الباحث القرآني
﴿ذَلِكَ﴾ أيْ ما ذُكِرَ مِن ثُبُوتِ الخِزْيِ لَهُ في الدُّنْيا وإذاقَةِ عَذابِ الحَرِيقِ في الأُخْرى، وما فِيهِ مِن مَعْنى البُعْدِ لِلْإيذانِ بِكَوْنِهِ في الغايَةِ القاصِيَةِ مِنَ الهَوْلِ والفَظاعَةِ، وهو مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿بِما قَدَّمَتْ يَداكَ﴾ أيْ بِسَبَبِ ما اكْتَسَبْتَهُ مِنَ الكُفْرِ والمَعاصِي، وإسْنادُهُ إلى يَدَيْهِ لِما أنَّ الِاكْتِسابَ عادَةً يَكُونُ بِالأيْدِي، وجُوِّزَ أنْ يَكُونَ ذَلِكَ خَبَرًا لِمُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ أيِ الأمْرُ ذَلِكَ وأنْ يَكُونَ مَفْعُولًا لِفِعْلٍ مَحْذُوفٍ أيْ فَعَلْنا ذَلِكَ إلَخْ وهو خِلافُ الظّاهِرِ، والجُمْلَةُ اسْتِئْنافٌ لا مَحَلَّ لَها مِنَ الإعْرابِ، وجُوِّزَ أنْ تَكُونَ في مَحَلِّ نَصْبٍ مَفْعُولَةً لِقَوْلٍ مَحْذُوفٍ وقَعَ حالًا أيْ قائِلِينَ أوْ مَقُولًا لَهُ ذَلِكَ إلَخْ، وعَلى الأوَّلِ يَكُونُ في الكَلامِ التِفاتٌ لِتَأْكِيدِ الوَعِيدِ وتَشْدِيدِ التَّهْدِيدِ ﴿وأنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلامٍ لِلْعَبِيدِ﴾ الظّاهِرُ أنَّهُ عُطِفَ عَلى ما وبِهِ قالَ بَعْضُهم، وفائِدَتُهُ الدَّلالَةُ عَلى أنَّ سَبَبِيَّةَ ما اقْتَرَفُوا مِنَ الذُّنُوبِ لِعَذابِهِمْ مُقَيَّدَةٌ بِانْضِمامِ انْتِفاءِ ظُلْمِهِ تَعالى إلَيْهِ إذْ لَوْلاهُ لَأمْكَنَ أنْ يُعَذِّبَهم بِغَيْرِ ما اقْتَرَفُوهُ إلّا أنْ لا يُعَذِّبَهم بِما اقْتَرَفُوا، وحاصِلُهُ أنَّ تَعْذِيبَ العُصاةِ يُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ لِذُنُوبِهِمْ ويُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ لِمُجَرَّدِ إرادَةِ عَذابِهِمْ مِن غَيْرِ ذَنْبٍ فَجِيءَ بِهَذا لِرَفْعِ الِاحْتِمالِ الثّانِي وتَعْيِينِ الأوَّلِ لِلسَّبَبِيَّةِ لا لِرَفْعِ احْتِمالِ أنْ لا يُعَذِّبَهم بِذُنُوبِهِمْ لِأنَّهُ جائِزٌ بَلْ بَعْضُ الآياتِ تَدُلُّ عَلى وُقُوعِهِ في حَقِّ بَعْضِ العُصاةِ، ومَرْجِعُ ذَلِكَ في الآخِرَةِ إلى تَقْرِيعِ الكَفَرَةِ وتَبْكِيتِهِمْ بِأنَّهُ لا سَبَبَ لِلْعَذابِ إلّا مِن قِبَلِهِمْ كَأنَّهُ قِيلَ: إنَّ ذَلِكَ العَذابَ إنَّما نَشَأ مِن ذُنُوبِكُمُ الَّتِي اكْتَسَبْتُمُوها لا مِن شَيْءٍ آخَرَ.
واخْتارَ العَلّامَةُ أبُو السُّعُودِ أنَّ مَحَلَّ أنَّ وما بَعْدَها الرَّفْعُ عَلى الخَبَرِيَّةِ لِمُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ أيْ والأمْرُ أنَّهُ تَعالى لَيْسَ بِمُعَذِّبٍ لِعَبِيدِهِ مِن غَيْرِ ذَنَبٍ مِن قِبَلِهِمْ، والجُمْلَةُ اعْتِراضٌ تَذْيِيلِيٌّ مُقَرِّرٌ لِمَضْمُونِ ما قَبْلَها، وقالَ في العَطْفِ: لِلدَّلالَةِ عَلى أنَّ سَبَبِيَّةَ إلَخْ أنَّهُ لَيْسَ بِسَدِيدٍ لِما أنَّ إمْكانَ تَعْذِيبِهِ تَعالى لِعَبِيدِهِ بِغَيْرِ ذَنْبٍ بَلْ وُقُوعَهُ لا يُنافِي كَوْنَ تَعْذِيبِ هَؤُلاءِ الكَفَرَةِ المُعَيَّنَةِ بِسَبَبِ ذُنُوبِهِمْ حَتّى يَحْتاجَ إلى اعْتِبارِ عَدَمِهِ مَعَهُ، نَعَمْ لَوْ كانَ المُدَّعِي كَوْنَ جَمِيعِ تَعْذِيباتِهِ تَعالى بِسَبَبِ ذُنُوبِ المُعَذَّبِينَ لاحْتِيجَ إلى ذَلِكَ انْتَهى. وتُعُقِّبَ قَوْلُهُ: إنَّ إمْكانَ إلَخْ بِأنَّ الكَلامَ لَيْسَ في مُنافاةِ ذَيْنَكِ الأمْرَيْنِ بِحَسَبِ ذاتِهِما بَلْ في مُنافاةِ احْتِمالِ التَّعْذِيبِ بِلا ذَنْبٍ لِتَعَيُّنِ سَبَبِيَّةِ الذُّنُوبِ لَهُ وقَوْلُهُ نَعَمْ لَوْ كانَ المُدَّعِي إلَخْ بِأنَّ الِاحْتِياجَ إلى ذَلِكَ القَيْدِ في كُلٍّ مِنَ الصُّورَتَيْنِ إنَّما هو لِتَقْرِيعِ المُذْنِبِينَ بِأنَّهُ لا سَبَبَ لِتَعْذِيبِهِمْ إلّا مِن قِبَلِهِمْ فالقَوْلُ بِالِاحْتِياجِ في صُورَةِ الجَمِيعِ وبِعَدَمِهِ في صُورَةِ الخُصُوصِيَّةِ رَكِيكٌ جِدًّا، وتُعُقِّبَ أيْضًا بِغَيْرِ ذَلِكَ، والقَوْلُ بِالِاعْتِراضِ وإنْ كانَ لا يَخْلُو عَنْ بُعْدٍ أبْعَدُ عَنِ الِاعْتِراضِ، والتَّعْبِيرُ عَنْ نَفْيِ تَعْذِيبِهِ تَعالى لِعَبِيدِهِ مِن غَيْرِ ذَنْبٍ، بِنَفْيِ الظُّلْمِ مَعَ أنَّ تَعْذِيبَهم بِغَيْرِ ذَنْبٍ لَيْسَ بِظُلْمٍ عَلى ما تَقَرَّرَ مِن قاعِدَةِ أهْلِ السُّنَّةِ لِبَيانِ كَمالِ نَزاهَتِهِ تَعالى عَنْ ذَلِكَ بِتَصْوِيرِهِ بِصُورَةٍ ما يَسْتَحِيلُ صُدُورُهُ عَنْهُ سُبْحانَهُ مِنَ الظُّلْمِ وصِيغَةُ المُبالَغَةِ لِتَأْكِيدِ هَذا المَعْنى بِإبْرازِ ما ذُكِرَ مِنَ التَّعْذِيبِ بِغَيْرِ ذَنْبٍ في صُورَةِ المُبالَغَةِ في الظُّلْمِ، وقِيلَ: هي لِرِعايَةِ جَمْعِيَّةِ العَبِيدِ فَتَكُونُ لِلْمُبالَغَةِ كَمًّا لا كَيْفًا. واعْتُرِضَ بِأنَّ نَفْيَ المُبالَغَةِ كَيْفَما كانَتْ تُوهِمُ المُحالَ، وقِيلَ: ويَجُوزُ أنْ تُعْتَبَرَ المُبالَغَةُ بَعْدَ النَّفْيِ فَيَكُونُ ذَلِكَ مُبالَغَةً في النَّفْيِ لا نَفْيًا لِلْمُبالَغَةِ، واعْتُرِضَ بِأنَّ ذَلِكَ لَيْسَ مِثْلَ القَيْدِ المُنْفَصِلِ الَّذِي يَجُوزُ اعْتِبارُ تَأخُّرِهِ وتَقَدُّمِهِ كَما قالُوهُ في القُيُودِ الواقِعَةِ مَعَ النَّفْيِ، وجَعْلُهُ قَيْدًا في التَّقْدِيرِ لِأنَّهُ بِمَعْنى لَيْسَ بِذِي ظُلْمٍ عَظِيمٍ أوْ كَثِيرٍ تَكَلُّفٌ لا نَظِيرَ لَهُ، وقِيلَ: إنَّ ظَلّامًا لِلنِّسْبِيَّةِ أيْ لَيْسَ بِذِي ظُلْمٍ ولا يَخْتَصُّ ذَلِكَ بِصِيغَةِ فاعِلٍ فَقَدْ جاءَ (p-124)««ولَيْسَتْ بِذِي رُمْحٍ ولَسْتُ بِنَبّالٍ»» وقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ.
{"ayah":"ذَ ٰلِكَ بِمَا قَدَّمَتۡ یَدَاكَ وَأَنَّ ٱللَّهَ لَیۡسَ بِظَلَّـٰمࣲ لِّلۡعَبِیدِ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق