الباحث القرآني
القَوْلُ في تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعالى:
[ ١٤ - ١٦] ﴿إذْ جاءَتْهُمُ الرُّسُلُ مِن بَيْنِ أيْدِيهِمْ ومِن خَلْفِهِمْ ألا تَعْبُدُوا إلا اللَّهَ قالُوا لَوْ شاءَ رَبُّنا لأنْـزَلَ مَلائِكَةً فَإنّا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ كافِرُونَ﴾ ﴿فَأمّا عادٌ فاسْتَكْبَرُوا في الأرْضِ بِغَيْرِ الحَقِّ وقالُوا مَن أشَدُّ مِنّا قُوَّةً أوَلَمْ يَرَوْا أنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهم هو أشَدُّ مِنهم قُوَّةً وكانُوا بِآياتِنا يَجْحَدُونَ﴾ [فصلت: ١٥] ﴿فَأرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا في أيّامٍ نَحِساتٍ لِنُذِيقَهم عَذابَ الخِزْيِ في الحَياةِ الدُّنْيا ولَعَذابُ الآخِرَةِ أخْزى وهم لا يُنْصَرُونَ﴾ [فصلت: ١٦] .
(p-٥١٩٣)﴿إذْ جاءَتْهُمُ الرُّسُلُ مِن بَيْنِ أيْدِيهِمْ ومِن خَلْفِهِمْ﴾ قالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: أيْ: أتَوْهم مِن كُلِّ جانِبٍ، واجْتَهَدُوا بِهِمْ، وأعْمَلُوا فِيهِمْ كُلَّ حِيلَةٍ، فَلَمْ يَرَوْا مِنهم إلّا العُتُوَّ، والإعْراضَ كَما حَكى اللَّهُ تَعالى عَنِ الشَّيْطانِ: ﴿لآتِيَنَّهم مِن بَيْنِ أيْدِيهِمْ ومِن خَلْفِهِمْ﴾ [الأعراف: ١٧] يَعْنِي لَآتِيَنَّهم مِن كُلِّ جِهَةٍ، ولَأُعْلِمَنَّ فِيهِمْ كُلَّ حِيلَةٍ، وتَقُولُ: (اسْتَدَرْتُ بِفُلانٍ مِن كُلِّ جانِبٍ، فَلَمْ يَكُنْ لِي فِيهِ حِيلَةٌ).
وحاصِلُهُ جَعْلُ الجِهَتَيْنِ كِنايَةً عَنْ جَمِيعِ الجِهاتِ، عَلى ما عُرِفَ في مِثْلِهِ. والمُرادُ بِإتْيانِهِمْ مِن جَمِيعِ الجِهاتِ، بَذْلُ الوُسْعِ في دَعْوَتِهِمْ عَلى طَرِيقِ الكِنايَةِ، ويُحْتَمَلُ أنَّ المَعْنى: جاءُوهم بِالوَعْظِ مِن جِهَةِ الزَّمَنِ الماضِي، وما جَرى فِيهِ عَلى الكُفّارِ، ومِن جِهَةِ المُسْتَقْبَلِ، وما سَيَجْرِي عَلَيْهِمْ. فالمُرادُ بِما بَيْنَ أيْدِيهِمُ الزَّمَنُ الماضِي، وبِما خَلْفَهُمُ المُسْتَقْبَلُ. ويَجُوزُ فِيهِ العَكْسُ، كَما ذُكِرَ في آيَةِ الكُرْسِيِّ: ﴿ألا تَعْبُدُوا إلا اللَّهَ قالُوا لَوْ شاءَ رَبُّنا﴾ أيْ: إرْسالَ رَسُولٍ: ﴿لأنْـزَلَ مَلائِكَةً﴾ أيْ: مِنَ السَّماءِ بِما تَدْعُونَنا إلَيْهِ: ﴿فَإنّا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ﴾ أيْ: مِن عِبادَةِ اللَّهِ وحْدَهُ: ﴿كافِرُونَ﴾ ﴿فَأمّا عادٌ فاسْتَكْبَرُوا في الأرْضِ بِغَيْرِ الحَقِّ وقالُوا مَن أشَدُّ مِنّا قُوَّةً﴾ [فصلت: ١٥] أيْ: حَتّى نَخافَ عَذابَهُ، لَوْ تَرَكْنا عِبادَتَهُ، أوْ عَبَدْنا مَعَهُ غَيْرَهُ.
﴿أوَلَمْ يَرَوْا أنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهم هو أشَدُّ مِنهم قُوَّةً﴾ [فصلت: ١٥] أيْ: فَيَجِبُ أنْ يُحْذَرَ عِقابُهُ ويُتَّقى عَذابُهُ: ﴿وكانُوا بِآياتِنا﴾ [فصلت: ١٥] أيِ: الَّتِي هي أقْوى الدَّلائِلِ: ﴿يَجْحَدُونَ﴾ [فصلت: ١٥] ﴿فَأرْسَلْنا عَلَيْهِمْ﴾ [فصلت: ١٦] أيْ: لِعُتُوِّهِمْ بِالقُوَّةِ: ﴿رِيحًا صَرْصَرًا﴾ [فصلت: ١٦] أيْ: شَدِيدَةَ الصَّوْتِ في هُبُوبِها: ﴿فِي أيّامٍ نَحِساتٍ﴾ [فصلت: ١٦] أيْ: مَشْؤُوماتٍ عَلَيْهِمْ: ﴿لِنُذِيقَهم عَذابَ الخِزْيِ في الحَياةِ الدُّنْيا ولَعَذابُ الآخِرَةِ أخْزى وهم لا يُنْصَرُونَ﴾ [فصلت: ١٦] أيْ: في الأُخْرى، كَما لَمْ يُنْصَرُوا في الدُّنْيا.
تَنْبِيهٌ:
قالَ الرّازِيُّ: اسْتَدَلَّ الأحْكامِيُّونَ مِنَ المُنَجِّمِينَ بِهَذِهِ الآيَةِ عَلى أنَّ بَعْضَ الأيّامِ قَدْ يَكُونُ (p-٥١٩٤)نَحْسًا وبَعْضُها قَدْ يَكُونُ سَعْدًا؛ لِأنَّ النَّحْسَ يُقابِلُهُ السَّعْدُ، والكَدَرُ يُقابِلُهُ الصّافِي. ثُمَّ أطالَ الرّازِيُّ في الجَوابِ والإيرادِ. ولا يَخْفى أنَّ السَّعْدَ والنَّحْسَ إنَّما هو أمْرٌ إضافِيٌّ لا ذاتِيٌّ. وإلّا لَكانَ اليَوْمَ الَّذِي يَراهُ المُنَجِّمُونَ نَحْسًا، مَشْؤُومُ الطّالِعَ عَلى كُلِّ ما أشْرَقَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ، وكَذا ما يَرَوْنَهُ سَعْدًا، والواقِعُ بِخِلافِ ذَلِكَ؛ إذِ اليَوْمُ النَّحْسُ عِنْدَ زَيْدٍ، قَدْ يَكُونُ سَعْدًا عِنْدَ بَكْرٍ. بَلِ السّاعَةُ بَلِ الدَّقِيقَةُ. فَأيْنَ تِلْكَ الدَّعْوى؟ والقُرْآنُ أتى عَلى أُسْلُوبِ العَرَبِ البَدِيعِ. ومِن لَطائِفِهِمْ تَسْمِيَةُ وقْتِ الشِّدَّةِ، والبُؤْسِ بِالنَّحْسِ، ومُقابِلِها بِالسَّعْدِ. فالنَّحْسُ نَحْسٌ عَلى صاحِبِهِ، والسَّعْدُ سَعْدٌ عَلى صاحِبِهِ.
{"ayahs_start":14,"ayahs":["إِذۡ جَاۤءَتۡهُمُ ٱلرُّسُلُ مِنۢ بَیۡنِ أَیۡدِیهِمۡ وَمِنۡ خَلۡفِهِمۡ أَلَّا تَعۡبُدُوۤا۟ إِلَّا ٱللَّهَۖ قَالُوا۟ لَوۡ شَاۤءَ رَبُّنَا لَأَنزَلَ مَلَـٰۤىِٕكَةࣰ فَإِنَّا بِمَاۤ أُرۡسِلۡتُم بِهِۦ كَـٰفِرُونَ","فَأَمَّا عَادࣱ فَٱسۡتَكۡبَرُوا۟ فِی ٱلۡأَرۡضِ بِغَیۡرِ ٱلۡحَقِّ وَقَالُوا۟ مَنۡ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةًۖ أَوَلَمۡ یَرَوۡا۟ أَنَّ ٱللَّهَ ٱلَّذِی خَلَقَهُمۡ هُوَ أَشَدُّ مِنۡهُمۡ قُوَّةࣰۖ وَكَانُوا۟ بِـَٔایَـٰتِنَا یَجۡحَدُونَ","فَأَرۡسَلۡنَا عَلَیۡهِمۡ رِیحࣰا صَرۡصَرࣰا فِیۤ أَیَّامࣲ نَّحِسَاتࣲ لِّنُذِیقَهُمۡ عَذَابَ ٱلۡخِزۡیِ فِی ٱلۡحَیَوٰةِ ٱلدُّنۡیَاۖ وَلَعَذَابُ ٱلۡـَٔاخِرَةِ أَخۡزَىٰۖ وَهُمۡ لَا یُنصَرُونَ"],"ayah":"إِذۡ جَاۤءَتۡهُمُ ٱلرُّسُلُ مِنۢ بَیۡنِ أَیۡدِیهِمۡ وَمِنۡ خَلۡفِهِمۡ أَلَّا تَعۡبُدُوۤا۟ إِلَّا ٱللَّهَۖ قَالُوا۟ لَوۡ شَاۤءَ رَبُّنَا لَأَنزَلَ مَلَـٰۤىِٕكَةࣰ فَإِنَّا بِمَاۤ أُرۡسِلۡتُم بِهِۦ كَـٰفِرُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق