الباحث القرآني

﴿وقالُوا إنْ هي إلّا حَياتُنا الدُّنْيا﴾ . قالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: (وقالُوا) عَطْفٌ عَلى (لَعادُوا) أيْ لَوْ رُدُّوا لَكَفَرُوا، ولَقالُوا (إنْ هي إلّا حَياتُنا الدُّنْيا) كَما كانُوا يَقُولُونَ قَبْلَ مُعايَنَةِ القِيامَةِ، ويَجُوزُ أنْ يُعْطَفَ عَلى قَوْلِهِ: (وإنَّهم لَكاذِبُونَ) عَلى مَعْنى وإنَّهم لَقَوْمٌ كاذِبُونَ في كُلِّ شَيْءٍ، وهُمُ الَّذِينَ ﴿وقالُوا إنْ هي إلّا حَياتُنا الدُّنْيا﴾، وكَفى بِهِ دَلِيلًا عَلى كَذِبِهِمُ انْتَهى. والقَوْلُ الأوَّلُ الَّذِي قَدَّمَهُ مِن كَوْنِهِ داخِلًا في جَوابِ (لَوْ)، هو قَوْلُ ابْنِ زَيْدٍ. وقالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وتَوْقِيفُ اللَّهِ لَهم في الآيَةِ بَعْدَها عَلى البَعْثِ والإشارَةِ إلَيْهِ في قَوْلِهِ: ﴿ألَيْسَ هَذا بِالحَقِّ﴾ [الأنعام: ٣٠] رَدٌّ عَلى هَذا التَّأْوِيلِ انْتَهى. ولا يَرُدُّهُ ما ذَكَرَهُ ابْنُ عَطِيَّةَ؛ لِاخْتِلافِ المَوْطِنَيْنِ؛ لِأنَّ إقْرارَهم بِحَقِّيَةِ البَعْثِ، هو في الآخِرَةِ، وإنْكارَهم ذَلِكَ هو في الدُّنْيا عَلى تَقْدِيرِ عَوْدِهِمْ، وهو إنْكارُ عِنادٍ، فَإقْرارُهم بِهِ في الآخِرَةِ، لا يُنافِي إنْكارَهم لَهُ في الدُّنْيا عَلى تَقْدِيرِ العَوْدِ، ألا تَرى إلى قَوْلِهِ: ﴿وجَحَدُوا بِها واسْتَيْقَنَتْها أنْفُسُهُمْ﴾ [النمل: ١٤] ؟ وقَوْلِ أبِي جَهْلٍ. وقَدْ عَلِمَ أنَّ ما جاءَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، حَقٌّ ما مَعْناهُ أنَّهُ لا يُؤْمِنُ بِهِ أبَدًا، هَذا وذَلِكَ (p-١٠٥)فِي مَوْطِنٍ واحِدٍ، وهي الدُّنْيا، والقَوْلُ الثّانِي الَّذِي ذَكَرَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ، هو قَوْلُ الجُمْهُورِ، وهو أنْ يَكُونَ قَوْلُهُ: ﴿وإنَّهم لَكاذِبُونَ﴾ [الأنعام: ٢٨] كَلامًا مُنْقَطِعًا عَمّا قَبْلَهُ، وقالُوا: إخْبارٌ عَنْ ما صَدَرَ مِنهم في حالَةِ الدُّنْيا. قالَ مُقاتِلٌ: لَمّا أخْبَرَ النَّبِيُّ ﷺ، كُفّارَ مَكَّةَ بِالبَعْثِ، قالُوا: هَذا، ومَعْنى الآيَةِ إنْكارُ الحَشْرِ والمَعادِ. وبَيَّنَ في هَذِهِ الآيَةِ أنَّ الَّذِي كانُوا يَخافُونَهُ، هو الحَشْرُ والمَعادُ عَلى بَعْضِ أقْوالِ المُفَسِّرِينَ المُتَقَدِّمَةِ. و(إنْ) هُنا نافِيَةٌ. ولَمْ يَكْتَفُوا بِالإخْبارِ عَنِ المَحْصُورِ، فَيَقُولُوا هي حَياتُنا الدُّنْيا حَتّى أتَوْا بِالنَّفْيِ والحَصْرِ؛ أيْ لا حَياةَ إلّا هَذِهِ الحَياةُ الدُّنْيا فَقَطْ، وهي ضَمِيرُ الحَياةِ، وفَسَّرَهُ الخَبَرُ بَعْدَهُ. والتَّقْدِيرُ وما الحَياةُ إلّا حَياتُنا الدُّنْيا، هَكَذا قالَ بَعْضُ أصْحابِنا أنَّهُ يَتَقَدَّمُ الضَّمِيرُ، ولا يُنْوى بِهِ التَّأْخِيرُ، إذا جُعِلَ الظّاهِرُ خَبَرًا لِلْمُبْتَدَأِ المُضْمَرِ، وعَدَّهُ مَعَ الضَّمِيرِ المَجْرُورِ بِـ (رُبَّ)، نَحْوَ: رُبَّهُ رَجُلًا أكْرَمْتَ، والمَرْفُوعِ بِـ (نِعْمَ) عَلى مَذْهَبِ البَصْرِيِّينَ، نَحْوَ نِعْمَ رَجُلٌ زَيْدٌ، أوْ بِأوَّلِ المُتَنازِعَيْنِ عَلى مَذْهَبِ سِيبَوَيْهِ، نَحْوَ ضَرَبانِي وضَرَبْتُ الزَّيْدَيْنِ، أوْ أُبْدِلَ مِنهُ المُفَسَّرُ عَلى مَذْهَبِ الأخْفَشِ، نَحْوَ مَرَرْتُ بِهِ زِيدٍ، قالَ: أوْ جُعِلَ خَبَرَهُ، ومَثَّلَهُ بِقَوْلِهِ: ﴿إنْ هي إلّا حَياتُنا الدُّنْيا﴾ التَّقْدِيرانِ الحَياةُ، إلّا حَياتُنا الدُّنْيا، فَإظْهارُ الخَبَرِ يَدُلُّ عَلَيْها ويُبَيِّنُها، ولَمْ يَذْكُرْ غَيْرُهُ مِن أصْحابِنا هَذا القِسْمَ، أوْ كانَ ضَمِيرَ الشَّأْنِ عِنْدَ البَصْرِيِّينَ، وضَمِيرَ المَجْهُولِ عِنْدَ الكُوفِيِّينَ، نَحْوَ هَذا زِيدٌ قائِمٌ، خِلافًا لِابْنِ الطَّراوَةِ في إنْكارِ هَذا القِسْمِ. وتَوْضِيحُ هَذِهِ المُضْمَراتِ مَذْكُورٌ في كُتُبِ النَّحْوِ. والدُّنْيا صِفَةٌ لِقَوْلِهِ: (حَياتُنا)، ولَمْ يُؤْتَ بِها عَلى أنَّها صِفَةٌ تُزِيلُ اشْتِراكًا عارِضًا في مَعْرِفَةٍ؛ لِأنَّهم لا يُقِرُّونَ بِأنَّ ثَمَّ حَياةً غَيْرُ دُنْيا، بَلْ ذَلِكَ وصْفٌ عَلى سَبِيلِ التَّوْكِيدِ، إذْ لا حَياةَ عِنْدَهم إلّا هَذِهِ الحَياةُ. ﴿وما نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ﴾ . لَمّا دَلَّ الكَلامُ عَلى نَفْيِ البَعْثِ بِما تَضَمَّنَهُ مِنَ الحَصْرِ، صَرَّحُوا بِالنَّفْيِ المَحْضِ الدّالِّ عَلى عَدَمِ البَعْثِ بِالمَنطُوقِ، وأكَّدُوا ذَلِكَ بِالباءِ الدّاخِلَةِ في الخَبَرِ عَلى سَبِيلِ المُبالَغَةِ في الإنْكارِ، وهَذا يَدُلُّ عَلى أنَّ هَذِهِ الآيَةَ في مُشْرِكِي العَرَبِ، ومَن وافَقَهم في إنْكارِ البَعْثِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب