الباحث القرآني
قوله تعالى: (يَدْعُوا لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ) أَيْ هَذَا الَّذِي انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ يَدْعُو مَنْ ضَرُّهُ أَدْنَى مِنْ نَفْعِهِ، أَيْ فِي الْآخِرَةِ لِأَنَّهُ بِعِبَادَتِهِ دَخَلَ النَّارَ، وَلَمْ يَرَ مِنْهُ نَفْعًا أَصْلًا، وَلَكِنَّهُ قَالَ: ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ تَرْفِيعًا لِلْكَلَامِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلى هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ﴾[[راجع ج ١٤ ص ٢٩٨.]] [سبأ: ٢٤]. وَقِيلَ: يَعْبُدُونَهُمْ تُوهِمُ أَنَّهُمْ يَشْفَعُونَ لَهُمْ غَدًا، كما قال الله تعالى: " وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هؤُلاءِ شُفَعاؤُنا عِنْدَ اللَّهِ [١٠: ١٨]" [[راجع ج ٨ ص ٣٢١.]] [يونس: ١٨]. وَقَالَ تَعَالَى: ﴿مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللَّهِ زُلْفى ﴾[[راجع ج ١٥ ص ٢٣٢.]] [الزمر: ٣]. وَقَالَ الْفَرَّاءُ وَالْكِسَائِيُّ وَالزَّجَّاجُ: مَعْنَى الْكَلَامِ الْقَسَمُ وَالتَّأْخِيرُ، أَيْ يَدْعُو وَاللَّهِ لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ. فَاللَّامُ مُقَدَّمَةٌ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهَا. و "مِنْ" في موضع نصب ب "يَدْعُوا" وَاللَّامُ جَوَابُ الْقَسَمِ. وَ "ضَرُّهُ" مُبْتَدَأٌ وَ "أَقْرَبُ" خبره. وضعف النحاس تأخير اللام وَقَالَ: وَلَيْسَ لِلَّامِ مِنَ التَّصَرُّفِ مَا يُوجِبُ أَنْ يَكُونَ فِيهَا تَقْدِيمٌ وَلَا تَأْخِيرٌ. قُلْتُ: حَقُّ اللَّامِ التَّقْدِيمُ وَقَدْ تُؤَخَّرُ، قَالَ الشَّاعِرُ:
خالي لانت ومن جرير خال ... يَنَلِ الْعَلَاءَ وَيُكْرِمِ الْأَخْوَالَا
أَيْ لَخَالِي أَنْتَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ. النَّحَّاسُ: وَحَكَى لَنَا عَلِيُّ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَزِيدَ قَالَ: فِي الْكَلَامِ حَذْفٌ، وَالْمَعْنَى يَدْعُو لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ إِلَهًا. قَالَ النَّحَّاسُ: وَأَحْسَبُ هَذَا الْقَوْلَ غَلَطًا عَلَى مُحَمَّدِ بْنِ يَزِيدَ، لِأَنَّهُ لَا مَعْنَى لَهُ، لِأَنَّ مَا بَعْدَ اللَّامِ مُبْتَدَأٌ فَلَا يَجُوزُ نَصْبُ إِلَهٍ، وَمَا أَحْسَبُ مَذْهَبَ مُحَمَّدِ بْنِ يَزِيدَ إِلَّا قَوْلَ الْأَخْفَشِ، وَهُوَ أَحْسَنُ مَا قِيلَ فِي الْآيَةِ عِنْدِي، والله أعلم، قال: "يَدْعُوا" بِمَعْنَى يَقُولُ. وَ "مِنْ" مُبْتَدَأٌ وَخَبَرُهُ مَحْذُوفٌ، وَالْمَعْنَى يَقُولُ لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ إِلَهُهُ. قُلْتُ: وَذَكَرَ هَذَا الْقَوْلَ الْقُشَيْرِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ عَنِ الزَّجَّاجِ وَالْمَهْدَوِيُّ عَنِ الْأَخْفَشِ، وَكَمَّلَ إعرابه فقال: "يَدْعُوا" بِمَعْنَى يَقُولُ، وَ "مِنْ" مُبْتَدَأٌ، وَ "ضَرُّهُ" مُبْتَدَأٌ ثَانٍ، وَ "أَقْرَبُ" خَبَرُهُ، وَالْجُمْلَةُ صِلَةُ "مِنْ"، وَخَبَرُ "مِنْ" مَحْذُوفٌ، وَالتَّقْدِيرُ يَقُولُ لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ إِلَهُهُ، وَمِثْلُهُ قَوْلُ عَنْتَرَةَ:
يَدْعُونَ عَنْتَرُ وَالرِّمَاحُ كَأَنَّهَا ... أَشْطَانُ بِئْرٍ فِي لَبَانِ الْأَدْهَمِ [[الأشطان: جمع شطن، وهو حيل البئر. واللبان (بفتح اللام): الصدر. والأدهم: الفرس. يريد أن الرماح في صدر هذا الفرس بمنزلة حبال البئر من الدلاء، لان البئر إذا كانت كثيرة الجرفة اضطربت الدلو فيها فيجعل لها حبلان لئلا تضطرب.
(عن شرح المعلقات).]]
قَالَ الْقُشَيْرِيُّ: وَالْكَافِرُ الَّذِي يَقُولُ الصَّنَمُ مَعْبُودِي لَا يَقُولُ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ، وَلَكِنَّ الْمَعْنَى يَقُولُ الْكَافِرُ لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ فِي قَوْلِ الْمُسْلِمِينَ معبودي وإلهي. وهو كقوله تَعَالَى: ﴿يَا أَيُّهَا السَّاحِرُ ادْعُ لَنا رَبَّكَ﴾[[راجع ج ١٦ ص ٩٦.]] [الزخرف: ٤٩]، أَيْ يَا أَيُّهَا السَّاحِرُ عِنْدَ أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَكَ سَاحِرًا. وَقَالَ الزَّجَّاجُ: يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ "يَدْعُوا" فِي مَوْضِعِ الْحَالِ، وَفِيهِ هَاءٌ مَحْذُوفَةٌ، أَيْ ذَلِكَ هُوَ الضَّلَالُ الْبَعِيدُ يَدْعُوهُ، أَيْ فِي حال دعائه إياه، ففي "يَدْعُوا" هاء مضمرة، ويوقف على هذا على "يَدْعُوا". وَقَوْلُهُ: "لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ" كَلَامٌ مُسْتَأْنَفٌ مَرْفُوعٌ بِالِابْتِدَاءِ، وَخَبَرُهُ "لَبِئْسَ الْمَوْلى "، وَهَذَا لِأَنَّ اللَّامَ لِلْيَمِينِ وَالتَّوْكِيدِ فَجَعَلَهَا أَوَّلَ الْكَلَامِ. قَالَ الزَّجَّاجُ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ "ذلِكَ" بِمَعْنَى الذي، ويكون في محل النصب بوقوع "يَدْعُوا" عليه، أي الذي هو [في [[من ك.]]] الضَّلَالُ الْبَعِيدُ يَدْعُو، كَمَا قَالَ:" وَما تِلْكَ بِيَمِينِكَ يا مُوسى [٢٠: ١٧]" [[راجع ج ١١ ص ١٨٦.]] أَيْ مَا الَّذِي. ثُمَّ قَوْلُهُ "لَمَنْ ضَرُّهُ" كَلَامٌ مُبْتَدَأٌ، وَ "لَبِئْسَ الْمَوْلى " خَبَرُ الْمُبْتَدَإِ، وَتَقْدِيرُ الْآيَةِ عَلَى هَذَا: يَدْعُو الَّذِي هُوَ الضَّلَالُ الْبَعِيدُ، قُدِّمَ الْمَفْعُولُ وَهُوَ الَّذِي، كَمَا تَقُولُ: زَيْدًا يَضْرِبُ، وَاسْتَحْسَنَهُ أَبُو عَلِيٍّ. وَزَعَمَ الزَّجَّاجُ أَنَّ النَّحْوِيِّينَ أَغْفَلُوا هَذَا الْقَوْلَ، وَأَنْشَدَ:
عَدَسْ مَا لِعَبَّادٍ عَلَيْكِ إِمَارَةٌ ... نَجَوْتِ وَهَذَا تَحْمِلِينَ طَلِيقُ [[هذا البيت أول أبيات ليزيد بن ربيعة بن مفرغ الحميري. وعدس: زجر للبغل ليسرع. وعباد هو ابن زياد أخو عبيد الله بن زياد الذي قاتل الحسين بن علي رضي الله عنهما في كربلاء. هجا ابن مفرغ هذا عبادا فحقد عليه وجفاه، فأخذه أخوه عبيد الله وحبسه وعذبه، فلما طال حبسه دخل أهل اليمن إلى معاوية فشفوا فيه فأطلق سراحه.
(راجع الشعر والشعراء لابن قتيبة وخزانة الأدب في الشاهد الثالث بعد الثلاثمائة والثامن والعشرين بعد الأربعمائة]]
أَيْ وَالَّذِي. وَقَالَ الزَّجَّاجُ أَيْضًا والفراء: يجوز أن يكون "يَدْعُوا" مُكَرَّرَةً عَلَى مَا قَبْلَهَا، عَلَى جِهَةِ تَكْثِيرِ هَذَا الْفِعْلِ الَّذِي هُوَ الدُّعَاءُ، وَلَا تُعَدِّيهِ إِذْ قَدْ عَدَّيْتَهُ أَوَّلًا، أَيْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُهُ وَلَا يَضُرُّهُ يَدْعُو، مِثْلُ ضَرَبْتُ زَيْدًا ضَرَبْتُ، ثُمَّ حُذِفَتْ يَدْعُو الْآخِرَةُ اكْتِفَاءً بِالْأُولَى. قَالَ الْفَرَّاءُ: وَيَجُوزُ "لَمَنْ ضَرُّهُ" بِكَسْرِ اللَّامِ، أَيْ يَدْعُو إِلَى مَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ، قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: "بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحى لَها" [[راجع ج ٢٠ ص ١٤٩.]] أَيْ إِلَيْهَا. وَقَالَ الْفَرَّاءُ أَيْضًا وَالْقَفَّالُ: اللَّامُ صِلَةٌ، أَيْ يَدْعُو مَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ، أَيْ يَعْبُدُهُ. وَكَذَلِكَ هُوَ فِي قِرَاءَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ.
(لَبِئْسَ الْمَوْلى) أَيْ فِي التَّنَاصُرِ (وَلَبِئْسَ الْعَشِيرُ) أَيِ الْمُعَاشِرُ وَالصَّاحِبُ وَالْخَلِيلُ. مجاهد: يعني الوثن.
{"ayah":"یَدۡعُوا۟ لَمَن ضَرُّهُۥۤ أَقۡرَبُ مِن نَّفۡعِهِۦۚ لَبِئۡسَ ٱلۡمَوۡلَىٰ وَلَبِئۡسَ ٱلۡعَشِیرُ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق