الباحث القرآني
﴿وَءَاخَرُونَ ٱعۡتَرَفُوا۟ بِذُنُوبِهِمۡ خَلَطُوا۟ عَمَلࣰا صَـٰلِحࣰا وَءَاخَرَ سَیِّئًا عَسَى ٱللَّهُ أَن یَتُوبَ عَلَیۡهِمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورࣱ رَّحِیمٌ ١٠٢﴾ - نزول الآية
٣٣٤٢٣- عن عبد الله بن عباس -من طريق علي- في قوله: ﴿وآخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملًا صالحًا وآخر سيئًا﴾، قال: كانوا عشرة رهطٍ تَخَلَّفوا عن رسول الله ﷺ في غزوة تبوك، فلمّا حَضَر رجوعُ رسول الله ﷺ أوثَق سبعةٌ منهم أنفسَهم بسَواري المسجد، وكان مَمَرُّ النبيِّ ﷺ إذا رجع في المسجد عليهم، فلمّا رآهم قال: «مَن هؤلاء المُوثِقون أنفسَهم؟». قالوا: هذا أبو لُبابة وأصحابٌ له، تخلَّفوا عنك، يا رسول الله، أوثَقوا أنفسَهم، وحلَفوا أنهم لا يُطلِقُهم أحدٌ حتى يُطْلقهم النبيُّ ﷺ، ويَعْذِرَهم. قال: «وأنا أُقسِمُ بالله لا أُطلِقُهم ولا أعذِرُهم حتى يكون الله تعالى هو الذي يُطلِقُهم، رَغِبوا عنِّي، وتخلَّفوا عن الغزو مع المسلمين». فلمّا بلغهم ذلك قالوا: ونحن لا نُطلِق أنفسَنا حتى يكون اللهُ هو الذي يُطلِقُنا. فأنزل الله ﷿: ﴿وآخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملًا صالحًا وآخر سيئًا عسى الله أن يتوب عليهم﴾. و«عسى» من الله واجبٌ، ﴿إن الله غفور رحيم﴾. فلمّا نزلت أرسل إليهم النبيُّ ﷺ، فأطلَقهم، وعَذرهم، فجاءوا بأموالهم، فقالوا: يا رسول الله، هذه أموالُنا فتَصدَّق بها عَنّا، واستغفِر لنا. قال: «ما أُمِرتُ أن آخُذ أموالَكم». فأنزل الله ﷿: ﴿خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصل عليهم﴾ يقول: استغفِر لهم، ﴿إن صلاتك سكن لهم﴾ يقول: رحمةٌ لهم. فأخذ منهم الصَّدَقة، واسْتَغْفَر لهم. وكان ثلاثةُ نفرٍ منهم لم يُوثِقوا أنفسَهم بالسَّواري، فأُرجِئوا سَبْتَةً لا يدرون أيُعَذَّبون أو يُتابُ عليهم؛ فأنزل الله ﷿: ﴿لقد تاب الله على النبي والمهاجرين والأنصار الذين اتبعوه في ساعة العسرة﴾ إلى آخر الآية [التوبة:١١٧]. وقوله: ﴿وعلى الثلاثة الذين خلفوا﴾ إلى: ﴿ثم تاب عليهم ليتوبوا إن الله هو التواب الرحيم﴾ [التوبة:١١٨]. يعني: إن استقاموا[[أخرجه البيهقي في دلائل النبوة ٥/٢٧١-٢٧٢ واللفظ له، وابن جرير ١١/٦٥١-٦٥٢، ٦٥٩، ٦٦٢-٦٦٣، ٦٦٧، ٦٦٩ مفرقًا، وابن أبي حاتم ٦/١٨٧٢ (١٠٣٠٣)، ٦/١٨٧٤-١٨٧٥ (١٠٣٠٧)، ٦/١٨٧٦ (١٠٣٠٧) مفرقًا، وابن مردويه -كما في تخريج أحاديث الكشاف ٢/٩٨-، من طريق علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس. إسناده جيد. وينظر: مقدمة الموسوعة.]]. (٧/٥٠٦)
٣٣٤٢٤- عن الضحاك بن مزاحم -من طريق عبيد بن سليمان-، مثله[[أخرجه ابن جرير ١١/٦٥٤-٦٥٥ من مرسل الضحاك.]]. (٧/٥٠٧)
٣٣٤٢٥- عن عبد الله بن عباس -من طريق العوفي- قال: إنّ رسول الله ﷺ غزا غزوة تبوك، فتخلَّف أبو لبابة ورجلان معه عن النبيِّ ﷺ، ثم إنّ أبا لُبابة ورجلين معه تَفكَّروا، ونَدِموا، وأيقَنوا بالهَلَكَة، وقالوا: نحن في الظِّلِّ والطمأنينة مع النساء، ورسول الله ﷺ والمؤمنون معه في الجهاد، واللهِ، لنُوثِقَنَّ أنفسَنا بالسَّواري فلا نُطلِقُها حتى يكون رسول الله ﷺ هو الذي يُطلِقُنا ويَعذِرُنا. فانطلق أبو لُبابة، فأَوْثَق نفسَه ورجلان معه بسواري المسجد، وبقي ثلاثةٌ لم يُوثِقوا أنفسَهم، فرجع رسولُ الله ﷺ مِن غزوته، وكان طريقُه في المسجد، فمَرَّ عليهم، فقال: «مَن هؤلاء الموثِقون أنفسهم بالسَّواري؟». فقال رجل: هذا أبو لُبابة وأصحابٌ له تَخَلَّفوا عن رسول الله ﷺ، فعاهَدوا الله ألّا يُطلِقون أنفسَهم حتى تكون أنت الذي تُطْلِقهم وتَرْضى عنهم، وقد اعترفوا بذنوبهم. فقال رسول الله ﷺ: «واللهِ، لا أُطلِقُهم حتى أُومَرَ بإطلاقهم، ولا أعْذِرُهم حتى يكون الله يَعْذِرُهم وقد تَخَلَّفوا ورَغِبوا عن المسلمين بأنفسهم وجهادهم». فأنزل الله تعالى: ﴿وآخرون اعترفوا بذنوبهم﴾ الآية، و«عسى» من الله واجب. فلمّا نزلتِ الآيةُ أطلقهم رسولُ الله ﷺ وعَذَرهم، فانطلق أبو لُبابة وأصحابُه بأموالهم، فأتوا بها رسولَ الله ﷺ، فقالوا: خُذ مِن أموالنا، فتصدَّق بها عنّا، وصَلِّ علينا. يقولون: استغفر لنا، وطَهِّرنا. فقال: «لا آخذ منها شيئًا حتى أُومَرَ به». فأنزل الله: ﴿خذ من أموالهم صدقة﴾ الآية. قال: وبقي الثلاثةُ الذين خالفوا أبا لُبابة ولم يتوبوا، ولم يُذكروا بشيء، ولم ينزل عُذرُهم، وضاقت عليهم الأرض بما رَحُبَت، وهم الذين قال الله: ﴿وآخرون اعترفوا بذنوبهم﴾ الآية [التوبة:١٠٦]. فجعل الناس يقولون: هلَكوا إذا لم ينزِل لهم عُذْرٌ. وجعل آخرون يقولون: عسى الله أن يتوب عليهم. فصاروا مُرجَئِين لأمر الله حتى نزلت: ﴿لقد تاب الله على النبي﴾ إلى قوله: ﴿وعلى الثلاثة الذين خلفوا﴾ [التوبة:١١٧-١١٨]. يعني: المُرْجَئين لأمر الله، نزلت عليهم التوبة، فعُمُّوا بها[[أخرجه ابن جرير ١١/٦٥٢-٦٥٣، ٦٦٠، ٦٦٩، ٦٧٠ مفرقًا، وابن أبي حاتم ٦/١٨٧٢-١٨٧٣ (١٠٣٠٥)، من طريق العوفي، عن ابن عباس. الإسناد ضعيف، لكنها صحيفة صالحة ما لم تأت بمنكر أو مخالفة. وينظر: مقدمة الموسوعة.]]. (٧/٥٠٨)
٣٣٤٢٦- عن عبد الله بن عباس -من طريق عطية العوفي- قوله: ﴿وآخرون اعترفوا بذنوبهم﴾، قال: هُم مِن الأعراب[[أخرجه ابن جرير ١١/٦٥٧، وابن أبي حاتم ٦/١٨٧٣، من طريق العوفي، عن ابن عباس. الإسناد ضعيف، لكنها صحيفة صالحة ما لم تأت بمنكر أو مخالفة. وينظر: مقدمة الموسوعة.]]٣٠٤٠. (ز)
٣٣٤٢٧- عن جابر بن عبد الله، قال: كان مِمَّن تخلَّف عن رسول الله ﷺ في غزوة تبوك ستة: أبو لُبابة، وأوس بن خِذام، وثعلبة بن وديعة، وكعب بن مالك، ومُرارة بن الربيع، وهلال بن أُمَيَّة، فجاء أبو لُبابة، وأوس، وثعلبة، فربَطوا أنفسهم بالسواري، وجاءوا بأموالهم، فقالوا: يا رسول الله، خذ؛ هذا الذي حَبَسَنا عنك. فقال رسول الله ﷺ: «لا أحُلُّهم حتى يكون قتال». فنزل القرآن: ﴿خلطوا عملًا صالحًا وءاخر سيئًا﴾ الآية. وكان مِمَّن خُلِّف عن التوبة وأُرجِئ كعبُ بن مالك، ومُرارة بن الربيع، وهلال بن أُمَيَّة، فأُرْجِئوا أربعين يومًا، فخرَجوا، وضرَبوا فَساطيطَهم، واعتزلَهم نساؤهم، ولم يتولَّهم المسلمون ولم يتبرَّءوا منهم، فنزل فيهم: ﴿وعلى الثلاثة الذين خلفوا﴾ إلى قوله: ﴿التواب الرحيم﴾. فبعثت أمُّ سلمة إلى كَعْب فبَشَّرَته[[أخرجه أبو نعيم في معرفة الصحابة ١/٣١٢-٣١٣ (٩٩٨)، وابن عساكر في تاريخه ٥٠/١٩٥-١٩٦ (١٠٦٤٨). قال السيوطي: «بسند قوي».]]. (٧/٥١١)
٣٣٤٢٨- عن سعيد بن المسيب: أنّ بني قُرَيْظَة كانوا حلفاء لأبي لُبابة، فاطَّلَعوا إليه وهو يَدعُوهم إلى حكم رسولِ الله ﷺ، فقالوا: يا أبا لُبابة، أتأمُرُنا أن ننزِل. فأشار بيده إلى حَلْقِه أنّه الذَّبْح، فأُخبِر عنه رسول الله ﷺ بذلك، فقال له رسولُ الله ﷺ: «أحَسِبْتَ أنّ الله غفل عن يدِك حين تُشِيرُ إليهم بها إلى حلقك». فلَبِث حينًا ورسولُ الله ﷺ عاتِبٌ عليه، ثم غزا رسولُ الله ﷺ تبوكًا، وهي غزوة العُسْرَة، فتَخلَّف عنه أبو لُبابة فيمَن تَخلَّف، فلمّا قَفَل رسولُ الله ﷺ منها جاءه أبو لُبابة يُسَلِّمُ عليه، فأعرَض عنه رسولُ الله ﷺ، ففزع أبو لُبابة، فارتبط بسارية التوبة التي عند باب أُمِّ سلمة سبعًا، بين يوم وليلة في حرٍّ شديد، لا يأكل فيهنَّ، ولا يشرب قطرةً، وقال: لا يزال هذا مكاني حتى أُفارِق الدنيا أو يتوب الله عليَّ. فلم يزل كذلك حتى ما يُسمِعَ الصوتَ مِن الجَهْد، ورسول الله ﷺ ينظر إليه بُكرةً وعشيةً، ثم تاب الله عليه، فنُودِي: إنّ الله قد تاب عليك. فأرسل إليه رسولُ الله ﷺ لِيُطلِقَ عنه رباطه، فأبى أن يطلقه أحدٌ إلا رسول الله ﷺ، فجاءه رسول الله ﷺ فأطلقه عنه بيده، فقال أبو لبابة حين أفاق: يا رسول الله، إنِّي أهجُرُ دار قومي التي أصبت فيها الذَّنبَ، وأنتقل إليك فأُساكِنُك، وإنِّي أختَلِعُ من مالي صدقةً إلى الله ورسوله ﷺ. فقال: «يُجْزِئُ عنك الثُلُثُ». فهجر أبو لبابة دار قومه، وساكَن رسولَ الله ﷺ، وتصدَّق بثُلُث ماله، ثم تاب فلم يُرَ منه في الإسلام بعد ذلك إلّا خيرٌ حتى فارقَ الدُّنيا[[أخرجه البيهقي في دلائل النبوة ٥/٢٧٠-٢٧١ من مرسل سعيد بن المسيب.]]. (٧/٥٠٧)
٣٣٤٢٩- عن سعيد [بن جبير] -من طريق جعفر- قال: الذين ربطوا أنفسهم بالسَّوارِي هلال، وأبو لُبابة، وكَرْدَمٌ، ومِرْداسٌ، وأبو قيس[[أخرجه ابن جرير ١١/٦٥٣.]]. (ز)
٣٣٤٣٠- عن مجاهد بن جبر -من طريق ابن أبي نجيح- في قوله: ﴿اعترفوا بذنوبهم﴾، قال: هو أبو لبابة إذ قال لقُرَيْظَة ما قال، وأشار إلى حلقِه بأنّ محمدًا يذبحُكم إن نَزَلْتُم على حُكْمِه[[تفسير مجاهد ص٣٧٤، وأخرجه ابن جرير ١١/٦٥٦، وابن أبي حاتم ٦/١٨٧٣، والبيهقي في الدلائل ٥/٢٧١. وعزاه السيوطي إلى ابن أبي شيبة، وابن المنذر.]]. (٧/٥٠٧)
٣٣٤٣١- عن مجاهد بن جبر -من طريق ليث-: ربط أبو لبابة نفسَه إلى سارية، فقال: لا أُحِلُّ نفسي حتى يُحِلّني اللهُ ورسوله. قال: فحلَّه النبيُّ ﷺ، وفيه أُنزِلت هذه الآية: ﴿وآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صالِحًا﴾[[أخرجه ابن جرير ١١/٦٥٦، وابن أبي حاتم ٦/١٨٧٣ بنحوه.]]. (ز)
٣٣٤٣٢- قال الحسن البصري، في قوله: ﴿وآخرون اعترفوا بذنوبهم﴾ الآية: هُم نفر مِن المؤمنين كان عَرَضَ في هِمَمِهم شيءٌ، ولم يعزموا على ذلك، ثم تابوا من بعد ذلك، وأَتَوا رسولَ الله ﷺ، فاعترفوا بذنوبهم[[ذكره يحيى بن سلام -كما في تفسير ابن أبي زمنين ٢/٢٢٩-.]]. (ز)
٣٣٤٣٣- عن قتادة بن دعامة -من طريق مَعْمَر- في قوله تعالى: ﴿خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا﴾، قال: هم نَفَرٌ مِمَّن تخلَّف عن غزوة تبوك، منهم أبو لُبابة، ومنهم جَدُّ بن قيس، ثم تِيب عليهم. قال قتادة: وليسوا بالثلاثة[[أخرجه عبد الرزاق ٢/٢٨٦.]]. (ز)
٣٣٤٣٤- عن قتادة بن دعامة -من طريق سعيد- في قوله: ﴿وءاخرون اعترفوا بذنوبهم﴾، قال: ذُكِر لنا: أنّهم كانوا سبعة رَهْط تخلَّفوا عن غزوة تبوك؛ منهم أربعة خلطوا عملًا صالحًا وآخر سيئًا؛ جَدُّ بن قيس، وأبو لُبابة، وجُذام، وأوس، كلُّهم مِن الأنصار تِيبَ عليهم، وهم الذين قيل فيهم: ﴿خذ من أموالهم صدقة﴾[[أخرجه ابن جرير ١١/٦٥٤، وابن أبي حاتم ١٨٧٣. وعزاه السيوطي إلى أبي الشيخ.]]٣٠٤١. (ز)
٣٣٤٣٥- قال محمد ابن شهاب الزهري -من طريق مَعْمَر-: كان أبو لُبابة مِمَّن تخلَّف عن النبي ﷺ في غزوة تبوك، فرَبَط نفسه بسارية، فقال: واللهِ، لا أحُلُّ نفسي منها، ولا أذوق طعامًا ولا شرابًا حتى أموت أو يتوب الله عَلَيَّ. فمكث سبعة أيام لا يذوق فيها طعامًا ولا شرابًا، حتى خَرَّ مغشيًّا عليه. قال: ثم تاب الله عليه، ثم قيل له: قد تِيب عليك يا أبا لُبابة. فقال: واللهِ، لا أحُلُّ نفسي حتى يكون رسول الله ﷺ هو يَحُلُّني. قال: فجاء النبيُّ ﷺ فَحَلَّه بيده، ثم قال أبو لُبابة: يا رسول الله، إنّ مِن توبتي أن أهجُر دار قومي التي أصبتُ فيها الذنبَ، وأن أنخلِعَ من مالي كلِّه صدقةً إلى الله وإلى رسوله. قال: «يُجْزِيك -يا أبا لُبابة- الثُّلُث»[[أخرجه عبد الرزاق في مصنفه ٥/٤٠٥-٤٠٦ (٩٧٤٥)، وفي تفسيره ٢/١٦٣، وابن جرير ١١/٦٥٧ مرسلًا.]]. (ز)
٣٣٤٣٦- عن زيد بن أسلم -من طريق يعقوب- في قوله: ﴿وءاخرون اعترفوا بذنوبهم﴾، قال: هم الثمانية الذين ربَطوا أنفسهم بالسواري، منهم كَرْدم، ومِرْداس، وأبو لُبابة[[أخرجه ابن جرير ١١/٦٥٤، وابن أبي حاتم ٦/١٨٧٢.]]. (٧/٥١٠)
٣٣٤٣٧- قال مقاتل بن سليمان: ﴿وآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صالِحًا﴾ يعني: غَزاةً قبل غَزاةِ تبوك مع النبي ﷺ، ﴿وآخَرَ سَيِّئًا﴾ تخلُّفهم عن غَزاة تبوك. نزلت في أبي لُبابة -اسمه: مروان بن عبد المنذر-، وأوس بن حزام، ووديعة بن ثعلبة، كلهم من الأنصار، وذلك حين بَلَغَهم أنّ النبيَّ ﷺ قد أقبل راجِعًا من غزاة تبوك، وبلغهم ما أنزل الله ﷿ في المُتَخَلِّفين، أوْثَقوا أنفسهم هؤلاء الثلاثة إلى سواري المسجد، وكان النبيُّ ﷺ إذا قدِم مِن غزاة صلّى في المسجد ركعتين قبل أن يدخل إلى أهله، وإذا خرج إلى غزاة صلّى ركعتين، فلمّا رآهم موثقين سأل عنهم، قيل: هذا أبو لبابة وأصحابه ندِموا على التخلُّف، وأقسموا ألا يحلوا أنفسهم حتى يحلهم النبي ﷺ. فقال النبيُّ ﷺ: «وأنا أحلف لا أُطْلِق عنهم حتى أُومَر، ولا أعْذُرهم حتى يُعْذِرهم الله ﷿». فأنزل الله في أبي لبابة وأصحابه: ﴿وآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صالِحًا﴾ الآية ...، فلما نزلت هذه الآية حلَّهم النبيُّ ﵇، فرجعوا إلى منازلهم، ثم جاءوا بأموالهم إلى النبيِّ ﷺ، فقالوا: هذه أموالُنا التي تَخَلَّفنا مِن أجلها عنك، فتَصَدَّق بها. فكره النبيُّ ﷺ أن يأخذها[[تفسير مقاتل بن سليمان ٢/١٩٣-١٩٤.]]٣٠٤٢. (ز)
﴿وَءَاخَرُونَ ٱعۡتَرَفُوا۟ بِذُنُوبِهِمۡ خَلَطُوا۟ عَمَلࣰا صَـٰلِحࣰا وَءَاخَرَ سَیِّئًا﴾ - تفسير
٣٣٤٣٨- عن مالك بن دينار، قال: سألتُ الحسنَ البصريَّ عن قول الله: ﴿وآخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملًا صالحًا وآخر سيئًا﴾. فقال: يا مالك، تابوا[[أخرجه ابن أبي حاتم ٦/١٨٧٤. وعزاه السيوطي إلى أبي الشيخ.]]. (٧/٥١٢)
٣٣٤٣٩- عن إسماعيل السُّدِّيّ -من طريق أسباط- في قوله: ﴿خلطوا عملًا صالحًا﴾ قال: غَزوهم مع رسول الله ﷺ، ﴿وءاخر سيئًا﴾ قال: تخلُّفهم عنه[[أخرجه ابن أبي حاتم ٦/١٨٧٤.]]. (٧/٥١٠)
٣٣٤٤٠- قال مقاتل بن سليمان: ﴿وآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صالِحًا﴾ يعني: غزوتهم قبل ذلك، ﴿وآخَرَ سَيِّئًا﴾ يعني: تخلفهم بغير إذْن[[تفسير مقاتل بن سليمان ٢/١٩٣-١٩٤.]]. (ز)
﴿عَسَى ٱللَّهُ أَن یَتُوبَ عَلَیۡهِمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورࣱ رَّحِیمٌ ١٠٢﴾ - تفسير
٣٣٤٤١- عن عبد الله بن عباس -من طريق علي- قوله: ﴿عسى الله أن يتوب عليهم﴾: و«عسى» مِن الله واجِبٌ[[أخرجه ابن جرير ١١/٦٥١-٦٥٢، وابن أبي حاتم ٦/١٨٧٤.]]. (٧/٥٠٦)
٣٣٤٤٢- عن الضَّحّاك بن مُزاحِم -من طريق عبيد بن سليمان-، مثله[[أخرجه ابن جرير ١١/٦٥٤-٦٥٥ مرسلًا.]]. (٧/٥٠٧)
٣٣٤٤٣- عن أبي مالك غَزْوان الغِفارِيِّ= (ز)
٣٣٤٤٤- وإسماعيل السُّدِّيِّ، نحو ذلك[[علَّقه ابن أبي حاتم ٦/١٨٧٤.]]. (ز)
٣٣٤٤٥- عن مالك بن دينار، قال: سألتُ الحسنَ البصري عن قول الله: ﴿عسى الله أن يتوب عليهم﴾. [قال]: و«عسى» مِن الله واجبة[[علَّقه ابن أبي حاتم ٦/١٨٧٤. وعزاه السيوطي إلى أبي الشيخ.]]. (٧/٥١٢)
٣٣٤٤٦- قال مقاتل بن سليمان: ﴿عَسى اللَّهُ أنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إنَّ اللَّهَ غَفُورٌ﴾ لِتَخَلُّفهم، ﴿رَحِيمٌ﴾ بهم. قال مقاتل: العسى من الله واجب[[تفسير مقاتل بن سليمان ٢/١٩٤.]]. (ز)
﴿عَسَى ٱللَّهُ أَن یَتُوبَ عَلَیۡهِمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورࣱ رَّحِیمٌ ١٠٢﴾ - آثار متعلقة بالآية
٣٣٤٤٧- عن أبي موسى، أنّ رسول الله ﷺ قال: «رأيتُ رِجالًا تُقرَضُ جلودُهم بمقاريض من نار، قلتُ: ما هؤلاء؟ قال: هؤلاء الذين يَتَزيَّنون إلى ما لا يَحِلُّ لهم. ورأيت جُبًّا خبيثَ الريح وفيه صياح، قلت: ما هذا؟ قال: هُنَّ نساءٌ يَتَزَيَّنَّ إلى ما لا يَحِلُّ لَهُنَّ. ورأيت قومًا اغتسلوا من ماء الحياة، قلت: ما هؤلاء؟ قال: هم قوم خلطوا عملًا صالحًا وآخر سيِّئًا»[[أخرجه الخطيب في تاريخه ٢/٢٨٧ (٢٩٢)، وابن عساكر في تاريخه ٥١/٢١٥-٢١٦، كلاهما في ترجمة محمد بن إبراهيم الحلواني قاضي بلخ. إسناده ضعيف؛ فيه محمد بن إسماعيل بن عياش، قال أبو داود: «لم يكن بذاك». وعابوا عليه أنه حدّث عن أبيه بغير سماع. ينظر: ميزان الاعتدال ٣/٤٨١ (٧٢٢٥)، وتقريب التهذيب (٤٧٢٦).]]. (٧/٥١٦)
٣٣٤٤٨- عن سمرة بن جندب، قال: كان رسول الله ﷺ مِمَّن يُكثِرُ أن يقول لأصحابه: «هل رأى أحدٌ منكم رؤيا؟». وإنّه قال لنا ذات غداة: «إنّه أتانى الليلة آتِيان، فقالا لي: انطلِقْ. فانطَلقتُ معهما، فأخرجاني إلى الأرض المقدسة، فأتينا على رجل مُضطجع، وإذا آخر قائم عليه بصخرة، وإذا هو يهوي بالصخرة لرأسه فَيَثلَغُ رأسَه، فيَتَدَهْدَهُ الحجرُ هاهنا، فيَتْبَع الحجرَ فيأخذه، فلا يرجع إليه حتى يَصِحَّ رأسُه كما كان، ثم يعود عليه فيفعل به مثل ما فعل في المرة الأولى، قلت لهما: سبحان الله، ما هذان؟ قالا لي: انطلِقْ. فانْطَلَقْنا فأتينا على رجل مُسْتَلْقٍ لِقفاه، وإذا آخر قائم عليه بكَلُّوبٍ[[الكَلُّوب -بالتشديد-: حديدة مُعْوَجَّة الرأس. النهاية (كلب).]] مِن حديد، وإذا هو يأتي أحد شِقَّي وجهِه فَيُشَرْشِرُ شِدقَه إلى قفاه، ومَنخِرَه إلى قفاه، وعينه إلى قفاه، ثم يتحوَّلُ إلى الجانب الآخر، فيفعل به مثل ما فعَل بالجانب الأول، فما يفرغ من ذلك الجانب حتى يَصِحَّ ذلك الجانب كما كان، ثم يعود عليه فيَفْعَل مثل ما فعَل المرة الأولى، قلت: سبحان الله، ما هذان؟ قالا لى: انطلِقْ. فانْطَلَقْنا فأتينا على مثل التَّنُّور، فإذا فيه لَغَط وأصوات، فاطَّلَعنا فيه، فإذا فيه رجال ونساء عُراة، فإذا هم يأتيهم لَهَب مِن أسفل منهم، فإذا أتاهم ذلك اللَّهَبُ ضَوْضَوْا[[ضوضوا: ضجوا واستغاثوا. النهاية (ضوا).]]، قلت: ما هؤلاء؟ فقالا لي: انطلِقْ. فانْطَلَقْنا، فأتينا على نهر أحمر مثل الدم، وإذا في النهر رجل سابح يسبح، وإذا على شاطئ النهر رجل عنده حجارة كثيرة، وإذا ذلك السابِح يسبح ما يسبح، ثم يأتي الذي قد جمع عنده الحجارة فيَفْغَرُ له فاه فيُلقِمُه حجرًا، فينطلق فيسبح، ثم يرجع إليه، كلمّا رجع فَغَر له فاه فألقمه حجرًا، قلت لهما: ما هذان؟ قالا لي: انطلِقْ. فانْطَلَقْنا، فأتينا على رجل كريه المَرْآة كأَكْرَهِ ما أنت راءٍ، وإذا هو عنده نار يَحُشُّها[[يحشها: يوقدها. النهاية (حشش).]] ويسعى حولها، قلت لهما: ما هذا؟ قالا لي: انطلِقْ. فانْطَلَقْنا فأتينا على روضة مُعتِمَةٍ، فيها من كل نَوْر الرَّبيع، وإذا بين ظَهْرَيِ الروضةِ رجلٌ طويل لا أكاد أرى رأسه طولًا في السماء، وإذا حول الرجل مِن أكثر ولدان رأيتهم قط، قالا لي: انطلِقْ. فانْطَلَقْنا، فانتهينا إلى روضة عظيمةٍ لم أرَ روضةَ قطُّ أعظمَ منها ولا أحسن. قالا لي: ارْقَ فيها. فارتقينا فيها، فانتهينا إلى مدينة مَبْنِيَّةٍ بِلَبِنِ ذَهَب ولَبِنِ فضة، فأتينا بابًا، فاسْتَفْتَحْنا ففُتح لنا، فدخلناها، فتَلَقّانا فيها رجال شَطْرٌ مِن خَلْقِهم كأحسن ما أنت راءٍ، وشطرٌ كأقبح ما أنت راءٍ، قالا لهم: اذهبوا فقَعُوا في ذلك النهر. فإذا نهر مُعتَرِضٌ يجري كأنّ ماءه المَحْض في البياض، فذهبوا فوقعوا فيه، ثم رجعوا إلينا قد ذهب السوء عنهم، فصاروا في أحسن صورة، قالا لي: هذه جنة عدن، وهذاك منزلُك. فسما بصرى صُعُدًا، فإذا قصر مثل الرَّبابة البيضاء، قالا لى: هذا منزلك. قلت لهما: بارك الله فيكما، ذَراني فأدخله. قالا: أمّا الآن فلا، وأنت داخله. قلت لهما: فإني رأيت منذ الليلة عجبًا، فما هذا الذي رأيت؟ قالا لي: أمّا الرجل الأول الذي أتيتُ عليه يُثلَغُ رأسُه بالحجر فإنّه الرجل يأخذ القرآنَ فيَرفُضُه، وينام عن الصلاة المكتوبة، يُفعَلُ به إلى يوم القيامة، وأَمّا الرجلُ الذي أتيتُ عليه يُشَرشَرُ شِدقُه إلى قفاه، ومَنخِرُه إلى قفاه، وعينه إلى قفاه، فإنّه الرجل يَغدو من بيته فيَكذِب الكذبة تبلغ الآفاق، فيُصنَعُ به إلى يوم القيامة، وأَمّا الرجال والنساء العُراة الذين في مثل التَّنُّور فإنّهم الزُّناة والزواني، وأَمّا الرجل الذي أتيت عليه يسبح في النهر ويُلقَمُ الحجارة فإنّه آكل الربا، وأَمّا الرجل الكريه المرآة الذي عنده النار يَحُشُّها فإنّه مالِكٌ خازن النار، وأَمّا الرجل الطويل الذي في الرَّوضة فإنّه إبراهيم ﷺ، وأَمّا الوِلدان الذين حوله فكلُّ مولودٍ مات على الفِطْرة، وأَمّا القوم الذين كانوا شَطر منهم حسن وشطر منهم قبيح فإنّهم قوم خلطوا عملًا صالحًا وآخر سيِّئًا تجاوز الله عنهم، وأنا جبريل، وهذا ميكائيل»[[أخرجه البخاري ٢/١٠٠ (١٣٨٦)، ٤/١٤٠ (٣٣٥٤)، ٦/٦٩ (٤٦٧٤)، ٩/٤٤ (٧٠٤٧)، وأخرجه مسلم ٤/١٧٨١ (٢٢٧٥) مقتصرًا على السؤال عن الرؤيا.]]. (٧/٥١٣)
٣٣٤٤٩- عن أبي سعيد الخدري، قال: قلنا: يا رسول الله، حدِّثنا ما رأيتَ ليلةَ أُسْرِي بِك؟ قال: «رأيتُ أُمَّتي ضَرْبَيْن؛ ضرب عليهم ثياب أشدُّ بَياضًا مِن القِرطاس، وضرب عليهم ثياب رُمْدٌ[[رُمْدٌ: أي غُبْر فيها كُدورة كلون الرَّماد. النهاية (رمد).]]. فقلتُ: يا جبريل، مَن هؤلاء؟ قال: أمّا أصحاب الثياب الرُّمْد فإنّهم خلطوا عملًا صالِحًا وآخر سيِّئًا»[[أخرجه ابن أبي حاتم ٦/١٨٧٤ (١٠٣٠١). إسناده ضعيف جدًّا؛ فيه أبو هارون العبدي، واسمه: عمارة بن جُوَين، قال ابن حجر في التقريب (٤٨٤٠): «متروك، ومنهم من كذبه».]]. (ز)
٣٣٤٥٠- عن ابن شَوْذَب، قال: قال الأحنف بن قيس: عَرَضت نفسي على القرآن، فلم أجدني بآية أشبه مِنِّي بهذه الآية: ﴿وءاخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملًا صالحًا وءاخر سيئًا﴾[[أخرجه ابن أبي حاتم ٦/١٨٧٤.]]. (٧/٥١٢)
٣٣٤٥١- عن أبي عثمان النهدي -من طريق حجّاج- قال: ما في القرآن آيةٌ أرْجى عندي لهذه الأُمَّة من قوله: ﴿وءاخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملًا صالحًا وءاخر سيئًا﴾ الآية[[أخرجه ابن أبي شيبة ١٣/٥٤٨، وابن أبي الدنيا في التوبة (٤٥)، وابن جرير ١١/٦٥٨، والبيهقي في شعب الإيمان (٧١٦٥). وعزاه السيوطي إلى ابن المنذر، وأبي الشيخ.]]. (٧/٥١١)
٣٣٤٥٢- عن مُطَرِّف [بن عبد الله بن الشِّخِّير] -من طريق ثابت- قال: إنِّي لَأسْتَلْقي من الليل على فراشي، وأتَدَبَّر القرآن، فأعرض أعمالي على أعمال أهل الجنة، فإذا أعمالهم شديدة؛ ﴿كانوا قليلًا من الليل ما يهجعون﴾ [الذاريات:١٧]، ﴿يبيتون لربهم سجدًا وقيامًا﴾ [الفرقان:٦٤]، ﴿أمن هو قانت ءاناء الليل ساجدًا وقائمًا﴾ [الزمر:٩]، فلا أُراني منهم. فأعرض نفسي على هذه الآية: ﴿ما سلككم في سقر* قالوا لم نَكُ من المصلين﴾ إلى قوله: ﴿نكذب بيوم الدين﴾ [المدثر:٤٢-٤٦] فأرى القوم مُكَذِّبين، فلا أُراني منهم. فأمُرُّ بهذه الآية: ﴿وءاخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملًا صالحًا وءاخر سيئًا﴾ فأرجو أن أكون أنا وأنتم -يا إخوتاه- منهم[[أخرجه البيهقي (٧١٦٦). وعزاه السيوطي إلى أبي الشيخ.]]. (٧/٥١١)
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.