الباحث القرآني
ثم قال الله تعالى: ﴿بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾ ﴿ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ﴾ [ص ١] قال المؤلف: (سورة ص مكية)، والقرآن الكريم مكي ومدني، وأصح الأقوال في تمييز المكي من المدني أن ما نزل قبل الهجرة فهو مكي، وما نزل بعدها فهو مدني وإن نزل في غير المدينة، فالحد الفاصل زمني وليس مكاني، فما بعد الهجرة مدني وما قبلها مكي.
قال: (ست أو ثمان وثمانون آية) والآيات هي عبارة عن الفواصل التي ستكون بين جملة أو جملتين فأكثر، وسميت آية؛ لأنها معجزة، فإن القرآن كما سبق قد تحدى الله فيه الناس أن يأتوا بحديث مثله وإن قلَّ.
قال: ﴿بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾ هذا البسملة آية من كتاب الله، يؤتى بها في ابتداء كل سورة إلا سورة (براءة) فإنه لا يُؤْتَى بها؛ وذلك أن الصحابة رضي الله عنهم لما كتبوا المصحف أشكل عليهم هل (براءة) بقية الأنفال أو هي سورة مستقلة؟ فوضعوا فاصلًا دون بسملة؛ لأنه لو جزموا بأنها من الأنفال لم يضعوا فاصلًا ولو جزموا بأنها مستقلة لوضعوا البسملة، ولكن هذا الاجتهاد منهم نعلم أنه هو المطابق للواقع وأنهم مصيبون فيه قطعًا؛ وذلك لأن البسملة لو نزلت بين الأنفال وبراءة لبقيت؛ لأن الله يقول: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾ [الحجر ٩]. فلما لم تبقَ باجتهاد من الصحابة عُلِمَ أنهم كانوا مصيبين للواقع.
والبسملة كما تشاهدون جار ومجرور ومضاف إليه وصفة يعني نعتًا، والقاعدة النحوية أن كل جار ومجرور لا بد له من متعلَّق، أي من شيء يتعلق به. والشيء الذي يتعلق به الجار والمجرور هو العامل، والجار والمجرور معمول؛ ولهذا قال ناظم الجُمَل قال:
؎لَا بُدَّ لِلْجَارِ مِنَ التَّعَـــلُّقِ ∗∗∗ بِفِعْــــــــلٍ اوْ مَعْــــــــنَاهُنَحْــــــــــــــــــوُ مُــــــــــــــرْتَقِ؎وَاسْتَثْنِ كُلَّ زَائِدٍ لَهُ عَمَلْ ∗∗∗ كَالْبَا وَ(مِنْ) وَالْكَافِ أَيْضًاوَ(لَعَلْ)
فكل حرف أصلي غير زائد فلا بد له من متعلق بفعل أو بما كان بمعنى الفعل كاسم الفاعل واسم المفعول.
إذن البسملة لا بد لها من متعلَّق، فما هذا المتعلق؟ أصح ما قيل في متعلق البسملة أنه فعل متأخر مناسب للمقام، فإذا كنت تريد أن تقرأ كان التقدير (باسم الله أقرأ)، وإذا أردت أن تأكل كان التقدير باسم الله آكل، وإذا أردت أن تذبح ذبيحة كان التقدير باسم الله أذبح؛ ولهذا قال الرسول ﷺ: «فَلْيَذْبَحْ عَلَى اسْمِ اللَّهِ»[[متفق عليه؛ البخاري (٧٤٠٠)، ومسلم (١٩٦٠ / ١و٢) من حديث جندب بن سفيان رضي الله عنه.]].
وإنما يُقَدَّر فعلًا؛ لأن الأصل في العمل هو الفعل، ولذلك يعمل في معموله بدون شرط، وأما اسم الفاعل واسم المفعول واسم التفضيل والمصدر فلا يعمل إلا بشرط، طيب، إذن نقدره فعلًا؛ لأن هو الأصل في العامل ونقدِّره متأخرًا فنقول: بسم الله أقرأ؛ لسببين:
السبب الأول: التبرك بالبداءة بـ(باسم الله).
والسبب الثاني: إفادة الحصر؛ لأن تأخير العامل يفيد الحصر، فإن من طرق الحصر تقديمَ ما حقُّه التأخير، طيب، وقدَّرْناه مناسبًا للمقام؛ لأنه أدل على المقصود مما لو قدرناه فعلًا عامًّا كما قيل: إن التقدير باسم الله أبتدئ، أو باسم الله أبدأ؛ لأن باسم الله أبدأ أو أبتدئ لم تُعَيِّن الفعل الذي ابتدأت به. فالحاصل أننا نقدر في البسملة؟
* الطالب: بالعامل.
* الشيخ: نقدره أيش؟
* الطالب: باسم الله.
* الشيخ: إي نعم، ويش نقدِّر العامل؟ يعني متعلق الجار والمجرور نقدره أيش؟
* الطالب: أنه فعل متأخر مناسب..
* الشيخ: نعم، نقدِّرُه فعلًا متأخرًا مناسبًا للمقام. نقدره فعلًا لماذا؟ بندر.
* الطالب: لأن الأصل في العامل الفعل.
* الشيخ: لأن الأصل في العامل أن يكون فعلًا. طيب، ونقدره متأخرًا.
* الطالب: لسببين..
* الشيخ: لسببين؟
* الطالب: التبرك بـ(باسم الله). الثاني: الحصر.
* الشيخ: التبرك بالبداءة بـ(باسم الله)، الثاني: إفادة الحصر، كيف نقول: إفادة الحصر، ليش؟
* الطالب: القاعدة اذا تَأَخَّر المعمول عن العامل هذا يفيد الحصر.
* الشيخ: الثالث: نقدره بفعل مناسب؟
* الطالب: لأنه أدل على المقصود.
* الشيخ: لأنه أدل على المقصود؛ إذ أنك إذا قَدَّرت (باسم الله أقرأ) كان أدل على المقصود من قولك: باسم الله أبتدئ؛ لأن (أبتدئ) بأي شيء تبتدئ؟ فهو أدل وأخص.
قال الله عز وجل: ﴿ص﴾ قال المؤلف: (الله أعلم بمراده به)؛ وذلك لأن كلمة ﴿ص﴾ حرف هجائي لا يدل على معنى في اللغة العربية، فذهب جماعة من العلماء إلى أن حال الحروف الهجائية التي ابتدئ بها بعض السور رموز إلى معانٍ وعيَّنَها كل إنسان بما يرى أنه مناسب. وذهب آخرون إلى أنها أسماء من أسماء الله أو من أسماء الرسول، وذهب آخرون إلى ما ذهب إليه المؤلف بأنها مجهولة المعنى لا ندري ما معناها.
ولكنَّ القول الراجح ما ذهب إليه إمام المفسرين في عهده مجاهد رحمه الله، أن نقول: ليس لها معنى؛ وذلك لأن الله تعالى يقول: ﴿نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (١٩٣) عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ (١٩٤) بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ﴾ [الشعراء ١٩٣ - ١٩٥] واللسان العربي لا يُثْبِت معنى لهذه الحروف الهجائية، وعلى هذا فتكون هذه الحروف الهجائية ليس لها معنى، يعني ويش معنى (ص) (ن) (ق) (الم)؟ وما أشبهها، فهي ليس لها معنى في اللغة العربية إذن ليس لها معنى في القرآن؛ لأن القرآن باللغة العربية.
ولكن يُشْكِل على هذا القول مع رجحانه أنه يقتضي أن يكون في القرآن كلمات لَغْوٌ ليس منها فائدة.
والجواب عن هذا أن نقول: هي ليست لغوًا في سياقها فإنه جاءت لمغزىً عظيم؛ وذلك المغزى أن هذا القرآن العظيم الذي أعجز فصحاء اللغة وأمراء البيان لم يكن بحروف غير مألوفة عندهم حتى يقولوا: والله لا نعرف هذه الحروف، بل كان بالحروف التي يتكون منها كلامهم.
قال الذين ذهبوا هذا المذهب: ودليل ذلك أنك لا تكاد ترى سورة مبدوءة بحرف هجائي إلا وجدت بعد هذا الحرف ذكرَ القرآن ﴿الم (١) ذَلِكَ الْكِتَابُ﴾ [البقرة ١، ٢] ﴿الم (١) اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ (٢) نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ﴾ [آل عمران ١ - ٣] ﴿المص (١) كِتَابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ﴾ [الأعراف ١، ٢] ﴿الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ﴾ [يونس ١] فكل سورة مبدوءة بهذه الحروف الهجائية يأتي بعد الحرف الهجائي ذكر القرآن ما عدا قوله تعالى: ﴿الم (١) غُلِبَتِ الرُّومُ (٢) فِي أَدْنَى الْأَرْضِ﴾ [الروم ١ - ٣] ﴿الم (١) أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا﴾ [العنكبوت ١، ٢].
ويمكن أن يجاب عن ذلك بأن يقال: أما قوله: ﴿الم (١) أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا﴾؛ فلأنه ذكر صفة عظيمة من صفات مَنْ تمسك بالقرآن وهو الصبر على الأذى في ذات الله. وأما الثانية: ﴿الم (١) غُلِبَتِ الرُّومُ﴾ فقد ذكر شيئًا من خصائص الوحي وهو علم الغيب فإن كون الروم غُلِبَت الآن وستغلب في بعض السنين من الأمر الذي لا يعلمه إلا الله عز وجل وهو من خصائص الوحي، وسواء كان هذا الجواب سديدًا مقبولًا أم لم يكن فإن النادر لا حكم له.
قال: ﴿ص﴾ إذن نقول فيها: ﴿ص﴾ حرف هجائي ليس له معنى، لكنه جيء به للإشارة إلى أن هذا القرآن الكريم الذي أعجز هؤلاء العرب كان من هذه الحروف التي يتركب منها كلامهم.
قال: ﴿وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ﴾ الواو هنا حرف قَسَم؛ ولهذا جرَّت الكلمة التي بعدها ﴿الْقُرْآنِ﴾ ﴿وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ﴾ والواو حرف قسم لا تدخل إلَّا على الاسم الظاهر ولا يُذْكَر معها فعل القسم، يعني تختص الواو التي للقسم بأنها لا تدخل على اسم ظاهر ولا يُذْكَر معها فعل القسم، بخلاف الباء، باء القسم تدخل على الاسم الظاهر وعلى الضمير ويذكر معها فعل القسم ويحذف، وتدخل على كل اسمٍ؛ قال الله تعالى: ﴿وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ﴾ [الأنعام ١٠٩] فذكر معها فعل القسم، وتقول: ربي به لأفعلن. أو: أقسم به لأفعلن. فهنا دخلت على الضمير. أما التاء فهي أخص أدوات القسم ما تدخل إلا على الله، ولا يُذْكَر معها فعل القسم وقيل: تدخل على الله وعلى رَبِّ، قال ابن مالك:
؎.......................... ∗∗∗ .......... والتَّاءُ لِلَّهِ وَ(رَبْ)
قال الله تعالى: ﴿وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ﴾ وأكثر ما يقسم الله به الواو؛ وذلك لأنها هي الأكثر على الألسُن فجاءت الأكثر في القرآن.
﴿وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ﴾ ﴿ذِي﴾ بمعنى صاحب، وهي مجرورة، لكنها مجرورة بالحرف نيابة عن الكسرة.
وقوله: ﴿ذِي الذِّكْرِ﴾ قال المؤلف: (أي البيان أو الشرف) يعني أن القرآن ذو ذِكْر؛ أي: ذو بيان للناس، يذكرهم ويتذكرون به، أو ذو شرف لشرفه وشرف مَنْ يعمل به، قال الله تعالى: ﴿وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ﴾ [الزخرف ٤٤] فهو ذِكْر يُذْكَر به ما ينفع الناس في معاشهم ومعادهم، ذِكْر يتذكر به الناس ويتعظون به وهو أعظم موعظة، ذِكْر أي: شرف لمن تمسك به، إذن هو ذكر لكونه يُذَكِّر الناس ويعظهم؛ ذكر لأنه ذُكِر فيه ما أيش؟ ما يتعلق بمصالح الناس في معاشهم ومعادهم، ذكر لأنه شرف لمن يتمسك به؛ لقوله تعالى: ﴿وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ﴾.
قال: (وجواب هذا القسم محذوف) لِمَ قال المؤلف: (وجواب هذا القسم)؟ لأنه ما من قسم إلا وله جواب؛ إذ إن القسم أركانه ثلاثة، بل أربعة: مُقْسِم، ومقسَم به، ومقسَم عليه، وصيغة، كل قَسَم لا بد فيه من هذا، وهي أربعة..
* طالب: صيغة، ومقسِم، ومقسَم به، الجواب، هذه أربع.
* طالب آخر: مقسِم، ومقسَم عليه، و ومقسَم به، وصيغة.
* الشيخ: طيب، إذن لا بد فيه من أربعة أركان: مقسِم، ومقسَم به، ومقسم عليه، وصيغة.
المقسم عليه هو جواب القسم، إذن لا بد لكل قسم من جواب، والجواب إن كان مذكورًا فهو معلوم، وإن كان محذوفًا فيُعَيِّنه السياق. ﴿وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ أَمَرْتَهُمْ لَيَخْرُجُنَّ﴾ [النور ٥٣] الجواب هنا مذكور ولَّا لا؟ ﴿وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ أَمَرْتَهُمْ لَيَخْرُجُنَّ﴾ مذكور ﴿لَئِنْ أَمَرْتَهُمْ لَيَخْرُجُنَّ﴾ ﴿قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ﴾ [التغابن ٧] مذكور ﴿لَتُبْعَثُنَّ﴾.
في هذه الآية قد وُجِدَ المقسَم به والصيغة ﴿وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ﴾ والمقسِم هو الله، بقي المقسم عليه وهو جواب القسم، يقول المؤلف: (إنه محذوف، وتقديره ما الأمر كما قال كفار مكة من تعدد الآلهة) هذا التقدير، فيكون جواب القسم جملة منفية، (ما الأمر كما قال كفار مكة من تعدد الآلهة)، ولكن الأمر أن الإله واحد وهو الله، وهذا التقدير الذي ذكره المؤلف لا يتعين؛ يعني: لو قال قائل: التقدير ﴿وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ﴾ إن إلهكم لواحد، لو قال قائل هكذا حصل به ما حصل من قول المؤلف ما الأمر كما قال كفار مكة، وذهب بعض العلماء إلى أن مِثْل هذا القسم لا يحتاج إلى جواب؛ لأن جوابه معلوم منه، كقوله: ﴿لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ (١) وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ (٢) أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظَامَهُ﴾ [القيامة ١ - ٣]، ﴿وَالْفَجْرِ (١) وَلَيَالٍ عَشْرٍ (٢) وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ (٣) وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ (٤) هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ﴾ [الفجر ١ - ٥] ما فيه جواب، فيكون المقسَم به متضمنًا للجواب، كيف يكون متضمنًا الجواب في هذه الجملة القَسَمية؟ ﴿وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ﴾ يعني أنكم قد ذُكِّرْتم بهذا القرآن الذي من جملة ما ذكر به أن الله واحد، وإلى هذا ذهب ابن القيم رحمه الله في كتابه التبيان في أقسام القرآن إلى أن القسم أحيانًا لا يحتاج إلى ذكر الجواب، بل ولا يحتاج إلى تقديره؛ لأنه يُعْلَم من السياق المقسَم به.
قال الله تعالى: ﴿بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ﴾ [ص ٢] ﴿بَلِ﴾ هنا للإضراب، الإضراب الإبطالي أو الانتقالي؟
* طلبة: الإبطالي.
* الشيخ: ما الفرق بينهما؟ الإبطالي إبطال ما سبق، كأنه مَسَحَه وأتى ببدله، والانتقالي إقرار ما سبق لكنه انتقل من شيء إلى آخر، وما قبل هذه الإضراب يكون باقيًا غير باطل.
قال: (﴿بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ من أهل مكة) وتقييد المؤلف للذين كفروا بأهل مكة فيه نظر، والأولى الأخذ بالعموم، وسلوك هذا الطريق -أعني أن يخص القرآن ببعض أفراد العام- ليس بسديد ولا جيد؛ وذلك لأنه نقص في التفسير إلا أن يقوم دليل على ذلك، فإذا قام دليل على ذلك وجب الأخذ بالدليل، أما إذا لم يقم دليل على ذلك فالواجب أيش؟ الواجب الأخذ بالعموم؛ لأنه أعم وأكثر معنى، فالذين كفروا من أهل مكة وغيرهم إلى يوم القيامة ﴿فِي عِزَّةٍ﴾، وليس عزة غلبة كالعزة التي في قوله تعالى: ﴿وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ﴾ [المنافقون ٨] لكنها عزة أَنَفة وكبرياء وعناد؛ ولهذا قال: (حَمِيَّة وتكبر عن الإيمان)، وهذه عزة مذمومة؛ لأنها عِزَّةٌ تَمْنَع صاحبها من قبول الحق، وأما العزة التي هي عزة النصر فهي تأييد لصاحبها، وبينهما فرق كبير.
قال: ﴿فِي عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ﴾ يعني مُشاقَّة. فشقاق مصدر شاقَّ، كقتال مصدر قاتل، والمعنى مشاقة، مشاقة لمن؟ مشاقة لله ولرسوله؛ قال الله تعالى: ﴿ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ﴾ [الأنفال ١٣]، وهنا قال المؤلف: (خلاف عداوة للنبي ﷺ) وهذا أيضًا فيه نظر، كيف؟ لأنه خَصَّ الشقاق بِمَنْ؟ بالنبي ﷺ مع أن الكافرين يشاقُّون الله ورسوله فهم في أنفة وكبرياء وحَمِيَّة ومشاقة لله ولرسوله، يعني أنهم يجانبون ما أمر الله به ورسوله كأنما يكونون في شِق، وما جاء به الوحي في شق آخر، ﴿بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ﴾ ولربما يقول قائل: إنهم أيضًا في شقاق فيما بينهم، ولا سيما اليهود، فإن الله تعالى قال: ﴿تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى﴾ [الحشر ١٤].
قال: ﴿كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ﴾ [ص ٣] (﴿كَمْ﴾ أي كثيرًا أهلكنا) عندكم (أي كثيرًا) بالنصب؟
* طلبة: إي نعم.
* الشيخ: (أي كثيرًا ﴿أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ﴾ أي أمة من الأمم).
قوله: ﴿كَمْ أَهْلَكْنَا﴾ قدَّرَها المؤلف بقوله: (كثيرًا) وعلى هذا فتكون (كم) تكثيريَّة، وهي منصوبة على أنها مفعول مقدم لـ﴿أَهْلَكْنَا﴾ و﴿مِنْ قَبْلِهِمْ﴾ متعلق بـ﴿أَهْلَكْنَا﴾ و﴿مِنْ قَرْنٍ﴾ تمييز لـ﴿كَمْ﴾؛ لأن كم اسم مبهَم يحتاج إلى تمييز؛ أي: إلى شيء يُبَيِّنها ويميزها. فلو قليل: ﴿كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ﴾ ما تَبَيَّن الكلام، ويش (أهلك)؟ فإذا قال: ﴿مِنْ قَرْنٍ﴾ تبين الكلام؛ ولهذا نقول: إن ﴿مِنْ قَرْنٍ﴾ تمييز لأيش؟ لـ ﴿كَمْ﴾ مجرور بـ﴿مِنْ﴾.
﴿كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ﴾، ﴿مِنْ قَبْلِهِمْ﴾ أي من قبل الكفار الذين كانوا في عهد النبي ﷺ وقوله: ﴿مِنْ قَرْنٍ﴾ أي: من أُمَّة، والمعنى أن الله أهلك كثيرًا من الأمم قبل هؤلاء، ومَن أهلك كثيرًا من الأمم قبل هؤلاء، فإنه حري أن يهلك هؤلاء. لكن إهلاك الأمم السابقة كان بعذاب من الله، وإهلاك المكذبين للرسول ﷺ كان بأيدي المؤمنين. فالحروب والقتال الذي وقع بين الرسول ﷺ كان عذابًا لهؤلاء المكذبين، وكان على يد النبي ﷺ وأصحابه كما قال الله تعالى: ﴿قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ (١٤) وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾ [التوبة ١٤، ١٥]، ولا شك أن عذاب الأعداء على يد النبي ﷺ وأصحابه لا شك أنه أشفى لصدورهم مما لو كان العذاب من الله سبحانه وتعالى، وهذا شيء مُشاهَد إذا كانت غلبة عدوك على يدك كان أشفى لصدرك وأحيا لنفسك وأقوى وأعز مما لو أهلكه الله بعذاب من عنده؛ فلهذا كان هلاك المكذبين للرسول ﷺ كان على يد الرسول ﷺ وأصحابه، والله أعلم.
(...) تعود على الألفاظ باعتبار لفظها ويجوز أن تعود على الألفاظ باعتبار معناها، ألم تروا إلى قوله تعالى: ﴿وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا﴾ [الحجرات ٩] ولم يقل: اقتتلا، لو قال: اقتتلا لكان الضمير عائدًا على اللفظ، ولما قال: ﴿اقْتَتَلُوا﴾ صار عائدًا على المعنى؛ لأن الطائفة جماعة، إذن ﴿فَنَادَوْا﴾ أي القرن فأعاد الضمير عليها باعتبار المعنى.
وقوله: ﴿فَنَادَوْا﴾ يقول المؤلف: (حين نزول العذاب بهم)، ولكن نَادَوْا مَنْ؟ هل المعنى نادى بعضهم بعضًا، يستغيث بعضهم ببعض، ولكن لا يمكن؟ أو المعنى أنه نَادَوُا الله أي: دعوه أي يغيثهم؟ أو المعنى أنه حصل منهم الأمران؟
القاعدة عندنا في التفسير أنه متى كان اللفظ صالحًا لمعنيين فأكثر فإنه يُحمل عليهما جميعًا، وعلى هذا فيكون ﴿نَادَوْا﴾ محذوف المفعول من أجل العموم، أي أن بعضهم ينادي بعضًا: يا فلان أغثني، أغثني. كذلك ينادون الله؛ لأن الله يقول: ﴿فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ﴾ [غافر ٨٤]، ولكن قال الله تعالى: ﴿وَلَاتَ حِينَ مَنَاصٍ﴾ ﴿لَاتَ﴾ هذه (لا) النافية زِيدت عليها تاء التأنيث لتأنيث اللفظ كما زيدت تاء التأنيث في (رُبَّت) وفي (ثمت) لتأنيث اللفظ، تقول: رب رجل لقيتُه، وتقول: ربت رجل لقيته، وتقول: قام زيد ثم قام عمرو، وتقول: قام زيد ثمت قام عمرو، فإذن هي (لا) النافية زيدت عليها أيش؟ تاء التأنيث؛ لماذا؟ لتأنيث اللفظ، هذه (لا) النافية تعمل عمل ليس، واسمها محذوف في هذه الآية، وخبرها ﴿حِينَ مَنَاصٍ﴾، والتقدير (أي: ليس الحين حين) فسرها المؤلف بالمعنى، فعليه تقول: (لا) بمعنى ليس، واسمها محذوف تقديره الحين، وخبرها موجود وهو قوله: ﴿حِينَ مَنَاصٍ﴾، والغالب أن خبر (لا) يكون زمانًا، هذا الغالب، لا يأتي إلا زمانًا.
قال الشاعر:
؎نَدِمَ البُغَاةُ وَلَاَتَ سَاعَةَ مَنْدَمٍ ∗∗∗ ............................
يعني وليست الساعة ساعة مندم.
وقوله: ﴿مَنَاصٍ﴾ المناص الفرار والنجاة؛ يعني: ليس الحين حين فرار ونجاة؛ لأنه بعد نزول العذاب لا ينفع نفسًا إيمانها.
قال المؤلف رحمه الله تعالى يقول: (ليس الحين حين فرار، والتاء زائدة) ليش؟ لتأنيث اللفظ، (والجملة حال من فاعل ﴿نَادَوْا﴾ ) وعلى هذا فتكون في محل نصب؛ لأن الجملة الحالية دائمًا في محل نصب، يعني: نادَوْا في حال لا مناص لهم مما نزل به؛ ولهذا قدرها المؤلف: (أي استغاثوا والحال ألا مهرب ولا منجى).
هذا ما قَدَّره المؤلف في جملة ﴿وَلَاتَ حِينَ مَنَاصٍ﴾ أي أنها حالية فتكون مُقيَّدة بحال مناداتهم، ولكن يجوز أن تكون استئنافية فـنادوا، ثم يخبر الله عز وجل أن هذا الوقت ليس وقت مَفَرٍّ.
الفرق بين قولنا: (استئنافية) و(حاليَّة) أنه إذا كانت حالية صارت قيدًا للمناداة؛ يعني: نادوا في حال لا ينفعهم النداء، وإذا كانت استئنافية تكون منفصلة من حيث القيديَّة عما قبلها، يكون الله أخبر بأنهم نادوا، ثم أخبر بأنهم في حال ليسوا متمكنين من الفرار.
قال المؤلف: (وما اعتبر بهم كفار مكة) وهذه هي الثمرة من ذكر أن الله أهلك قرونًا كثيرًا فيما سبق، ومع هذا لم يعتبر بذلك أهل مكة، بل كذبوا الرسول ﷺ وآذَوْه، وقالوا: إنه مجنون، وإنه ساحر، وإنه كذاب، وإنه شاعر، وإنه كاهن. وكل وصف ينفر الناس عنه وصفوه به ﷺ، ولم يعتبروا بمن سبق، بل زادوا على هذا.
﴿وَعَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ﴾ [ص ٤] ﴿عَجِبُوا﴾ العجب يكون له سببان:
السبب الأول: الإنكار.
والسبب الثاني: الاستحسان، يعني يقال: عجب من كذا أي: استحسنه. عجب من كذا يعني أنكره، فهو شبيه بأفعال الأضداد، لأن في اللغة العربية كلمات تدل على المعنى وضده تُسَمَّى عند علماء العربية الأضداد في اللغة.
العجب تارة يكون استحسانًا وتارة يكون استنكارًا؛ فقول عائشة رضي الله عنها: «كان النبي ﷺ يعجبه التيامن في تَنَعُّلِه وتَرَجُّلِه»[[أخرج البخاري واللفظ له (١٦٨)، ومسلم (٢٦٨ / ٧٦) بسنديهما عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان النبي ﷺ يعجبه التَّيَمُّنَ في تنعله وترجله، وطهوره وفي شأنه كله.]]. المراد بالإعجاب هنا الاستحسان.
وهنا ﴿وَعَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ﴾ هذا عجب استنكار، ليس عجب رضا واستحسان، بل هو عحب استنكار ورَدٍّ، وهذا نظير قوله تعالى في سورة ق: ﴿بَلْ عَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ فَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا شَيْءٌ عَجِيبٌ﴾ [ق ٢]، هنا نظيره قال: ﴿وَعَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ﴾ ﴿أَنْ﴾ هذه مصدرية على تقدير مِنْ، أي: عجبوا مِنْ أن جاءهم، وقلنا: إنها مصدرية؛ لأن ما بعدها يُحَوَّل إلى مصدر أي: عجبوا من مجيء المنذر منهم.
وقوله: ﴿مُنْذِرٌ﴾ المنذر هو المخبِر بالخبر للتخويف؛ ولهذا نقول: إن الإنذار خَبَرٌ مقرون بتخويف والنبي ﷺ كان مُنْذِرًا وكان مبشرًا، ولكن الكفار يليق بحالهم أيش؟ الإنذار؛ ﴿لِيُنذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِنْ لَدُنْهُ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ﴾، والتبشير يكون لمن؟ للمؤمنين.
وهنا قال: ﴿عَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ﴾ لأن هذا هو اللائق بحالهم.
وقوله: ﴿مِنْهُمْ﴾ نَسَبًا وجنسًا؛ فهو منهم جنسًا لأنه بشر، ولم ينزل الله تعالى رسولًا على البشر من الملائكة. نسبًا؛ لأنه من قريش، فهو منهم جنسًا ونسبًا ومع ذلك عجبوا.
قال المؤلف: (رسول من أنفسهم ينذرهم ويخوفهم النار بعد البعث) أي: بعد أن يُبْعَثوا، وهو النبي ﷺ. عجبوا عجب استنكار ورَفْضٍ ورَدٍّ مع أنهم كانوا يصفون الرسول ﷺ بالأول بالصادق الأمين، ولما جاءهم بالرسالة صار كاذبًا خائنا، والعياذ بالله.
طيب، إذن معاداتهم لهم ليس لشخصه، ولكن أيش؟ لما جاء به.
﴿وَقَالَ الْكَافِرُونَ﴾ فيه وَضْعُ الظاهر موضع المضمر، وكيف يكون الكلام لو أُتِي بالمضمر؟ وعجبوا أن جاءهم منذر منهم وقالوا: هذا ساحر كذاب، لكن قال: ﴿وَقَالَ الْكَافِرُونَ﴾، والفائدة من الإظهار في موضع الإضمار:
أولًا: تنبيه المخاطب؛ لأن الكلام إذا تَغَيَّر نسقُه أوجب للسامع أن ينتبه، بخلاف ما إذا كان على نسق واحد فقد يأتيه النوم، لكن إذا اختلف انتبه.
ثانيًا: التسجيل على هؤلاء بالكفر؛ لأنه لو قال: وقالوا: هذا ساحر كذاب لم نعرف حكمهم، فإذا قال: وقال الكافرون عرفنا أنهم أيش؟ أنهم كافرون.
الثالث: أن الحامل لهم على هذا هو الكفر، فلا يبعُد أن يأتي مِنْ غيرهم مثل ما أتى منهم؛ لأنه إذا كانت العلة واحدة، فمتى وُجِدَت هذه العلة حصل المعلول من أي شخص كان. فهذه فوائد الإظهار في موضع الإضمار، يقولها لنا عيسى.
* طالب: تنبيه المخاطب.
* الشيخ: إي نعم.
* الطالب: الإعلام بأن هؤلاء كافرون.
* الشيخ: نعم، الثالث؟
* الطالب: التسجيل على الكفار بالكفر.
* الشيخ: كيف؟
* الطالب: تسجيل الكفر على الكفار.
* الشيخ: هذا اللي قال الأخ.
* الطالب: تعليل الحكم.
* الشيخ: يعني: تعليل هذا القول بأن الحامل عليه هو الكفر فيكون هذا متعديًّا لغيرهم، يعني كل كافر يقول هذا الكلام، طيب.
﴿وَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ﴾ ﴿هَذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ﴾ يشيرون إلى مَنْ؟ إلى المنذر منهم وهو الرسول ﷺ ﴿سَاحِرٌ كَذَّابٌ﴾ جمعوا بين أمرين، وَصْفَيْن ذميمين، ﴿سَاحِرٌ﴾؛ لأنه يسبي عقول الناس، ﴿كَذَّابٌ﴾؛ لأن ما جاء به كذب غير مطابقٍ للواقع، فصار الرسول عليه الصلاة والسلام الذي هو أصدق الخلق صار عندهم كذابًا، ولم يقولوا: كاذبًا؛ لأن كذابًا تكون صفة للمتصف بها، كما تقول: نَجَّار، وحداد، وما أشبه ذلك مما يكون صفة لازمة، فهم قالوا: إنه ساحر لقوة تأثيره على سامعه فإن الرسول ﷺ كان إذا سمع الناس قراءته تَأَثَّرُوا بها تأثُّرًا عظيمًا، وكانت النساء والصبيان يجتمعون إلى بيت الرسول ﷺ يسمعون قراءته، وكانوا يتأثرون بهذه القراءة ، فكان كفار قريش يقولون: إن محمدًا سحر أبناءنا ونساءنا، وأنه ساحر لقوة تأثيره فيهم، ﴿كَذَّابٌ﴾ يعني أن ما جاء به فهو كذب لا حقيقة له، طيب، مَنِ الكاذب؟ الكاذب هو المخبِر بخلاف الواقع، كل من أخبرك بخلاف الواقع فقد كذَبك.
قال: ﴿أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا﴾ [ص ٥] هذا مَصَبُّ الإنكار، ﴿أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا﴾ هذا الاستفهام يحمل معنيين:
المعنى الأول: التعجب الاستنكاري.
والثاني: الإنكار البليغ على رسول الله ﷺ؛ حيث جعل الآلهة إلهًا واحدًا، هنا قال: ﴿أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا﴾ نصبت مفعولين: الأول: ﴿الْآلِهَةَ﴾، والثاني: ﴿إِلَهًا وَاحِدًا﴾، يعني: أصيَّر محمدٌ الآلهةَ إلهًا واحدًا، وهم يعبدون آلهة متعددة؛ اللات، والعزى، ومناة، وهُبَل، وغيرها من الأصنام، كيف يأتي محمد ويقول: ليس فيه آلهة إلا الله؟ هذا عندهم من أكبر الكذب.
طيب، يقول: ﴿أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا﴾ من حيث قال لهم: قولوا لا إله إلا الله، أي كيف يسع الخلق كلهم إله واحد؟ وهذا من جهلهم وغباواتهم أن ينكروا كون الآلهة إلهًا واحدًا. فنقول لهم: مَنِ الخالق؟ وكم؟ يقولون: الخالق هو الله، كم هذه؟ ويش جوابها؟ واحد. إذا كان الخالق هو الله وهو واحد كما تؤمنون به، فإنه لا غرابة أن يكون الإله هو الله وهو واحد. ومن وَسِع الخلق خلقًا وسعهم تَعَبُّدًا فإذا كانت الآلهة لم تَخْلُق شيئًا بإقراركم، فكيف تستحق أن تكون إلهًا؟ وإذا كان يمكن انحصار الخلق في واحد فإنه يمكن أن تنحصر العبادة في واحد.
ولهذا قال: ﴿أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا﴾ ﴿إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ﴾ ﴿إِنَّ هَذَا﴾ المشار إليه جَعْلُه الآلهة إلهًا واحدًا؛ يعني: إن جعله الآلهة إلهًا واحدًا ﴿لَشَيْءٌ عُجَابٌ﴾ ﴿عُجَابٌ﴾ أي: عجيب، لكن كلمة ﴿عُجَابٌ﴾ أبلغ من كلمة عجيب؛ لأنها تدل على المبالغة أي: لشيءٌ يتعجب منه الإنسان عجبًا عظيمًا كثيرًا؛ ولهذا عدلوا عن عجيب إلى ﴿عُجَابٌ﴾ ﴿إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ﴾.
قال الله تعالى: ﴿وَانطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ﴾ ﴿انطَلَقَ الْمَلَأُ﴾ ولم يذكر مكان الانطلاق؛ ليعم كل مكان يجتمعون فيه ويذكرون مثل هذا الشيء. فكلما اجتمعوا في مكان وتذاكروا فيما بينهم ما جاء به الرسول ﷺ من التوحيد انطلقوا من هذا المكان وهم يتواصون بالباطل والصبر عليه؛ ولهذا قال: ﴿انطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ﴾، والملأ هم الأشراف والكبراء والوجهاء. والأشراف والكبراء والوجهاء هم الذين كانوا يقابلون الرسل بالردِّ والرفض خوفًا على مكانتهم من أن تزول باتباع الرسل، ولو تأملتم القرآن لوجدتم أن الذين يقومون في وجوه الرسل هم الملأ والأشراف، أما الضعفاء من النساء والأولاد والفقراء فهم الذين يكونون أول مَنْ ينقاد للرسل.
هنا ينطلق الملأ منهم، ينطلقون من أي شيء؟ من كل مكان اجتمعوا فيه، كل مكان يجتمعون فيه ويذكرون ما جاء به رسول الله ﷺ من التوحيد ينطلقون هذا الانطلاق.
وأما قول المؤلف: (﴿انطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ﴾ من مجلس اجتماعهم عند أبي طالب وسماعهم فيه من أن النبي ﷺ قولوا: لا إله إلا الله) فهذا تقييد لمطلق، وقد ذكرنا أن تفسير القرآن بما هو أخص تفسير قاصر؛ لأنه يقصر المعنى المطلق على هذا المعنى المقيد، أو المعنى العام على المعنى الخاص، وهذا نقص بلا شك إلا إذا قام الدليل على ذلك فليُتْبَع الدليل فقوله تعالى: ﴿الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ﴾ [آل عمران ١٧٣] هذا عام، ولكن إذا طبقنا هذا الكلام على الواقع وجدنا أن المراد بالناس الخاص ﴿قَالَ لَهُمُ النَّاسُ﴾ القائل واحد ﴿إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ﴾ ليس كل الناس جمعوا للرسول ﷺ، الذين لم تبلغهم الدعوة ما جمعوا له فيكون هذا تفسيرنا الناس بخاص في هذه الآية تفسيرًا دل عليه الواقع أما إذا لم يكن دليل فإن الواجب إبقاء القرآن على عمومه إن كان من العام، وعلى إطلاقه إن كان من المطلق.
طيب هنا نقول: المؤلف رحمه الله جعل الانطلاق من مجلس خاص، وهو المجلس الذي اجتمعوا فيه عند رسول الله ﷺ وهو عند أبي طالب حين قال: «قُولُوا: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ»[[أخرج الترمذي (٣٢٣٢) بسنده عن ابن عباس، قال: مرض أبو طالب فجاءته قريش، وجاءه النبي ﷺ وعند أبي طالب مجلس رجل، فقام أبو جهل كي يمنعه قال: وشكوه إلى أبي طالب، فقال: يا ابن أخي ما تريد من قومك؟ قال: «إني أريد منهم كلمة واحدة تدين لهم بها العرب، وتؤدي إليهم العجم الجزية». قال: كلمة واحدة؟ قال: كلمة واحدة قال: «يا عم، قولوا: لا إله إلا الله». فقالوا: إلهًا واحدًا، ما سمعنا بهذا في الملة الآخرة إن هذا إلا اختلاق. قال: فنزل فيهم القرآن: ﴿ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ (١) بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ﴾ إلى قوله: ﴿مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ إِنْ هَذَا إِلَّا اخْتِلَاقٌ﴾ [ص: ١ - ٧].]]، ولكن الأولى أن نجعله عامًّا يشمل هذا المجلس وغيره.
﴿أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ﴾ [ص ٦] ﴿أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا﴾ هل المراد هنا المشي بالقدم أو المراد المشي بالطريقة؛ يعني: سيروا على طريقتكم واصبروا عل آلهتكم؟
من نظر إلى الانطلاق ﴿وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ﴾ قال: إن المراد بذلك المشي بالقدم؛ يعني: إنهم إذا انطلقوا حثَّ بعضهم بعضًا على المشي والسير لئلا يعودوا، فيعرجون على ما انطلقوا منه، كأنهم إنما ينطلقون فرارًا فيوصي بعضهم بعضًا بالمشي، وإذا نظرنا إلى المعنى أو إلى عموم أحوالهم قلنا: إن المراد بذلك أيش؟ المشي على الطريقة يعني: سيروا على طريقتكم، ولا يهمنكم أحد.
﴿وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ﴾ يعني احبسوا أنفسكم عليها، لا تحيدوا عنها، وهذا من باب التواصي بماذا؟ بالباطل.
(يقول بعضهم لبعض: ﴿امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ﴾ اثبتوا على عبادتها ﴿إِنَّ هَذَا﴾ المذكور من التوحيد ﴿لَشَيْءٌ يُرَادُ﴾ ). ﴿اصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ﴾ يعني: اثبتوا عليها في عبادتها والدفاع عنها وعدم قبول كل شيء يبطلها، اصبروا.
﴿إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ﴾ ﴿هَذَا﴾ المشار إليه ما جاء به النبي ﷺ من التوحيد ﴿لَشَيْءٌ يُرَادُ﴾ أي: يريده مَنْ جاء به، وهذا يدل على صدق الرسول عليه الصلاة والسلام، يعني معناه أن هذا الرجل قال قولًا يريده فهو جادٌّ في قوله، والشيء الذي يراد لا بد أن يسعى مريده بما يحققه، بخلاف الإنسان الذي يقول القول باللسان لا بالقلب، ولهذا تجد الذي يقول القول باللسان والقلب تجده يصمم ويعزم على أن يُنَفِّذ ما قال، لكن الذي لا يريد يكون قوله سطحيًّا.
فقولهم: ﴿إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ﴾ من يريده؟ قائله النبي عليه الصلاة والسلام، وإذا صدر القول عن إرادة فهذا يعني أن صاحبه مصمم عليه وعلى غلبته، وأن يكون هذا القول هو القول السائد الذي يمشي عليه الناس، بخلاف من قال قولًا لا يريده مثل أن يقول القول مجاملة أو من أجل إمضاء الوقت أو ما أشبه ذلك فإنه لا يكون عنده العزم الصادق على تنفيذ ما قاله.
* الطالب: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ﴿مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ إِنْ هَذَا إِلَّا اخْتِلَاقٌ (٧) أَأُنْزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِنْ بَيْنِنَا بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْ ذِكْرِي بَلْ لَمَّا يَذُوقُوا عَذَابِ﴾ [ص ٧، ٨].
* الشيخ: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، قال الله تبارك وتعالى: ﴿وَعَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ﴾.
﴿فَنَادَوْا وَلَاتَ حِينَ مَنَاصٍ﴾ ما هذا النداء؟
* طالب: (...) للاستغاثة.
* الشيخ: نعم، لكن من ينادون؟
* الطالب:عام، ينادون أنفسهم (...) وينادون الله.
* الشيخ: لطلب الغوث؟
* الطالب: نعم.
* الشيخ: طيب، قوله: ﴿وَلَاتَ حِينَ مَنَاصٍ﴾ كيف تعرب (لات)؟
* طالب: لا نافية للجنس وتعمل عمل ليس، والتاء زائدة لتأنيث اللفظ، واسم (لا) محذوف وتقديره الحين، وخبرها ﴿حِينَ مَنَاصٍ﴾.
* الشيخ: نعم، ﴿حِينَ مَنَاصٍ﴾، وما معنى ﴿مَنَاصٍ﴾؟
* الطالب: ﴿مَنَاصٍ﴾ أي: الفرار والنجاة.
* الشيخ: أي الفرار والنجاة، طيب، أحسنت. يعني أنهم إذا وقع بهم العذاب ولو نادوا واستغاثَوا فلا مناص لهم منه.
قوله: ﴿وَقَالَ الْكَافِرُونَ﴾ فيها نكتة بلاغية، ما هي؟
* طالب: فيها وضع الظاهر وضع المضمر، وهذا فيه عدة فوائد:
الفائدة الأولى: التنبيه؛ لأنه لو استطرد الكلام هنا على نمط واحد لما انتبه السامع.
ثانيًا: فيه الإعلام أن هؤلاء كافرون.
ثالثًا: فيه التعليل بأن من قال هذا القول فهو كفر، فيتعدى إلى كل من قال مثل هذا القول بأنه كافر.
* الشيخ: نعم. قوله: ﴿أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا﴾ الاستفهام؟
* طالب: للاستنكار والتعجب.
* الشيخ: نعم. والضمير في قوله: ﴿جَعَلَ﴾ يعود إلى مَنْ؟
* طالب: إلى محمد رسول الله ﷺ.
* الشيخ: إلى محمد رسول الله ﷺ، طيب.
كيف جمعوا بين وصفه بالسحر والكذب؟ السحر باعتبار أيش؟
* طالب: قول الإله إله واحد.
* الشيخ: لا.
* طالب: السحر لأن الساحر يسبي العقول (...).
* الشيخ: باعتبار تأثير كلامه؟ طيب، ﴿كَذَّابٌ﴾؟
* الطالب: باعتبار إخباره بخلاف الواقع.
* الشيخ: باعتبار ما أخبر به، طيب. إذن فهم وصفوه بأنه ساحر باعتبار تأثير كلامه كما يؤثر الساحر في المسحور، وكذاب باعتبار ما أخبر به.
طيب، قوله: ﴿إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ﴾ ما معنى عجاب؟
* طالب: صيغة مبالغة أصلها عجيب.
* الشيخ: بمعنى عجيب لكن أتوا..
* الطالب: بصيغة مبالغة.
* الشيخ: أَتَوْا فيه بصيغة مبالغة.
* الطالب: للإنكار.
* الشيخ: مبالغة في التعجب منه.
قوله تعالى: ﴿أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ﴾ ما المراد بالمشي؟ هل هو المشي بالقدم أو المشي على الطريقة؟
* طالب: المشي على طريقتهم.
* الشيخ: على طريقتهم، طيب، ولا يصح أن يكون مَشْيًا بالقدم؟
* الطالب: ﴿أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ﴾ (...) مشي على الطريق.
* الشيخ: يعني ولا يصح أن يكون مشيًا على القدم؟
* الطالب: ممكن.
* الشيخ: كيف ذلك؟
* طالب: (...).
* الشيخ: لا، بس كيف ذلك؟ إحنا عرفنا الآن أنه يصح، لكن كيف ذلك؟ كيف يتآمرون أو يأمر بعضهم بعضًا بالمشي على القدم؟
* الطالب: (...) الانطلاق، (...) المشي على القدم.
* الشيخ: إي أقول: كيف يتواصون بالمشي على القدم؟ يعني ليش؟
* الطالب: فرارًا.
* الشيخ: فرارًا، خوفًا من أن يُؤَثِّر فيهم المجلس الذي يُدْعَى فيه إلى التوحيد، أما المشي على الطريقة واضح.
قوله: ﴿إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ﴾ سامي ما معنى ﴿لَشَيْءٌ يُرَادُ﴾؟
* الطالب: أن ما جاء به شيء يراد منه، يريدنا أن نتبعه لما جاء به.
* الشيخ: إي، يراد منا أو يراد منه؟
* الطالب: يريد منا.
* الشيخ: منا.
* الطالب: ومنا أيضًا، هو يريد أن نتبعه (...).
* الشيخ: طيب، يراد منا معروف أنه ما دعاهم الرسول إلا يريد منهم هذا الشيء، لكن يراد منه كيف ذلك؟
* الطالب: بأن يتركوا آلهتهم ويتبعوه.
* الشيخ: نعم.
* الطالب: يراد منه لأن صاحب الإرادة لا بد أن يحقق إرادته.
* الشيخ: نعم، لأن من الناس من يتكلم بالكلام لكنه ما يهتم به ولا يريد ما يُفْضِي إليه، بخلاف المتكلم بكلام يريد ما يتكلم به؛ ولهذا نسمع كثيرًا من الناس يقول: أنا أقول كذا وأعني ما أقول، يعني أنه سوف يُنَفِّذ وسوف يعمل، فإذا كان الرسول ﷺ يريد ما يقول فمعنى ذلك أنه سوف يسعى بكل ما يستطيع لإتمامه.
قال الله تبارك وتعالى: ﴿بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾.
* من فوائد هذه الآية: أنه ينبغي الابتداء بها في الأمور الهامة ولهذا يبتدئ الله بها كل سورة، ومن المعلوم أن السورة من الأمور الهامة، وجاء في الحديث عن رسول الله ﷺ أنه قال: «كُلُّ أَمْرٍ ذِي بَالٍ لَا يُبْدَأُ فِيهِ بِبِاسْمِ اللَّهِ فَهُوَ أَبْتَرُ»[[أخرجه الخطيب في الجامع (١٢١٠) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.]]. والحديث حسن.
* ومن فوائدها: إثبات الألوهية لله في قوله: ﴿بِسْمِ اللَّهِ﴾.
* ومن فوائدها: إثبات أسماء الله؛ لقوله: ﴿بِسْمِ اللَّهِ﴾، وهذا مفرد مضاف فيعم كل اسم لله عز وجل؛ ولهذا يفسرها بعض المفسرين بقولهم: أي بكل اسم من أسماء الله أبتدئ.
* ومن فوائدها: التبرك بذكر اسم الله عز وجل فتكون أسماء الله مما يُدْعَى الله به؛ لقوله: ﴿وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى﴾ ومما يتبرك به ويستعان به؛ لأنها تقدم بين يدي الأمور الهامة، وإذا أردت أن تعرف مدى بركة هذه التسمية فانظر إلى الذبيحة يُسَمَّى عليها فتكون طيبةً حلالًا، ولا يُسَمَّى عليها فتكون خبيثة حرامًا مع أن الذابح واحد والآلة المذبوح بها واحدة ومكان الذبح واحد وإنهار الدم واحد، كل شيء واحد، لكن لما فُقِدَت التسمية صارت خبيثة ميتة لا يحل أكلها، فإذا سُمِّيَ عليها صارت طيبة.
«إِذَا أَتَى الرَّجُلُ أَهْلَهُ فَقَالَ: بِاسْمِ اللَّهِ، اللَّهُمَّ جَنِّبْنَا الشَّيْطَانَ وَجَنِّبِ الشَّيْطَانَ مَا رَزَقْتَنَا، فَإِنَّهُ إِنْ وُلِدَ لَهُ وَلَدٌ لَمْ يَضُرَّهُ الشَّيْطَانُ»[[متفق عليه؛ البخاري (٦٣٨٨)، ومسلم (١٤٣٤ / ١١٦) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما ولفظه: «لو أن أحدكم إذا أتى أهله قال: باسم الله، اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا، فإنه إن يُقَدَّر بينهما ولد لم يَضُرَّه الشيطان أبدًا».]]، وإن لم يسمِّ بهذا التسمية كان عُرْضَة لأن يصاب ولده بالشيطان ويُضَرَّ به.
* من فوائد الآية الكريمة: إثبات الرحمة لله في قوله: ﴿الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾، وأنها رحمة واسعة؛ لقوله: ﴿الرَّحْمَنِ﴾؛ لأن الرحمن صفة تدل على السعة والامتلاء.
* ومنها: إثبات إثبات الأسماء الثلاثة وهي الله والرحمن والرحيم.
ثم قال الله تعالى: ﴿ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ (١) بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ﴾ [ص ١، ٢].
* من فوائد هذه الآيات: أن القرآن كلام الله سبحانه وتعالى بحرف، تكلم به بالحروف العربية التي يتكلم الناس به ويركبون منها كلامهم؛ لقوله: ﴿ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ﴾.
* ومن فوائدها: فضيلة القرآن وشرفه حيث أقسم الله به ولا يُقْسَم إلا بالشيء العظيم.
* ومن فوائدها: جواز الإقسام بالقرآن، من أين يؤخذ؟
* طلبة: ﴿وَالْقُرْآنِ﴾.
* الشيخ: هذا خطأ. ليس فيها دليل على جواز الإقسام بالقرآن؛ لأن الله تعالى يقسم بما لا يجوز أن يُقسم به كقوله: ﴿وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا﴾ [الشمس ١]، ﴿وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى﴾ [الليل ١]، فإذا أقسم الله بشيء فإنه لا يلزم أن يجوز لنا الإقسام به؛ لأن الله يقسم بما شاء، ولكننا نقسم بالقرآن بدليل آخر لا بهذه الآية، وهو أن القرآن من كلام الله فهو صفة من صفات، والإقسام بصفات الله جائز.
* ومن فوائد هذا الآيات: أن القرآن ذِكْرٌ على الوجوه التي ذكرناها في معنى الذكر؛ فهو موعظة يُتَذَكَّر به، وهو ذكر يتذكر به الإنسان ويتعلم، وهو ذكر يُنالُ به الشرف، وهو ذكر لله يتعبد لله تعالى بتلاوته، كما يُتَعَبَّد بالذكر: لا إله إلا الله وسبحان الله والحمد لله.
* ومن فوائد هذه الآيات: بيان ما في نفوس الكفار من الحمية والأنفة الباطلة؛ لقوله: ﴿بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ﴾.
* ومن فوائدها أيضًا: أن الكفار لا (...) على كفرهم، ويستمرون في طغيانهم وأنفتهم، بل يحاولون أن يصدوا عباد الله عن دين الله؛ لأنهم في شقاق دائم، يشاقون الله ورسوله.
* ومن فوائد الآيات: أن لنا أن نقول: إنهم في عزة وشقاق مع الحق دائمًا، سواء مع الله أو مع الرسول أو مع ورثة الرسول وهم العلماء، أو مع أتباع الرسول عمومًا وهم مَن؟ المؤمنون. فهم في شقاق دائم مع أهل الحق.
ثم قال تعالى: ﴿كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ فَنَادَوْا وَلَاتَ حِينَ مَنَاصٍ﴾ [ص ٣].
* من فوائد هذه الآية: تسلية الرسول عليه الصلاة والسلام في أن الله تعالى أهلك المكذبين قَبْلَهم فَحَرِيٌّ أن يُهْلِكَ هؤلاء، وقد بينا أثناء التفسير أن الله تعالى أهلك هؤلاء لكن على يَد مَنْ؟ على يد الرسول ﷺ وأصحابه في الغزوات التي انتصر فيها، وقلنا: إن هذا النصر والتأييد والخذلان أبلغ من النصر الذي يأتي به الله من عنده؛ لأن الله يعذب هؤلاء بأيدي عباده المؤمنين وحزبه.
* ومن فوائد الآية الكريمة: تحذير هؤلاء المكذبين وأنهم لن يعجزوا الله شيئًا كما لم يعجزه مَنْ سبقهم ﴿كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ﴾.
* ومن فوائد الآية الكريمة أيضًا: أن التكذيب للرسل كان كثيرًا؛ لأن إهلاك القرون إنما كان بسب تكذيبهم فإذا كثرت القرون فلازم ذلك أن يكثر التكذيب؛ أي: إذا كثرت القرون المهلكة كان لازم ذلك أن يكثر التكذيب.
* ومن فوائد الآية الكريمة: بيان قوة الله وعظمته حيث أهلك أُمَمًا كثيرًا وقرونًا عظيمة؛ قال الله تعالى: ﴿فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ (١٥) فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي أَيَّامٍ نَحِسَاتٍ لِنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ [فصلت ١٥، ١٦] فبين الله عز وجل أن الله الذي خلقهم أشد منهم قوة وأنه عذبهم بما هو ألطف الأشياء بما هو الريح.
* ومن فوائد هذه الآية: أن الأمم المهلكة إذا نزل بهم العذاب لم يستفيدوا من الاستغاثة بالله ولا بأنفسهم؛ لقوله: ﴿فَنَادَوْا وَلَاتَ حِينَ مَنَاصٍ﴾ يعني ليس هناك فرار من هذا العذاب الذي نزل بهم.
ثم قال الله تعالى: ﴿وَعَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ وَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ﴾ [ص ٤].
* في هذا دليل على سفه قريش الذين كذَّبوا الرسول ﷺ واستنكروا ما جاء به؛ ووجه ذلك أنه لم يَأْتِهِم أحد غريب عليهم لا في جنسه ولا في نسبه، فالذي جاءهم جنسه بشرٌ مثلهم ونسبه منهم من قريش، ومع ذلك يعجبون استنكارًا مما جاءهم.
* ومن فوائد الآية: إقامة الحجة للرسول عليه الصلاة والسلام على هؤلاء؛ لقوله: ﴿مُنْذِرٌ﴾ يعني قد أقام عليهم الحجة بالإنذار، وقد قامت الحجة للرسول ﷺ وأنه لم يُفرِّط في رسالته، بل أنذر وقام بما قام به من البلاغ.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن هؤلاء الذين عَجِبوا استنكارًا كفارٌ؛ لقوله: ﴿وَقَالَ الْكَافِرُونَ﴾.
* ومن فوائدها: أن كلَّ مَنْ قال مثل قولهم وعجب مثل عجبهم فإنهم كفار، من أي جنس كان من البشر.
* ومن فوائد الآيات: بيان قوة تأثير كلام الرسول ﷺ في نفوس القوم كقولهم: ﴿هَذَا سَاحِرٌ﴾، والساحر يؤثر في المسحور.
* ومن فوائدها: كذبهم في وصف الرسول عليه الصلاة والسلام حيث قالوا: أنه ساحر كذاب، والحقيقة أن الكذاب هم، هم الكذابون بما وصفوا به رسول الله ﷺ.
* ومن فوائدها: أن أعداء الرسل لا يعادونهم عداء شخصيًّا، ولكنهم يعادونهم عداء معنويًّا لما جاؤوا به من الرسالة.
ويتفرع على هذه الفائدة أن الكافرين سيكونون أعداء لكل متبعي الرسول، كل من اتبع الرسول فسيجد له أعداء من الكافرين والمنافقين.
ويتفرع على ذلك تسلية مَنْ وجد عداءً من أعداء الله إذا تمسك بكتاب الله وسنة رسوله، فإنه يقال: هذا العداء الذي حصل لك قد حصل لمن هو خير منك فلا تعجب.
* ومن فوائد الآية: أن أعداء الرسل بل أعداء الرسالة يضعون ألقاب السوء لمن تمسَّك بالشرع، مثل؟
* طالب: (...).
* الشيخ: يضعون ألقاب السوء لكل مَنْ تمسَّك بالشريعة؛ لقولهم: ﴿هَذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ﴾.
وقد حصل هذا؛ فإن أهل التعطيل مثلًا يصفون أهل الإثبات من السلف بأنهم حشوية، مجسمة، ممثلة، رعاع، غوغاء، حشوية، وما أشبه ذلك من ألقاب السوء من أجل أن ينفروا الناس.
والعجب أن هؤلاء الذين يضعون ألقاب السوء لو تأملنا لوجدنا هذا اللقب الذي وضعوه للمتمسكين بشريعة الله لوجدنا هذا اللقب يصدُق عليهم هم. ألم يبلغكم قول المنافقين في الرسول عليه الصلاة والسلام وأصحابه؟ قالوا: ما رأينا مثل قرائنا هؤلاء أرغب بطونًا ولا أكذب ألسُنًا ولا أجبن عند اللقاء من هؤلاء القراء.
هذه الأوصاف الثلاثة تنطبق على مَنْ؟ عليهم هم، هم أكذب الناس ألسنًا وأجبن الناس عند اللقاء وأرغب الناس بطونًا، ليس لهم هم إلا بطونهم، فكل مَنْ وصف أهل السوء بوصف فإن وصفه يكون هو أول المتصفين به.
* ومن فوائد هذه الآيات: أن هؤلاء المكذبين للرسول عليه الصلاة والسلام لم يقيموا عليه حجةً فيما كذبوه فيه وليس عندهم إلا السب والعيب، وهذا يدل على ضعف حجة من ناوءك، فإذا وجدت الذي ناوءك، ليس عنده إلا الصراح والعويل ولطم الخد ونتف الشعر وما أشبه ذلك، فاعلم أنه ليس له حجة، إنما يريد أن يهوش عليك لعلك تنهزم، وإلَّا فصاحب الحجة يدلي بحجته بدون إثارة، يُدْلِي بحجته بهدوء بدون أن يثير، أما أن يَسُب ويشتم فإن هذا دليل على أنه مهزوم ومخذول، وأنه يريد أن يتخذ من هذا السلاح مَهْربًا ومخلصًا مما هو عليه من الضيق الذي عجز أن يدفع به حجة خصمه.
ثم قال الله تعالى: ﴿أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ﴾ [ص ٥].
* فوائد هذه الآية:
* من فوائدها: أن النبي ﷺ كان يدعو هؤلاء إلى التوحيد، إلى توحيد الله عز وجل في ألوهيه أو في ربوبيته؟ هو مع هؤلاء يجادلهم في الألوهية ويدعوهم إلى توحيد الألوهية؛ لأن توحيد الربوبية عندهم ثابت يُقِرُّون به ﴿وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ﴾ [الزخرف ٩]، ﴿وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ﴾ [الزخرف ٨٧] لا ينكرون توحيد الربوبية، لكنهم ينكرون توحيد الألوهية؛ ولهذا قالوا: ﴿أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا﴾ فكان الصراع بين الرسول ﷺ وبين كفار قريش على توحيد الألوهية، أما توحيد الربوبية فقد أقروا به.
* ومن فوائد هذه الآية: وجوب تقديم الأهم فالأهم في الدعوة إلى الله؛ لأن الرسول ﷺ أول ما دعا هؤلاء إلى التوحيد، ما قال: صلوا ولا زَكُّوا ولا صوموا ولا حجوا؛ دعاهم إلى التوحيد، وهذا هو شأن القرآن، وهذا شأن سنة الرسول عليه الصلاة والسلام العملية؛ فإنه لما بعث معاذًا إلى اليمن أمره أن يدعوهم أول ما يدعوهم إليه إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله.
* ومن فوائد الآية الكريمة: مكابرة هؤلاء الذين أنكروا توحيد الألوهية؛ حيث ادَّعَوا أن الدعوة إليه من الأمور العجيبة جدًّا؛ لقولهم: ﴿إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ﴾، وكما قلت لكم آنفًا: إن مَنْ وصف الحق بأوصاف الباطل فإن حقيقته أن تعود هذه الأوصاف إليه، فأيما أشد عجبًا؟ رجل يدعو إلى توحيد الله وآخر يدعو إلى الإشراك به ونفي التوحيد! أيهما أعجب؟ الثاني؛ ولهذا نقول: إن الشيء العجاب أن تنكروا توحيد الله، وأن تَدَّعُوا أن مع الله شريكًا، هذا هو الشيء العجاب، أَمَّا رجل يدعو إلى توحيد الله الذي دلت عليه الفطرة ودلت عليه الآيات الكونية والشرعية فإن هذا ليس بعجاب، بل العجاب فِعْلُكُمْ أنتم.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: استعمال المؤكِّدات في الكلام وأنه من الأساليب اللغوية؛ لقولهم: ﴿إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ﴾ فهم أكدوا هذه الجملة بمؤكدين بـ(إن) واللام ﴿إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ﴾.
ثم قال تعالى: ﴿وَانطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ﴾ [ص ٦].
* في هذا أيضًا: دليل على تَخَوُّف هؤلاء من تأثير دعوة الرسول ﷺ فيهم؛ ولهذا كانوا يتواصون بالصبر على آلهتهم، وكانوا يتواصون بالبقاء والثبات على طريقتهم، وكانوا يتواصون بالهروب من الأماكن التي يُدْعَى فيها إلى التوحيد، كل هذا يؤخذ من قوله: ﴿أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ﴾.
* ومن فوائد الآية: أن أهل الباطل يحنون على باطلهم ويحافظون عليه ويخافون مِنْ تَزَعْزُعِه؛ لقوله: ﴿وَانطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ﴾، وهكذا أهل الباطل تجدهم دائمًا يحوطون باطلهم بالسياج الذي يمنع من الوصول إليه على وجه يُمَزِّق هذا الباطل.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: أن للاجتماع على الشيء تأثيرًا في بقائه وثباته، من أين يؤخذ؟ من التواصي بالثبات على ما هم عليه والصبر على آلهتهم، ولا شك أن العمل الجماعي أكثر تأثيرًا من العمل الفردي مهما كان الفرد، يعني مهما كان الفرد في القوة لا شك أن العمل الجماعي له تأثير، ولهذا أمر النبي عليه الصلاة والسلام بأن نتزوج الودود الولود[[أخرج أبو داود (٢٠٥٠) بسنده عن معقل بن يسار قال: جاء رجل إلى النبي ﷺ، فقال: إني أصبت امرأة ذات حسب وجمال، وإنها لا تلد، أفأتزوجها؟ قال: «لَا» ثم أتاه الثانية فنهاه، ثم أتاه الثالثة، فقال: «تَزَوَّجُوا الوَدُودَ الْوَلُودَ فَإِنِّي مُكَاثِرٌ بِكُمُ الْأُمَمَ».]]؛ من أجل كثرة الأمة، فإن الكثرة لها تأثير عظيم؛ ولهذا امتن الله بها في كتابه على بني إسرائيل حيث قال: ﴿وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا﴾ [الإسراء ٦]، وذَكَّر شعيب قومَه بها حيث قال: ﴿وَاذْكُرُوا إِذْ كُنْتُمْ قَلِيلًا فَكَثَّرَكُمْ﴾ [الأعراف ٨٦]. والعامة يقولون: (الكثرة تغلب الشجاعة).
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن النبي ﷺ كان يقول قولًا يَعْنِي به ما يقول؛ لقولهم: ﴿إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ﴾.
* ومن فوائدها أيضًا: أن الإنسان إذا عَنَى ما يقول فإن تأثيره في المخاطب أكثر؛ لأن الخطاب كما يكون باللسان فإن اللسان وسيلة للتعبير عما في القلب، ثم إن كان اللسان يُعَبِّر عما في القلب حقيقة فإن الوسيلة التى تتلقى هذا القول وهي الأذن توصل ما تسمع إلى القلب؛ ولهذا يقول العامة: (ما كان باللسان فلن يتجاوز الآذان، وما كان من القلب نفذ إلى القلب)، وهذا صحيح أن القول الخارج من القلب يؤثر أكثر بكثير من القول الخارج من اللسان، وأضرب لذلك مثلًا: لو قام رجلان يعظان الناس أحدهما يعظ من قلب وتشعر بأنه يتكلم من قلب ويظهر أثر قوله على صفحات وجهه، والآخر أبلغ منه وأشد ترصيعًا للكلام وتنميقًا له لكن قوله يخرج من لسانه فقط، وقلبه على خلاف ذلك، أو على الأقل لا يؤمن بما يقول. أيهما أشد تأثيرًا؟
الأول أشد، لو قام عاميٌّ يتكلم بكلام عاميٍّ لكن يُنْقَل تأَثَّر الناس به أكثر مما لو تكلم رجل فصيح اللسان قوي البيان، لكن قلبه خالٍ مما يقول، وهذا الشيء مشاهد ولهذا قال الكافرون: ﴿إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ﴾ [ص ٦] يعني: يقال ويُراد حقيقة، فهم لقوة إرادة النبي ﷺ لما يقول كانوا يخافون من هذه الإرادة ويقولون: ﴿إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ﴾ والله أعلم.
{"ayahs_start":1,"ayahs":["صۤۚ وَٱلۡقُرۡءَانِ ذِی ٱلذِّكۡرِ","بَلِ ٱلَّذِینَ كَفَرُوا۟ فِی عِزَّةࣲ وَشِقَاقࣲ","كَمۡ أَهۡلَكۡنَا مِن قَبۡلِهِم مِّن قَرۡنࣲ فَنَادَوا۟ وَّلَاتَ حِینَ مَنَاصࣲ","وَعَجِبُوۤا۟ أَن جَاۤءَهُم مُّنذِرࣱ مِّنۡهُمۡۖ وَقَالَ ٱلۡكَـٰفِرُونَ هَـٰذَا سَـٰحِرࣱ كَذَّابٌ","أَجَعَلَ ٱلۡـَٔالِهَةَ إِلَـٰهࣰا وَ ٰحِدًاۖ إِنَّ هَـٰذَا لَشَیۡءٌ عُجَابࣱ","وَٱنطَلَقَ ٱلۡمَلَأُ مِنۡهُمۡ أَنِ ٱمۡشُوا۟ وَٱصۡبِرُوا۟ عَلَىٰۤ ءَالِهَتِكُمۡۖ إِنَّ هَـٰذَا لَشَیۡءࣱ یُرَادُ"],"ayah":"أَجَعَلَ ٱلۡـَٔالِهَةَ إِلَـٰهࣰا وَ ٰحِدًاۖ إِنَّ هَـٰذَا لَشَیۡءٌ عُجَابࣱ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق