الباحث القرآني
ثم قال عز وجل: ﴿وَقَالُوا لَوْ شَاءَ الرَّحْمَنُ مَا عَبَدْنَاهُمْ﴾ [الزخرف ٢٠]، (﴿مَا عَبَدْنَاهُمْ﴾ أي: الملائكة، فعبادتنا إياهم بمشيئته، فهو راضٍ بها، قال الله تعالى) إلى آخره.
﴿وَقَالُوا﴾ أي: المشركون، ﴿لَوْ شَاءَ الرَّحْمَنُ مَا عَبَدْنَاهُمْ﴾ (لو) هذه حرف امتناع لامتناعٍ، (لو شاء الله ما عبدناهم) لكنا عبدناهم لمشيئة الله.
والعجب أنهم قالوا: ﴿مَا عَبَدْنَاهُمْ﴾ فإن كانوا يريدون الملائكة فقد تناقضوا، وإن كانوا يريدون الأصنام فهذا له كلام آخر؛ إذا كانوا يريدون الملائكة فهم قالوا: ﴿مَا عَبَدْنَاهُمْ﴾ مع أنهم جعلوا الملائكة إناثًا، وكان مقتضى ذلك أن يقولوا: ما عبدناهن، فيرجع الضمير إلى الملائكة؛ ضمير المؤنث، أما إذا كانوا مرادهم ﴿مَا عَبَدْنَاهُمْ﴾ أي: ما عبدنا آلهتنا، فلا إشكال.
المفسِّر ذهَبَ إلى أي شيء؟
الإشكال قوله: ﴿مَا عَبَدْنَاهُمْ﴾ ووجه الإشكال فيها؟
* طالب: وجه الإشكال إن كان المراد الملائكة فهم ناقضوا.
* الشيخ: إذا كانوا يعنون الملائكة فقد ناقضوا.
* الطالب: أي: أنهم جعلوهم إناثًا، والضمير (هم) وهو للملائكة.
* الشيخ: وهو للملائكة، أحسنت. وإن كان للأصنام؟
* الطالب: فلا إشكال.
* الشيخ: فلا إشكال.
قال الله عز وجل: ﴿مَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ﴾ (﴿مَا لَهُمْ بِذَلِكَ﴾ القول مِن الرضا بعبادتها، ﴿مِنْ عِلْمٍ﴾، ﴿إِنْ هُمْ﴾ أي: ما هم، ﴿إِلَّا يَخْرُصُونَ﴾ يكذبون، فيترتَّب عليهم العقاب به).
قال الله عز وجل: ﴿مَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ﴾ (من) هنا تُعْرَبُ: زائدة إعرابًا، لكنها في المعنى مفيدة تفيد التوكيد، وسياق الكلام لولا القرآن لكان السياق: ما لهم بذلك علم، لكن تُزَاد الحروف للتوكيد؛ لتوكيد النفي في هذه الآية؛ يعني أن قولهم: ﴿لَوْ شَاءَ الرَّحْمَنُ مَا عَبَدْنَاهُمْ﴾ قول مَبْنِيٌّ على الخرْص والظن والمحاجة بالباطل، وإلا فهم عملوا وعبدوا بدون أن يعلموا أنه مكتوب عليهم؛ لأنه لا يُعْلَمُ المكتوب إلا إذا وقع.
* في هذه الآية فوائد؛ منها: أن هؤلاء احتجوا بالقدر فقالوا: لو شاء الرحمن ما عبدناهم.
* ومنها: بطلان الاحتجاج بالقدر؛ لقوله: ﴿مَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ﴾.
وهنا سؤالٌ هل قولهم: ﴿لَوْ شَاءَ الرَّحْمَنُ مَا عَبَدْنَاهُمْ﴾ هل هو صحيح؟
* طلبة: صحيح.
* الشيخ: صحيح، لكن الاحتجاج به غير صحيح، لو شاء الرحمن ما عبدوهم، كقوله: ﴿وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَلَكِنِ اخْتَلَفُوا﴾ [البقرة ٢٥٣]، فهذا القول صحيح لكن الاحتجاج به؟
* طلبة: غير صحيح.
* الشيخ: غير صحيح، وإنما قلنا: إنه صحيح؛ لأن الله تعالى يشاء كل شيء، كل شيء فهو واقع بمشيئة الله، ولكن لا حُجَّة بشيء لا تعلمه أنت؛ إذ إنك لا تعلم أن هذا مُقدَّرٌ عليك إلا أيش؟
* طلبة: إذا وقع.
* الشيخ: إلا إذا وقع، فالقدر سرٌّ مكتوم لا يُعْلَمُ إلا إذا وقع المقدور.
* ومن فوائد هذه الآية: الرد على القدرية الذين ينكرون أن الله تعالى يشاء أفعال العباد، فالقدرية -وهم المعتزلة- يقولون: إن الإنسان خالقٌ عملَه، مُريدٌ له، مُستقلٌّ به، وإن الله عز وجل لا إرادة له به، سبحان الله!
أيقول الله عز وجل: ﴿إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ﴾ [القمر ٤٩]، وتقولون أنتم: لا؟!
قابلهم قوم آخرون -وهم الجبرية- وقالوا: كل شيء واقع فهو بمشيئة الله، والإنسان مُجْبَرٌ على العمل وليس مختارًا.
وهذا أيضًا قول باطل، كلٌّ يعرف الفرق بين الفعل الاختياري وبين الفعل الاضطراري، كلٌّ يعرف الفرق بين أن ينزل الإنسان من السطح على الدرج شيئًا فشيئًا وبين أن يتدحرج بدون اختيار منه، هم يقولون: إن الكل -أعني الجبرية- يقولون: الكل سواء، ينزل باختيار أو يتدحرج بدون اختيار، الكل سواء، ما حركة الإنسان إلا كحركة السَّعفة في الريح.
وهذا أيضًا قول باطل، ولا يمكن أن تقوم به أمة، ولا أن تقوم به ملة، ولا أن تقوم به دنيا ولا أخرى، وإلا لقلنا: كل إنسان يتسلَّط على آخر، ثم يقول: واللهِ هذا بقضاء الله وقدره، ما أملك. هل يرضى هؤلاء أن يأتي شخص، ويرضُّهم رضًّا، ثم يقول: هذا بقدر الله؟
* طالب: لا.
* الشيخ: الجواب: لا، لا أحد يرضى بذلك.
ولمَّا أمر عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن تقطع يد السارق، قال: مهلًا يا أمير المؤمنين، والله ما سرقت إلا بقدر الله. قال: ونحن لا نقطع يديك إلا بقدَرِ الله. فكل إنسان يعرف أن الإنسان مختارٌ، وله إرادة تامة بها يفعل.
لو أننا قلنا بقول الجبرية لكانت عقوبة الله للمجرمين ظلمًا؛ لأنهم سيقولون: يا ربنا، فعلنا هذا بغير اختيار، والذين يقولون: إن الله لا علاقة له بفعل العبد، أيضًا هم مخطئون، ولهذا يُسَمَّى هؤلاء القدرية مجوسَ هذه الأمة. لماذا؟ لأنهم جعلوا للحوادث خالقَينِ: حوادث بشرية مِن خلْقِ البشر، وحوادث إلهية من خلْقِ الله عز وجل، فسمُّوا مجوس هذه الأمة؛ لأن المجوس يقولون: إن الحوادث لها خالقان؛ الشر تخلقه الظلمة، والنور يخلق الخير، هذه عقيدة المجوس، وفي ذلك يقول المتنبي في ممدوحه:
؎وَكَمْ لِظَلَامِ اللَّيْلِ عِنْدَكَ مِنْ يَدٍ ∗∗∗ تُخَــــبِّرُ أَنَّ الْمَـــانَـــــوِيَّةَتَكْــــذِبُ
ظلام الليل ظلمة، وأنت أيها الممدوح لك الكرمُ في الليل والنهار.
على كل حال يا إخوان، نرجع إلى الآية، هل قولهم: ﴿لَوْ شَاءَ الرَّحْمَنُ مَا عَبَدْنَاهُمْ﴾ صحيح أو لا؟
* طلبة: صحيح.
* الشيخ: صحيح، لكن هل هو حجة؟ لا، ولهذا قال عزَّ وجلَّ: ﴿مَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ﴾.
* من فوائد هذه الآية الكريمة: أن المحتجَّ بالقدر لا علم عنده.
كيف لا يكون عنده علم وهو يعلم أنه ما وقع إلا بمشيئة الله؟ فالجواب: هو إنما علم بعد الوقوع، لكن قبل الوقوع يعلم أو لا يعلم؟
* طلبة: لا يعلم.
* الشيخ: لا يعلم، إذن لا حُجَّة له؛ لأن الحجة دليل، والدليل لا بد أن يسبق المدلول، فعلْمُهم لاحقٌ وليس بسابقٍ.
* من فوائد هذه الآية الكريمة: أن قولهم هذا مبنيٌّ على الكذبِ؛ لقوله: ﴿إِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ﴾؛ أي: يكذبون.
ولنا أن نقول: ﴿يَخْرُصُونَ﴾ بمعنى يظنون، كما قال عز وجل في آية أخرى: ﴿إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ﴾ [الجاثية ٢٤].
{"ayah":"وَقَالُوا۟ لَوۡ شَاۤءَ ٱلرَّحۡمَـٰنُ مَا عَبَدۡنَـٰهُمۗ مَّا لَهُم بِذَ ٰلِكَ مِنۡ عِلۡمٍۖ إِنۡ هُمۡ إِلَّا یَخۡرُصُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق