الباحث القرآني
قوله تعالى: ﴿ومِنَ الناس مَن يُجَادِلُ فِي الله بِغَيْرِ عِلْمٍ﴾ الآية، جعل ابن عطية هذه الواو للحال، فقال: وكأنه يقول هذه الأمثال في غاية الوضوح، ومن الناس مع ذلك من يجادل (فكان الواو واو الحال والآية المتقدمة الواو فيها واو عطف.
قال أبو حيان: ولا يتخيل أن الواو في ﴿ومِنَ الناس مَن يُجَادِلُ﴾ ) واو حال، وعلى تقدير الجملة التي قدرها قبله لو كان مصرحاً بها فلا تتقدر ب (إذ) ، فلا تكون للحال، وإنما هي للعطف. قال شهاب الدين: ومنعه من تقديرها ب (إذ) فيه نظر، إذ لو قدر لم يلزم منه محذور.
قوله: «بِغَيْرِ عِلْم» يجوز أن يتعلق ب «يُجَادِل» ، وأن يتعلق بمحذوف على أنه حال من فاعل «يُجَادِلُ» أي: يجادل ملتبساً بغير علم، أي: جاهلاً.
قوله: «ثَانِيَ عِطْفِه» : حال من فاعل «يُجَادِل» أي: مُعْرِضاً، وهي إضافة لفظية نحو «مُمْطِرُنَا» . والعامة على كسر العين، وهو الجانب كني به عن التكبر.
والحسن بفتح العين، وهو مصدر بمعنى التعطف، وصفه بالقسوة.
قوله: «لِيُضلَّ» متعلق إما ب «يُجَادِلُ» ، وإما ب «ثاني عِطْفِه» وقرأ العامة بضم الياء في «يُضِلّ» والمفعول محذوف أي: ليضل غيره. وقرأ مجاهد وأبو عمرو في رواية بفتحها، أي: ليضل هو في نفسه.
قوله: ﴿لَهُ فِي الدنيا خِزْيٌ﴾ هذه الجملة يجوز أن تكون حالاً مقارنة أي: مستحقاً ذلك، وأن تكون حالاً مقدرة، وأن تكون مستأنفة. وقرأ زيد بن علي «وأُذِيْقُه» بهمزة المتكلم، و «عَذَابَ الحَرِيْق» يجوز أن يكون من باب إضافة الموصوف لصفته إذ الأصل العذاب الحريق أي: المحرق كالسميع بمنع المسمع.
فصل
قال أبو مسلم: الآية الأولى واردة في الأتباع المقلدين، وهذه الآية ورادة في المتبعة عن المقلدين، فإن كلا المجادلين جادل بغير علم وإن كان أحدهما تبعاً والآخر متبوع، وبين ذلك قوله: ﴿وَلاَ هُدًى وَلاَ كِتَابٍ مُّنِيرٍ﴾ فإن مثل ذلك لا يقال في المقلد وإنما يقال فيمن يخاصم بناء على شبهة. فإن قيل: كيف يصح ما قلتم والمقلد لا يكون مجادلاً؟ قلنا: يجادل تصويباً لتقليده، وقد يورد الشبهة الظاهرة إذا تمكن منها وإن كان معتمده الأصلي هو التقليد. وقيل: إن الآية الأولى نزلت في النضر بن الحارث، وهو قول ابن عباس وفائدة التكرير المبالغة في الذم، وأيضاً: قد ذكر في الآية الأولى اتباعه تقليداً بغير حجة، (وفي الثانية مجادلته في الدين، وإضلاله غيره بغير حجة) .
والأول أقرب لما تقدم. ودلت الآية على أن الجدال مع العلم والهدى والكتاب حق حسن.
والمراد بالعلم العلم الضروري، وبالهدى الاستدلال والنظر؛ لأنه يهدي إلى المعرفة، وبالكتاب المنير الوحي. والمعنى يجادل من غير مقدمة ضرورية، ولا نظريَّة ولا سمعيَّة فهو كقوله تعالى: ﴿وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَمَا لَيْسَ لَهُمْ بِهِ عِلْمٌ﴾ [الحج: 71] ثم قال ﴿ثَانِيَ عِطْفِهِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ الله﴾ ثني العطف عبارة عن التكبر والخيلاء قال مجاهد وقتادة: لاوي عنقه. وقال عطية وابن زيد: معرضاً عما يدعى إليه تكبراً. والعطف الجانب وعطفا الرجل: جانباه عن يمين وشمال، وهو الموضع الذي يعطفه الإنسان أي: يلويه ويمليه عند الإعراض عن الشيء، ونظيره قوله تعالى: ﴿وَإِذَا تتلى عَلَيْهِ آيَاتُنَا ولى مُسْتَكْبِراً﴾ [لقمان: 7] وقوله ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ الله لَوَّوْاْ رُءُوسَهُمْ﴾ [المنافقون: 5] . ﴿لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ الله﴾ فمن ضم الياء فمعناه: ليضل غيره عن طريق الحق، فجمع بين الضلال والكفر وإضلال الغير. ومن فتح الياء فالمعنى: ليضل هو عن دين الله. ﴿لَهُ فِي الدنيا خِزْيٌ﴾ عذاب وهون، وهو القتل ببدر، فقتل النضر، وعقبة بن أبي معيط يوم بدر صبراً. ﴿وَنُذِيقُهُ يَوْمَ القيامة عَذَابَ الحريق﴾ ويقال له: ﴿ذلك بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ وَأَنَّ الله لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِّلعَبِيدِ﴾ والكلام في قوله: ﴿ذلك بِأَنَّ الله﴾ [الحج: 6] كالكلام في قوله: ﴿ذلك بِمَا قَدَّمَتْ﴾ وكذا قوله «وأنَّ اللَّهَ» يجوز عطفه على السبب، ويجوز أن يكون التقدير والأمر أن الله، فيكون منقطعاً عما قبله.
قوله: «ظَلاَّم» مثال مبالغة. فإن قيل: إذا قلت: إن زيداً ليس بظلام لا يلزم منه نفي أصل الظلم، فإن نفي الأخص لا يستلزم نفي الأعم.
فالجواب: أن المبالغة إنما جيء بها لتكثير محلها فإن العبيد جمع، وأحسن هذا أن فَعَّالاً هنا للنسب أي: بذي ظلم لا للمبالغة.
فصل
قالت المعتزلة: هذه الآية تدل على مطالب:
الأول: دلت على أن العبد إنما وقع في ذلك العذاب بسبب عمله فلو كان فعله خلقاً لله تعالى لكان حين خلقه استحال منه أن لا يتصف به فلا يكون ذلك العقاب بسبب فعله، فإذا عاقبه عليه كان ذلك محض الظلم وذلك خلاف النص.
الثاني: أن قوله: ﴿وَأَنَّ الله لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِّلعَبِيدِ﴾ يدل على أنه سبحانه إنما لم يكن ظالماً بفعل ذلك العذاب، وهذا يدل على أنه لو عاقبه لا بسبب فعل يصدر من جهته لكان ظالماً، وهذا يدل على أنه لا يجوز تعذيب الأطفال لكفر آبائهم.
الثالث: أنه سبحانه تمدح بأنه لا يفعل الظلم فوجب أن يكون قادراً عليه خلاف ما يقوله النَّظَّام، وأن يصح ذلك منه خلاف ما يقوله أهل السنة.
الرابع: أنه لا يجوز الاستدلال بهذه الآية على أنه تعالى لا يظلم، لأن عندهم صحة نبوة النبي - عليه السلام - موقوفة على نفي الظلم، فلو أثبتنا ذلك بالدليل السمعي لزم الدور. وأجاب ابن الخطيب عن الكلّ بالمعارضة بالعلم والداعي.
{"ayahs_start":8,"ayahs":["وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن یُجَـٰدِلُ فِی ٱللَّهِ بِغَیۡرِ عِلۡمࣲ وَلَا هُدࣰى وَلَا كِتَـٰبࣲ مُّنِیرࣲ","ثَانِیَ عِطۡفِهِۦ لِیُضِلَّ عَن سَبِیلِ ٱللَّهِۖ لَهُۥ فِی ٱلدُّنۡیَا خِزۡیࣱۖ وَنُذِیقُهُۥ یَوۡمَ ٱلۡقِیَـٰمَةِ عَذَابَ ٱلۡحَرِیقِ","ذَ ٰلِكَ بِمَا قَدَّمَتۡ یَدَاكَ وَأَنَّ ٱللَّهَ لَیۡسَ بِظَلَّـٰمࣲ لِّلۡعَبِیدِ"],"ayah":"ذَ ٰلِكَ بِمَا قَدَّمَتۡ یَدَاكَ وَأَنَّ ٱللَّهَ لَیۡسَ بِظَلَّـٰمࣲ لِّلۡعَبِیدِ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق