الباحث القرآني
قوله تعالى ذكره: ﴿ثُمَّ دَمَّرْنَا ٱلآخَرِينَ﴾، إلى قوله ﴿مَّا كَانُوا بِهِ مُؤْمِنِينَ﴾،
أي: ثم أهلكنا الآخرين: يعني من بقي من قوم لوط.
﴿وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِم مَّطَراً﴾، يعني من كان غائباً من قوم لوط أرسل عليه حجارة، فأما من كان في المدينة فإنه قلبت عليه عاليها سافلها، وأرسلت الحجارة على من لم يكن في المدينة، فتلقطتهم في الآفاق فأهلكتهم.
* * *
وقوله: ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً﴾، إلى قوله ﴿ٱلرَّحِيمُ﴾ قد مضى تفسيره.
* * *
قوله: ﴿كَذَّبَ أَصْحَابُ لْئَيْكَةِ ٱلْمُرْسَلِينَ﴾.
قال أبو عبيد: ليكة اسم قرية. والأيكة اسم البلد كله. وترك الصرف على قراءة نافع ومن تبعه يدل على ما قاله قتادة: أرسل شعيب إلى قوم أهل مدين وإلى أصحاب الأيكة.
والأيكة غيضة من شجر ملتف. وكان عامة شجرهم الدوم وهو شجر المقل وكان شعيب من ولد أبي أهل مدين ولذلك قال: ﴿وَإِلَىٰ مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْباً﴾، ولم يكن من ولد أبي أصحاب الأيكة. ولذلك قال ﴿إِذْ قَالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ﴾، ولم يقل أخوهم شعيب، كما قال في من تقدم ذكره من الأنبياء: أخوهم نوح، أخوهم هود، أخوهم صالح. لأن هؤلاء كانوا من ولد أبي القوم، وشعيب هو ابن ثوبة من ولد مدين بن إبراهيم. وأصحاب ليكة من صنام من العرب، وأصحاب مدين من ولد مدين بن إبراهيم.
قال الضحاك: خرج أصحاب ليكة. يعني حين أصابهم الحر، فانضموا إلى الغيضة والشجر، فأرسل الله عليهم سحابة، فاستظلوا بها، فلما تتاموا تحتها أحرقوا.
وقوله تعالى: ﴿إِذْ قَالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ أَلاَ تَتَّقُونَ﴾، أي: تتقون عقاب الله على معصيتكم إياه.
﴿إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ﴾ أي: أمين على ما جئتكم به.
* * *
قوله: ﴿فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُونِ﴾، إلى ﴿رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ﴾، قد تقدم تفسيره.
* * *
ثم قال تعالى: ﴿أَوْفُواْ ٱلْكَيْلَ وَلاَ تَكُونُواْ مِنَ ٱلْمُخْسِرِينَ﴾، أي: أوفوا الناس حقوقهم من الكيل، ولا تكونوا ممن ينقصهم حقوقهم.
﴿وَزِنُواْ بِٱلْقِسْطَاسِ ٱلْمُسْتَقِيمِ﴾، أي: بالميزان المقوم الذي لا بخس فيه على من وزنتهم لهم به.
﴿وَلاَ تَبْخَسُواْ ٱلنَّاسَ أَشْيَآءَهُمْ﴾ أي: لا تنقصوا الناس حقوقهم في الكيل والوزن.
قال ابن عباس ومجاهد: القسطاس: العدل.
* * *
ثم قال تعالى: ﴿وَلاَ تَعْثَوْاْ فِي ٱلأَرْضِ مُفْسِدِينَ﴾، أي: لا تكثروا في الأرض الفساد.
﴿وَٱتَّقُواْ ٱلَّذِي خَلَقَكُمْ وَٱلْجِبِلَّةَ ٱلأَوَّلِينَ﴾ أي: وخلق الخلق الأولين. وفي الجبلة لغات: جبلة، وجُبُله، وجُبْلة ومن هذا قولهم: جبل فلان على كذا: أي: خلق عليه. وقد تقدم تفسير.
﴿إِنَّمَآ أَنتَ مِنَ ٱلْمُسَحَّرِينَ﴾، إلى الكاذبين.
ثم قال عز وجل: ﴿فَأَسْقِطْ عَلَيْنَا كِسَفاً مِّنَ ٱلسَّمَآءِ﴾، أي: يقول قوم شعيب له: أسقط علينا جانباً من السماء. ومن قرأ: بفتح السين جعله جمع: كسفة، كسدرة وسدر، وكسرة وكسر. ويجوز أن يكون من أسكن، جعله أيضاً جمع كسفة: كثمرة وتمر، فيكون المعنى: فأسقط علينا قطعاً من السماء، إن كنت صادقاً فيما جئتنا به.
* * *
ثم قال: ﴿قَالَ رَبِّيۤ أَعْلَمُ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾، أي: قال شعيب لقومه: ربي أعلم بما تعملون من عملكم لا يخفى عليه شيء من أعمالكم.
* * *
ثم قال تعالى: ﴿فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمْ عَذَابُ يَوْمِ ٱلظُّلَّةِ﴾، يعني بالظلة السحابة التي ظللتهم فلما تتاموا تحتها التهبت عليهم ناراً.
قال ابن عباس: بعث الله عليهم رمدة وحراً شديداً فأخذ بأنفاسهم، فدخلوا البيوت، فأخذ بأنفاسهم، فخرجوا من البيوت هرباً إلى البرية، فبعث الله جلّ وعزّ عليهم سحابة، فأظلتهم من الشمس فوجدوا لها برداً. فنادى بعضهم بعضاً، حتى إذا اجتمعوا تحتها أرسل الله عليهم ناراً. ومثل هذا المعنى قال قتادة. وروي: أن الله جلّ ذكره بعث عليهم سموماً فخرجوا إلى الأيكة وهي شجر الدوم، يستظلون تحتها من الحر. فأضرمها الله عليهم ناراً فاحترقوا أجمعين.
وقيل: إن الله بعث عليهم حراً شديداً أو بعث العذاب في ظلة، فخرج رجل فوجد برداً تحت الظلة فأنذرهم، فخرجوا بأجمعهم ليجدوا برد الظلة، فأهلكهم الله بها.
* * *
ثم قال: ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم﴾، إلى قوله ﴿ٱلرَّحِيمُ﴾ قد تقدم تفسير ذلك.
* * *
ثم قال: ﴿وَإِنَّهُ لَتَنزِيلُ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ﴾، يعني وإن الذكر، قالها: تعود على الذكر من قوله: ﴿مِّن ذِكْرٍ مِّنَ ٱلرَّحْمَـٰنِ مُحْدَثٍ﴾ وقال قتادة: تعود على القرآن. والمعنى واحد، أي: إن القرآن لتنزيل الله على جبريل. نزل به جبريل عليه السلام. ﴿عَلَىٰ قَلْبِكَ﴾، أي: تلاه عليك يا محمد. ﴿لِتَكُونَ مِنَ ٱلْمُنْذِرِينَ﴾، أي: من رسل الله الذين ينذرون الأمم ﴿بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ﴾، أي: تنذر به قومك بلسانهم العربي الظاهر لهم، لئلا يقولوا: إنه نزل بغير لساننا، فلا نفهمه، وهذا تقريع من الله، وإظهار الحجة عليهم، إذ أعرضوا عنه بغير عذر يعتذرون به.
* * *
ثم قال: ﴿وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ ٱلأَوَّلِينَ﴾، أي: وإن هذا القرآن لفي كتب الأولين. فهذا لفظ عام ومعناه الخصوص، معناه: وإن هذا القرآن لفي بعض كتب الأولين، أي ذكره، وخبره في بعض ما أنزل على الأنبياء من الكتب.
وقد قيل: معناه: وإن الانذار بمن أهلك لفي كتب الأولين.
* * *
ثم قال تعالى: ﴿أَوَ لَمْ يَكُن لَّهُمْ آيَةً أَن يَعْلَمَهُ عُلَمَاءُ بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ﴾، أي: أولم يكن لقريش علامة على صدقك، وحجة على أن القرآن من عند الله، وأن محمداً رسول الله ﷺ، أن علماء بني إسرائيل الذين أسلموا: يجدون ذكر محمد مكتوباً عندهم في التوراة والإنجيل. قال ابن عباس: كان ابن سلام من علماء بني إسرائيل، وكان من خيارهم، فآمن بالقرآن فقال لهم الله: ﴿أَوَ لَمْ يَكُن لَّهُمْ آيَةً أَن يَعْلَمَهُ عُلَمَاءُ بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ﴾.
قال ابن عباس: الأنبياء كلهم من بني إسرائيل إلا أحد عشر: إدريس، ونوح، وصالح، وهود، وشعيب، وإبراهيم، ولوط، وإسماعيل وإسحاق، ويعقوب ومحمد ﷺ وعليهم أجمعين.
* * *
ثم قال تعالى: ﴿وَلَوْ نَزَّلْنَاهُ عَلَىٰ بَعْضِ ٱلأَعْجَمِينَ﴾، أي: ولو نزلنا هذا القرآن على بعض البهائم التي لا تنطق، فنطقت به ما آمنوا، ولقالوا: لولا فصلت آياته حتى نفهمه، والأعجمون جمع أعجم، وهو الذي لا يفصح، وإن كان غير أعجمي في أصله والعجمي هو الذي أصله من العجم، وإن كان فصيح اللسان.
{"ayahs_start":172,"ayahs":["ثُمَّ دَمَّرۡنَا ٱلۡـَٔاخَرِینَ","وَأَمۡطَرۡنَا عَلَیۡهِم مَّطَرࣰاۖ فَسَاۤءَ مَطَرُ ٱلۡمُنذَرِینَ","إِنَّ فِی ذَ ٰلِكَ لَـَٔایَةࣰۖ وَمَا كَانَ أَكۡثَرُهُم مُّؤۡمِنِینَ","وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ ٱلۡعَزِیزُ ٱلرَّحِیمُ","كَذَّبَ أَصۡحَـٰبُ لۡـَٔیۡكَةِ ٱلۡمُرۡسَلِینَ","إِذۡ قَالَ لَهُمۡ شُعَیۡبٌ أَلَا تَتَّقُونَ","إِنِّی لَكُمۡ رَسُولٌ أَمِینࣱ","فَٱتَّقُوا۟ ٱللَّهَ وَأَطِیعُونِ","وَمَاۤ أَسۡـَٔلُكُمۡ عَلَیۡهِ مِنۡ أَجۡرٍۖ إِنۡ أَجۡرِیَ إِلَّا عَلَىٰ رَبِّ ٱلۡعَـٰلَمِینَ","۞ أَوۡفُوا۟ ٱلۡكَیۡلَ وَلَا تَكُونُوا۟ مِنَ ٱلۡمُخۡسِرِینَ","وَزِنُوا۟ بِٱلۡقِسۡطَاسِ ٱلۡمُسۡتَقِیمِ","وَلَا تَبۡخَسُوا۟ ٱلنَّاسَ أَشۡیَاۤءَهُمۡ وَلَا تَعۡثَوۡا۟ فِی ٱلۡأَرۡضِ مُفۡسِدِینَ","وَٱتَّقُوا۟ ٱلَّذِی خَلَقَكُمۡ وَٱلۡجِبِلَّةَ ٱلۡأَوَّلِینَ","قَالُوۤا۟ إِنَّمَاۤ أَنتَ مِنَ ٱلۡمُسَحَّرِینَ","وَمَاۤ أَنتَ إِلَّا بَشَرࣱ مِّثۡلُنَا وَإِن نَّظُنُّكَ لَمِنَ ٱلۡكَـٰذِبِینَ","فَأَسۡقِطۡ عَلَیۡنَا كِسَفࣰا مِّنَ ٱلسَّمَاۤءِ إِن كُنتَ مِنَ ٱلصَّـٰدِقِینَ","قَالَ رَبِّیۤ أَعۡلَمُ بِمَا تَعۡمَلُونَ","فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمۡ عَذَابُ یَوۡمِ ٱلظُّلَّةِۚ إِنَّهُۥ كَانَ عَذَابَ یَوۡمٍ عَظِیمٍ","إِنَّ فِی ذَ ٰلِكَ لَـَٔایَةࣰۖ وَمَا كَانَ أَكۡثَرُهُم مُّؤۡمِنِینَ","وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ ٱلۡعَزِیزُ ٱلرَّحِیمُ","وَإِنَّهُۥ لَتَنزِیلُ رَبِّ ٱلۡعَـٰلَمِینَ","نَزَلَ بِهِ ٱلرُّوحُ ٱلۡأَمِینُ","عَلَىٰ قَلۡبِكَ لِتَكُونَ مِنَ ٱلۡمُنذِرِینَ","بِلِسَانٍ عَرَبِیࣲّ مُّبِینࣲ","وَإِنَّهُۥ لَفِی زُبُرِ ٱلۡأَوَّلِینَ","أَوَلَمۡ یَكُن لَّهُمۡ ءَایَةً أَن یَعۡلَمَهُۥ عُلَمَـٰۤؤُا۟ بَنِیۤ إِسۡرَ ٰۤءِیلَ","وَلَوۡ نَزَّلۡنَـٰهُ عَلَىٰ بَعۡضِ ٱلۡأَعۡجَمِینَ","فَقَرَأَهُۥ عَلَیۡهِم مَّا كَانُوا۟ بِهِۦ مُؤۡمِنِینَ"],"ayah":"وَٱتَّقُوا۟ ٱلَّذِی خَلَقَكُمۡ وَٱلۡجِبِلَّةَ ٱلۡأَوَّلِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق