الباحث القرآني
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿ذَلِكَ بِما قَدَّمَتْ يَداكَ وأنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلّامٍ لِلْعَبِيدِ﴾ المَعْنى: أنَّ الكافِرَ إذا أُذِيقَ يَوْمَ القِيامَةِ عَذابَ الحَرِيقِ، يُقالُ لَهُ ذَلِكَ؛ أيْ: هَذا العَذابُ الَّذِي نُذِيقُكَهُ بِسَبَبِ ما قَدَّمَتْ يَداكَ؛ أيْ: قَدَّمَتْهُ في الدُّنْيا مِنَ الكُفْرِ والمَعاصِي ﴿وَأنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلّامٍ لِلْعَبِيدِ﴾ [الحج: ١٠] فَلا يَظْلِمُ أحَدًا مِثْقالَ ذَرَّةٍ. ﴿وَإنْ تَكُ حَسَنَةً يُضاعِفْها ويُؤْتِ مِن لَدُنْهُ أجْرًا عَظِيمًا﴾ [النساء: ٣٠] والظّاهِرُ أنَّ المَصْدَرَ المُنْسَبِكَ مِن ”أنَّ“ وصِلَتِها في قَوْلِهِ: ﴿وَأنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلّامٍ لِلْعَبِيدِ﴾ [الحج: ١٠] في مَحَلِّ خَفْضٍ عَطْفًا عَلى (ما) المَجْرُورَةِ بِالباءِ.
والمَعْنى: هَذا العَذابُ الَّذِي يُذِيقُكَهُ اللَّهُ حَصَلَ لَكَ بِسَبَبَيْنِ، وهُما: ما قَدَّمَتْهُ يَداكَ مِن عَمَلِ السُّوءِ مِنَ الكُفْرِ والمَعاصِي، وعَدالَةُ مَن جازاكَ ذَلِكَ الجَزاءَ الوِفاقَ، وعَدَمُ ظُلْمِهِ. وقَدْ أوْضَحْنا فِيما مَضى إزالَةَ الإشْكالِ المَعْرُوفِ في نَفْيِ صِيغَةِ المُبالَغَةِ، في قَوْلِهِ: ﴿لَيْسَ بِظَلّامٍ﴾ فَأغْنى ذَلِكَ عَنْ إعادَتِهِ هُنا.
وَفِي هَذِهِ الآيَةِ الكَرِيمَةِ ثَلاثَةُ أسْئِلَةٍ:
الأوَّلُ: هو ما ذَكَرْنا آنِفًا أنّا أوْضَحْنا الجَوابَ عَنْهُ سابِقًا، وهو: أنَّ المَعْرُوفَ في عِلْمِ العَرَبِيَّةِ أنَّ النَّفْيَ إذا دَخَلَ عَلى صِيغَةِ المُبالَغَةِ، لَمْ يَقْتَضِ نَفْيَ أصْلِ الفِعْلِ.
فَلَوْ قُلْتَ: لَيْسَ زَيْدٌ بِظَلّامٍ لِلنّاسِ، فَمَعْناهُ المَعْرُوفُ: أنَّهُ غَيْرُ مُبالِغٍ في الظُّلْمِ، ولا يُنافِي ذَلِكَ حُصُولَ مُطْلَقِ الظُّلْمِ مِنهُ. وقَدْ قَدَّمْنا إيضاحَ هَذا.
(p-٢٨٣)والسُّؤالُ الثّانِي: أنَّهُ أسْنَدَ كُلَّ ما قَدَّمَ إلى يَدَيْهِ في قَوْلِهِ: ﴿بِما قَدَّمَتْ يَداكَ﴾ وكُفْرُهُ الَّذِي هو أعْظَمُ ذُنُوبِهِ لَيْسَ مِن فِعْلِ اليَدِ، وإنَّما هو مِن فِعْلِ القَلْبِ واللِّسانِ، وإنْ كانَ بَعْضُ أنْواعِ البَطْشِ بِاليَدِ يَدُلُّ عَلى الكُفْرِ، فَهو في اللِّسانِ والقَلْبِ أظْهَرُ مِنهُ في اليَدِ. وزِناهُ لَمْ يَفْعَلْهُ بِيَدِهِ، بَلْ بِفَرْجِهِ، ونَحْوُ ذَلِكَ مِنَ المَعاصِي الَّتِي تُزاوَلُ بِغَيْرِ اليَدِ.
والجَوابُ عَنْ هَذا ظاهِرٌ: وهو أنَّ مِن أسالِيبِ اللُّغَةِ العَرَبِيَّةِ، الَّتِي نَزَلَ بِها القُرْآنُ إسْنادُ جَمِيعِ الأعْمالِ إلى اليَدِ، نَظَرًا إلى أنَّها الجارِحَةُ الَّتِي يُزاوِلُ بِها أكْثَرَ الأعْمالِ فَغَلَبَتْ عَلى غَيْرِها، ولا إشْكالَ في ذَلِكَ.
والسُّؤالُ الثّالِثُ: هو أنْ يُقالَ: ما وجْهُ إشارَةِ البُعْدِ في قَوْلِهِ: ﴿ذَلِكَ بِما قَدَّمَتْ يَداكَ﴾ مَعَ أنَّ العَذابَ المُشارَ إلَيْهِ قَرِيبٌ مِنهُ حاضِرٌ ؟
والجَوابُ عَنْ هَذا: أنَّ مِن أسالِيبِ اللُّغَةِ العَرَبِيَّةِ: وضْعُ إشارَةِ البُعْدِ مَوْضِعَ إشارَةِ القُرْبِ. وقَدْ أوْضَحْنا هَذِهِ المَسْألَةَ في كِتابِنا: دَفْعُ إيهامِ الِاضْطِرابِ عَنْ آياتِ الكِتابِ في الكَلامِ عَلى قَوْلِهِ تَعالى في أوَّلِ سُورَةِ البَقَرَةِ: ﴿الم ذَلِكَ الكِتابُ﴾ الآيَةَ [البقرة: ١ - ٢]؛ أيْ: هَذا الكِتابُ.
وَمِن شَواهِدِ ذَلِكَ في اللُّغَةِ العَرَبِيَّةِ قَوْلُ خِفافِ بْنِ نُدْبَةَ السُّلَمِيِّ:
؎فَإنْ تَكُ خَيْلِي قَدْ أُصِيبَ صَمِيمُها فَعَمْدًا عَلى عَيْنِي تَيَمَّمْتُ مالِكا
؎أقُولُ لَهُ والرُّمْحُ يَأْطِرُ مَتْنَهُ ∗∗∗ تَأمَّلْ خُفافًا إنَّنِي أنا ذَلِكا
يَعْنِي: أنا هَذا.
وَما ذَكَرَهُ جَلَّ وعَلا في هَذِهِ الآيَةِ الكَرِيمَةِ مِن أنَّ الكافِرَ يُقالُ لَهُ يَوْمَ القِيامَةِ: ﴿ذَلِكَ بِما قَدَّمَتْ يَداكَ﴾ الآيَةَ، لا يَخْفى أنَّهُ تَوْبِيخٌ وتَقْرِيعٌ وإهانَةٌ لَهُ، وأمْثالُ ذَلِكَ القَوْلِ في القُرْآنِ كَثِيرَةٌ: كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿خُذُوهُ فاعْتِلُوهُ إلى سَواءِ الجَحِيمِ ثُمَّ صُبُّوا فَوْقَ رَأْسِهِ مِن عَذابِ الحَمِيمِ ذُقْ إنَّكَ أنْتَ العَزِيزُ الكَرِيمُ إنَّ هَذا ما كُنْتُمْ بِهِ تَمْتَرُونَ﴾ [الدخان: ٤٧ - ٥٠]، وقَوْلِهِ تَعالى: ﴿يَوْمَ يُدَعُّونَ إلى نارِ جَهَنَّمَ دَعًّا هَذِهِ النّارُ الَّتِي كُنْتُمْ بِها تُكَذِّبُونَ﴾ ﴿أفَسِحْرٌ هَذا أمْ أنْتُمْ لا تُبْصِرُونَ﴾ ﴿اصْلَوْها فاصْبِرُوا أوْ لا تَصْبِرُوا سَواءٌ عَلَيْكم إنَّما تُجْزَوْنَ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ [الطور: ١٣ - ١٦] والآياتُ بِمِثْلِ ذَلِكَ كَثِيرَةٌ جِدًّا.
{"ayah":"ذَ ٰلِكَ بِمَا قَدَّمَتۡ یَدَاكَ وَأَنَّ ٱللَّهَ لَیۡسَ بِظَلَّـٰمࣲ لِّلۡعَبِیدِ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق