الباحث القرآني

القول في تأويل قوله تعالى: ﴿وَاتَّقُوا الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالْجِبِلَّةَ الأوَّلِينَ (١٨٤) قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ (١٨٥) وَمَا أَنْتَ إِلا بَشَرٌ مِثْلُنَا وَإِنْ نَظُنُّكَ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ (١٨٦) فَأَسْقِطْ عَلَيْنَا كِسَفًا مِنَ السَّمَاءِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (١٨٧) ﴾ يقول تعالى ذكره: ﴿واتقوا﴾ أيها القوم عقاب ربكم ﴿الَّذِي خَلَقَكُمْ وَخَلَقَ الْجِبِلَّةَ الأوَّلِينَ﴾ يعني بالجبلة: الخلق الأوّلين. وفي الجبلة للعرب لغتان: كسر الجيم والباء وتشديد اللام، وضم الجيم والباء وتشديد اللام؛ فإذا نزعت الهاء من آخرها كان الضم في الجيم والباء أكثر كما قال جلّ ثناؤه: "وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جُبُلا كَثِيرًا" وربما سكنوا الباء من الجبْل، كما قال أبو ذؤيب: مَنايا يُقَرّبْنَ الحُتُوفَ لأهْلِها ... جِهارًا وَيَسْتَمْتِعْنَ بالأنس الجِبْلِ [[البيت لأبي ذؤيب الهذلي (اللسان: جبل) والمنايا: جمع منية، وهي الموت. والحتوف جمع حتف، وهو الهلاك. والأنس الناس. والجبل: الأمة من الخلق. وفيه لغات، فيكون مثلث الجيم، ساكن الباء. ويكون بضم الجيم والباء وتشديد اللام. قال في اللسان: وحى جبل كثير. قال أبو ذؤيب: "منايا.." البيت. أي كثير. يقول: الناس كلهم متعة للموت، يستمتع بهم. قال ابن برى: ويروى: الجبل، بضم الجيم. قال: وكذا رواه أبو عبيدة. وقول الله عز وجل: (ولقد أضل منكم جبلا كثيرًا) : يقرأ: جبلا (بضم فسكون) عن أبي عمرو وجبلا (بضمتين) عن الكسائي. وجبلا (بكسر فسكون) عن الأعرج وعيسى بن عمر. وجبلا (بكسرتين فلام مشددة) عن أهل المدينة وجبلا (بضمتين مع التشديد) عن الحسن وابن أبي إسحاق قال: ويجوز أيضًا جبل (بكسر ففتح) جمع جبلة (بكسرة فسكون) وهو في جميع هذه الوجوه: خلقًا كثيرًا اهـ.]] وبنحو ما قلنا في معنى الجِبِلَّة قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: ⁕ حدثني عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس: قوله: ﴿وَاتَّقُوا الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالْجِبِلَّةَ الأوَّلِينَ﴾ يقول: خلق الأوّلين. ⁕ حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى؛ وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: ﴿وَالْجِبِلَّةَ الأوَّلِينَ﴾ قال: الخليقة. ⁕ حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: ﴿وَالْجِبِلَّةَ الأوَّلِينَ﴾ قال: الخلق الأوّلين، الجبلة: الخلق. * * * وقوله: ﴿قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ﴾ يقول: قالوا: إنما أنت يا شعيب معلل تعلل بالطعام والشراب، كما نعلل بهما، ولست ملَكا. ﴿وَمَا أَنْتَ إِلا بَشَرٌ مِثْلُنَا﴾ تأكل وتشرب ﴿وَإِنْ نَظُنُّكَ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ﴾ . يقول: وما نحسبك فيما تخبرنا وتدعونا إليه، إلا ممن يكذب فيما يقول، فإن كنت صادقا فيما تقول بأنك رسول الله كما تزعم ﴿فَأَسْقِطْ عَلَيْنَا كِسَفًا مِنَ السَّمَاءِ﴾ يعني قطعا من السماء، وهي جمع كِسفة، جمع كذلك كما تجمع تمرة: تمرا [[كذا في الأصل وقياس الجمع الأخير على ما قبله ليس بواضح]] . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: ⁕ حدثني عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثنا معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله: ﴿كسفا﴾ يقول: قِطَعا. ⁕ حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول، في قوله: ﴿كِسَفًا مِنَ السَّمَاءِ﴾ : جانبا من السماء. ⁕ حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: ﴿فَأَسْقِطْ عَلَيْنَا كِسَفًا مِنَ السَّمَاءِ﴾ قال: ناحية من السماء، عذاب ذلك الكسف.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب