الباحث القرآني
قوله تعالى: ﴿أَفَحَسِبَ الذين كفروا﴾ الآية.
لما بيَّن إعراض الكافرين عن الذِّكر، وعن سماع ما جاء به رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ أتبعه بقوله: ﴿أَفَحَسِبَ الذين كفروا﴾ والمعنى: أفظنَّ الذين كفروا أن ينتفعوا بما عبدوه.
والمراد بقوله: ﴿أَن يَتَّخِذُواْ عِبَادِي مِن دوني أَوْلِيَآءَ﴾ : أرباباً، يريد بالعباد: عيسى، والملائكة.
وقيل: هم الشياطين يتولَّونهم ويطيعُونَهُم.
وقيل: هم الأصنام، سمَّاها عباداً؛ كقوله: ﴿عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ﴾ [الأعراف: 194] . وهو استفهام توبيخ.
قوله: ﴿أَفَحَسِبَ﴾ : العامة على كسر السين، وفتح الباء؛ فعلاً ماضياً، و ﴿أَن يَتَّخِذُواْ﴾ سادٌّ مسدَّ المفعولين، وقرأ أميرُ المؤمنين عليُّ بنُ أبي طالب، وزيد بن عليٍّ، وابن كثيرٍ، ويحيى بن يعمر في آخرين، بسكون السين، ورفع الباء على الابتداء، والخبر «أنْ» وما في حيِّزها.
والمعنى: أفكافيهم، وحسيبهم أن يتَّخذوا كذا وكذا.
وقال الزمخشريُّ: «أو على الفعل والفاعل؛ لأن اسم الفاعل، إذا اعتمد على الهمزة، ساوى الفعل في العمل؛ كقولك:» أقَائمٌ الزَّيدانِ «وهي قراءة محكيَّةٌ جيِّدةُ» .
قال أبو حيَّان: «والذي يظهر أنَّ هذا الإعراب لا يجوزُ؛ لأنَّ حسباً ليس باسم فاعلٍ، فيعمل، ولا يلزم من تفسير شيءٍ بشيء: أن يجرى عليه أحكامه، وقد ذكر سيبويه اشياء من الصِّفات التي تجري مجرى الأسماء، وأنَّ الوجه فيها الرفع، ثم قال: وذلك نحو: مرَرْتُ برجلٍ خير منه أبوهُ، ومررتُ برجلٍ سواءٍ عليه الخير والشر، ومررت برجلٍ اب لهُ صاحبه، ومررتُ برجلٍ حسبك من رجلٍ هو، ومررتُ برجلٍ أيِّما رجلٍ هو» . ثم قال ابو حيان: «ولا يبعُد أن يرفع به الظاهر، فقد أجازوا في» مررتُ برجلٍ أبي عشرةٍ أبوه «أن يرتفع» أبوهُ «ب» أبِي عشرةٍ «لأنه في معنى والدِ عشرةٍ» .
قوله: «نُزُلاً» فيه أوجهٌ:
أحدها: أنه منصوب على الحال، جمع «نَازِلٍ» نحو شارفٍ، وشُرفٍ.
الثاني: أنه اسم موضع النُّزولِ. قال ابن عباس: «مَثوَاهُمْ» وهو قول الزجاج.
الثالث: أنَّه اسمُ ما يعدُّ للنازلين من الضُّيوف، أي: معدة لهم؛ كالمنزلِ للضَّيف، ويكون على سبيل التهكُّم بهم، كقوله تعالى: ﴿فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ﴾ [آل عمران: 21] وقوله: [الوافر]
3568 - ... ... ... ... .....
تَحيَّةُ بينهم ضَرْبٌ وجِيعُ
ونصبه على هذين الوجهين مفعولاً به، أي: صيَّرنا.
وأبو حيوة «نُزْلاً» بسكون الزاي، وهو تخفيف الشَّهيرة.
قوله: ﴿قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُم بالأخسرين أَعْمَالاً﴾ .
يعني: الَّذينَ أتعبوا أنفسهم في عملٍ يرجون به فضلاً ونوالاً، فنالُوا هلاكاً وبواراً.
قال ابن عباس، وسعد بن أبي وقَّاصٍ: هم اليهود والنَّصارى.
وهو قول مجاهدٍ.
وقيل: هم الرهبانُ الذين حبسوا أنفسهم في الصَّوامع؛ كقوله تعالى:
﴿عَامِلَةٌ نَّاصِبَةٌ﴾ [الغاشية: 3] .
وقال عليُّ بن أبي طالبٍ: هم أهلُ حروراء.
قوله: ﴿أَعْمَالاً﴾ : تمييزٌ للأخسرين؛ وجمع لاختلاف الأنواع.
قوله: ﴿الذين ضَلَّ﴾ : يجوز فيه الجر نعتاً، وبدلاً، وبياناً، والنصب على الذَّم، والرفع على خبر ابتداء مضمرٍ.
ومعنى خُسْرانهِم أن مثلهم كمن يشتري سلعة يرجُو منها ربحاً، فخسر وخاب سعيهُ، كذلك أعمالُ هؤلاء الذين أتعبُوا أنفسهم مع ضلالهم، فبطل جدُّهم واجتهادهم في الحياة الدنيا، ﴿وَهُمْ يَحْسَبُونَ﴾ يظنون ﴿أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً﴾ أي: عملاً.
قوله: ﴿يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ﴾ يسمَّى في البديع «تَجْنيسَ التَّصحيف» وتجنيس الخطِّ، وهذا من أحسنه، وقال البحتريُّ: [الطويل]
3569 - ولَمْ يَكُنِ المُغْتَرُّ بالله إذْ شَرَى ... ليُعْجِزَ والمُعْتَزُّ بالله طَالِبُهْ
فالأول: من الغُرورِ، والثاني: من العزِّ، ومن أحسن ما جاء في تجنيس التصحيف قوله: [السريع] 3570 - سَقَيْنَنِي ريِّي وغَنَّيْنَنِي ... بُحْتُ بِحُبِّي حينَ بِنَّ الخُرُذ
يصحف بنحو: [السريع]
شَقَيْتَنِي ربِّي وعَنَّيْتَنِي ... بِحُبِّ يَحْيَى خَتنِ ابنِ الجُرُذ
وفي بعض رسائل الفصحاء:
قِيلَ قَبْلَ نَداكَ ثَرَاكَ، عَبْدٌ عِنْدَ رَجَاكَ رَجَاكَ، آمِلٌ أمِّكَ.
قوله تعالى: ﴿أولئك الذين كَفَرُواْ بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ﴾ .
لقاء اللع عبارة عن رؤيته؛ لأنَّه يقال: لقيتُ فلاناً، أي: رأيته.
فإن قيل: اللُّقيا عبارةٌ عن الوصول؛ قال الله تعالى: ﴿فَالْتَقَى المآء على أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ﴾ [القمر: 12] .
وذلك في حقِّ الله محالٌ؛ فوجب حمله على ثواب الله.
فالجواب: أن لفظ اللقاء، وإن كان في الأصل عبارة عن الوصول إلاَّ أنَّ استعماله في الرؤية مجازٌ ظاهرٌ مشهورٌ، ومن قال بأنَّ المراد منه: لقاء ثواب الله، فذلك لا يتمُّ إلا بالإضمار، وحمل اللفظ على المجاز المتعارفِ المشهور أولى من حمله على ما يحتاج إلى الإضمار.
واستدلَّت المعتزلة بقوله تعالى: ﴿فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ﴾ على أن الإحباط حقٌّ، وقد تقدَّم ذلك في البقرة وقرأ ابن عباس «فَحبَطَتْ» بفتح الباء والعامة بكسرها.
قوله: ﴿فَلاَ نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ القيامة وَزْناً﴾ .
قرأ العامة «نُقِيمُ» بنون العظمة، من «أقَامَ» ومجاهدٌ وعبيد بن عميرٍ: «فَلا يُقِيمُ» بياءِ الغيبة، لتقدُّم قوله: «بآيَاتِ ربِّهِمْ» فالضمير يعود عليه، ومجاهدٌ أيضاً «فلا يقُومُ لَهُمْ» مضارع «قَامَ» متعدٍّ، كذا قال أبو حيَّان، والأحسن من هذا: أن تعرب هذه القراءة على ما قاله أبو البقاء: أن يجعل فاعل «يَقومُ» «صنيعُهمْ» أو «سَعْيهُم» وينتصب حينئذٍ « وزْناً» على أحد وجهين: إمَّا على الحال، وإمَّا على التَّمييز.
* فصل في معنى الآية
المعنى: أنَّا نزدري بهم، وليس لهم عندنا وزنٌ ومقدارٌ، تقول العرب: ما لفلانٍ عندي وزنٌ، أي: قدرٌ؛ لخسَّتهِ، وروى أبو هريرة عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ قال: «إنَّهُ ليَأتِي يَومَ القيامةِ الرَّجلُ العَظيمُ السَّمينُ، فلا يَزنُ عند الله جَناحَ بَعُوضةٍ» .
الرابع: أن يكون " ذلك " مبتدأ أيضا، و" جزاؤهم " خبره، و" جهنم " بدل، أو بيان، أو خبر ابتداء مضمر.
الخامس: أن يجعل " ذلك " مبتدأ، و" جزاؤهم " بدل، أو بيان، و" جهنم " خبر ابتداء مضمر، و" بما كفروا " خبر الأول، والجملة اعتراض.
السادس: أن يكون " ذلك " مبتدأ، والجار: الخبر، و" جزاؤهم جهنم " جملة معترضة، وفيه بعد:
السابع: أن يكون " ذلك " إشارة إلى جماعة، وهم مذكورون في قوله: " بالأخسرين "، وأشير إلى الجمع؛ كإشارة الواحد؛ كأنه قيل: أولئك جزاؤهم جهنم، والإعراب المتقدم يعود على هذا التقدير.
ومعنى الكلام: أن ذلك الجزاء جزاء على مجموع أمرين: كفرهم، واتخاذهم آيات الله ورسله هزوا، فلم يقتصروا على الرد عليهم وتكذيبهم، حتى استهزءوا بهم.
قوله: " واتخذوا " فيه وجهان:
أحدهما: أنه عطف على " كفروا " فيكون محله الرفع؛ لعطفه على خبر " إن ".
الثاني: أنه مستأنف، فلا محل له، والباء في قوله: " بما كفروا " لا يجوز تعلقها ب " جزاؤهم " للفصل بين المصدر ومعموله.
{"ayahs_start":102,"ayahs":["أَفَحَسِبَ ٱلَّذِینَ كَفَرُوۤا۟ أَن یَتَّخِذُوا۟ عِبَادِی مِن دُونِیۤ أَوۡلِیَاۤءَۚ إِنَّاۤ أَعۡتَدۡنَا جَهَنَّمَ لِلۡكَـٰفِرِینَ نُزُلࣰا","قُلۡ هَلۡ نُنَبِّئُكُم بِٱلۡأَخۡسَرِینَ أَعۡمَـٰلًا","ٱلَّذِینَ ضَلَّ سَعۡیُهُمۡ فِی ٱلۡحَیَوٰةِ ٱلدُّنۡیَا وَهُمۡ یَحۡسَبُونَ أَنَّهُمۡ یُحۡسِنُونَ صُنۡعًا","أُو۟لَـٰۤىِٕكَ ٱلَّذِینَ كَفَرُوا۟ بِـَٔایَـٰتِ رَبِّهِمۡ وَلِقَاۤىِٕهِۦ فَحَبِطَتۡ أَعۡمَـٰلُهُمۡ فَلَا نُقِیمُ لَهُمۡ یَوۡمَ ٱلۡقِیَـٰمَةِ وَزۡنࣰا","ذَ ٰلِكَ جَزَاۤؤُهُمۡ جَهَنَّمُ بِمَا كَفَرُوا۟ وَٱتَّخَذُوۤا۟ ءَایَـٰتِی وَرُسُلِی هُزُوًا"],"ayah":"ذَ ٰلِكَ جَزَاۤؤُهُمۡ جَهَنَّمُ بِمَا كَفَرُوا۟ وَٱتَّخَذُوۤا۟ ءَایَـٰتِی وَرُسُلِی هُزُوًا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق