الباحث القرآني
وقد اختلف الناس في الأرض المذكورة هنا فقال سعيد بن جبير عن ابن عباس: هي أرض الجنة، وهذا قول أكثر المفسرين.
وعن ابن عباس قول آخر أنها الدنيا التي فتحها اللّه على أمة محمد صلى اللّه عليه وآله وسلم، وهذا القول هو الصحيح.
نظيره قوله تعالى في سورة النور: وعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكم وعَمِلُوا الصّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهم في الأرْضِ كَما اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ}
في الصحيح عن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال:
«زويت لي الأرض مشارقها ومغاربها وسيبلغ ملك أمتي ما زوي لي منها».
وقالت طائفة من المفسرين: المراد بذلك أرض بيت المقدس وهي من الأرض التي أورثها اللّه عباده الصالحين وليست الآية مختصة بها.
وقال صفوان بن عمرو: سألت عامر بن عبد اللّه أبا اليمان: هل لأنفس المؤمنين مجتمع؟
فقال: إن الأرض التي يقول اللّه تعالى: ﴿ولَقَدْ كَتَبْنا في الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أنَّ الأرْضَ يَرِثُها عِبادِيَ الصّالِحُونَ﴾
قال هي الأرض التي يجتمع إليها أرواح المؤمنين حتى يكون البعث.
وقالوا: هي الأرض التي يورثها اللّه المؤمنين في الدنيا.
* (لطيفة)
تَأمَّلْ قَوْلَ المَسِيحِ في هَذِهِ البِشارَةِ: إنَّ مَلَكُوتَ اللَّهِ سَيُؤْخَذُ مِنكم ويُدْفَعُ إلى أُمَّةٍ أُخْرى، كَيْفَ تَجِدُهُ مُطابِقًا لِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿وَلَقَدْ كَتَبْنا في الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أنَّ الأرْضَ يَرِثُها عِبادِيَ الصّالِحُونَ﴾.
* (فصل: في ذكر المرتبة الثانية وهي مرتبة الكتابة)
وقد تقدم في أول الكتاب ما دل على ذلك من نصوص القرآن والسنة الصحيحة الصريحة فنذكر هنا بعض ما لم نذكره قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ كَتَبْنا في الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أنَّ الأرْضَ يَرِثُها عِبادِيَ الصّالِحُونَ (١٠٥) إنَّ في هَذا لَبَلاغًا لِقَوْمٍ عابِدِينَ (١٠٦)﴾
فالزبور هنا جميع الكتب المنزلة من السماء لا تختص بزبور داود، والذكر أم الكتاب الذي عند الله والأرض الدنيا وعباده الصالحون أمة محمد صلى الله تعالى عليه وسلم.
هذا أصح الأقوال في هذه الآية وهي علم من أعلام نبوة رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم فإنه أخبر بذلك بمكة وأهل الأرض كلهم كفار أعداء له ولأصحابه والمشركون قد أخرجوهم من ديارهم ومساكنهم وشتتوهم في أطراف الأرض فأخبرهم ربهم تبارك وتعالى أنه كتب في الذكر الأول أنهم يرثون الأرض من الكفار، ثم كتب ذلك في الكتب التي أنزلها على رسله.
والكتاب قد أطلق عليه الذكر في قول النبي صلى الله تعالى عليه وسلم في الحديث المتفق على صحته:
"كان الله ولم يكن شيء غيره وكان عرشه على الماء، وكتب في الذكر كل شيء"
فهذا هو الذكر الذي كتب فيه أن الدنيا تصير لأمة محمد صلى الله تعالى عليه وسلم والكتب المنزلة قد أطلق عليه الزبر في قوله تعالى: ﴿وَما أرْسَلْنا مِن قَبْلِكَ إلّا رِجالًا نُوحِي إلَيْهِمْ فاسْألوا أهْلَ الذِّكْرِ إنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ بِالبَيِّناتِ والزُّبُر﴾ أي أرسلناهم بالآيات الواضحات والكتب التي فيها الهدى والنور، والذكر هاهنا الكتابان اللذان أنزلا قبل رسول الله ﷺ وهما التوراة والإنجيل، والذكر في قوله: ﴿وَأنْزَلْنا إلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنّاسِ ما نُزِّلَ إلَيْهِم﴾ هو القرآن ففي هذه الآية علمه بما كان قبل كونه وكتابته له بعد علمه.
وقال تعالى: ﴿إنّا نَحْنُ نُحْيِ المَوْتى ونَكْتُبُ ما قَدَّمُوا وآثارَهم وكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْناهُ في إمامٍ مُبِينٍ﴾
فجمع بين الكتابين الكتاب السابق لأعمالهم قبل وجودهم والكتاب المقارن لأعمالهم فأخبر أنه يحييهم بعد ما أماتهم للبعث ويجازيهم بأعمالهم ونبه بكتابته لها على ذلك قال نكتب ما قدموا من خير أو شر فعلوه في حياتهم وآثارهم ما سنوا من سنة خير أو شر فاقتدي بهم فيها بعد موتهم.
وقال ابن عباس في رواية عطاء: "آثارهم ما أثروا من خير أو شر" كقوله: ﴿يُنَبَّأُ الإنْسانُ يَوْمَئِذٍ بِما قَدَّمَ وأخَّرَ﴾
فإن قلت قد استفيد هذا من قوله ﴿قدموا﴾ فما أفاد قوله: ﴿آثارَهُمْ﴾ على قوله؟
قلت أفاد فائدة جليلة وهو أنه سبحانه يكتب ما عملوه وما تولد من أعمالهم فيكون المتولد عنها كأنهم عملوه في الخير والشر وهو أثر أعمالهم فآثارهم هي آثار أعمالهم المتولدة عنها وهذا القول أعم من قول مقاتل وكأن مقاتلا أراد التمثيل والبيان على عادة السلف في تفسير اللفظة العامة بنوع أو فرد من أفراد مدلولها تقريبا وتمثيلا لا حصرا وإحاطة وقال أنس وابن عباس في رواية عكرمة: "نزلت هذه الآية في بني سلمة أرادوا أن ينتقلوا إلى قرب المسجد وكانت منازلهم بعيدة فلما نزلت قالوا بل نمكث مكاننا واحتج أرباب هذا القول بما في صحيح البخاري من حديث أبي سعيد الخدري قال: "كانت بنو سلمة في ناحية المدينة فأرادوا النقلة إلى قرب المسجد فنزلت هذه الآية: ﴿إنّا نَحْنُ نُحْيِ المَوْتى ونَكْتُبُ ما قَدَّمُوا وآثارَهُمْ﴾ فقال رسول الله ﷺ: يا بني سلمة دياركم تكتب آثاركم" وقد روى مسلم في صحيحه نحوه من حديث جابر وأنس وفي هذا القول نظر فإن سورة يس مكية وقصة بني سلمة بالمدينة إلا أن يقال هذه الآية وحدها مدنية وأحسن من هذا أن تكون ذكرت عند هذه القصة ودلت عليها وذكروا بها عندها إما من النبي ﷺ وإما من جبريل فأطلق على ذلك النزول ولعل هذا مراد من قال في نظائر ذلك نزلت مرتين والمقصود أن خطاهم إلى المساجد من آثارهم التي يكتبها الله لهم قال عمر بن الخطاب: "لو كان الله سبحانه تاركا لابن آدم شيئا لترك ما عفت عليه الرياح من أثر"
وقال مسروق: "ما خطا رجل خطوة إلا كتبت له حسنة أو سيئة" والمقصود أن قوله: ﴿وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْناهُ في إمامٍ مُبِينٍ﴾ وهو اللوح المحفوظ وهو أم الكتاب وهو الذكر الذي كتب فيه كل شيء يتضمن كتابة أعمال العباد قبل أن يعملوها والإحصاء في الكتاب يتضمن علمه بها وحفظها لها والإحاطة بعددها وإثباتها فيه وقال تعالى: ﴿وَما مِن دابَّةٍ في الأرْضِ ولا طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ إلّا أُمَمٌ أمْثالُكم ما فَرَّطْنا في الكِتابِ مِن شَيْءٍ ثُمَّ إلى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ﴾
وقد اختلف في الكتاب هاهنا هل هو القرآن أو اللوح المحفوظ على قولين فقالت طائفة المراد به القرآن وهذا من العام المراد به الخاص أي ما فرطنا فيه من شيء يحتاجون إلى ذكره وبيانه كقوله: ﴿وَنَزَّلْنا عَلَيْكَ الكِتابَ تِبْيانًا لِكُلِّ شَيْءٍ﴾ ويجوز أن يكون من العام المراد به عمومه والمراد أن كل شيء ذكر فيه مجملا ومفصلا كما قال ابن مسعود: "وقد لعن الواصلة والمستوصلة ما لي لا ألعن من لعنه الله في كتابه فقالت امرأة لقد قرأت القرآن فما وجدته فقال إن كنت قرأتيه فقد وجدته قال تعالى: ﴿وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وما نَهاكم عَنْهُ فانْتَهُوا﴾ ولعن رسول الله ﷺ الواصلة والمستوصلة"
وقال الشافعي ما نزل بأحد من المسلمين نازلة إلا وفي كتاب الله سبيل الدلالة عليها.
وقالت طائفة المراد بالكتاب في الآية اللوح المحفوظ الذي كتب الله فيه كل شيء وهذا إحدى الروايتين عن ابن عباس وكان هذا القول أظهر في الآية والسياق يدل عليه فإنه قال: ﴿وَما مِن دابَّةٍ في الأرْضِ ولا طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ إلّا أُمَمٌ أمْثالُكُم﴾
وهذا يتضمن أنها أمم أمثالنا في الخلق والرزق والأكل والتقدير الأول، وأنها لم تخلق سدى بل هي معبدة مذللة قد قدر خلقها وأجلها ورزقها وما تصير إليه ثم ذكر عاقبتها ومصيرها بعد فنائها ثم قال إلى ربهم يحشرون فذكر مبدأها ونهايتها وأدخل بين هاتين الحالتين قوله: ﴿ما فَرَّطْنا في الكِتابِ مِن شَيْءٍ﴾
أي كلها قد كتبت وقدرت وأحصيت قبل أن توجد فلا يناسب هذا ذكر كتاب الأمر والنهي وإنما يناسب ذكر الكتاب الأول.
ولمن نصر القول الأول أن يجيب عن هذا بأن في ذكر القرآن هاهنا الإخبار عن تضمنه لذكر ذلك والإخبار به فلم نفرط فيه من شيء بل أخبرناكم بكل ما كان وما هو كائن إجمالا وتفصيلا ويرجحه أمر آخر وهو أن هذا ذكر عقيب قوله: ﴿وَقالُوا لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِن رَبِّهِ قُلْ إنَّ اللَّهَ قادِرٌ عَلى أنْ يُنَزِّلَ آيَةً ولَكِنَّ أكْثَرَهم لا يَعْلَمُونَ﴾
فنبههم على أعظم الآيات وأدلها على صدق رسول الله ﷺ وهو الكتاب الذي يتضمن بيان كل شيء ولم يفرط فيه من شيء ثم نبههم بأنهم أمة من جملة الأمم التي في السماوات والأرض وهذا يتضمن التعريف بوجود الخالق وكمال قدرته وعلمه وسعة ملكه وكثرة جنوده والأمم التي يحصيها غيره وهذا يتضمن أنه لا إله غيره ولا رب سواه وأنه رب العالمين فهذا دليل على وحدانيته وصفات كماله من جهة خلقه وقدره وإنزال الكتاب الذي لم يفرط فيه من شيء دليل من جهة أمره وكلامه فهذا استدلال بأمره وذاك بخلقه: ﴿ألا لَهُ الخَلْقُ والأمْرُ تَبارَكَ اللَّهُ رَبُّ العالَمِينَ﴾.
وشهد لهذا أيضا قوله: ﴿وَقالُوا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آياتٌ مِن رَبِّهِ قُلْ إنَّما الآياتُ عِنْدَ اللَّهِ وإنَّما أنا نَذِيرٌ مُبِينٌ أوَلَمْ يَكْفِهِمْ أنّا أنْزَلْنا عَلَيْكَ الكِتابَ يُتْلى عَلَيْهِمْ إنَّ في ذَلِكَ لَرَحْمَةً وذِكْرى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾
ولمن نصر أن المراد بالكتاب اللوح المحفوظ أن يقول لما سألوا آية أخبرهم سبحانه بأنه لم يترك إنزالها لعدم قدرته على ذلك فإنه قادر على ذلك وإنما لم ينزلها لحكمته ورحمته بهم وإحسانه إليهم أذلوا أنزلها على وفق اقتراحهم لعوجلوا بالعقوبة أن لم يؤمنوا ثم ذكر ما يدل على كمال قدرته بخلق الأمم العظيمة التي لا يحصي عددها إلا هو فمن قدر على خلق هذه الأمم مع اختلاف أجناسها وأنواعها وصفاتها وهيئاتها كيف يعجز عن إنزال آية ثم أخبر عن كمال قدرته وعلمه بأن هؤلاء الأمم قد أحصاهم وكتبهم وقدر أرزاقهم وآجالهم وأحوالهم في كتاب لم يفرط فيه من شيء ثم يميتهم ثم يحشرهم إليه والذين كذبوا بآياتنا صم وبكم في الظلمات عن النظر والاعتبار الذي يؤديهم إلى معرفة ربوبيته ووحدانيته وصدق رسله ثم أخبر أن الآيات لا تستقل بالهدى ولو أنزلها على وفق اقتراح البشر بل الأمر كله له من يشأ يضلله ومن يشأ يجعله على صراط مستقيم فهو أظهر القولين والله أعلم.
وقال: ﴿حم والكِتابِ المُبِينِ إنّا جَعَلْناهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكم تَعْقِلُونَ وإنَّهُ في أُمِّ الكِتابِ لَدَيْنا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ﴾
قال ابن عباس: "في اللوح المحفوظ المقري عندنا" قال مقاتل: "إن نسخته في أصل الكتاب وهو اللوح المحفوظ وأم الكتاب أصل الكتاب وأم كل شيء أصله"
والقرآن كتبه الله في اللوح المحفوظ قبل خلق السماوات والأرض كما قال تعالى: ﴿بَلْ هو قُرْآنٌ مَجِيدٌ في لَوْحٍ مَحْفُوظٍ﴾ وأجمع الصحابة والتابعون وجميع أهل السنة والحديث أن كل كائن إلى يوم القيامة فهو مكتوب في أم الكتاب وقد دل القرآن على أن الرب تعالى كتب في أم الكتاب ما يفعله وما يقوله فكتب في اللوح أفعاله وكلامه فتبت يدا أبي لهب في اللوح المحفوظ قبل وجود أبي لهب وقوله لدينا يجوز فيه أن تكون من صلة أم الكتاب أي أنه في الكتاب الذي عندنا وهذا اختيار ابن عباس ويجوز أن يكون من صلة الخبر أنه عليّ حكيم عندنا ليس هو كما عند المكذبين به أي وإن كذبتم به وكفرتم فهو عندنا في غاية الارتفاع والشرف والإحكام وقال تعالى: ﴿فَمَن أظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلى اللَّهِ كَذِبًا أوْ كَذَّبَ بِآياتِهِ أُولَئِكَ يَنالُهم نَصِيبُهم مِنَ الكِتابِ﴾
قال سعيد بن جبير ومجاهد وعطية: "أي ما سبق لهم في الكتاب من الشقاوة والسعادة ثم قرأ عطية: ﴿فَرِيقًا هَدى وفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلالَةُ﴾ "والمعنى أن هؤلاء أدركهم ما كتب لهم من الشقاوة وهذا قول ابن عباس في رواية عطاء قال: "يريد ما سبق عليهم في علمي في اللوح المحفوظ" فالكتاب على هذا القول الكتاب الأول ونصيبهم ما كتب لهم من الشقاوة وأسبابها وقال ابن زيد والقرطبي والربيع بن أنس: "ينالهم ما كتب لهم من الأرزاق والأعمال فإذا فني نصيبهم واستكملوه جاءتهم رسلنا يتوفونهم ورجح بعضهم هذا القول لمكان حتى التي هي للغاية يعني أنهم يستوفون أرزاقهم وأعمارهم إلى الموت ولمن نصر القول الأول أن يقول حتى في هذا الموضع هي التي تدخل على الجمل ويتصرف الكلام فيها إلى الابتداء كما في كقوله:
فيا عجبا حتى كليب تسبني
والصحيح أن نصيبهم من الكتاب يتناول الأمرين فهو نصيبهم من الشقاوة ونصيبهم من الأعمال التي هي أسبابها ونصيبهم من الأعمار التي هي مدة اكتسابها ونصيبهم من الأرزاق التي استعانوا بها على ذلك فعمت الآية هذا النصيب كله وذكر هؤلاء بعضه وهؤلاء بعضه.
هذا على القول الصحيح وأن المراد ما سبق لهم في أم الكتاب.
وقالت طائفة المراد بالكتاب القرآن
قال الزجاج: "معنى نصيبهم من الكتاب ما أخبر الله من جزائهم نحو قوله: ﴿فَأنْذَرْتُكم نارًا تَلَظّى﴾ وقوله: ﴿يَسْلُكْهُ عَذابًا صَعَدًا﴾ "
قال أرباب هذا القول وهذا هو الظاهر لأنه ذكر عذابهم في القرآن في مواضع ثم أخبر أنه ينالهم نصيبهم منه.
والصحيح القول الأول وهو نصيبهم الذي كتب لهم أن ينالوه قبل أن يخلقوا، ولهذا القول وجه حسن وهو أن نصيب المؤمنين منه الرحمة والسعادة، ونصيب هؤلاء منه العذاب والشقاء فنصيب كل فريق منه ما اختاروه لأنفسهم وآثروه على غيره كما أن حظ المؤمنين منه كان الهدى والرحمة، فحظ هؤلاء منه الضلال والخيبة فكان حظهم من هذه النعمة أن صارت نقمة وحسرة عليهم.
وقريب من هذا قوله: ﴿وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكم أنَّكم تُكَذِّبُونَ﴾
أي تجعلونه حظكم من هذا الرزق الذي به حياتكم التكذيب به.
قال الحسن: "تجعلون حظكم ونصيبكم من القرآن أنكم تكذبون قال وخسر عبد لا يكون حظه من كتاب الله إلا التكذيب به"
وقال تعالى: ﴿وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ في الزُّبُرِ﴾
قال عطاء ومقاتل: "كل شيء فعلوه مكتوب عليهم في اللوح المحفوظ"
وروى حماد بن زيد عن داود بن أبي هند عن الشعبي: ﴿وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ في الزُّبُرِ﴾ دقال: "كتب عليهم قبل أن يعملوه"
وقالت طائفة: "المعنى أنه يحصى عليهم في كتب أعمالهم"
وجمع أبو إسحاق بين القولين فقال: "مكتوب عليهم قبل أن يفعلوه ومكتوب عليهم إذا فعلوه للجزاء" وهذا أصح وبالله التوفيق وفي الصحيحين من حديث ابن عباس قال: "ما رأيت شيئا أشبه باللمم مما قال أبو هريرة أن النبي ﷺ قال: "إن الله كتب على ابن آدم حظه من الزنا أدرك ذلك لا محالة فزنا العينين النظر وزنا اللسان النطق والنفس تمنى وتشتهي والفرج يصدق ذلك ويكذبه" وفي الصحيح أيضا عن أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ: "كتب على ابن آدم نصيبه من الزنا مدرك ذلك لا محالة فالعينان زناهما النظر والأذنان زناهما الاستماع واللسان زناه الكلام واليد زناها البطش والرجل زناها الخطا والقلب يهوى ويتمنى ويصدق الفرج ذلك كله ويكذبه" وفي صحيح البخاري وغيره عن عمران بن حصين قال:
"دخلت على النبي ﷺ وعقلت ناقتي بالباب فأتاه ناس من بني تميم فقال: اقبلوا البشرى يا بني تميم قالوا: قد بشرتنا فأعطنا مرتين، ثم دخل عليه ناس من اليمن فقال: اقبلوا البشرى يا أهل اليمن إذ لم يقبلها بنو تميم قالوا: قد قبلنا يا ِرسول الله قالوا: جئنا لنسألك عن هذا الأمر قال كان الله ولم يكن شيء غيره وكان عرشه على الماء وكتب في الذكر كل شيء وخلق السماوات والأرض فنادى مناد ذهبت ناقتك يا ابن الحصين فانطلقت فإذا هي ينقطع دونها السراب فوالله لوددت أني كنت تركتها فالرب سبحانه كتب ما يقوله وما يفعله وما يكون بقوله وفعله وكتب مقتضى أسمائه وصفاته وآثارها"
كما في الصحيحين من حديث أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ:
"لما قضى الله الخلق كتب في كتابه فهو عنده فوق العرش أن رحمتي غلبت غضبي".
{"ayahs_start":105,"ayahs":["وَلَقَدۡ كَتَبۡنَا فِی ٱلزَّبُورِ مِنۢ بَعۡدِ ٱلذِّكۡرِ أَنَّ ٱلۡأَرۡضَ یَرِثُهَا عِبَادِیَ ٱلصَّـٰلِحُونَ","إِنَّ فِی هَـٰذَا لَبَلَـٰغࣰا لِّقَوۡمٍ عَـٰبِدِینَ"],"ayah":"إِنَّ فِی هَـٰذَا لَبَلَـٰغࣰا لِّقَوۡمٍ عَـٰبِدِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق