الباحث القرآني
قوله تعالى ذكره: ﴿وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي ٱلزَّبُورِ﴾ إلى قوله: ﴿عَلَىٰ مَا تَصِفُونَ﴾ آخر السورة.
المعنى: ولقد كتبنا في كتب الأنبياء كلها والقرآن.
* * *
وقوله: ﴿مِن بَعْدِ ٱلذِّكْرِ﴾.
الذكر: أم الكتاب الذي عند الله في السماء.
قاله: مجاهد وابن زيد.
وقال ابن جبير: الزبور: القرآن. والذكر: التوراة.
وقال ابن عباس: الزبور: الكتب التي أنزلت على الأنبياء بعد التوراة. والذكر: التوراة وقاله: الضحاك.
وقال الشعبي: الزبور، زبور داود، والذكر: التوراة.
* * *
وقوله: ﴿أَنَّ ٱلأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ ٱلصَّالِحُونَ﴾.
أي: أثبتنا وقضينا في الكتاب من بعد أم الكتاب، أن أرض الجنة يرثها العاملون بطاعة الله. قاله: ابن عباس ومجاهد، وهو قول ابن جبير وابن زيد.
وعن ابن عباس أنه قال: أخبر الله تعالى في التوراة والإنجيل وسابق علمه قبل أن يخلق السماوات والأرض أنه يورث أمة محمد ﷺ الأرض المقدسة.
وقد قيل: ويدخلهم الجنة، وهم الصالحون.
ويدل على أنها أرض الجنة قوله: ﴿وَقَـالُواْ ٱلْحَـمْدُ للَّهِ ٱلَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا ٱلأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ ٱلْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَآءُ﴾.
قال ابن زيد: فالجنة مبتدؤها في الأرض، وتذهب درجاً علواً، والنار مبتدؤها في الأرض وتذهب سفلاً طباقاً، وبينهما حجاب سور، ما يدري أحد ما ذلك السور، وقرأ ﴿بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ ٱلرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِن قِبَلِهِ ٱلْعَذَابُ﴾ [الحديد: ١٣]. قال: ودرج النار تذهب سفالاً في الأرض، والجنة تذهب علواً في السماوات.
وقال عامر بن عبد الله: هي الأرض التي تجتمع فيها أرواح المؤمنين حتى يكون البعث.
وعن ابن عباس أيضاً أنه قال: هي أرض الكفار ترثها أمة محمد ﷺ يريد يفتحونها.
وقيل: عُني بذلك بنو إسرائيل، وقد وفى لهم في عز وجل بذلك.
وهو قوله: ﴿وَأَوْرَثْنَا ٱلْقَوْمَ ٱلَّذِينَ كَانُواْ يُسْتَضْعَفُونَ...﴾ الآية.
* * *
ثم قال تعالى: ﴿إِنَّ فِي هَـٰذَا لَبَلاَغاً لِّقَوْمٍ عَابِدِينَ﴾.
أي: إن في هذا القرآن لبلاغاً لمن آمن به وعمل بما فيه إلى رضوان الله، أي: يبلغهم القرآن إلى رضوان الله.
وقال أبو هريرة: هم الذين يصلون الصلوات الخمس في المسجد.
وقال سفيان: الثوري: ﴿لِّقَوْمٍ عَابِدِينَ﴾ بلغني أنهم أصحاب الصلوات الخمس.
وقال كعب: ﴿لِّقَوْمٍ عَابِدِينَ﴾ أمة محمد ﷺ وأنهم لأصحاب الصلوات الخمس، سماهم الله صالحين.
وقال ابن عباس: ﴿عَابِدِينَ﴾ عالمين.
وقال ابن جريج: ﴿إِنَّ فِي هَـٰذَا﴾ يعني: هذه السورة.
وقيل: القرآن، فيه تنزل الصلوات الخمس، من أداها كانت له بلاغاً.
* * *
ثم قال تعالى: ﴿وَمَآ أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ﴾.
أي: للمؤمن والكافر: فهو ﷺ رحمة للمؤمن في الدنيا والآخرة، يعافى في الدنيا من السيف، ومن حلول العذاب من الله، وفي الآخرة من النار، وهو رحمة للكافر إذ عوفي في الدنيا مما أصاب الأمم الماضية من الخسف والقذف بكفرها، قاله ابن عباس.
وقال ابن زيد: العالمون من آمن به خاصة، فهو رحمة للمؤمن.
ثم قال تعالى ذكره: ﴿قُلْ إِنَّمَآ يُوحَىٰ إِلَيَّ أَنَّمَآ إِلَـٰهُكُمْ إِلَـٰهٌ وَاحِدٌ﴾ أي: إنما معبودكم الذي تجب له العبادة واحد، لا معبود غيره. ﴿فَهَلْ أَنتُمْ مُّسْلِمُونَ﴾ أي: فهل أنتم أيها المشركون مذعنون لله، تاركون عبادة غيره من الأوثان والأصنام.
* * *
ثم قال تعالى: ﴿فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُلْ ءَاذَنتُكُمْ عَلَىٰ سَوَآءٍ﴾.
أي: فإن أدبر هؤلاء المشركون عن توحيد الله والإقرار بما جئتهم به، فقل: آذنتكم على سواء أي: أعلمتكم أني وإياكم على حرب لا صلح بيننا. يعني بذلك قريشاً.
وقال قتادة: ﴿عَلَىٰ سَوَآءٍ﴾ على مهل .
* * *
ثم قال تعالى: ﴿وَإِنْ أَدْرِيۤ أَقَرِيبٌ أَم بَعِيدٌ مَّا تُوعَدُونَ﴾.
أي: قل لهم يا محمد: ما أدري متى يحل بكم عقاب الله على كفركم. أقريب هو أم بعيد.
* * *
ثم قال تعالى: ﴿إِنَّهُ يَعْلَمُ ٱلْجَهْرَ مِنَ ٱلْقَوْلِ وَيَعْلَمُ مَا تَكْتُمُونَ﴾.
أي: قل لهم يا محمد: إن الله يعلم سركم وجهركم، لا يخفى عليه من قولكم ولا من أحوالكم شيء.
* * *
ثم قال: ﴿وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَّكُمْ﴾.
أي: ما أدري لعل تأخير العذاب عنكم وإمهال الله إياكم على كفركم فتنة لكم أي: اختبار لكم ﴿وَمَتَاعٌ إِلَىٰ حِينٍ﴾.
أي: وأمتعكم بالبقاء وتأخير العذاب إلى انقضاء المدة.
وقال مجاهد: "إلى حين الموت".
وقال زيد بن أسلم: بلغنا أن رسول الله ﷺ رأى في منامه بني أمية يجلسون على المنابر، فأخبر بذلك فخرج الحكم من عند رسول الله ﷺ فأخبر بذلك بني أمية فقالوا له ارجع فاسأله متى يكون هذا.
فرجع إليه فسأله، فأنزل الله تعالى: ﴿وَإِنْ أَدْرِيۤ أَقَرِيبٌ أَم بَعِيدٌ مَّا تُوعَدُونَ﴾ إلى آخر الآية، ﴿وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَّكُمْ وَمَتَاعٌ إِلَىٰ حِينٍ﴾.
وروى أن الحسن بن علي خطب على الناس إذ سلم الأمر إلى معاوية، وقال في خطبته وهو يلتفت إلى معاوية: قال الله جل ذكره: ﴿وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَّكُمْ وَمَتَاعٌ إِلَىٰ حِينٍ﴾.
* * *
ثم قال تعالى: ﴿قَالَ رَبِّ ٱحْكُم بِٱلْحَقِّ﴾ أي: قل يا محمد: رب افصل بيني وبين من كذبني بإحلال عذابك بهم ونقمتك، وهو الحق الذي أمر الله تعالى نبيه أن يسأله إياه ومثله ﴿رَبَّنَا ٱفْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِٱلْحَقِّ﴾ [الأعراف: ٨٩].
وروى قتادة أن النبي ﷺ كان إذا شهد قتالاً يقول: يا رب احكم بالحق
وقرأ أبو جعفر يزيد: ﴿قَالَ رَبِّ﴾ بالرفع، وهو غلط عند النحويين لا يجوز عندهم رجل أقبل، لأنهم جعلوا يا عوضاً عن المحذوف والأصل يا أيها الرجل.
وقرأ عكرمة والضحاك: ﴿قَالَ رَبِّ﴾ بفتح الياء ﴿ٱحْكُم﴾ بالرفع والهمز على الابتداء. أو الخبر. واحتجا في ذلك بأن الله تعالى لا يحكم إلا بالحق، فكيف يأمره أن يسأل أن يحكم له بالحق. ومعنى ذلك عند العلماء رب عجل حكمك بالحق.
والتقدير عند أبي عبيد: أحكم بحكمك الحق.
* * *
ثم قال تعالى: ﴿وَرَبُّنَا ٱلرَّحْمَـٰنُ﴾.
أي: وقل يا محمد: ﴿وَرَبُّنَا ٱلرَّحْمَـٰنُ﴾ أي: الذي يرحم عباده المؤمنين. ﴿ٱلْمُسْتَعَانُ عَلَىٰ مَا تَصِفُونَ﴾.
أي: الذي استعينه عليكم فيما تقولون وتصفون من قولكم: ﴿مَا هَـٰذَا إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ﴾ [المؤمنون: ٢٤] وقولكم: ﴿بَلِ ٱفْتَرَاهُ بَلْ هُوَ شَاعِرٌ﴾ [الأنبياء: ٥]. وكذبكم على الله جل ذكره في قولكم: ﴿ٱتَّخَذَ ٱللَّهُ وَلَداً﴾ [البقرة: ١١٦] وشبهه من باطلكم.
{"ayahs_start":105,"ayahs":["وَلَقَدۡ كَتَبۡنَا فِی ٱلزَّبُورِ مِنۢ بَعۡدِ ٱلذِّكۡرِ أَنَّ ٱلۡأَرۡضَ یَرِثُهَا عِبَادِیَ ٱلصَّـٰلِحُونَ","إِنَّ فِی هَـٰذَا لَبَلَـٰغࣰا لِّقَوۡمٍ عَـٰبِدِینَ","وَمَاۤ أَرۡسَلۡنَـٰكَ إِلَّا رَحۡمَةࣰ لِّلۡعَـٰلَمِینَ","قُلۡ إِنَّمَا یُوحَىٰۤ إِلَیَّ أَنَّمَاۤ إِلَـٰهُكُمۡ إِلَـٰهࣱ وَ ٰحِدࣱۖ فَهَلۡ أَنتُم مُّسۡلِمُونَ","فَإِن تَوَلَّوۡا۟ فَقُلۡ ءَاذَنتُكُمۡ عَلَىٰ سَوَاۤءࣲۖ وَإِنۡ أَدۡرِیۤ أَقَرِیبٌ أَم بَعِیدࣱ مَّا تُوعَدُونَ","إِنَّهُۥ یَعۡلَمُ ٱلۡجَهۡرَ مِنَ ٱلۡقَوۡلِ وَیَعۡلَمُ مَا تَكۡتُمُونَ","وَإِنۡ أَدۡرِی لَعَلَّهُۥ فِتۡنَةࣱ لَّكُمۡ وَمَتَـٰعٌ إِلَىٰ حِینࣲ","قَـٰلَ رَبِّ ٱحۡكُم بِٱلۡحَقِّۗ وَرَبُّنَا ٱلرَّحۡمَـٰنُ ٱلۡمُسۡتَعَانُ عَلَىٰ مَا تَصِفُونَ"],"ayah":"إِنَّ فِی هَـٰذَا لَبَلَـٰغࣰا لِّقَوۡمٍ عَـٰبِدِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق