الباحث القرآني
ثم قال الله تعالى: ﴿فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً﴾ [فصلت ١٣] إلى آخره، قال المفسر: (﴿فَإِنْ أَعْرَضُوا﴾ أي كفار مكة). ومعلوم أن الآية لم تنص على كفار مكة لكن السياق يدل على ذلك، حيث قال: ﴿فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ﴾ [فصلت ١٣].
(﴿فَإِنْ أَعْرَضُوا﴾ أي كفار مكة عن الإيمان بعد هذا البيان ﴿فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ﴾ خوفتكم ﴿صَاعِقَةً مِثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ﴾ أي عذابًا يهلككم مثل الذي أهلكهم).
﴿أَنْذَرْتُكُمْ﴾ الإنذار فسره المؤلف بأنه التخويف، وهو كذلك؛ لأن المنذِر هو من تكلم بكلام يخوف به غيره؛ ولهذا قيل: إن الإنذار هو الإعلام المتضمِّن للتخويف.
وقوله: ﴿صَاعِقَةً﴾ الصاعقة ما يصعق المرء أي: يُهلكه ﴿مِثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ﴾، والمثلية هنا لا تقتضي -والله أعلم- المماثَلة من كل وجه بل مِثلية في أصل الإهلاك، أو في مآل العذاب، ويحتمل أن الله تعالى أنذرهم ﴿مِثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ﴾.
وصاعقة عاد وثمود نوعان: الرجفة، والريح الشديدة، الذين أُهلكوا بالريح الشديدة هم عاد، والذين أهلكوا بالرجفة والصيحة هم ثمود، وإنما ذكر الله عادًا وثمود؛ لأن العرب يعرفونهما فهم يمرون بديار ثمود إذا ذهبوا إلى الشام، وهم كذلك يعرفون محل عاد الأحقاف، ويذكرون ويتناقلون ما جرى لهم من العذاب، وإلا فهناك أناس أيضًا أهلكهم الله عز وجل لكن لما كان هؤلاء القوم -أعني عادًا وثمود- هم الذين تعرفهم العرب -أي كفار مكة- نص عليهم، ﴿مِثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ﴾، ﴿عَادٍ﴾ هم قوم هود، و﴿ثَمُودَ﴾ هم قوم صالح.
أُهلكت عاد بالريح، والحكمة من ذلك أن يريهم الله عز وجل ضعفهم، وكانوا قد افتخروا بقوتهم فقالوا: ﴿مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً﴾ [فصلت ١٥]، فقال الله تعالى: ﴿أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً﴾ [فصلت ١٥]. وأما ثمود فأهلكهم الله عز وجل برجفة وصيحة، صِيح بهم وأرجفت بهم الأرض فهلكوا.
﴿إِذْ جَاءَتْهُمُ الرُّسُلُ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ﴾ [فصلت ١٤] إلى آخره ﴿إِذْ﴾ هذه ظرف للتعليل يعني عن تعليل الصاعقة التي أهلكتهم سبب ذلك أن الرسل جاءتهم من بين أيديهم ومن خلفهم قال المفسر: (أي مقبلين عليهم ومدبرين عنهم فكفروا كما سيأتي والإهلاك في زمنه فقط).
﴿إِذْ جَاءَتْهُمُ الرُّسُلُ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ﴾. قوله: ﴿مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ﴾ يقول المؤلف: (أي مُقبلين عليهم ومُدبرين عنهم) يعني تارة يقبلون فيدعون، وتارة يُدبرون فيهددون إذا لم يؤمنوا، ويحتمل أن يكون المراد من بين أيديهم ومن خلفهم أي أتوهم بالآيات الماضية والآيات المستقبلة، فلم يُقصِّروا في بيان الحق بل جاؤوا ببيان الحق من كل وجه.
وقوله: (فكفروا) هذا هو المقصود من الإنذار؛ أنهم كفروا فأُهلكوا، ولهذا قال: (والإهلاك في زمنه فقط) أي في زمن الكفر، وليس في زمن المجيء؛ لأن الرسل جاءت أولًا، ثم دعت ودعت، فلما أصروا على كفرهم أهلكوا، (أن أي بأن لا ﴿تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ﴾ ) أفادنا المؤلف رحمه الله أن (أن) هنا مصدرية، والتقدير: بألَّا تعبدوا. أي جاءتهم بعدم عبادة غير الله، ويحتمل أن تكون (أن) تفسيرية؛ لأنه سبقها معنى القول دون حروفه؛ لأن مجيء الرسل جاؤوا بكلام ووحي يتكلمون به، ففيه معنى القول دون حروفه، وكلما جاءت (أن) بعد ما فيه معنى القول دون حروفه فإنهم يسمونها تفسيرية مثل قوله تعالى: ﴿فَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا﴾ [المؤمنون ٢٧] أوحينا أن اصنع الفلك.
﴿وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي﴾ [النحل ٦٨] فـ﴿أَن﴾ هنا تفسيرية، فكلما جاءت ﴿أَن﴾ بعد ما تضمن معنى القول دون حروفه فإنها تكون تفسيرية، إذن ﴿أَن﴾ هنا يحتمل أن تكون مصدرية كما مشى عليه المفسر، وأن تكون تفسيرية.
ينبني على هذا الخلاف كيف نعرب (لا)؟ إن أعربنا ﴿أَن﴾ مصدرية فـ(لا) نافية، والفعل منصوب بـ(أن)، وإن أعربناها تفسيرية فـ(لا) ناهية، والفعل مجزوم بـ(لا).
فإعراب ﴿تَعْبُدُوا﴾ إذن يتنزل على الخلاف في أيش؟ في ﴿أَن﴾ قل يا أخ! إذا جعلناها تفسيرية يكون الفعل مجزومًا بماذا؟
* طالب: (...).
* الشيخ: كيف تعرب الفعل إذا كانت ﴿أَن﴾ تفسيرية؟
* طالب: فعل مضارع مجزوم بـ(لا) الناهية.
* الشيخ: أحسنت، فعل مضارع مجزوم بـ(لا) الناهية، وإذا أعربنا (أن) مصدرية؟
* طالب: منصوبة بـ﴿أَن﴾.
* الشيخ: منصوبة بـ﴿أَن﴾ تمام، وتكون على هذا (لا) نافية بالفاء، وعلى الأول تكون ناهية.
﴿أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ قَالُوا﴾ [فصلت ١٤] إلى آخره (لا تعبدوا إلا الله) هو معنى قول (لا إله إلا الله)؛ لأن (لا إله) بمعنى لا معبود حق إلا الله، وهؤلاء يقول: (لا تعبدوا إلا الله) فهي بمعنى لا إله إلا الله، وهي بمعنى قوله تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ﴾ [الأنبياء ٢٥].
ومتى حقق الإنسان هذه الكلمة (لا إله إلا الله) فلا بد أن يقوم بطاعة الله، لا بد، ما دمت تشهد بأنه لا إله إلا الله فلا بد أن تتخذ الوسائل التي تُوصلك إلى هذا الإله الذي شهدتَ أنه لا إله سواه.
﴿قَالُوا﴾ الفاعل مَنْ؟ قوم عاد وثمود. (﴿قَالُوا لَوْ شَاءَ رَبُّنَا لَأَنْزَلَ﴾ علينا ﴿مَلَائِكَةً فَإِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ﴾ على زعمكم ﴿كَافِرُونَ﴾ ).
هذا الجواب، جواب في غاية السقوط: لو شاء ربنا أن نهتدي وألا نعبد إلا الله لأنزل ملائكة، وعلى هذا التقدير الذي قلت لكم يكون مفعول ﴿شَاءَ﴾ محذوفًا أي: لو شاء ربنا ألا نعبد إلا إياه لأنزل ملائكة، فـ﴿لَوْ﴾ شرطية، و﴿شَاءَ﴾ فعل الشرط، وجواب الشرط ﴿لَأَنْزَلَ مَلَائِكَةً﴾ [فصلت ١٤]، ومفعول ﴿شَاءَ﴾ محذوف، التقدير: لو شاء ألا نعبد إلا إياه لأنزل ملائكة.
هذه الحجة حجة باطلة؛ لأن المرسل إليهم هل هم ملائكة أو بشر، أجيبوا؟
* الطلبة: بشر.
* الشيخ: بشر، ما فيه إشكال، فكيف ينزل الله ملائكةً على بشر؟ ثم إن الله قال في جواب هذا: ولو أنزلنا ملكًا لجعلناه رجلًا؛ يعني بصورة رجل، لا يمكن أن ينزل ملكًا بصورة الملك على بشر، لو فُرِض أن الله أنزل ملكًا لجعله بصورة البشر، وحينئذٍ تعود الشبهة ﴿وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِمْ مَا يَلْبِسُونَ﴾ [الأنعام ٩]، أرأيتم لو أرسل الله إلى بني آدم جبريل وله ست مئة جناح قد سَدَّ الأفق، يتطابق هذا مع الناس؟ أبدًا بل يهربون منه، ولا يقفون أمامه، فإذا كان كذلك بطلت هذه الحجة؛ لأننا نقول لهؤلاء ولمن قال مثل قولهم: لو أنزل الله ملكًا لجعله رجلًا، وحينئذٍ تعود الشُّبْهة.
إذن الحجة باطلة ﴿لَأَنْزَلَ مَلَائِكَةً﴾. وقوله: ﴿لَوْ شَاءَ رَبُّنَا لَأَنْزَلَ﴾ علينا ﴿مَلَائِكَةً فَإِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ﴾ الفاء هنا للتفريع أي: فبناءً على أنه لم يُنزل ملائكة إنا بما أرسلتم به كافرون.
نسأل الله العافية، أكدوا كفرهم وقالوا: ﴿بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ﴾. فقُدِّم المفعول؛ لأن ﴿بِمَا أُرْسِلْتُمْ﴾ متعلق بـ﴿كَافِرُونَ﴾ فلماذا قدم عليه؟ لوجهين: الوجه الأول: مراعاة فواصل الآيات، لو قال: فإنا كافرون بما أرسلتم به؛ لم تتناسب الفواصل، ولما قال: بما أرسلتم به كافرون. تناسبت الفواصل ومراعاة المناسبة أمر ثابت، أرأيتم موسى وهارون أيهما أفضل؟
* الطلبة: موسى.
* الشيخ: ومن الذي يقدم في القرآن؟
* طلبة: هارون.
* الشيخ: موسى يا ناس، وين أنتم؟! إلا في آية واحدة؛ من أجل التناسب، في سورة طه ذكر الله عن السحرة أنهم قالوا: ﴿قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى﴾ [طه ٧٠] مع أنهم كانوا قالوا: ﴿آمَنَّا بِرَبِّ﴾ [الأعراف ١٢١] ﴿مُوسَى وَهَارُونَ﴾ [الأعراف ١٢٢]، هذا قول السحرة لكن لما نقله الله عنهم في سورة طه قدم ذكر هارون؛ لتناسب الآيات مع أن موسى أفضل، وموسى هو الذي نطق بتقديمه السحرة كما في آيات عدة لكن الله عز وجل نقل كلامهم في سورة طه مقدمًا هارون لماذا؟
* الطلبة: لتناسب الفواصل.
* الشيخ: نعم، لتناسب الفواصل، هنا ﴿فَإِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ﴾ قُدِّم المتعلِّق وهو ﴿بِمَا أُرْسِلْتُمْ﴾ على المتعلَّق؛ لسببين: السبب الأول: مراعاة الفواصل، السبب الثاني: الحصر، كأن هؤلاء المكذبين المعاندين قالوا: لو أنا آمنا بكل شيء لكفرنا بما أُرسلتم به، فكأنهم يقولون: لا نكفر بأي شيء إلا بما أُرسلتم به، وتقديم ما حقه التأخير يفيد الحصر.
شوف العناد ﴿بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ﴾ كأنهم قالوا: لا نكفر إلا بما أُرسلتم به، هذا معنى الحصر، فيكون هذا أبلغ في العناد كأنهم يقولون: لو آمنا بكل شيء فلن نؤمن بما أُرسلتم به.
ثم إن قوله: ﴿بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ﴾ قالوه على سبيل التنزُّل؛ ولهذا قال المفسِّر: (على زعمكم). وإنما قلنا: إنهم قالوه على سبيل التنزل؛ لأنهم لو قالوه على سبيل الإقرار لآمنوا لكانوا مؤمنين، لكن قالوه على سبيل التنزل ﴿بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ﴾. في هذه الآية أمْر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن ينذر هؤلاء المكذبين بعذاب من قبلهم؛ لقوله: ﴿فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ﴾ [فصلت ١٣].
* ومن فوائد هذه الآية: إثبات القياس؛ لأن إنذار المكذبين إذا لم يكن المراد بذلك قياس حال المكذبين للرسول على حال المكذبين لهود وصالح لم يكن لهذا الإنذار فائدة، لولا القياس ما كان لهذا الإنذار فائدة؛ إذن ففيه جواز القياس والاعتبار بالنظير والمماثل، ولقد قال الله تعالى في آية أخرى: ﴿لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ﴾ [يوسف ١١١] وإثبات القياس دليلًا من محاسن الشريعة؛ لأن إثبات القياس دليلًا هو مقتضى العقل السليم؛ إذ إن العقل لا يمكن أبدًا أن يفرق بين متماثلين.
وعلى هذا فالذين أنكروا القياس خالفوا الدليل السمعي والدليل العقلي، الذين أنكروه وقالوا: لا قياس في الشريعة. سبحان الله! القرآن كله يشير إلى هذا، كل الأمثال المضروبة في القرآن كلها دليل على القياس لا شك وإلا لم يكن فائدة في الْمَثل، السنة أيضًا أتت بالقياس «أَرَأَيْتِ لَوْ كَانَ عَلَى أُمِّكِ دَيْنٌ أَكُنْتِ قَاضِيَتِهِ؟ اقْضُوا اللَّهَ فَاللَّهُ أَحَقُّ بِالْوَفَاءِ»[[متفق عليه؛ البخاري (١٨٥٢)، ومسلم (١١٤٨/١٥٥) من حديث ابن عباس.]]. هم أيضًا مخالفون للعقل؛ لأنه لولا ثبوت القياس لكانت الشريعة ناقصة، حيث لم تجمع بين المتماثلين، إذن في الآية اللي معنا إثبات القياس.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: أن الرسل أتوا قومهم من كل جانب مُقبِلين ومُدْبِرين، يُرونهم الآيات الماضية والآيات المستقبَلة ولكن لا فائدة.
* ومن فوائد هذه الآيات الكريمة: أن الرسل صلوات الله وسلامه عليهم أتوا بتحقيق التوحيد؛ لقوله: ﴿أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ﴾ [فصلت ١٤]، وهذه هي الأصل الأصيل الذي دعت إليه الرسل جميعًا الدليل على أنهم الرسل جميعًا؟
* طالب: (...).
* الشيخ: لا.
* طالب: (...).
* الشيخ: نعم، ﴿وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ﴾ [النحل ٣٦] وآية أصرح منها؟
* طالب: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ﴾ [الأنبياء ٢٥].
* الشيخ: نعم هذه صريحة ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ﴾ ذكرنا في قوله: ﴿إِذْ جَاءَتْهُمُ الرُّسُلُ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ﴾ [فصلت ١٤] أن المؤلف يقول: (مقبلين ومدبرين). وقلنا معنًى آخر: آتيناهم بالآيات الماضية والمستقبلة، وهناك أيضًا انقدح في ذهني الآن ﴿مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ﴾ الرسل الذين جاؤوهم مباشرة يعني ثمود جاءهم صالح، وعاد جاءهم هود.
﴿وَمِنْ خَلْفِهِمْ﴾ الرسل السابقة؛ ولهذا قال: ﴿إِذْ جَاءَتْهُمُ الرُّسُلُ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ﴾، ومعلوم أن الذي أرسل إلى عاد هود، وإلى ثمود صالح وهما اثنان، والرسل جمع فيقتضي أن يكون المعنى: إذ جاءتهم الرسل السابقون واللاحقون، ولعل هذا أقرب الاحتمالات الثلاثة.
* ومن فوائد هذه الآيات الكريمة: أن أهل الباطل يُشبِّهون بما ليس له حقيقة، وذلك حين ردوا دعوة الرسل بما لا يصح أن يكون ردًّا فما هو الذي ردوا به؟
* طالب: (...).
* الشيخ: لا، ما هو الذي ردوا به، ويش شبهتهم؟
* طالب: ﴿قَالُوا لَوْ شَاءَ رَبُّنَا لَأَنْزَلَ مَلَائِكَةً﴾ [فصلت ١٤].
* الشيخ: أحسنت، هل هذه الشبهة حجة؟
* الطالب: لا، ليست بحجة.
* الشيخ: ليست بحجة، ما دليلك على أنها ليست بحجة؟
* الطالب: الدليل أن الله عز وجل يقول في آية أخرى: ﴿وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا لَجَعَلْنَاهُ رَجُلًا وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِمْ مَا يَلْبِسُونَ﴾ [الأنعام ٩] وحينئذٍ لو أنزل الله عز وجل ملائكة لجعله رجلًا وتعود الشبهة.
* الشيخ: تمام.
* من فوائد هذه الآية: شدة عناد المكذبين لصالح وعاد.
* طالب: هود.
* الشيخ: نعم، وهود، أحسنت، وجهه؟
* الطالب: أنهم حتى مع إثبات الرسالة لهم فهم مصرون على عنادهم و(...).
* الشيخ: أيضًا وجه آخر أشرنا إليه؟
* طالب: أنهم بقولهم هذا حصروا التكذيب ..
* الشيخ: كفرهم.
* الطالب: حصروا كفرهم بما جاءت به رسلهم.
* الشيخ: كأنهم يقولون: لو آمنا بكل شيء لم نؤمن بما أرسلتم به خاصةً، ووجه الخصوصية تقديم الجار والمجرور على متعلقه.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: أن المكذبين للرسل يؤمنون بالملائكة وهم كفار؛ لقوله: ﴿لَأَنْزَلَ مَلَائِكَةً﴾.
* ومن فوائدِها أيضًا: أن المقر بالربوبية لا يُعتبر مؤمنًا حتى يقر بالألوهية؛ لقوله: ﴿لَوْ شَاءَ رَبُّنَا لَأَنْزَلَ مَلَائِكَةً﴾، وهكذا الكفار الذين بُعِث فيهم الرسول عليه الصلاة والسلام كانوا مقرين بالربوبية ﴿وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ﴾ [الزخرف ٩] ﴿وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ﴾ [الزخرف ٨٧] ولكن الإيمان بالربوبية لا يكفي في كون الإنسان مسلمًا لا بد من الإيمان بالألوهية إضافةً إلى الإيمان بالربوبية، أيهما المستلزِم للآخر، وأيهما المتضمِّن للآخر؟ المستلزم للآخر: مَنْ آمن بالربوبية؛ لزمه أن يؤمن بالألوهية، إذن المستلزِم هو الربوبية، ومن آمَن بالألوهية فقد تضمن إيمانه بالألوهية الإيمان بالربوبية، واضح؟
* الطلبة: واضح.
* الشيخ: فأحدهما متضمن للآخر والثاني مستلزم للآخر.
أيضًا ومن مظاهر العناد لهؤلاء أنهم أكدوا كفرهم بـ(إن (﴿فَإِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ﴾ فصار تأكيدهم لكفرهم وعنادهم من عدة أوجه: أولًا: التأكيد بـ(إن).
وثانيًا: الحصر، وذلك بتقديم ما حقه التأخير؛ أي بتقديم الجار والمجرور على متعلَّقه.
والثالث: أنهم أتوا به بالجملة الاسمية الدالة على الثبوت والاستمرار بخلاف الفعلية، فهي دالة على الحدوث وعدم الاستمرار، وهنا أتوا بالجملة الاسمية الدالة على الثبوت والاستمرار.
* طالب: قوله: ﴿خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ﴾ يدل على أن الكفار كانوا يُوحِّدون الله في الأسماء والصفات؟
* الشيخ: قد يكونون وقد يكونون أقروا ببعض الأسماء والصفات؛ لأنهم ينكرون الرحمن.
* الطالب: البعض؟
* الشيخ: إي، البعض يثبتونه لا شك.
* طالب: (...) مقبلين أو مدبرين (...).
* الشيخ: ثلاثة احتمالات نعم، الأول: ما قاله المؤلف، والثاني: الإقبال بالآيات والإدبار بها، الآيات السابقة والآيات اللاحقة، والثالث: الرسل السابقون واللاحقون.
* طالب: قوله تعالى: ﴿وَهِيَ دُخَانٌ﴾ [فصلت ١١] هل كان الدخان قبل خلق السماوات والأرض قديمًا؟
* الشيخ: لا، قديمًا ماء، ثم تكوَّن من هذا الماء البخار حين خلق الله الأرض.
* الطالب: (عاد وثمود) يعني بالنسبة للناحية الإعرابية من ناحية الإعراب يعني: ﴿فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ﴾ [فصلت ١٣] ﴿ثَمُود﴾ معطوفة على أي شيء؟
* الشيخ: على ﴿عَادٍ﴾.
* الطالب: و﴿عَادٍ﴾ مجرورة؟
* الشيخ: و﴿ثَمُودَ﴾ مجرورة؟
* الطالب: لا، مو مجرورة؛ منصوبة.
* الشيخ: ما هو مجرور؟ مجرور، بشيء مؤكد أنه مجرور.
* الطالب: لا، عندنا ما هو مجرور.
* الشيخ: ورِّينا عند غيرك!! ﴿وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا﴾ [الأعراف ٧٣] ﴿إِلَى ثَمُودَ﴾ ﴿إِلَى﴾ ما هي بحرف جر؟!
* الطالب: نعم.
* الشيخ: و﴿ثَمُودَ﴾؟
* الطالب: منصوب.
* الشيخ: مجرور، الظاهر أنك ما تعلمت النحو؟ نعم، قل نعم ولَّا لا؟
* الطالب: نعم.
* الشيخ: لم تتعلم؟
* الطالب: تعلمت شوية.
* الشيخ: إي، إذن اصبر حتى تتعلم ويتبين لك، ما تقول: هل هو منصوب ولا مجرور؟ ﴿ثَمُودَ﴾؟ أنت.
* طالب: مجرور.
* الشيخ: كيف مجرور وعليه فتحة؟
* الطالب: مجرور وعلامة جره الفتحة؛ لأنه ممنوع من الصرف.
* الشيخ: إيه، شوف الممنوع من الصرف يا أخ يُجر بالفتحة ولا ينون.
* الطالب: إيه سببه، يعني السبب؟
* الشيخ: السبب اللغة العربية.
* طالب: شيخ، بالنسبة لقوله: ﴿تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ﴾ [فصلت ١٢] كيف نستطيع نستنبط الصفة الثالثة من اقتران هذين الاسمين؟
* الشيخ: العزة والعلم، اجتماع العزة والعلم كمال؛ لأن العزيز بلا علم قد يبطش عن جهل، والعليم بلا عزة ضعيف.
* الطالب: الكلام اللي ذكره سبحانه وتعالى عن قوم عاد وثمود قولهم: ﴿فَإِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ﴾ (...) هل هو اللفظ الذي قاله القوم أم أنه على لسان حالهم ومقالهم؟
* الشيخ: لا، قالوه.
* الطالب: نفس اللفظ هذا قالوه؟
* الشيخ: لا، هم لغتهم غير عربية لكن الله ينقل عنهم بالمعنى.
* الطالب: والعرب؟
* الشيخ: العرب؟ أيش العرب؟
* الطالب: (...) كفار قريش (...).
* الشيخ: لا، هذا حكاية عن عاد وثمود، لكن قريش كذبوا الرسول، معروف.
* طالب: نقل هذه الشبهة عنهم (...)، نقلها يكفي في إبطالها أو الرد في آية أخرى.
* الشيخ: كان يقال: تصور هذا القول كافٍ في رده وإبطاله، يعني حتى كفار قريش قالوا هكذا في سورة الأنعام: ﴿وَقَالُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ وَلَوْ أَنْزَلْنَا مَلَكًا لَقُضِيَ الْأَمْرُ ثُمَّ لَا يُنْظَرُونَ (٨) وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا لَجَعَلْنَاهُ رَجُلًا وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِمْ مَا يَلْبِسُونَ (٩) وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ﴾ [الأنعام ٨- ١٠ ].
{"ayahs_start":13,"ayahs":["فَإِنۡ أَعۡرَضُوا۟ فَقُلۡ أَنذَرۡتُكُمۡ صَـٰعِقَةࣰ مِّثۡلَ صَـٰعِقَةِ عَادࣲ وَثَمُودَ","إِذۡ جَاۤءَتۡهُمُ ٱلرُّسُلُ مِنۢ بَیۡنِ أَیۡدِیهِمۡ وَمِنۡ خَلۡفِهِمۡ أَلَّا تَعۡبُدُوۤا۟ إِلَّا ٱللَّهَۖ قَالُوا۟ لَوۡ شَاۤءَ رَبُّنَا لَأَنزَلَ مَلَـٰۤىِٕكَةࣰ فَإِنَّا بِمَاۤ أُرۡسِلۡتُم بِهِۦ كَـٰفِرُونَ"],"ayah":"إِذۡ جَاۤءَتۡهُمُ ٱلرُّسُلُ مِنۢ بَیۡنِ أَیۡدِیهِمۡ وَمِنۡ خَلۡفِهِمۡ أَلَّا تَعۡبُدُوۤا۟ إِلَّا ٱللَّهَۖ قَالُوا۟ لَوۡ شَاۤءَ رَبُّنَا لَأَنزَلَ مَلَـٰۤىِٕكَةࣰ فَإِنَّا بِمَاۤ أُرۡسِلۡتُم بِهِۦ كَـٰفِرُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق