقَحُ الماءَ في السَّحابِ. وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنِ الضَّحّاكِ في قَوْلِهِ: ﴿وَأرْسَلْنا الرِّياحَ لَواقِحَ﴾ قالَ: الرِّيحُ يَبْعَثُها اللَّهُ عَلى السَّحابِ، فَتَلْقَحُهُ فَيَمْتَلِئُ ماءً. وأخْرَجَ ابْنُ أبِي الدُّنْيا في كِتابِ السَّحابِ، وابْنُ جَرِيرٍ وأبُو الشَّيْخِ في العَظَمَةِ، وابْنُ مَرْدَوَيْهِ والدَّيْلَمِيُّ في مُسْنَدِ الفِرْدَوْسِ بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ «رِيحُ الجَنُوبِ مِنَ الجَنَّةِ» وهي الرِّيحُ اللَّواقِحُ الَّتِي ذَكَرَ اللَّهُ في كِتابِهِ وفِيها مَنافِعُ لِلنّاسِ، والشَّمالُ مِنَ النّارِ تَخْرُجُ فَتَمُرُّ بِالجَنَّةِ، فَيُصِيبُها نَفْخَةٌ مِنها فَبَرْدُها هَذا مِن ذَلِكَ. وأخْرَجَ ابْنُ أبِي الدُّنْيا عَنْ قَتادَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «نُصِرْتُ بِالصَّبا، وأُهْلِكَتْ عادٌ بِالدَّبُورِ، والجَنُوبُ مِنَ الجَنَّةِ، وهي الرِّيحُ اللَّواقِحُ» .
هَذا حاصِلُ مَعْنى كَلامِ العُلَماءِ في الرِّياحِ اللَّواقِحِ، وقَدْ قَدَّمْنا قَوْلَ مَن قالَ: إنَّ اللَّواقِحَ هي حَوامِلُ المَطَرِ، وأنَّ ذَلِكَ القَوْلَ يَدُلُّ لَهُ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿حَتّى إذا أقَلَّتْ سَحابًا ثِقالًا﴾ [الأعراف: ٥٧] أيْ حَمَلَتْها، وقَدْ قَدَّمْنا في تَرْجَمَةِ هَذا الكِتابِ المُبارَكِ أنَّ مِن أنْواعِ البَيانِ الَّتِي تَضَمَّنَها، أنْ يَكُونَ لِلشَّيْءِ أوْصافٌ، فَيُذْكَرُ بَعْضُها في مَوْضِعٍ، فَإنّا نُبَيِّنُ بَقِيَّةَ تِلْكَ الأوْصافِ المَذْكُورَةِ في مَواضِعَ أُخَرَ، ومَثَّلْنا لِذَلِكَ بِظِلِّ أهْلِ الجَنَّةِ فَإنَّهُ تَعالى وصَفَهُ في سُورَةِ النِّساءِ بِأنَّهُ ظَلِيلٌ في قَوْلِهِ: ﴿وَنُدْخِلُهم ظِلًّا ظَلِيلًا﴾ [النساء: ٥٧] وقَدْ وصَفَهُ بِأوْصافٍ أُخَرَ في مَواضِعَ أُخَرَ، وقَدْ بَيَّنّا صِفاتِ ظِلِّ أهْلِ الجَنَّةِ المَذْكُورَةِ في غَيْرِ ذَلِكَ المَوْضِعِ
• كَقَوْلِهِ: ﴿أُكُلُها دائِمٌ وظِلُّها﴾ [الرعد: ٣٥]
• وقَوْلِهِ: ﴿وَظِلٍّ مَمْدُودٍ﴾ [ ٥٦ ] إلى غَيْرِ ذَلِكَ مِن أوْصافِهِ، وإذا عَلِمْتَ ذَلِكَ فاعْلَمْ أنَّهُ تَعالى وصَفَ الرِّياحَ في هَذِهِ الآيَةِ بِكَوْنِها لَواقِحَ، وقَدْ بَيَّنّا مَعْنى ذَلِكَ آنِفًا، ووَصَفَها في مَواضِعَ أُخَرَ بِأوْصافٍ أُخَرَ، مِن ذَلِكَ وصْفُهُ لَها بِأنَّها تُبَشِّرُ بِالسَّحابِ في قَوْلِهِ:﴿وَمِن آياتِهِ أنْ يُرْسِلَ الرِّياحَ مُبَشِّراتٍ﴾ [الروم: ٤٦]
• وقَوْلِهِ: ﴿وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّياحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ﴾ عَلى قِراءَةِ مَن قَرَأها بِالباءِ، ومِن ذَلِكَ وصْفُهُ لَها بِإثارَةِ السَّحابِ
• كَقَوْلِهِ: ﴿اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّياحَ فَتُثِيرُ سَحابًا﴾ الآيَةَ [الفرقان: ٤٨] (p-٢٦٩)
وَقالَ صاحِبُ الدُّرِّ المَنثُورِ: وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وابْنُ المُنْذِرِ وابْنُ أبِي حاتِمٍ وأبُو الشَّيْخِ في العَظَمَةِ عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ قالَ ”يَبْعَثُ اللَّهُ المُثِيرَةَ فَتَقُمُّ الأرْضَ قَمًّا، ثُمَّ يَبْعَثُ المُبَشِّرَةَ فَتُثِيرُ السَّحابَ، فَيَجْعَلُهُ كِسَفًا، ثُمَّ يَبْعَثُ المُؤَلِّفَةَ فَتُؤَلِّفُ بَيْنَهُ، فَيَجْعَلُهُ رُكامًا، ثُمَّ يَبْعَثُ اللَّواقِحَ فَتَلْقَحُهُ فَيُمْطِرُ“
وَأخْرَجَ ابْنُ المُنْذِرِ بْنِ عُمَيْرٍ قالَ: ”الأرْواحُ أرْبَعَةٌ: رِيحٌ تَقُمُّ، ورِيحٌ تُثِيرُ تَجْعَلُهُ كِسَفًا، ورِيحٌ تَجْعَلُهُ رُكامًا، ورِيحٌ تُمْطِرُ“ اه.
* * *
مَسائِلُ تَتَعَلَّقُ بِهَذِهِ الآيَةِ الكَرِيمَةِ المَسْألَةُ الأُولى: أخَذَ مالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مِن هَذِهِ الآيَةِ الكَرِيمَةِ أنَّ لَقاحَ القَمْحِ أنْ يُحَبِّبَ ويُسَنْبِلَ. قالَ القُرْطُبِيُّ في تَفْسِيرِ هَذِهِ الآيَةِ الكَرِيمَةِ: رَوى ابْنُ وهْبٍ وابْنُ القاسِمِ وأشْهَبُ وابْنُ عَبْدِ الحَكَمِ عَنْ مالِكٍ واللَّفْظُ لِأشْهَبَ.
قالَ مالِكٌ: قالَ اللَّهُ تَعالى ﴿وَأرْسَلْنا الرِّياحَ لَواقِحَ﴾ [الحجر: ٢٢] فَلَقاحُ القَمْحِ عِنْدِي أنْ يُحَبِّبَ ويُسَنْبِلَ، ولا أدْرِي ما يَيْبَسُ في أكْمامِهِ ولَكِنْ يُحَبِّبُ حَتّى يَكُونَ لَوْ يَبِسَ لَمْ يَكُنْ فَسادًا لا خَيْرَ فِيهِ، ولَقاحُ الشَّجَرِ كُلِّها أنْ تُثْمِرَ، ثُمَّ يَسْقُطُ مِنها ما يَسْقُطُ ويَثْبُتُ مِنها ما يَثْبُتُ، ولَيْسَ ذَلِكَ بِأنْ تُوَرَّدَ. قالَ ابْنُ العَرَبِيِّ: إنَّما عَوَّلَ مالِكٌ في هَذا التَّفْسِيرِ عَلى تَشْبِيهِ لَقاحِ الشَّجَرِ بِلَقاحِ الحَمْلِ، وأنَّ الوَلَدَ إذا عُقِدَ وخُلِقَ ونُفِخَ فِيهِ الرُّوحُ كانَ بِمَنزِلَةِ تَحَبُّبِ الثَّمَرِ وتَسَنْبِلُهُ؛ لِأنَّهُ سُمِّيَ بِاسْمٍ تَشْتَرِكُ فِيهِ كُلُّ حامِلَةٍ، وعَلَيْهِ جاءَ الحَدِيثُ: «نَهى النَّبِيُّ ﷺ عَنْ بَيْعِ الحِبِّ حَتّى يَشْتَدَّ» اه مِنَ القُرْطُبِيِّ.
قالَ مُقَيِّدُهُ - عَفا اللَّهُ عَنْهُ -: اسْتِنْباطُ الإمامِ مالِكٍ المَذْكُورُ مِن هَذِهِ الآيَةِ، لِأنَّ لَقاحَ القَمْحِ أنْ يُحَبِّبَ ويُسَنْبِلَ، واسْتِدْلالُ ابْنِ العَرَبِيِّ لَهُ بِالحَدِيثِ المَذْكُورِ لَيْسَ بِظاهِرٍ عِنْدِي كُلَّ الظُّهُورِ.
المَسْألَةُ الثّانِيَةُ: اعْلَمْ أنَّ تَلْقِيحَ الثِّمارِ هو إبارُها، وهو أنْ يُؤْخَذَ شَيْءٌ مِن طَلْعِ ذُكُورِ النَّخْلِ فَيُدْخَلُ بَيْنَ ظَهْرانَيْ طَلْعِ الإناثِ، ومَعْنى ذَلِكَ في سائِرِ الثِّمارِ طُلُوعُ الثِّمارِ مِنَ التِّينِ وغَيْرِهِ، حَتّى تَكُونَ الثَّمَرَةُ مَرْئِيَّةً مَنظُورًا إلَيْها. والمُعْتَبَرُ عِنْدَ مالِكٍ وأصْحابِهِ فِيما يُذَكَّرُ مِنَ الثِّمارِ التَّذْكِيرُ، وفِيما لا يُذَكَّرُ أنْ يَثْبُتَ مِن نَوّارِهِ ما يَثْبُتُ ويَسْقُطَ ما يَسْقُطُ، وحَدُّ ذَلِكَ في الزَّرْعِ ظُهُورُهُ مِنَ الأرْضِ، قالَهُ مالِكٌ. وقَدْ رُوِيَ عَنْهُ أنَّ إبارَهُ أنْ يُحَبِّبَ اه، قالَهُ القُرْطُبِيُّ. وقالَ أيْضًا: لَمْ يَخْتَلِفِ العُلَماءُ أنَّ الحائِطَ إذا انْشَقَّ طَلْعُ إناثِهِ، فَأُخِّرَ إبارُهُ، وقَدْ أُبِّرَ غَيْرُهُ مِمّا حالُهُ مِثْلُ حالِهِ، أنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ ما أُبِّرَ، فَإنْ أُبِّرَ بَعْضُ الحائِطِ كانَ ما لَمْ يُؤَبَّرْ تَبَعًا لَهُ، كَما أنَّ (p-٢٧٠)الحائِطَ إذا بَدا صَلاحُ بَعْضِهِ كانَ سائِرُ الحائِطِ تَبَعًا لِذَلِكَ الصَّلاحِ في جَوازِ بَيْعِهِ اه. وسَيَأْتِي لِهَذا إنْ شاءَ اللَّهُ زِيادَةُ إيضاحٍ.
المَسْألَةُ الثّالِثَةُ: إذا بِيعَ حائِطُ نَخْلٍ بَعْدَ أنْ أُبِّرَ فَثَمَرَتُهُ لِلْبائِعِ إلّا أنْ يَشْتَرِطَها المُبْتاعُ، فَإنِ اشْتَرَطَها المُبْتاعُ فَهي لَهُ، والدَّلِيلُ عَلى ذَلِكَ قَوْلُهُ ﷺ «مَنِ ابْتاعَ نَخْلًا بَعْدَ أنْ تُؤَبَّرَ فَثَمَرَتُها لِلْبائِعِ الَّذِي باعَها إلّا أنْ يَشْتَرِطَها المُبْتاعُ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ مِن حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما - . فَإنْ بِيعَتِ النَّخْلُ قَبْلَ التَّأْبِيرِ فالثَّمَرَةُ لِلْمُشْتَرِي، واخْتُلِفَ في اسْتِثْناءِ البائِعِ لَها، فَمَشْهُورُ مَذْهَبِ مالِكٍ أنَّها كالجَنِينِ لا يَجُوزُ لِلْبائِعِ اشْتِراطُها ولا اسْتِثْناؤُها بِناءً عَلى أنَّ المُسْتَثْنى مُشْتَرًى، خِلافًا لِتَصْحِيحِ اللَّخْمِيِّ جَوازَ اسْتِثْناءِ البائِعِ لَها بِناءً عَلى أنَّ المُسْتَثْنى مُبْقًى، وجَوازُ اسْتِثْنائِها هو مَذْهَبُ الشّافِعِيِّ وأحْمَدَ وأبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُمُ اللَّهُ تَعالى.
قالَ مُقَيِّدُهُ - عَفا اللَّهُ عَنْهُ -: وهو أظْهَرُ عِنْدِي؛ لِأنَّ كَوْنَ المُسْتَثْنى مُبْقًى أظْهَرُ مِن كَوْنِهِ مُشْتَرًى لِأنَّهُ كانَ مَمْلُوكًا لِلْبائِعِ، ولَمْ يَزَلْ عَلى مِلْكِهِ؛ لِأنَّ البَيْعَ لَمْ يَتَناوَلْهُ لِاسْتِثْنائِهِ مِن جُمْلَةِ المَبِيعِ كَما تَرى. وهَذا الَّذِي ذَكَرْنا في هَذِهِ المَسْألَةِ هو الحَقُّ إنْ شاءَ اللَّهُ تَعالى، فَما أُبِّرَ فَهو لِلْبائِعِ إلّا بِشَرْطٍ، وما لَمْ يُؤَبَّرْ فَهو لِلْمُشْتَرِي إلّا بِشَرْطٍ، خِلافًا لِابْنِ أبِي لَيْلى القائِلِ: هي لِلْمُشْتَرِي في الحالَيْنِ؛ لِأنَّها مُتَّصِلَةٌ بِالأصْلِ اتِّصالَ خِلْقَةٍ فَكانَتْ تابِعَةً لَهُ كالأغْصانِ. وهَذا الِاسْتِدْلالُ فاسِدُ الِاعْتِبارِ؛ لِمُخالَفَتِهِ لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ المُتَّفِقِ عَلَيْهِ المَذْكُورِ آنِفًا، فَقَدْ صَرَّحَ فِيهِ النَّبِيُّ ﷺ بِأنَّ البَيْعَ إنْ كانَ وقَعَ بَعْدَ التَّأْبِيرِ فالثَّمَرَةُ لِلْبائِعِ، وخِلافًا لِلْإمامِ أبِي حَنِيفَةَ والأوْزاعِيِّ - رَحِمَهُما اللَّهُ تَعالى - في قَوْلِهِما: إنَّها لِلْبائِعِ في الحالَيْنِ. والحَدِيثُ المَذْكُورُ يَرُدُّ عَلَيْهِما، بِدَلِيلِ خِطابِهِ أعْنِي مَفْهُومَ مُخالَفَتِهِ؛ لِأنَّ قَوْلَهُ ﷺ «مَنِ ابْتاعَ نَخْلًا قَدْ أُبِّرَتْ» الحَدِيثَ. يُفْهَمُ مِنهُ أنَّها إنْ كانَتْ غَيْرَ مُؤَبَّرَةٍ فَلَيْسَ الحُكْمُ كَذَلِكَ، وإلّا كانَ قَوْلُهُ ”قَدْ أُبِّرَتْ“ وقَوْلُهُ ”بَعْدَ أنْ تُؤَبَّرَ“ في بَعْضِ الرِّواياتِ لَغْوًا لا فائِدَةَ فِيهِ، فَيَتَعَيَّنُ أنَّ ذِكْرَ وصْفِ التَّأْبِيرِ لِيُحْتَرَزَ بِهِ عَنْ غَيْرِهِ، ومَعْلُومٌ أنَّ الإمامَ أبا حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا يَقُولُ بِحُجَّتِهِ مَفْهُومَ المُخالَفَةِ، فالجارِي عَلى أُصُولِهِ أنَّ النَّبِيَّ ﷺ في الحَدِيثِ المَذْكُورِ نَصَّ عَلى حُكْمِ الثَّمَرَةِ المُؤَبَّرَةِ، وسَكَتَ عَنْ غَيْرِ المُؤَبَّرَةِ، فَلَمْ يَتَعَرَّضْ لَها أصْلًا. وإنْ أُبِّرَ بَعْضُ الثَّمَرَةِ الَّتِي بِيعَتْ أُصُولُها، وبَعْضُها الآخَرُ لَمْ يُؤَبَّرْ، فَمَذْهَبُ مالِكٍ أنَّهُ إنْ كانَ أحَدُهُما أكْثَرَ فالأقَلُّ تابِعٌ لَهُ، وإنِ اسْتَوَيا فَلِكُلٍّ حُكْمُهُ، فالمُؤَبَّرُ لِلْبائِعِ وغَيْرُهُ لِلْمُشْتَرِي. ومَذْهَبُ الإمامِ أحْمَدَ أنَّ لِكُلِّ واحِدٍ مِنَ المُؤَبَّرِ وغَيْرِهِ حُكْمَهُ، وأبُو حَنِيفَةَ لا فَرْقَ عِنْدَهُ بَيْنَ المُؤَبَّرِ وغَيْرِهِ، فالجَمِيعُ عِنْدَهُ لِلْبائِعِ إلّا إذا اشْتَرَطَهُ المُبْتاعُ، ومَذْهَبُ الشّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الصَّحِيحُ مِنَ الخِلافِ، أنَّ ما لَمْ يُؤَبَّرْ تَبَعٌ لِلْمُؤَبَّرِ (p-٢٧١)فَيَبْقى الجَمِيعُ لِلْبائِعِ دَفْعًا لِضَرَرِ اخْتِلافِ الأيْدِي. واعْلَمْ أنَّ اسْتِثْناءَ بَعْضِ الثَّمَرَةِ دُونَ بَعْضٍ يَجُوزُ في قَوْلِ جُمْهُورِ العُلَماءِ، وِفاقًا لِأشْهَبَ مِن أصْحابِ مالِكٍ وخالَفَ ابْنُ القاسِمِ فَقالَ: لا يَجُوزُ اسْتِثْناءُ بَعْضِ المُؤَبَّرَةِ. وحُجَّةُ الجُمْهُورِ أنَّ ما جازَ اسْتِثْناءُ جَمِيعِهِ جازَ اسْتِثْناءُ بَعْضِهِ، وحُجَّةُ ابْنِ القاسِمِ أنَّ النَّصَّ إنَّما ورَدَ في اشْتِراطِ الجَمِيعِ.
واعْلَمْ أنَّ أكْثَرَ العُلَماءِ عَلى أنَّ الثَّمَرَةَ المُؤَبَّرَةَ الَّتِي هي لِلْبائِعِ إنْ لَمْ يَسْتَثْنِها المُشْتَرِي، فَإنَّها تَبْقى إلى وقْتِ الِانْتِفاعِ المُعْتادِ بِها، ولا يُكَلِّفُهُ المُشْتَرِي بِقَطْعِها في الحالِ، وهو مَذْهَبُ مالِكٍ والشّافِعِيِّ وأحْمَدَ. وخالَفَ في ذَلِكَ أبُو حَنِيفَةَ قائِلًا: يَلْزَمُ قَطْعُها في الحالِ وتَفْرِيغُ النَّخْلِ مِنها؛ لِأنَّهُ مَبِيعٌ مَشْغُولٌ بِمِلْكِ البائِعِ، فَلَزِمَ نَقْلُهُ وتَفْرِيغُهُ مِنهُ، كَما لَوْ باعَ دارًا فِيها طَعامٌ أوْ قُماشٌ لَهُ. واحْتَجَّ الجُمْهُورُ بِأنَّ النَّقْلَ والتَّفْرِيغَ لِلْمَبِيعِ عَلى حَسَبِ العُرْفِ والعادَةِ، كَما لَوْ باعَ دارًا فِيها طَعامٌ لَمْ يَجِبْ نَقْلُهُ عَلى حَسَبِ العادَةِ في ذَلِكَ، وهو أنْ يَنْقُلَهُ نَهارًا شَيْئًا بَعْدَ شَيْءٍ، ولا يَلْزَمُهُ النَّقْلُ لَيْلًا، ولا جَمْعَ دَوابِّ البَلَدِ لِنَقْلِهِ، كَذَلِكَ هاهُنا يُفَرَّغُ النَّخْلُ مِنَ الثَّمَرَةِ في أوانٍ وهو وقْتُ الجِذاذِ، قالَهُ ابْنُ قُدامَةَ في المُغْنِي.
المَسْألَةُ الرّابِعَةُ: لَوِ اشْتُرِيَتِ النَّخْلُ وبَقِيَتِ الثَّمَرَةُ لِلْبائِعِ، فَهَلْ لِمُشْتَرِي الأصْلِ أنْ يَشْتَرِيَ الثَّمَرَةَ قَبْلَ بُدُوِّ صَلاحِها ؟ أوَّلًا: اخْتَلَفَ العُلَماءُ في ذَلِكَ، فَمَشْهُورُ مَذْهَبِ مالِكٍ جَوازُ ذَلِكَ؛ لِأنَّ لَها عِنْدَهُ حُكْمَ التَّبَعِيَّةِ وإنْ أُفْرِدَتْ بِالعَقْدِ، وعَنْهُ في رِوايَةٍ أُخْرى: لا يَجُوزُ ذَلِكَ. ولِلشّافِعِيَّةِ والحَنابِلَةِ وجْهانِ بِالمَنعِ والجَوازِ. قالَ ابْنُ قُدامَةَ في المُغْنِي: ونَسَبَ القُرْطُبِيُّ لِلشّافِعِيِّ وأبِي حَنِيفَةَ والثَّوْرِيِّ وأهْلِ الظّاهِرِ وفُقَهاءِ الحَدِيثِ القَوْلَ بِمَنعِ ذَلِكَ ثُمَّ قالَ: وهو الأظْهَرُ مِن أحادِيثِ النَّهْيِ عَنْ بَيْعِ الثَّمَرَةِ قَبْلَ بُدُوِّ صَلاحِها.
المَسْألَةُ الخامِسَةُ: إذا اشْتُرِيَتِ الثَّمَرَةُ وحْدَها دُونَ الأصْلِ قَبْلَ بُدُوِّ صَلاحِها فَلَها ثَلاثُ حالاتٍ: الأُولى: أنَّ يَبِيعَها بِشَرْطِ التَّبْقِيَةِ إلى وقْتِ الجِذاذِ، وفي هَذِهِ الحالَةِ لا يَصِحُّ البَيْعُ إجْماعًا. الثّانِيَةُ: أنْ يَبِيعَها بِشَرْطِ قَطْعِها في الحالِ، وفي هَذِهِ الحالَةِ يَصِحُّ البَيْعُ إجْماعًا. الثّالِثَةُ: أنْ يَبِيعَها مِن غَيْرِ شَرْطِ تَبْقِيَةٍ ولا قَطْعٍ، بَلْ سَكَتا عَنْ ذَلِكَ، وعَقَدا البَيْعَ مُطْلَقًا دُونَ شَرْطٍ، وفي هَذِهِ الحالَةِ لا يَصِحُّ البَيْعُ عِنْدَ جُمْهُورِ العُلَماءِ، مِنهم: مالِكٌ والشّافِعِيُّ وأحْمَدُ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ تَعالى - وأجازَ أبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - البَيْعَ في هَذِهِ الحالَةِ، وأوْجَبَ قَطْعَ الثَّمَرَةِ حالًا، قالَ: لِأنَّ إطْلاقَ العَقْدِ يَقْتَضِي القَطْعَ، فَهو كَما لَوِ اشْتَرَطَهُ، وحُجَّةُ الجُمْهُورِ إطْلاقُ النُّصُوصِ الوارِدَةِ بِذَلِكَ عَنْهُ ﷺ مِن ذَلِكَ ما أخْرَجَهُ الشَّيْخانِ (p-٢٧٢)والإمامُ أحْمَدُ وأبُو داوُدَ والنَّسائِيُّ وابْنُ ماجَهْ عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما - قالَ: «نَهى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَنْ بَيْعِ الثِّمارِ حَتّى يَبْدُوَ صَلاحُها»، نَهى البائِعَ والمُبْتاعَ، وفي لَفْظٍ: «نَهى عَنْ بَيْعِ النَّخْلِ حَتّى تَزْهُوَ، وعَنْ بَيْعِ السُّنْبُلِ حَتّى يَبْيَضَّ ويَأْمَنَ العاهَةَ» . رَواهُ الإمامُ أحْمَدُ ومُسْلِمٌ وأصْحابُ السُّنَنِ إلّا ابْنُ ماجَهْ. ومِن ذَلِكَ ما أخْرَجَهُ الشَّيْخانِ في صَحِيحَيْهِما عَنْ أنَسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قالَ: «نَهى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَنْ بَيْعِ الثِّمارِ حَتّى تُزْهِيَ، قِيلَ وما زَهْوَتُها ؟ قالَ تَحْمارُّ وتَصْفارُّ» . ومِن ذَلِكَ أيْضًا ما رَواهُ أحْمَدُ ومُسْلِمٌ والنَّسائِيُّ وابْنُ ماجَهْ عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «لا تَبايَعُوا الثِّمارَ حَتّى يَبْدُوَ صَلاحُها» ”. ومِن ذَلِكَ ما رَواهُ أحْمَدُ وأبُو داوُدَ والتِّرْمِذِيُّ وابْنُ ماجَهْ وابْنُ حِبّانَ والحاكِمُ وصَحَّحاهُ عَنْ أنَسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أنَّ النَّبِيَّ ﷺ نَهى عَنْ بَيْعِ العِنَبِ حَتّى يَسْوَدَّ، وعَنْ بَيْعِ الحَبِّ حَتّى يَشْتَدَّ»“ .
فَإطْلاقاتُ هَذِهِ النُّصُوصِ ونَحْوِها تَدُلُّ عَلى مَنعِ بَيْعِ الثَّمَرَةِ قَبْلَ بُدُوِّ صَلاحِها في حالَةِ الإطْلاقِ وعَدَمِ الِاشْتِراطِ كَما تَقَدَّمَ.
وَقَرَأ هَذِهِ الآيَةَ الكَرِيمَةَ جَماهِيرُ القُرّاءِ ﴿وَأرْسَلْنا الرِّياحَ﴾ بِصِيغَةِ الجَمْعِ وقَرَأها حَمْزَةُ وأرْسَلْنا الرِّيحَ بِالإفْرادِ، والألِفُ عَلى قِراءَةِ حَمْزَةَ لِلْجِنْسِ، ولِذَلِكَ صَحَّ الجَمْعُ في قَوْلِهِ لَواقِحَ قالَ أبُو حَيّانَ في البَحْرِ المُحِيطِ: ومَن قَرَأ بِإفْرادِ الرِّيحِ فَعَلى تَأْوِيلِ الجِنْسِ، كَما قالُوا أهْلَكَ النّاسَ الدِّينارُ الصُّفْرُ والدِّرْهَمُ البِيضُ اه والعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعالى.
* * *
قَوْلُهُ تَعالى ﴿فَأنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً فَأسْقَيْناكُمُوهُ﴾ . بَيَّنَ تَعالى في هَذِهِ الآيَةِ الكَرِيمَةِ عَظِيمَ مِنَّتِهِ بِإنْزالِ الماءِ مِنَ السَّماءِ، وجَعْلِهِ إيّاهُ عَذْبًا صالِحًا لِلسُّقْيا، وبَيَّنَ ذَلِكَ أيْضًا في مَواضِعَ أُخَرَ
• كَقَوْلِهِ ﴿أفَرَأيْتُمُ الماءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ﴾ ﴿أأنْتُمْ أنْزَلْتُمُوهُ مِنَ المُزْنِ أمْ نَحْنُ المُنْزِلُونَ﴾ ﴿لَوْ نَشاءُ جَعَلْناهُ أُجاجًا فَلَوْلا تَشْكُرُونَ﴾ [الواقعة: ٦٨ - ٧٠]
• وقَوْلِهِ: ﴿هُوَ الَّذِي أنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً لَكم مِنهُ شَرابٌ ومِنهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ﴾ ﴿يُنْبِتُ لَكم بِهِ الزَّرْعَ والزَّيْتُونَ والنَّخِيلَ والأعْنابَ ومِن كُلِّ الثَّمَراتِ﴾ [النحل: ١٠ - ١١]
• وقَوْلِهِ وأنْزَلْنا ﴿مِنَ السَّماءِ ماءً طَهُورًا لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا﴾ ﴿وَنُسْقِيَهُ مِمّا خَلَقْنا أنْعامًا وأناسِيَّ كَثِيرًا﴾ [الفرقان: ٤٨ - ٤٩]
إلى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الآياتِ.
والتَّحْقِيقُ أنَّ أسْقى وسَقى لُغَتانِ مَعْناهُما واحِدٌ كَأسْرى وسَرى، والدَّلِيلُ عَلى ذَلِكَ (p-٢٧٣)القِراءَتانِ السَّبْعِيَّتانِ في قَوْلِهِ: ﴿وَإنَّ لَكم في الأنْعامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكم مِمّا في بُطُونِهِ﴾ [النحل: ٦٦] فَإنَّهُ قَرَأهُ بَعْضُ السَّبْعَةِ بِضَمِّ النُّونِ مِن أسْقى الرُّباعِيِّ، وقَرَأهُ بَعْضُهم بِفَتْحِها مِن سَقى الثُّلاثِيِّ، ويَدُلُّ عَلى ذَلِكَ أيْضًا قَوْلُ لَبِيدٍ:
؎سَقى قَوْمِي بَنِي مَجْدٍ وأسْقى نُمَيْرًا والقَبائِلَ مِن هِلالِ
* * *
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَما أنْتُمْ لَهُ بِخازِنِينَ﴾ .
فِيهِ لِلْعُلَماءِ وجْهانِ مِنَ التَّفْسِيرِ كِلاهُما يَشْهَدُ لَهُ قُرْآنُ الأوَّلِ: أنَّ مَعْنى ﴿وَما أنْتُمْ لَهُ بِخازِنِينَ﴾ [الحجر: ٢٢] أيْ لَيْسَتْ خَزائِنُهُ عِنْدَكم بَلْ نَحْنُ الخازِنُونَ لَهُ، نُنَزِّلُهُ مَتى شِئْنا، وهَذا الوَجْهُ تَدُلُّ عَلَيْهِ آياتٌ كَقَوْلِهِ ﴿وَإنْ مِن شَيْءٍ إلّا عِنْدَنا خَزائِنُهُ وما نُنَزِّلُهُ إلّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ﴾ [الحجر: ٢١] وقَوْلِهِ: ﴿وَلِلَّهِ خَزائِنُ السَّماواتِ والأرْضِ﴾ الآيَةَ [المنافقون: ٧] ونَحْوِ ذَلِكَ مِنَ الآياتِ، الوَجْهُ الثّانِي: أنَّ مَعْنى ﴿وَما أنْتُمْ لَهُ بِخازِنِينَ﴾ بَعْدَ أنْ أنْزَلْناهُ عَلَيْكم، أيْ لا تَقْدِرُونَ عَلى حِفْظِهِ في الآبارِ والعُيُونِ والغُدْرانِ، بَلْ نَحْنُ الحافِظُونَ لَهُ فِيها، لِيَكُونَ ذَخِيرَةً لَكم عِنْدَ الحاجَةِ، ويَدُلُّ لِهَذا الوَجْهِ قَوْلُهُ تَعالى ﴿وَأنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً بِقَدَرٍ فَأسْكَنّاهُ في الأرْضِ وإنّا عَلى ذَهابٍ بِهِ لَقادِرُونَ﴾ [المؤمنون: ١٨] وقَوْلُهُ: ﴿قُلْ أرَأيْتُمْ إنْ أصْبَحَ ماؤُكم غَوْرًا فَمَن يَأْتِيكم بِماءٍ مَعِينٍ﴾ [ ٦٧ ] وقَوْلُهُ: ﴿أوْ يُصْبِحَ ماؤُها غَوْرًا فَلَنْ تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَبًا﴾ [الكهف: ٤١] وقَوْلُهُ: ﴿ألَمْ تَرَ أنَّ اللَّهَ أنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَسَلَكَهُ يَنابِيعَ في الأرْضِ﴾ الآيَةَ [الزمر: ٢١] إلى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الآياتِ.
{"ayah":"وَأَرۡسَلۡنَا ٱلرِّیَـٰحَ لَوَ ٰقِحَ فَأَنزَلۡنَا مِنَ ٱلسَّمَاۤءِ مَاۤءࣰ فَأَسۡقَیۡنَـٰكُمُوهُ وَمَاۤ أَنتُمۡ لَهُۥ بِخَـٰزِنِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق