الباحث القرآني
قوله (تعالى): ﴿قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي ٱللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ﴾ إلى قوله ﴿وَخَافَ وَعِيدِ﴾: والمعنى: أن الله (عز وجل) أعلمنا بجواب الرسل للأمم، إذ شكت في توحيد الله سبحانه، وأنها قالت للأمم: ﴿أَفِي ٱللَّهِ شَكٌّ﴾: أي (أ)في توحيد الله شك. وهو خلق السماوات والأرض، يدعوكم إلى توحيده، وطاعته، ليغفر لكم من ذنوبكم، إن أنتم آمنتم به، واتبعتم أمره، وقبلتم نهيه. فلا يعذبكم على ما ستر عليكم من ذنوبكم، ويؤخر آجالكم، فلا يعاقبكم في العاجل فيهلككم، ولكن يؤخركم إلى الوقت الذي كتب (عليكم) في أم الكتاب.
و "من" في قوله: ﴿مِّن ذُنُوبِكُمْ﴾، قال أبو عبيدة: هي زائدة، والمعنى: يغفر لكم ذنوبكم. وقيل: ليست بزائدة.
والمعنى: يغفر لكم بعضها، إذ لا يأتي أحد يوم القيامة إلا بذنب، إلا النبي محمداً ﷺ، لأنه قد غفر له ما تقدم من ذنبه، وما تأخر في الدنيا.
والمغفرة لغيره إنما تكون في الآخرة. فأما قوله في الصف: ﴿يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ﴾ [الصف: ١٢]، فإنما ذلك على الشرط الذي تقدم من الله لهم. فقالت الأمم لهم: ﴿إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا﴾: أي: ما أنتم أيها الرسل إلا بشر مثلنا في الصورة، ولستم ملائكة تريدون بقولكم هذا أن تصرفونا: ﴿عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ [آبَآؤُنَا]﴾: من الأوثان، ﴿فَأْتُونَا﴾ على قولكم: ﴿بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ﴾: أي: بحجة ظاهرة.
ثم قال (تعالى): ﴿قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِن نَّحْنُ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ﴾: أي: صدقتم في قولكم لنا: ما أنتم إلا بشر مثلنا.
﴿وَلَـٰكِنَّ يَمُنُّ عَلَىٰ مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ﴾: فيهديه، ويوفقه للحق، ويرسله إلى من يشاء من خلقه.
﴿وَمَا كَانَ لَنَآ أَن نَّأْتِيَكُمْ بِسُلْطَانٍ﴾: أي: بحجة وبرهان على ما ندعوكم إليه من توحيد الله (عز وجل)، وطاعته (جلت عظمته).
﴿إِلاَّ بِإِذْنِ ٱللَّهِ﴾: أي بأمره، ﴿وَعلَى ٱللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ ٱلْمُؤْمِنُونَ﴾: أي: عليه فليتوكل من آمن به، وأطاعه. فهذا كلام ظاهره الحظر والمنع، ولا يحظر (على فعل شيء لا يقدر) عليه البتة، ولا في الطاقة فعله، ولكن معناه: وما كنا لنأتي بسلطان ﴿إِلاَّ بِإِذْنِ ٱللَّهِ﴾: نفوا ذلك عن أنفسهم، إذ، لا قدرة لهم عليه. ولو حمل على ظاهره لكان معناه: إنهم يقدرون على الإتيان بالسلطان، وهو الحجة. ولكن لا يفعلونه إلا بإذن الله، وليس الأمر كذلك (إذ) لا مقدورة لهم على ذلك البتة، فلا يتم المعنى حتى يحمل على النفي.
ثم قال تعالى: قالت لهم الرسل: ﴿وَمَا لَنَآ أَلاَّ نَتَوَكَّلَ عَلَى ٱللَّهِ﴾: (أي: شيء لنا في ترك التوكل على الله)، ﴿وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا﴾. أي: قد بصرنا طريق النجاة من عذابه.
* * *
﴿وَلَنَصْبِرَنَّ﴾، قسم من الرسل، أقسموا ليصبرن على أذى الأمم إياهم في الله، ﴿وَعَلَى ٱللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ ٱلْمُتَوَكِّلُونَ﴾.
فقالت الأمم للرسل: ﴿لَنُخْرِجَنَّـكُمْ مِّنْ أَرْضِنَآ﴾: أي: لنطردنكم من مدينتنا، ﴿أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا﴾: أي: إلا أن تدخلوا في ديننا. و "أو" عند بعض أهل اللغة بمعنى: "إلا". وقيل: معنى "أو": حتى تعودوا ودخلت اللام في "لتعودن" لأن في الكلام معنى الشرط، كأنه جواب لليمين. والتقدير: لنخرجنكم من أرضنا، أو لتعودن في ملتنا، كما تقول: لأضربنك أو تُقِرَّ لي.
﴿فَأَوْحَىٰ إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ﴾: أي: أوحى الله إلى الرسل.
﴿رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ ٱلظَّالِمِينَ﴾: وهو قسم من الله، (وهو) كله وعيد وتهدد لقريش (ومن يليهم من العرب، وتنبيه للنبي ﷺ، ليعلم ما لقيت الرسل مثله من الأمم، فيهون عليه ما يلقى من قريش) وغيرهم ممن امتنع أن يؤمن (به).
ثم قال تعالى للرسل: ﴿وَلَنُسْكِنَنَّـكُمُ ٱلأَرْضَ مِن بَعْدِهِمْ﴾: أي: لنسكنن من آمن بكم الأرض، ومن بعد إهلاك الظالمين. فوعدهم تعالى بالنصر في الدنيا.
ثم قال تعالى ذكره: ﴿ذٰلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي﴾: أي: ذلك النصر يكون لمن خاف مقامي بين يدي الله (عز وجل) في الآخرة: فاتقى الله، وعمل بطاعته.
والمصدر يضاف إلى الفاعل مرة، وإلى المفعول به أخرى. فهو هنا مضاف إلى الفاعل.
* * *
ثم قال: ﴿وَخَافَ وَعِيدِ﴾: أي: خاف تهددي.
{"ayahs_start":10,"ayahs":["۞ قَالَتۡ رُسُلُهُمۡ أَفِی ٱللَّهِ شَكࣱّ فَاطِرِ ٱلسَّمَـٰوَ ٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۖ یَدۡعُوكُمۡ لِیَغۡفِرَ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمۡ وَیُؤَخِّرَكُمۡ إِلَىٰۤ أَجَلࣲ مُّسَمࣰّىۚ قَالُوۤا۟ إِنۡ أَنتُمۡ إِلَّا بَشَرࣱ مِّثۡلُنَا تُرِیدُونَ أَن تَصُدُّونَا عَمَّا كَانَ یَعۡبُدُ ءَابَاۤؤُنَا فَأۡتُونَا بِسُلۡطَـٰنࣲ مُّبِینࣲ","قَالَتۡ لَهُمۡ رُسُلُهُمۡ إِن نَّحۡنُ إِلَّا بَشَرࣱ مِّثۡلُكُمۡ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ یَمُنُّ عَلَىٰ مَن یَشَاۤءُ مِنۡ عِبَادِهِۦۖ وَمَا كَانَ لَنَاۤ أَن نَّأۡتِیَكُم بِسُلۡطَـٰنٍ إِلَّا بِإِذۡنِ ٱللَّهِۚ وَعَلَى ٱللَّهِ فَلۡیَتَوَكَّلِ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ","وَمَا لَنَاۤ أَلَّا نَتَوَكَّلَ عَلَى ٱللَّهِ وَقَدۡ هَدَىٰنَا سُبُلَنَاۚ وَلَنَصۡبِرَنَّ عَلَىٰ مَاۤ ءَاذَیۡتُمُونَاۚ وَعَلَى ٱللَّهِ فَلۡیَتَوَكَّلِ ٱلۡمُتَوَكِّلُونَ","وَقَالَ ٱلَّذِینَ كَفَرُوا۟ لِرُسُلِهِمۡ لَنُخۡرِجَنَّكُم مِّنۡ أَرۡضِنَاۤ أَوۡ لَتَعُودُنَّ فِی مِلَّتِنَاۖ فَأَوۡحَىٰۤ إِلَیۡهِمۡ رَبُّهُمۡ لَنُهۡلِكَنَّ ٱلظَّـٰلِمِینَ","وَلَنُسۡكِنَنَّكُمُ ٱلۡأَرۡضَ مِنۢ بَعۡدِهِمۡۚ ذَ ٰلِكَ لِمَنۡ خَافَ مَقَامِی وَخَافَ وَعِیدِ"],"ayah":"قَالَتۡ لَهُمۡ رُسُلُهُمۡ إِن نَّحۡنُ إِلَّا بَشَرࣱ مِّثۡلُكُمۡ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ یَمُنُّ عَلَىٰ مَن یَشَاۤءُ مِنۡ عِبَادِهِۦۖ وَمَا كَانَ لَنَاۤ أَن نَّأۡتِیَكُم بِسُلۡطَـٰنٍ إِلَّا بِإِذۡنِ ٱللَّهِۚ وَعَلَى ٱللَّهِ فَلۡیَتَوَكَّلِ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق