الباحث القرآني

﴿وَقَالُوا إِنْ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ﴾ [الأنعام: ٢٩] ﴿قَالُوا﴾ أي: المنكرون للبعث. ﴿إِنْ هِيَ﴾ أي: ما هي. ﴿إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا﴾ يعني ما فيه حياة أخرى ما فيه إلا الحياة الدنيا، ثم أكدوا هذه الجملة بقولهم: ﴿وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ﴾، وهذا إنكار صريح للبعث، مع أن البعث قد دل عليه الكتاب والسنة والعقل والإجماع، وسيأتي في الفوائد. وقوله: ﴿حَيَاتُنَا الدُّنْيَا﴾ ﴿الدُّنْيَا﴾ هل هي من الدنو رتبة ومنزلة، أو من الدنو وقتًا وزمنًا أو منهما؟ منهما جميعًا، فهي بالنسبة للآخرة قبل الآخرة فتكون دنيا، وهي بالنسبة للمرتبة أيضًا دنيا دون الآخرة، كما قال عز وجل: ﴿وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى﴾ [الأعلى ١٧]، ولهذا لا تجد في الدنيا سرورًا دائمًا أبدًا؛ يعني سرورًا للبدن وسرورًا للقلب، هذا لا تجده؛ أي: نعيمًا للبدن والقلب، لا يمكن دائمًا، فإما نعيم في البدن وهو الرفاهية التي يدعو إليها الناس الآن، كثير من الناس يدعون للرفاهية أهم شيء عندهم الترفيه والرفاهية، هذا نعيم أيش؟ نعيم بدن، لكنه يُولّد في القلب حسرة عظيمة وضيق صدر، وإما نعيم في القلب، وهذا للمؤمنين كما قال عز وجل: ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً﴾ [النحل ٩٧]، ولكن مع ذلك لا بد للإنسان من وجود ما يسر به وما يساء به، فلا يمكن أن تجد في الدنيا شيئًا كاملًا من كل وجه، ولهذا انطبق الوصف تمامًا عليها، نسأل الله أن يرزقنا وإياكم الزهادة فيها والرغبة في الآخرة. وقوله: ﴿وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ﴾ أي: بمخرجين من القبور، وليس عندهم دليل على هذا الإنكار إلا مجرد الأهواء والمكابرة، وإلا ما المانع؟ وقد أقام الله الدلائل العقلية والحسية والشرعية على وجوب البعث أو على إمكان البعث، وأنه ليس بممتنع، لكن هم -والعياذ بالله- أنكروا هذا، ومن أجل إنكارهم له لم يعملوا للآخرة، عملهم كله للدنيا، نسأل الله السلامة. * في هذه الآيات الكريمة: أن الكافرين ينكرون البعث؛ لأن قوله: ﴿وَقَالُوا﴾ معطوف على ما سبق، وقد صرح الله عز وجل بهذا في قوله: ﴿زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ﴾ [التغابن ٧]. * ومن فوائد هذه الآية: الإشارة إلى دنوّ حياة الدنيا، وأنها ليست بتلك الحياة التي ينبغي للإنسان أن يحافظ عليها وينسى الآخرة؛ لقوله: ﴿الدُّنْيَا﴾. وقد جاء في الحديث: «لَوْ سَاوَتِ الدُّنْيَا جَنَاحَ بَعُوضَةٍ لَمْ يَسْقِ اللَّهُ مِنْهَا كَافِرًا شَرْبَةَ مَاءٍ»[[أخرجه الترمذي (٢٣٢٠)، وابن ماجه (٤١١٠) من حديث سهل بن سعد.]]. وفي هذا يقول ابن القيم رحمه الله: ؎لَوْ سَاوَتِ الدُّنْيَا جَنَاحَ بَعُوضَةٍ ∗∗∗ لَمْ يَسْقِ مِنْهَا الرَّبُّ ذَا الْكُفْرَانِ؎لَكِنَّهَا وَاللَّهِ أَحْقَرُعِنْــــــــــــــــــــــــــــــدَهُ ∗∗∗ مِنْ ذَا الْجَنَاحِ الْقَاصِرِالطَّيــــَرَانِ * ومن فوائد هذه الآية الكريمة: أن إنكار هؤلاء للبعث إنكار مكابرة، نأخذها من أنه لو صدق ما قالوا لأصبح خلق الخلق عبثًا لا فائدة منه، أمم تحيا وتموت وتتقاتل وتتناحر، ثم لا يكون بعث، يُجازَى فيه المحسن بإحسانه والمسيء بإساءته، هذا غير ممكن.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب