الباحث القرآني
الطالب: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ﴿فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ (١٥) فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي أَيَّامٍ نَحِسَاتٍ لِنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَخْزَى وَهُمْ لَا يُنْصَرُونَ﴾ [فصلت ١٥، ١٦].
* الشيخ: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، قال الله تبارك وتعالى لما ذكر أمر النبي عليه الصلاة والسلام أن ينذر قريشًا بصاعقة مثل صاعقة عاد وثمود بيَّن ماذا كان من عاد وماذا كان من ثمود، فقال جلَّ وعلا: ﴿فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ﴾ (أما) هذه أداة شرط وتفصيل، أما كونها أداة شرط؛ فلأن لها شرط وجزاء ﴿فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا﴾، وأما كونها أداة تفصيل؛ فلأنها تأتي كذلك في التفصيل: ﴿فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى (٥) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى﴾ [الليل ٥، ٦] ﴿وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى (٨) وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى﴾ [الليل ٨، ٩] فهي إذن حرف شرط وتفصيل.
﴿فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ﴾ استكبروا أي: أصابهم الكِبر؛ وإنما أتت السين والتاء للمبالغة؛ أي: تكبَّروا تكبُّرًا عظيمًا.
وقوله: ﴿بِغَيْرِ الْحَقِّ﴾ هذه ليست صفة مقيدة ولكنها صفة كاشفة؛ لأن كل استكبار في الأرض فإنه بغير الحق، فالاستكبار لا ينقسم إلى قسمين، بل هو قسم واحد، فكل استكبار فإنه بغير حق، ويسمى مثل هذا القيد صفةً كاشفة؛ أي تكشف ما سبق، وتبين حقيقته، إذن فما حقيقة الاستكبار؟ أنه بغير حق، والحق ضد الباطل، والباطل إما أن يكون في الخبر، وإما أن يكون في الطَّلب، فأما الباطل في الخبر فأن يكون كذبًا، وأما الباطل في الحكم فأن يكون جورًا، وقوله تعالى: ﴿وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ﴾ [الحج ٦٢] يشمل الأمرين: يشمل دعواهم أن هذه آلهة، وهذه دعوى كاذبة، ويشمل عملهم لهذه الآلهة وهو جور وظلم، حيث يعدلون المخلوق بالخالق.
﴿وَقَالُوا﴾ يعني من جملة ما استكبروا به. (﴿قَالُوا﴾ لما خُوِّفوا بالعذاب ﴿مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً﴾ ) أي: لا أحد. و﴿مَنْ﴾ هنا استفهام بمعنى النفي والإنكار، وقد كررنا مرارًا أن الاستفهام إذا كان بمعنى الإنكار والنفي صار أبلغ من النفي المجرد؛ لأنه يتضمن التحدي.
﴿مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً﴾ و﴿مَنْ﴾ كما تعلمون اسم استفهام و﴿أَشَدُّ﴾ خبر المبتدأ؛ لأن ﴿مَنْ﴾ مبتدأ، و﴿أَشَدُّ﴾ خبر المبتدأ، و﴿قُوَّةً﴾ تمييز لـ﴿أَشَدُّ﴾ ومن الضوابط الغالبة أنه إذا أتى الاسم منصوبًا بعد اسم التفضيل كان تمييزًا، ﴿مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً﴾ أي لا أحد، ثم ذكر المؤلف نموذجًا من قوتهم قال: (كان واحدهم يقلع الصخرة العظيمة من الجبل يجعلها حيث يشاء). وهذا المثال قد يكون حقًّا وقد يكون إسرائيليًّا؛ لأن المعروف أن عادًا كانوا أيش؟
* طالب: ينحتون.
* الشيخ: النحت إذا ثبت ممكن يحملون الجبل، أين موقعهم؟
﴿وَاذْكُرْ أَخَا عَادٍ إِذْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ بِالْأَحْقَافِ﴾ [الأحقاف ٢١] والمعروف أن الأحقاف كلها جبال رملية، لكن على كل حال سواء صح هذا المثال أم لم يصح فإنهم كانوا بلا شك أقوياء أشداء فقالوا: ﴿مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً﴾ قال الله تبارك وتعالى رادًّا عليهم: ﴿أَوَلَمْ يَرَوْا﴾ أي يعلموا ﴿أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً﴾ [فصلت ١٥]، وهذا تقرير لكون الله تعالى أشد منهم قوة. ﴿أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ﴾ ولم يقل: إن الله أشد، بل قال: ﴿خَلَقَهُمْ﴾؛ ليبين ضعفهم وأنهم مخلوقون، وأن الخالق سوف يكون أقوى منهم، فالذي خلقهم أشد منهم قوة؛ لأنه هو الذي أعطاهم القوة ومُعطِي الكمال أولى به، وهذا هو الحكمة من كونه تعالى قال: ﴿أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ﴾ ولم يقل: أولم يعلموا أن الله الذي خلق السماوات والأرض، أو أن الله هو أشد منهم قوة؛ ليبين ضعفهم وأنهم مخلوقون ضعفاء.
قال: ﴿وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ﴾ [فصلت ١٥]. قوله: ﴿وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ﴾ هذه معطوفة على قوله: ﴿فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ﴾ ﴿وَقَالُوا﴾ [فصلت ١٥]، ﴿وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ﴾. قال: (بآياتنا المعجزات) ﴿يَجْحَدُونَ﴾ يعني يُكذِّبون؛ لأن الجحد هو التكذيب والإنكار ولا سيما وهو مُعدًّى بـ(الباء) الدالة على ذلك، وقول المؤلف: بآياتنا معجزاتنا.
فيه نظر؛ لأن الآيات هي العلامات والدلالات على الخالق عز وجل وليست معجزات، وقد ذكرنا أن المعجزات تأتي آيات وتأتي من الشياطين بواسطة السحرة وغير ذلك لكن إذا قلنا: آيات. صار معناه علامات دالة على الحق ﴿وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ﴾.
(﴿﴿فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا﴾ ﴾ [فصلت: ١٦] باردة شديدة الصوت بلا مطر) ﴿رِيحًا﴾ هنا نكرة يُراد بها التعظيم؛ أي: ريحًا عظيمة ﴿صَرْصَرًا﴾ شديدة الصوت، تسمع لها صوتًا كالرعد من شدتها، وشدة اصطدامها بالهواء والأشجار والأحجار والبيوت.
وقول المؤلف: (بلا مطر) هذه الظاهر أنها لا تدل عليه السياق الموجود الآن، الموجود في هذه الآية لا يدل على أنه بلا مطر فيما يظهر لي لكنه قد دل عليه قوله تعالى: ﴿وَفِي عَادٍ إِذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ﴾ [الذاريات ٤١] يعني التي ليس فيها مطر؛ لأن المطر من أسباب الرياح، يرسلها الله تعالى فتثير سحابًا فيبسطه في السماء كيف يشاء ويجعله كسفًا فترى الودق يخرج من خلاله، لكن ريح عاد ليس فيها ذلك.
(﴿﴿فِي أَيَّامٍ نَحِسَاتٍ﴾ ﴾ [فصلت: ١٦] بكسر الحاء وسكونها مشؤومات عليهم) ﴿فِي أَيَّامٍ﴾ هذه الأيام بيَّن الله قدرها في آية أخرى في قوله: ﴿سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا﴾ [الحاقة ٧] ابتدأت بالفجر وانتهت به، أو بالغروب؟ ابتدأت بالفجر وتنتهي؟ نشوفها: الأول والثاني والثالث والرابع والخامس والسادس والسابع، سبع ليالٍ وثمانية أيام، ثمانية أيام تنتهي بالغروب، وسبع ليال لأن الليلة الأولى حُذفت.
يقول عز وجل: (﴿لِنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ﴾ الذل ﴿فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ ) اللام للعاقبة، ويحتمل أن تكون للتعليل، وكلاهما صحيح؛ فإن الله تعالى أرسل عليهم الريح العقيم لهذا الغرض، أو أرسل عليهم الريح العقيم حتى كانت عاقبتهم أن ذاقوا عذاب الخزي في الحياة الدنيا؛ يعني هذه الحياة التي نحياها وسُمِّيت دُنيَا لوجهين: لدناءتها وحقارتها بالنسبة للآخرة؛ لأن موضع سوط الإنسان في الجنة خير من الدنيا وما فيها؛ ولأنها أيضًا دنيا مُنغَّصة، لا تكاد يمر بك الشهر إلا وقد وجدت تنغيصًا بل أقل من ذلك كما قال الشاعر:
؎فَيَوْمٌ عَلَيْنَا وَيَوْمٌ لَنَا ∗∗∗ وَيَوْمٌ نُسَاءُ وَيَوْمٌ نُسَرْ
الوجه الثاني: لدنوها؛ لأنها سابقة للآخرة فهي أدنى إلى المخلوقات من الآخرة، إذن لماذا سُميت دنيا؟
* طالب: إما لدناءتها أو حقارتها، وإما (...)، أو إما؛ لأنها والدناءة كذلك من أنها كثيرة المنغصات ليست كالآخرة، أو أنها لدنوها وقربها.
* الشيخ: إي، كما قال تعالى: ﴿قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ﴾ [الحاقة ٢٣] أي قريبة، وقول أسامة: إما لكذا وإما لكذا خطأ والصواب: لكذا وكذا؛ لأنها جمعت بين الأمرين ما هي بـ(إما لهذا وإما لهذا).
قال تعالى: ﴿وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَخْزَى﴾ [فصلت ١٦] أشد ﴿وَهُمْ لَا يُنْصَرُونَ﴾ [فصلت ١٦] بمنعه عنهم، اللام في قوله: ﴿وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ﴾ يسمونها لام الابتداء وهي للتوكيد؛ ولذلك إذا جاءت (إن) أين تذهب اللام؟ تُزحلق تُؤخَّر عن مكانها، وتكون في المتأخر من اسم (إن) أو خبرها، وإنما زحلقناها؛ لئلا يجتمع في أول الكلام مؤكدان متواليان؛ ولهذا نقول: اللام في قوله: ﴿وَلَعَذَابُ﴾ هي لام الابتداء وتفيد التوكيد، ويدل لهذا أنها مع (إن) تُزحْلق حتى تُبعد عنها. ﴿وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَخْزَى﴾ يعني أشد خزيًا -والعياذ بالله- لأن عذاب الدنيا لا يسمع به من سبق، أليس كذلك؟
* الطلبة: بلى.
* الشيخ: ولا يراه من لحق، أليس كذلك؟
* الطلبة: بلى.
* الشيخ: لا يسمع به من سبق؛ لأنه جاء بعدهم، فالقوم الذين قبل عاد ما علموا بذلك، والقوم الذين بعدهم ما رأوه؛ سمعوا به ولم يروه، لكن في الآخرة سماع ورؤية -والعياذ بالله- الذي يُعذَّب في الآخرة سماع ورؤية يسمعه كل أحد، السابق واللاحق؛ ولهذا قال: ﴿أَخْزَى﴾ ثم هو أيضًا أشد كما قال تعالى في آية أخرى: ﴿وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى﴾ [طه ١٢٧] أشد وأعظم كما تعرفون من عذاب النار أعاذنا الله وإياكم منها.
﴿وَهُمْ لَا يُنْصَرُونَ﴾ هذه استئنافية يعني أنهم في الآخرة لا أحد ينصرهم، في الدنيا ربما يُنصر الإنسان من العذاب بدفعِه أو رفعِه: بدفعه قبل وقوعه، أو رفعه بعد وقوعه لكن في الآخرة لا ناصر.
* في هذه الآيات فوائد، منها: بيان عِظم استكبار هؤلاء المكذبين لنبيهم؛ أعني عادًا؛ لقوله: ﴿فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً﴾ [فصلت ١٥].
* ومنها: بيان طغيان الإنسان، وأن الإنسان لا حد لطغيانه؛ لأن وصوله إلى هذه الدرجة ﴿مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً﴾ يدل على الطغيان العظيم والكبرياء.
* ومنها: حِكمة الله عز وجل بأخذهم بالعذاب حيث أُخِذوا بما هو ألطف الأشياء وهو الريح اللطيفة التي يكون بها إنعاش البَدَن وتقويته ونشاطه هي التي أُهلك بها عاد؛ لأنهم قالوا: ﴿مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً﴾، وانظر إلى فرعون حين قال: ﴿أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلَا تُبْصِرُونَ (٥١) أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلَا يَكَادُ يُبِينُ﴾ [الزخرف ٥١، ٥٢] بماذا عُذِّب؟ بالماء الذي كان بالأمس يفتخر به.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: بلاغة القرآن في الإقناع وإقامة الحجة؛ لقوله: ﴿أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً﴾ [فصلت ١٥] وجه ذلك أنه قال: ﴿الَّذِي خَلَقَهُمْ﴾.
* ومن فوائد الآية الكريمة: جواز عقد المفاضلة بين الخالق والمخلوق؛ لقوله: ﴿أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً﴾ مع أنه سبحانه وتعالى أشد من كل أحد لكن المقام مقام مُحاجَّة، ومقام المحاجَّة لا بأس أن يُذكر فيها المفاضلة بين المُفضَّل والْمُفضَّل عليه، ونظير هذا بل أبلغ منه قول الله تعالى: ﴿آللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ﴾ [النمل ٥٩] أفيدوني: هل في أصنامهم خير؟
* طالب: لا.
* الشيخ: لكن هذا من باب المحاجَّة، وأن الإنسان يحاج الخصم بما يُقِرُّ به..
لكن المقام مقام مُحاجَّة، ومقام المحاجة لا بأس أن يُذكَرَ فيها المفاضلة بين المفضل والمفضل عليه، ونظيرُ هذا بل أبلغ منه قول الله تعالى: ﴿آللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ﴾ [النمل ٥٩]، أفيدوني: هل في أصنامهم خير؟
* طلبة: لا.
* الشيخ: لكن هذا من باب المحاجة، وأن الإنسان يحاجُّ الخَصْمُ بما يُقرُّ به.
قوله: ﴿هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً﴾ [فصلت ١٥] يتفرَّع على هذا من الفوائد: خطأُ مَنْ يفسِّر قولََ الله تعالى: ﴿اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ﴾ [الأنعام ١٢٤]، ﴿وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِمَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ [الإسراء ٥٥]، ﴿وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ﴾ [الأنعام ١١٧]، وما أشبه ذلك، حيث يُفسِّر ﴿أَعْلَمُ﴾ بـ(عالم) كالجلالين رحمه الله.
﴿أَعْلَمُ﴾ يقول: (عالم) هذا خطأ عظيم وتحريف للقرآن أيهما أبلغ؛ أعلم أو عالم؟
* طلبة: أعلم.
* الشيخ: أعلم؛ لأن أعلم يمنع المشاركة، وعالم لا يمنع المشاركة، تقول: فلان عالم، وفلان عالم، وفلان عالم، لكن إذا قلت: فلان أعلم؛ معناه أنه لا يساويه أحد في درجته، فتفسير ﴿أَعْلَمُ﴾ بـ(عالم) لا شك أنه تحريف في القرآن وقصور عظيم.
* من فوائد هذه الآية الكريمة: بيان أن هؤلاء المكذِّبين لهود -وهم عاد- جمعوا بين الأمرين: بين الاستكبار، وبين التكذيب؛ الاستكبار في قوله: ﴿فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ﴾، التكذيب ﴿وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ﴾ [فصلت ١٥].
* ومِن فوائد هذه الآية الكريمة: أن الله عزَّ وجلَّ أرسل الرسل بالآيات وأقام البينات والبراهين على أنه الحق، وأن رسله حق؛ لقوله: ﴿بِآيَاتِنَا﴾.
* ومن فوائد هذه الآيات: أن الرياح تجري بأمر الله؛ لقوله: ﴿فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا﴾ [فصلت ١٦]، ولا شك أن كل شيء يجري بأمر الله، حتى أفعال البشر تكون بأمر الله عز وجل، كما هو مذهب أهل السنة والجماعة، فكل شيء يسير بأمر الله عز وجل؛ الرياح، السحاب، البحار، الأنهار كلها تجري بأمر الله عز وجل.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: بيان حال هذه الريح التي أهلك الله بها عادًا، وأنها ريح صرصَرٌ شديدة، وفي آيات أخرى ما يدل على أنها ليس فيها مطر، وليس فيها خير، بل هي عقيمة من الخير كله.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: حكمة الله عز وجل في مجازاة مَنْ يستحق الجزاء؛ حيث يُجازى بمثل عمله؛ ولهذا يقول العلماء: الجزاء من جنس العمل، وجه ذلك أن الله أرسل على هؤلاء المستكبرين الذين يقولون: من أشد منا قوة؛ أرسل عليهم الريح اللَّيِّنة الهينة، ومن حكمة الله عز وجل في هذا العذاب أنها لم تكن تَجْرِفُهم في آن واحد، بل سُلِّطت عليهم سبعَ ليالٍ وثمانية أيام؛ ليكون هذا أشد في استمرار العقوبة؛ لأن الإنسان المعاقَب لو عوقب بما يهلكه فورًا لكان ينتهي من العقوبة، لكن إذا كانت العقوبة تأتي عليه في ساعات أو أيام صار هذا أشد.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: بيانُ أن أفعال الله تعالى مقرونة بالحكمة؛ لقوله: ﴿لِنُذِيقَهُمْ﴾ [فصلت ١٦]، وهذا مذهب أهل السنة والجماعة؛ أن أفعال الله تعالى مقرونة بالحكمة، وأن شرعَه مقرونٌ بالحكمة، فكل ما شرعه أو قدَّره فإنه لحكمة، لكن هل هذه الحكمة معلومة؟ منها ما هو معلوم، ومنها ما ليس بمعلوم.
اضرب لي مثلًا بما حكمته غير معقولة؛ يعني لا ندركها بالعقل.
* طالب: يعني: شيء لا يدركه العقل.
* الشيخ: فيه أشياء من الشَّرْع أو من القَدَر معلومة الحكمة، وفيه أشياء غير معلومة، أنا أريد أن تضرب لي مثلًا للأشياء غير المعلومة التي لا نعلم حكمتها.
* الطالب: تعني من المقدرات؟
* الشيخ: لا، من المشروعات أسهل لك.
* الطالب: من المشروعات يعني: مثل ما يُعذِّب به الكفار..
* الشيخ: لا، هذه حكمة معلومة.
* طالب: فرض خمس صلوات.
* الشيخ: نعم، مثل الصلوات الخمس ما نعلم الحكمة في أنها خمس، أو نعلم الحكمة في أنها أربع، وأربع، وأربع، وثنتين، وثلاث، ما نعلم؛ لأن عقولنا قاصرة، لكننا نعلم أن الله لا يفعل شيئًا إلا لحكمة؛ ولهذا كان «جواب عائشة لِمُعاذَة أن قالت: كان يصيبُنا ذلك فنُؤْمَر بقضاء الصوم، ولا نؤمَر بقضاء الصلاة»[[أخرجه مسلم (٣٣٥ / ٦٩) من حديث عائشة.]]؛ يعني: وإذا كان الأمر كذلك؛ نؤمر بقضاء هذا دون هذا، فهذا لا بد أن يكون لحكمة.
طيب، من علماء الأمة وفِرَقِها من يقول: إن أفعال الله لا تعلل، ما لها حكمة، وشرعه ما له حكمة، يفعل لمجرد المشيئة، يحكم بالشَّرع لمجرد المشيئة، وهؤلاء لا شك أنهم وصفوا الله بالنقص والسفه، وقد أنكر الله على ذلك في قوله تعالى: ﴿وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ﴾ [ص ٢٧]، وقال: ﴿وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ﴾ [الدخان ٣٨]، وقال: ﴿أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ﴾ [المؤمنون ١١٥]، والآيات في هذا كثيرة، وكل آية فيها لام التعليل فإنها تدل على الحكمة.
طيب، فيه أناس عكسوا قالوا: إن أفعال الله مُعلَّلة بحكمة، وأنه يجب عليه أن يفعل ما تقتضيه الحكمة، وأن يَشْرَع ما تقتضيه الحكمة، وهؤلاء أصابوا من وجه وأخطؤوا من وجه، أصابوا حيث ظنوا أننا نوجب نحن على ربنا بعقولنا ما نرى أن الحكمة تقتضيه، وهذا غلط ولَّا صح؟
هؤلاء يقولون: يجب على الله أن يفعل ما فيه الحكمة وجوبًا، هذا غلط من وجه، وصحيح من وجه، فإن أرادوا بذلك أنَّنا نوجب على الله أن يفعل ما تقتضي عقولنا أنه الحكمة، فهذا غلط، وإن أرادوا أن الله أوجب على نفسه أن يفعل ما به الحكمة؛ لأنه حكيم فهذا صحيح، ونحن لا نشك أنَّ الحكمة هي مرادُ الله عز وجل، وأنه لا يفعل شيئًا ولا يحكم شيئًا إلا لحكمة، لكن هل نحن الذين نُقدِّر الحكمة ثم نوجب على الله أن يفعل؟ هذا هو الخطأ، فالثاني هذا مذهب المعتزلة، والأول مذهب الأشاعرة وأتباعهم، والصواب الوسط، ودائمًا خير الأمور الوسط.
* طالب: ما هو الوسط يا شيخ؟
* الشيخ: الوسط أن الله يجب عليه أن يفعل؛ لإيجابه على نفسه الحكمة؛ لأنه نفى أن يكون فعله عبثًا، أو لعبًا، أو باطلًا، وهذا يقتضي أنه سبحانه وتعالى يفعل الشيء لحكمة، لكن لسنا نحن الذين نوجبها على الله.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: أن عذاب الآخرة أشدُّ من عذاب الدنيا؛ لقوله: ﴿لِنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾.
* ومن فوائدها: أن الكافِرَ يُعاقب بالعقوبتين: عقوبة الدنيا، وعقوبة الآخرة؛ لقوله: ﴿لِنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَخْزَى﴾.
أما المؤمن فإن الله تعالى لا يجمع عليه عقوبتين؛ إذا عوقب بالذنب في الدنيا لم يُعاقَب به في الآخرة؛ لقوله تبارك وتعالى: ﴿وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ﴾ [الشورى ٣٠]، ولأن النبي ﷺ أخبر أن مَنْ أتى شيئًا من هذه القاذورات -يعني المعاصي- فعوقب به في الدنيا لم يُعذَّب به في الآخرة.
فالمؤمن إذا عوقب في الدنيا على عمله لم يعاقبْ في الآخرة، والكافر يعاقب بهذا وهذا، وانظر إلى قوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا (٦٨) يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ﴾ [الفرقان ٦٨، ٦٩] حيث قال: ﴿يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ﴾، فإما أن يكونَ المرادُ أنَّ عذاب الآخرة أشد فيكون بالنسبة لشدَّتِه مضاعفًا، وإما أن يكون هو الجمع له بين عذاب الدنيا وعذاب الآخرة.
وقولنا: إنه يجمع له بين عذابين ليس معناه أنه حتميٌّ، لكن نقول: إنه إذا عُذِّب بذنبه في الدنيا لم يَسْلَم من تعذيبه به في الآخرة، انتبهوا لهذا حتى لا يَرِدَ علينا أنَّ الكفار الآن يموتون وهم في غاية ما يكون من السرور والعافية والأموال والأولاد ولم يجدوا عذابًا.
والمعنى أنهم لم يجدوا عذابًا يُشاهَد، لكن العذابَ القلبيَّ عندهم لا شك أنه موجود، أشد الناس عذابًا قلبيًّا وقلقًا هم الكفار، وكلما كان الإنسان أعصى لربه كان أشدَّ قلقًا وأقل راحة، وكلما كان أشد إيمانًا وعملًا صالحًا كان أشد طمأنينة، واستمع إلى قوله تعالى: ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [النحل ٩٧]، ولم يقلْ عزَّ وجل: لنعطينَّه مالًا كثيرًا لا؛ لنحيينه حياة طيبة ولو كان فقيرًا، فتجد حياته طيبة، مطمئن البال، مستريحًا، لا يهتم بشيء إلا بما يرضي الله عز وجل.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: أنه لا ناصر للمعذَّبين يوم القيامة؛ لقوله: ﴿وَهُمْ لَا يُنْصَرُونَ﴾، وهذه لها شواهد، ومنها قوله تعالى: ﴿يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ (٩) فَمَا لَهُ مِنْ قُوَّةٍ وَلَا نَاصِرٍ﴾ [الطارق ٩، ١٠]، وكذلك هم يُقِرُّون بأنهم ﴿فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ (١٠٠) وَلَا صَدِيقٍ حَمِيمٍ﴾ [الشعراء ١٠٠، ١٠١].
{"ayahs_start":15,"ayahs":["فَأَمَّا عَادࣱ فَٱسۡتَكۡبَرُوا۟ فِی ٱلۡأَرۡضِ بِغَیۡرِ ٱلۡحَقِّ وَقَالُوا۟ مَنۡ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةًۖ أَوَلَمۡ یَرَوۡا۟ أَنَّ ٱللَّهَ ٱلَّذِی خَلَقَهُمۡ هُوَ أَشَدُّ مِنۡهُمۡ قُوَّةࣰۖ وَكَانُوا۟ بِـَٔایَـٰتِنَا یَجۡحَدُونَ","فَأَرۡسَلۡنَا عَلَیۡهِمۡ رِیحࣰا صَرۡصَرࣰا فِیۤ أَیَّامࣲ نَّحِسَاتࣲ لِّنُذِیقَهُمۡ عَذَابَ ٱلۡخِزۡیِ فِی ٱلۡحَیَوٰةِ ٱلدُّنۡیَاۖ وَلَعَذَابُ ٱلۡـَٔاخِرَةِ أَخۡزَىٰۖ وَهُمۡ لَا یُنصَرُونَ"],"ayah":"فَأَمَّا عَادࣱ فَٱسۡتَكۡبَرُوا۟ فِی ٱلۡأَرۡضِ بِغَیۡرِ ٱلۡحَقِّ وَقَالُوا۟ مَنۡ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةًۖ أَوَلَمۡ یَرَوۡا۟ أَنَّ ٱللَّهَ ٱلَّذِی خَلَقَهُمۡ هُوَ أَشَدُّ مِنۡهُمۡ قُوَّةࣰۖ وَكَانُوا۟ بِـَٔایَـٰتِنَا یَجۡحَدُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق