الباحث القرآني
ثم قال الله تعالى: ﴿يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى﴾ [ص ٢٦].
يخاطب الله تعالى داود بالنداء، والمخاطبة بالنداء يُراد بها التنبيه؛ لأن هناك فرقًا بين أن تقول: محمدٌ قام، وبين أن تقول: يا عليُّ محمدٌ قام؛ ففي الثاني تنبيه، وإذا كان الكلام يحتاج إلى تنبيهٍ فإنه دليلٌ على أهميته؛ إذْ إنَّ الكلام الذي يُهتَمُّ به يقدَّم بين يديه ما يكون به التنبيه، فالله عز وجل ينادي داود تنبيهًا لما سيُلقي عليه فيقول: ﴿إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ﴾.
﴿جَعَلْنَاكَ﴾ أي صيَّرناك؛ لأن الجَعل تارةً يكون للتصيير وتارةً يكون للإيجاد؛ ففي قوله تعالى: ﴿وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ﴾ [الأنعام ١] هذه جَعْل أيش؟ إيجاد، جَعْل إيجادٍ؛ يعني: أوجدَهما، وفي قوله تعالى: ﴿إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا﴾ [الزخرف ٣] أي: صيَّرناه؛ جَعْل تصيير. والفرق بينهما أنه إنْ تعدَّى إلى مفعولٍ واحدٍ صار بمعنى الإيجاد، وإنْ تعدَّى إلى مفعولين صار بمعنى التصيير، هنا يقول: ﴿جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً﴾ تعدَّى إلى مفعولين: الكاف و(خليفة)، فتكون بمعنى التصيير.
وقوله: ﴿إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ﴾ أي: خالفًا لنا في تبليغ شَرْعنا، وليس المراد أنه خالِفٌ له أنه يأتي بعده؛ لأن الله تعالى هو الأول والآخِر والظاهر والباطن، لكن خليفة لله في تبليغ أيش؟ في تبليغ شَرْعه وحُكمه بين الناس.
وقوله: ﴿فَاحْكُمْ﴾ الفاء هذه للتفريع؛ أي: فبناءً على كونك خليفةً في الأرض احكُم.
قال المؤلف رحمه الله: (﴿خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ﴾ تُدبِّر أَمْر الناس) كما يدبِّر الخلفاءُ أَمْر مَن جعلهم الله راعين له.
﴿فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ﴾ الفاء هذه -كما قلت- للتفريع، على أيش؟ على جَعْله خليفةً.
﴿احْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ﴾، ﴿بِالْحَقِّ﴾ أي: بالعدل؛ لأن الحقَّ إن كان في مقابلة الخبر فهو بمعنى الصِّدق، وإن كان في مقابلة الحُكم فهو بمعنى العدل؛ فإذا قيل: أخبرني محمدٌ بكذا وهو حق؛ يعني صدقًا. وإذا قلت: حكم فلانٌ بكذا وهو حق؛ يعني عدلًا. هنا يقول: ﴿احْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ﴾ أي: بالعدل؛ لأن الحق هنا وُصِف به الحُكم فصار بمعنى العدل.
﴿فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ﴾ أي: بالعدل، وهذا يتضمَّن الحُكمَ، وطريقَ الحُكم، ولوازمَه؛ فالحُكم بأن تحكم بالشرع، وطريقه -طريق الحكم- أن تعدل بين الخصمين في كل شيء، حتى إن العلماء يقولون: يجب على القاضي أن يعدل بين الخصمين في لفظه، ولحظه، وكلامه، وجلوسهما، ودخولهما عليه، في كلِّ شيء:
ففي لفظه: لا يُغَلِّظ القولَ لأحد الخصمين ويُلين القولَ للآخر.
وفي لحظه: لا ينظر إلى أحد الخصمين نظرة غضب وإلى الثاني نظرة رضا.
مجلسه: لا يُجلس أحد الخصمين إلى جانبه والثاني بعيدًا عنه.
دخولهما عليه: لا يقُل لأحدهما: ادخُل، قبل الآخَر، حتى ولو كان كافرًا فإنه لا يقدِّم المسلمَ عليه في الدخول، وإن كان بعض العلماء قال: إذا كان أحدهما كافرًا فإنه يقدِّم المسلمَ عليه في الدخول، لكن المقام مقام حُكم، الواجب فيه العدل، وهذا كُفره عليه وهذا إسلامُه له، هذا إذا كان الدخول يحتاج إلى تقديم وتأخير، أمَّا إذا كان الباب مفتوحًا فإنه لا يلزمه أن يجعل عند الباب رجلًا يقول: ادخلا جميعًا، يجعل الأمر موكولًا إلى مَن؟ إلى الخُصوم؛ مَن جاء فليدخل، دخل قبل الثاني أو بعده، لكن إذا كان هناك ترتيب في الدخول فلا يقدِّم أحدهما على الآخَر، هذا طريق الحكم.
أمَّا الحُكم فإذا علم أن الحقَّ مع أحدهما وجب عليه أن يحكم به له مهما كان، سواءٌ كان عدوًّا أو صديقًا.
﴿فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ﴾ الناس أصلُها (الأُناس)، لكن حُذفت الهمزة تخفيفًا كما حُذفت من (شر) و(خير)؛ قال الله تعالى: ﴿قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكَ﴾ [المائدة ٦٠] أي: بما هو أشرُّ من ذلك.
ثم قال: ﴿وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى﴾، ﴿الْهَوَى﴾ هوى النفس، وإنما نهاه عن اتباع الهوى تعظيمًا لهذا الأمر، ولا يَلزم من نهيه عنه أن يكون ممكنًا في حقه؛ كما قال الله تعالى للنبي ﷺ: ﴿لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ﴾ [الزمر ٦٥] ولا يَلزم من هذا أن يكون الإشراك في حقِّه ممكنًا، وقد يقال: إن الله نهاه عن اتباع الهوى لقُوَّة الهوى في البَشَر؛ فإن الهوى في البَشَر أمرٌ مفطورٌ عليه البَشَر؛ لأنه يندر أنَّ شخصًا يتقدَّم إليه أبوه مع شخصٍ آخَر عدوٍّ له، يندر ألَّا يكون له هوًى، أو يتقدَّم إليه شخصٌ من أصدقائه الحميمين وآخَر من أعدائه الألِدَّاء ثم لا يميل مع الأول، يندر هذا، فلِقُوَّة الداعي -وهو الهوى- نهى الله عنه وإنْ كان لا يمكن في حقِّه.
وقوله: ﴿وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى﴾ أي: هوى النفس ﴿فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ﴾ [ص ٢٦]، ﴿فَيُضِلَّكَ﴾، فالفعل هنا مضارعٌ، ولكنَّه منصوبٌ، فلماذا كان منصوبًا؟ لأنه وقع بعد النهي، والمضارع إذا اقترنت به الفاء بعد النهي صار منصوبًا بـ(أنْ) مضمرة وجوبًا.
وقوله: ﴿فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ﴾ أي: يجعلك تضلُّ وتحيد يمينًا وشمالًا.
وقوله: ﴿عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ﴾ قال المؤلف: (أي: عن الدلائل الدالَّة على توحيده). هذا ضعيف جدًّا هذا التفسير، بل المراد بـ﴿سَبِيلِ اللَّهِ﴾ طريقه الموصل إليه؛ لأن السبيل في الأصل هو الطريق، وأُضيف إلى الله لأنَّ الله هو الذي وضعه، وهو الذي شرعه، ولأن هذا السبيل يؤدِّي إلى مَن؟ يؤدِّي إلى الله، فأُضيفَ إلى الله باعتبار وضْعه وباعتبار نهايته. وإذا قُلنا بما ذكرت: أن المراد ﴿عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ﴾ أي: عن طريقه وشريعته، صار أعمَّ مما قال المؤلف، أعمَّ مما قال وألصقَ باللفظ؛ لأن السبيل في اللغة معروفٌ أنه الطريق، وليست الدلائل الدالَّة على التوحيد، لكن الدلائل الدالَّة على التوحيد لا شك أن النظر فيها من شريعة الله.
﴿فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ﴾ [ص ٢٦] إلى آخره، لم يقُل الله عز وجل: إنك إنْ تتَّبع الهوى أو إنْ تضلَّ عن سبيل الله فلَكَ عذابٌ شديدٌ، بل أتى بالجملة الاستئنافية الاستقلالية؛ أولًا: تفاديًا لمخاطبة داود بذلك، وثانيًا: ليكون أعمَّ. ففيه فائدتان: الأولى: تفادى مخاطبة داود بذلك ، والثانية: إرادة العموم، ولهذا قال الله تعالى: ﴿عَبَسَ وَتَوَلَّى (١) أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى (٢) وَمَا يُدْرِيكَ﴾ [عبس ١ - ٣]، فعبَّر بالفعل الماضي الدالِّ على الغائب ﴿عَبَسَ وَتَوَلَّى﴾ ولم يقُل: عبستَ وتولَّيتَ أنْ جاءك الأعمى وما يُدريك لعله يزَّكى، بل قال: ﴿عَبَسَ﴾ تفاديًا لمخاطبة الرسول ﷺ بمثل هذا الوصف.
وقوله: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ﴾ قال المؤلف: (﴿إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ﴾ أي: عن الإيمان بالله)، وهذا أيضًا فيه نظر، والصحيح أن سبيل الله هنا هو سبيل الله الأول، والمراد به أيش؟ شريعته؛ لأنها هي الطريق الموصل إليه.
﴿لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ﴾ الجملة خبر ﴿إِنَّ﴾، وأين اسمها؟
* طالب: ﴿الَّذِينَ﴾.
* الشيخ: ﴿الَّذِينَ﴾ هذا الاسم، و﴿لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ﴾ خبرها، فالجملة هنا خبر لـ﴿إِنَّ﴾، وكلُّ جملة تقع خبرًا فلا بدَّ فيها من رابط يربط بين هذه الجملة وبين المبتدأ، والرابط هنا الضمير في قوله: ﴿لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ﴾.
وقوله: ﴿شَدِيدٌ﴾ أي: قوي وعظيم، ويدلُّك لقوَّته وعظمته ما وصفه الله به في القرآن الكريم من صفاتٍ تنزعج لها القلوب وتتفطَّر لها الأكباد.
وقوله: ﴿شَدِيدٌ﴾ أي: قوي ﴿بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ﴾ [ص ٢٦] أي: بسبب نسيانهم يوم الحساب، فالباء هنا للسببية، و(ما) مصدرية، ولهذا قال المؤلف: (بنسيانهم يوم الحساب المرتَّب عليه تركُهم للإيمان، ولو أيقنوا بيوم الحساب لآمنوا في الدنيا).
وقوله: ﴿بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ﴾ المراد بيوم الحساب يومُ القيامة، وأُضيفَ إلى الحساب لأن الناس يحاسَبون فيه على أعمالهم، وأولُ ما يحاسَب به الإنسان فيما يتعلَّق بحقِّ الله الصلاةُ، وأولُ ما يحاسَب عليه فيما يتعلَّق بحقِّ الآدميين هو الدماء؛ كما قال النبي عليه الصلاة والسلام: «أَوَّلُ مَا يُقْضَى بَيْنَ النَّاسِ فِي الدِّمَاءِ»[[أخرجه البخاري (٦٨٦٤) من حديث عبد الله بن مسعود.]].
* طالب: (...) السجدة استغفر ربه (...) السجدة هل هي سجدة (...)؟
* الشيخ: أما بالنسبة لداود فهي سجدة التوبة، ولهذا قلنا: إن المشروع في شرعنا أن يصلي ركعتين لا أن يسجد مرة واحدة.
أمَّا بالنسبة لنا نحن تالي القرآن فإنَّ السجدة سجدةُ تلاوة، ولهذا يُسَنُّ للإنسان أن يسجد ولو كان في الصلاة، خلافًا لمن قال: إنَّ سجدة (ص) لا يُسجد فيها في الصلاة فإن هذا القول ضعيف.
* طالب: هل يمكن (...) إذا ما راقب الله (...)؟
* الشيخ: أبدًا ما يَسلم (...) إذا لم يراقب الله، لكن بعض الناس قد يَسلم من الهوى لا تديُّنًا ومراقبةً لله ولكن خوفًا من العار؛ مثل أن تكون القضية واضحة فيحكم بخلاف ما اتَّضح، فهذا ربما لا يهمُّه أن يكون ذلك خشيةً لله، ولكن خوفًا من العار الذي يصيبه بين الناس.
* طالب: الأنبياء (...) وذنوبهم تُغفر قبل أن (...) إلى الله؟
* الشيخ: معلوم، مَن عَلِمنا أنَّ الله غفر له فإنه مغفور له، فهنا داود غفر الله له، فإذا غفر الله له فلا يُحاسَب على ذلك.
* طالب: هل يُشرع للإنسان أن (...) القضاء (...)؟
* الشيخ: لا، القضاء فرض كفاية، وإذا لم يوجد صالحٌ إلا هو تعيَّن عليه، ولهذا ينبغي للإنسان أن يتَّخذ القضاء ولايةً ودينًا؛ أمَّا كونُه ولايةً فظاهر؛ أن يتولَّى أمور الناس ويحكم بينهم، وأمَّا كونه دينًا فلأنَّ هذا فرض كفاية، لا بدَّ للناس من القضاء، ولأن النبي ﷺ كان يقضي بين الناس، فيقتدي بالرسول ﷺ في هذا ويحصل له الخير الكثير.
* * *
(...) ﴿فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ﴾ [ص ٢٦] إلى آخره.
* في هذه الآية من الفوائد: إثبات الكلام لله عز وجل وأنَّه بحرف وصوت، وذلك من قوله: ﴿يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ﴾ [ص ٢٦]، فإن هذه الجملة مركبة من حروف، ولا بدَّ أن تكون بصوت لأنه يخاطب بها داود، ولا بدَّ أن يكون المخاطَب سامعًا، ولا سماع إلا بصوت، فيؤخذ منه الردُّ على الأشاعرة وغيرهم ممن قالوا: إن الله سبحانه وتعالى يتكلَّم وإنَّ كلامه هو المعنى النفسي القائم بذاته الملازم له دائمًا وأبدًا.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أنَّ الأمرَ أمرُ الله، هو الذي يُنَصِّب مَن شاء ويعزل مَن شاء.
* ومنها: أنه لا مانع من أنْ يقول القائل للسلطان له السلطة العليا في الأرض أنْ يقول له: إنه خليفة الله. ولا يعني ذلك أن الله سبحانه وتعالى محتاجٌ إلى أن يستخلف أحدًا ليقوم عنه بتدبير الخلق، ولكنَّه خلَّفه؛ أي: جعله حاكمًا بين الناس بما شرع الله سبحانه وتعالى.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: وجوب الحُكم بين الناس بالحق؛ لقوله: ﴿فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ﴾.
ويتفرَّع على هذه الفائدة أنَّ منصب القضاء فرضُ كفايةٍ كما قال ذلك أهل العلم، وإذا لم يوجد إلا الشخص المعيَّن المؤهَّل فإنه يكون في حقِّه فرضَ عينٍ.
* ومن فوائد هذه الآية: أنه لا ينبغي للشخص إذا وُكِل إليه تولِّي القضاء أن يفِرَّ منه ما دام يعرف من نفسه الكفاءة؛ وذلك لأنه إذا فرَّ منه وفرَّ الثاني منه والثالثُ والرابعُ تعطَّل هذا المنصب العظيم الذي هو منصب الرسل، ولكن إذا أتى الإنسانَ هذا الشيء بدون سؤال فليستعِنْ بالله، فإن الله يُعينه على هذا.
* ومن فوائد هذه الآية: أنه يجب أن يُحكَم بين الناس بالحق، سواءٌ كان ذلك في طريق الحُكم أو في نفس الحُكم:
ففي طريق الحُكم يجب أن يعدل بين الناس في كلِّ شيء، حتى قال أهل العلم: يجب أن يعدل بين الخصمين في لفظه، ولَحْظه، ومَجلسه، ودخولهما عليه؛ فلا يقدِّم أحدًا في ذلك على أحد.
أمَّا في الحُكم فأنْ يحكم بينهم بمقتضى الشريعة، وما تقتضيه الشريعة فهو العدل بلا شك.
إذَن ﴿بِالْحَقِّ﴾ يشمل الحُكم وطريق الحُكم؛ أمَّا طريق الحُكم فهو معاملة الخصمين بحيث تكون المعاملة بينهما على وجه العدل، وأمَّا في الحُكم فأنْ يحكم بما تقتضيه الشريعة، وما تقتضيه الشريعة فلا شك أنه الحق.
* ومن فوائد هذه الآية: أنه لا يجوز للقاضي الحاكم بين الناس أن يُحابي أحدًا لقرابةٍ أو صداقةٍ أو غنًى أو فقرٍ أو جاهٍ أو غير ذلك؛ لقوله بأيش؟ ﴿بِالْحَقِّ﴾، ويؤيد هذا قوله: ﴿وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى﴾.
* ويستفاد من هذه الآية: أنه في المقام الهامِّ ينبغي أن يُذكَر الإثبات المطلوب ويُذكَر النفي المطلوب؛ وذلك من أجْل إتمام الإثبات المطلوب، كأنَّه قال: احكمْ بالحقِّ حُكمًا لا يدخله الهوى. وهذه فائدةٌ واضحةٌ؛ يعني الشيء المهم إذا ذُكرت الصفات المطلوبة فينبغي أيضًا أن تُذكر الصفات التي لا تُطلب من أجْل أن تكون الصفات المطلوبة مجرَّدة عن الصفات غير المطلوبة؛ لأن من الكمال إثبات الكمال ونفي ضدِّه؛ فمثلًا: ﴿فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ﴾ هذا أيش؟ إثبات كمال، ﴿وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى﴾ نفي ضدِّه؛ وإنما يؤتى بنفي الضدِّ من أجْل أن يتبيَّن أن المطلوب ينبغي أن يكون مجرَّدًا عن كلِّ ما ينافيه.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أنَّ اتِّباع الهوى سببٌ للإضلال عن سبيل الله؛ لقوله: ﴿فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ﴾.
ولكن هل الإضلال في نفس المخالفة أو أنَّ المخالفة نفسها ضلالٌ وتكون سببًا لإضلالٍ آخَر؟
الجواب: الثاني، فإنَّ الهوى يجلب للإنسان الضلال كما أنه هو نفسه ضلال، فإذا اتَّبعتَ الهوى في قضيَّةٍ ما فانتظِر اتِّباع الهوى في القضيَّة التي تليها؛ لأن المعصية قبل أن يقع فيها الإنسان يجد نفسه تستوحش منها، تستوحش وتنفر، فإذا فعلها مرَّةً هانت عليه، انكسر الحجاب، فإذا هانت عليه أول مرَّةٍ هانت عليه المرَّة الثانية ثم الثالثة حتى تصبح وكأنها لا شيء، ولهذا يضرب العامَّة مثلًا له فائدة؛ يقولون: بكثرة الإمساس يقلُّ الإحساس. يعني: إذا أكثر الإنسانُ من مماسَّة الشيء قلَّ إحساسُه به.
الحاصل أن اتِّباع الهوى ضلالٌ بنفسه وسببٌ للضلال، ووجه ذلك أن المعصية تنفر منها النفس، فإذا فعلتْها مرَّةً هانت عليها، ثم الثانية تكون أهْون، والثالثة أهْون، والرابعة أهْون، حتى تصبح المعصية وكأنها ليست بمعصية، ولهذا قال: ﴿فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ﴾، فتجد قاضيًا مثلًا لا يمكن أن يحكم بالحَيف والجَور، وتجده نافرًا من ذلك، فإذا حَكَم مرَّةً هان عليه، (...) الثانية وهان عليه، والثالثة، والرابعة، وهكذا، ولهذا قال: ﴿وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ﴾.
ويمكن أن يقال: إن هذا لا يختصُّ بالحُكم بين الناس؛ أي إن اتِّباع الهوى سببٌ للإضلال عن سبيل الله في كلِّ شيء، حتى في غير الحُكم، حتى في المعاصي الخاصة التي في نفسك إذا اتبعتَ هواك فيها فاعلمْ أنَّ هذا سببٌ للإضلال عن سبيل الله، فعليك أن تتوقَّى المعاصي فإنها كلها شَرٌّ.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن دين الله تعالى واحدٌ لا يتشعَّب؛ لقوله: ﴿عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ﴾ فأَفْردها، ويدلُّ لهذا قوله تعالى: ﴿وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ﴾ [الأنعام ١٥٣]، فسبيل الله واحدة، ولكن ما خالفها فهو المتشتِّت؛ هذا سببه الهوى، وهذا سببه خشية الناس، وهذا سببه كذا، وهذا سبيه كذا، فتتفرق السُّبُل.
* ومن فوائد الآية الكريمة: الثناء العظيم على شريعة الله، وذلك بإضافتها إلى الله؛ لأن كلَّ ما أُضيفَ إلى الله فإنه إذا كانت الإضافة خاصة فإنَّ الإضافة تدلُّ على شرفه.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن الضالِّين عن سبيل الله متوعَّدون بهذا الوعيد؛ ﴿لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ﴾ أي: قوي، ويتفرَّع على هذه الفائدة: الحذر من الضلال عن سبيل الله.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن من أسباب الضلال عن سبيل الله نسيان يوم الحساب والغفلة عنه، والانغماس في الدنيا حتى تُنسي الإنسانَ ما خُلِقَ له وما هو مقبلٌ عليه، ولهذا قال: ﴿بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ﴾ أي: غفلوا عنه، ليس المراد بالنسيان الذهول الذي يُعفى عنه، بل المراد بالنسيان التَّرْك الذي هو الغفلة وعدم المبالاة به.
* ومن فوائد الآية الكريمة: الحذر من الانغماس في الدنيا الذي يوجب نسيانَ يوم الحساب، ومن ثَمَّ حرَّم الشرع كلَّ لهوٍ يلهو به الإنسان وقال: كلُّ لهوٍ يلهو به الإنسانُ فهو باطلٌ إلا ما استُثني، يعني: باطلٌ ليس فيه خير، ثم قد يكون محرَّمًا وقد يكون ضياعًا للوقت بدون تحريم، لكن كل اللهو يصدُّ عن سبيل الله ويُنسي يومَ الحساب، ولذلك تجد أقلَّ الناسِ إيمانًا بيوم الحساب أكثرَهم ممارسةً للملاهي، لا يمكن أن يقع في قلبه تذكُّر ليوم الحساب إلا نادرًا إن وُفِّق لسماع موعظة أو ما أشبه ذلك، وإلا فإنه غافلٌ لاهٍ.
ويتفرَّع على هذا أن يعرف الإنسانُ عداوةَ أعداء الله الذين أغرقونا بالملاهي وأنواعها حتى صرفوا الشباب الإسلاميَّ عمَّا ينبغي أن يؤهِّل نفسَه له، فأغرقوه بالملاهي بأنواعها حتى صار الإنسانُ كأنَّما خُلِق لهذا اللهو، وصار رأس ماله وعَقِب ماله كله هو هذا اللهو، لا يتكلَّم إلا به ومَن فاز به ومَن لم يَفُز، فضاع الشباب بسبب هذا اللهو الذي انغمسوا فيه ونسوا يومَ الحساب إلا مَن شاء الله.
* ومن فوائد هذه الآية: إثبات الأسباب، من أين تؤخذ؟ من قوله: ﴿بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ﴾؛ لأن الباء هنا للسببية.
ويتفرَّع على هذه الفائدة إثباتُ حكمة الله عز وجل وأنَّه تعالى لا يفعل شيئًا إلا لسببٍ يقتضيه، حتى إنَّ بعض أهل العلم قال: إنَّ كون الله عز وجل خَلَق السماواتِ والأرضَ في ستة أيام دون أن يخلقها بلحظة من أجْل ترتُّب هذا الخلْق بعضه على بعض، حتى تكون الأسباب فاعلةً فِعْلها فتُنتج الشيءَ شيئًا فشيئًا حتى يتمَّ. وهذا ليس ببعيد ما دُمنا نؤمن بأن الله تعالى حكيمٌ وأنَّ كل شيءٍ فإنه يكون بسببٍ، فلا يُستبعد أن يكون بقاءُ خلْقِ السماوات والأرض ممتدًّا إلى ستة أيام هو من أجْل هذا؛ من أجْل أن يترتَّب الخلْق بعضه على بعضٍ وينبني بعضه على بعض حتى يكون مطابقًا للحكمة، وإلا فنحن نعلم عِلم اليقين أنه لو شاء الله لَقال: (كُن) فيكون في لحظة، لكن الله عز وجل حكيم.
* ومن فوائد الآية الكريمة: إثبات الحساب في الآخرة؛ لقوله تعالى: ﴿بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ﴾.
وكيف هذا الحساب؟
الحساب يختلف؛ حساب المؤمن أن يخلو الله به من غير أن يطَّلع عليه أحدٌ فيُقَرِّره بذنوبه يقول: فعلتَ كذا وفعلتَ كذا، حتى إذا رأى أنه هلك قال الله له: إنِّي قد سترتُها عليك في الدنيا وأنا أغفرها لك اليوم[[متفق عليه؛ البخاري (٢٤٤١)، ومسلم (٢٧٦٨ / ٥٢)، من حديث ابن عمر. ]]. هذا حساب المؤمن، وهذا حسابٌ يسيرٌ؛ ﴿فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ (٧) فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا﴾ [الانشقاق ٧، ٨]، وما أيسر أن يخلو بك الله عز وجل وحدك ليس عندكم أحد، ويكلِّمك ليس بينكما ترجمان ويقول: إنِّي سترتُها عليك في الدنيا وأنا أغفرها لك اليوم. الحمد لله، نعمة.
أمَّا الكافر فليس كذلك؛ الكافر يُنادى عليه على رؤوس الخلائق: ﴿هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ﴾ [هود ١٨] يُخزَون ويُفضحون ﴿كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ﴾ فهم يُخزَون بأعمالهم ويُفضحون بها.
* * *
ثم قال الله تعالى: (﴿وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا﴾ أي: عَبَثًا ﴿ذَلِكَ﴾ أي: خَلْق ما ذُكر لا لشيء ﴿ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ من أهل مكَّة ﴿فَوَيْلٌ﴾ وادٍ ﴿لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ﴾ [ص ٢٧]).
يقول الله عز وجل: ﴿وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا﴾، ﴿خَلَقْنَا﴾ أي: أوجدنا، فالخلْق بمعنى الإيجاد، لكنه إيجادٌ عن تقدير؛ لأن الإيجاد قد لا يكون عن تقدير ولا عن ترتيب، ولكن الخلْق لا بدَّ أن يكون عن تقدير وترتيب.
يقول: ﴿وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ﴾، ﴿السَّمَاءَ﴾ المراد بها الجنس فيشمل جميع السماوات، وكذلك الأرض.
وقوله: ﴿وَمَا بَيْنَهُمَا﴾ معطوفٌ على السماء؛ أي: ما خلقْنا ما بينهما، والذي بين السماء والأرض من المخلوقات مخلوقاتٌ عظيمةٌ بعضُها معلومٌ لنا وبعضُها مجهولٌ لنا لم نَعلمه حتى الآن، لكنَّنا يغلب على الظن أنها مخلوقاتٌ عظيمةٌ؛ لأن الله تعالى جعلها قسيمةً لخلْق السماء والأرض، وقسيم الشيء لا بدَّ أن يكون مقاربًا له أو مساويًا له.
وقوله: ﴿بَاطِلًا﴾ هذا محطُّ النفي، ولهذا نقول: لا يجوز الوقوف على قولك: ﴿وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا﴾؛ لأنك لو وقفتَ لأدَّى ذلك إلى أن يكون المعنى معنىً باطلًا، لا بدَّ أن تَصِل فتقول: ﴿بَاطِلًا﴾؛ لأن ذلك هو محطُّ النفي؛ يعني: ما خلقناهما باطلًا؛ أي: لأجل الباطل، وهذا كقوله: ﴿وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ﴾ [الأنبياء ١٦]، فالباطل هنا بمعنى اللهو الذي لا فائدة فيه، فالله ما خلق السماءَ والأرضَ باطلًا، لو خلقها باطلًا لَكان ذلك في غاية السَّفَه أن تُخلَق هذه المخلوقات العظيمة بما فيها وهي لا لشيءٍ بل لعبٌ ولهوٌ.
﴿بَاطِلًا﴾ قال المؤلف: (أي: عبثًا)، ﴿ذَلِكَ﴾ أي: اعتقاد أنَّ خلْق السماء والأرض باطلًا ﴿ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ يعني هذا ظنُّ الكافرين الذين يظنُّون أن خلْق السماوات والأرض لمجرَّد اللهو واللعب ولا يترتَّب على ذلك شيء، ومن هذا قولهم: ﴿مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ﴾ [الجاثية ٢٤].
ومن ذلك أيضًا ما يظنُّه بعض الناس أن المقصود من خلْق السماوات والأرض وجود هذه الخليقة ثم فناؤها إلى غير رجعة، فنقول: مَن ظنَّ ذلك -أي أنَّ الله خلقها عبثًا ولعبًا- فهو كافر، ولهذا قال: ﴿ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾، هم الذين يظنُّون أن خلْق السماء والأرض كان باطلًا.
وقول المؤلف: (مِن أهل مكَّة) فيه نظر؛ لأنه قصرٌ للدليل على بعض أفراده، والصواب أنه عامٌّ لأهل مكة وغيرهم، فالذين كفروا لا يظنُّون بالله إلا ظنَّ السوء، فيظنُّون أن أفعاله عبثٌ وباطلةٌ وليست لحكمة، ﴿ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾.
قال الله تعالى: ﴿فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ﴾.
قال المؤلف: (وادٍ)، (وَيْل) وادٍ، وادٍ في أيِّ مكان؟
* طلبة: في جهنم.
* الشيخ: في جهنم، ولكن هذا ليس بصحيح بالنسبة للآية هذه، بل كلمة (وَيْل) كلمة وعيد، وعيدٌ بأمرٍ شديدٍ لأنه قال: ويلٌ لهم من النار، فهو يتوعَّد بها؛ كما تقول: (ويلٌ لك من فلان)، هل معناه (ويلٌ لك من فلان) يعني وادٍ في فلان؟ لا، بل هي كلمة وعيدٍ على أمرٍ شديدٍ، فقوله: ﴿فَوَيْلٌ﴾ أي: وعيدٌ شديدٌ للذين كفروا من النار؛ يعني ما أعظم وَيْلهم من نار جهنم والعياذ بالله.
وقوله: ﴿لِلَّذِينَ كَفَرُوا﴾ خبر (ويل)، وقوله: ﴿مِنَ النَّارِ﴾ بيانٌ لـ(ويل)؛ يعني هذا الشيء العظيم يكون للذين كفروا من النار.
ثم قال تعالى: ﴿أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ﴾ [ص ٢٨].
﴿أَمْ﴾ هنا متَّصلة أم منقطعة؟
* طالب: منقطعة.
* الشيخ: منقطعة؛ لأنه لم يُذكَر فيها معادل، فهي إذَن بمعنى (بل) والهمزة؛ يعني: بل أنجعل الذين آمنوا وعملوا الصالحات. هذا الاستفهام المقصود به النفيُ والإنكارُ؛ يعني: لا يمكن أبدًا أن نجعل الذين آمنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين في الأرض، إذَنْ ﴿أَمْ﴾ هنا بمعنى (بل) وهمزة الاستفهام، والمراد بالاستفهام النفيُ والإنكارُ.
طيب، والإضراب هنا انتقالي أو إبطالي؟
* طالب: انتقالي.
* الشيخ: انتقالي، نعم، ﴿أَمْ نَجْعَلُ﴾ أي: نُصَيِّر، فهي تنصب مفعولين؛ الأول: ﴿الَّذِينَ آمَنُوا﴾، والثاني: ﴿كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ﴾؛ يعني: لا يمكن أن نجعل الذين آمنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين في الأرض.
وقوله: ﴿الَّذِينَ آمَنُوا﴾، ﴿آمَنُوا﴾ يعني صدَّقوا بما يجب التصديق به على وجه القبول والإذعان؛ يعني تصديقًا مستلزمًا للقبول والإذعان.
وقوله: ﴿وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾ أي: عملوا الأعمالَ الصالحاتِ، والأعمالُ الصالحاتُ هي التي اجتمع فيها شيئان:
أولهما: الإخلاص لله عز وجل.
والثاني: المتابعة لشريعة الله.
فمَن عَمِل عملًا موافقًا للشريعة في ظاهره لكنَّه يُرائي فيه فعملُه ليس بصالح، ما الذي اختلَّ فيه؟
* طالب: الإخلاص.
* الشيخ: الإخلاص لله، والذي عمل عملًا مخلصًا فيه لله يريد به وجهَ الله لكنَّه على غير الشريعة، هل هو صحيح أو لا؟
* طالب: ليس بصحيح.
* الشيخ: ليش؟
* الطالب: عدم الموافقة لشريعة الله.
* الشيخ: عدم الموافقة لشريعة الله، إذَنْ لا بدَّ من أن يكون مخلصًا لله موافقًا لشريعة الله.
وقوله: ﴿كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ﴾، ﴿كَالْمُفْسِدِينَ﴾ إذا قال الله: الذين آمنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين، فالمفسد هو مقابل الذين آمنوا وعملوا الصالحات، فيكون المراد بالمفسدين في الأرض الكفار الذين يعملون السيئات.
فكلُّ كافرٍ فهو مفسدٌ في الأرض في مقابل أيش؟ ﴿الَّذِينَ آمَنُوا﴾، وكلُّ عاصٍ فهو مفسدٌ في الأرض في مقابل ﴿وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾، فالشيء يُعرف بمقابله.
فإذا كان الله قال: الذين آمنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين، عَلِمنا أنَّ المفسد هو مَن قابلَ الذين آمنوا وعملوا الصالحات؛ يعني مَن كان ضِدَّهم، فالكفار مفسدون في الأرض، وأهل المعاصي مفسدون في الأرض، ولهذا فسَّر أهل العلم قولَه تعالى: ﴿وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا﴾ [الأعراف ٥٦] فسَّروا ذلك بالمعاصي؛ قالوا: ﴿لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ﴾ بالمعاصي. وهذا التفسير صحيحٌ يشهد له قوله تعالى: ﴿ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾ [الروم ٤١].
طيب، هدْم البيوت، هل هو فسادٌ في الأرض؟
* طالب: نعم.
* الشيخ: لا، ليس بفساد، لا تَنْفِ ولا تُثبتْ، إنْ هَدَمها الإنسانُ ظلمًا وعُدوانًا فهو فسادٌ في الأرض لأنه معصيةٌ، لا يجوز لإنسان أن يعتدي على بيت أخيه فيهدمه، وإنْ هَدَمها لإصلاحها فهذا ليس فسادًا في الأرض.
يقول: ﴿أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ﴾ [ص ٢٨] هذه أيضًا بمعنى (بل) وهمزة الاستفهام الذي يُراد به الإنكار والنفي، ﴿أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ﴾ أي: نُصَيِّر المتقين كالفجار؛ يعني: لا يمكن أن نجعل المتقي كالفاجر، نعم، المتقي مَن؟ المتقي مَن اتخذ وقايةً من عذاب الله بفعل أوامره واجتناب نواهيه. هذا المتقي، وهذا أجمع ما قيل في تعريف المتقي.
﴿كَالْفُجَّارِ﴾ مَن الفُجَّار؟ خلاف المتقين؛ يعني الذين فَجَروا وخرجوا عن طاعة الله إلى معصية الله، هنا قابلَ المتقيَ بالفاجر، وفي سورة المطفِّفين قابلَ الفاجرَ بالبَرِّ فقال: ﴿كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ﴾ [المطففين ٧] ثم قال: ﴿كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ﴾ [المطففين ١٨]، ومنه نأخذ أن التقوى والبِرَّ إذا افترقا اجتمعا، وإذا اجتمعا افترقا؛ يعني أنَّ البِرَّ كلمة إن ذُكِرت وحدها فهي شاملةٌ للتقوى، والتقوى إن ذُكِرت وحدها فهي شاملةٌ للبِرِّ، وإن جُمِعَتا جميعًا فقيل: البِرُّ والتقوى، صار البِرُّ فعلَ الطاعة والتقوى اجتنابَ المعصية، فقوله تعالى: ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى﴾ [المائدة ٢] يعني: على فعل الطاعات وتَرْك المعاصي.
* طالب: أحسن الله إليك يا شيخ، لو قال قائل: السلف فهموا (...) القضاء (...) الرسول ﷺ قال: «قَاضِيَانِ فِي النَّارِ وَقَاضٍ فِي الْجَنَّةِ»[[أخرجه أبو داود (٣٥٧٣)، والترمذي (١٣٢٢)، والحاكم (٧١٨٨)، من حديث بُريدة بن الحُصيب. ]]، كيف يعني نقول ..؟
* الشيخ: نقول: هذا ورعٌ في غير محلِّه، أو لعلَّهم يجدون في القوم مَن هو خيرٌ منهم، والرسول قال:« «قَاضِيَانِ فِي النَّارِ وَقَاضٍ فِي الْجَنَّةِ»، » لماذا لا تأخذ القرار وتكون من القِسم الثالث؟ فالورع الذي وَرَد عن بعض السلف هذا في غير محلِّه إلا إذا كانوا يجدون أن في القوم مَن هو خير منهم فيكون هذا في محلِّه.
* * *
* طالب: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ﴿كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ (٢٩) وَوَهَبْنَا لِدَاوُودَ سُلَيْمَانَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ (٣٠) إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ الصَّافِنَاتُ الْجِيَادُ (٣١) فَقَالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ﴾ [ص ٢٩ - ٣٢].
* الشيخ: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، قال الله تعالى .. في آخر ما شرحناه وأخذنا فوائده على قوله: ﴿يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ﴾ [ص ٢٦] أخذنا فوائدها.
قال الله تعالى: ﴿وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ﴾ [ص ٢٧].
* من فوائد هذه الآية: إثبات خَلْق السماء والأرض وأنها حادثةٌ بعد العدم، وليس في الكون شيءٌ يكون أزليًّا أبديًّا أبدًا؛ فالسماوات ليست أزليَّة، بل هي مبتدأة وسوف تفنى، وكذلك كلُّ شيءٍ سوف يفنى، إلا ما استثنى الله عز وجل وخَلَقه للبقاء؛ مثل الأرواح فإنها خُلِقت للبقاء، وكذلك ما في الجنة من النعيم والولدان والحور وما أشبهها، فما دلَّ الكتابُ والسُّنة على بقائه وأبديَّته فهو باقٍ أبديٌّ، ولكن كلُّ شيءٍ لا يمكن أن يكون أزليًّا -أي: ليس له أول- إلا الله عز وجل.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن الذي خلقها هو الله؛ لقوله: ﴿وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ﴾، وهذا كقوله تعالى: ﴿أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ﴾ [الطور ٣٦] يتحدَّاهم هل هم الذين خلقوا السماوات والأرض.
* ومن فوائدها: أن الله تعالى خَلَقها لحكمةٍ عظيمةٍ ليس فيها سَفَهٌ؛ لقوله: ﴿بَاطِلًا﴾، فإنَّ نفي خَلْقها باطلًا يستلزم أنها خُلِقت لحكمةٍ عظيمةٍ بالغةٍ، وهو كذلك، وهذا فردٌ من أفراد مخلوقات الله عز وجل، فإنَّ الله تعالى لم يخلق شيئًا عبثًا، ولم يشرع شيئًا عبثًا، بل كلُّ ما خلقه وشرعه ودبَّره فهو لحكمةٍ عظيمةٍ أحيانًا نعرفها وأحيانًا لا نعرفها.
* ومن فوائد هذه الآية: إثباتُ الحكمة في أفعال الله؛ لقوله: ﴿وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا﴾، إذْ لو انتفت الحكمة لأمكن أن تُخلق السماءُ والأرضُ باطلًا.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: أنه لا يظن أحدٌ أن الله خلق ذلك باطلًا إلا الكافر؛ لقوله: ﴿ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾.
* ومن فوائدها: أن مَن ظنَّ ذلك فهو كافر.
والفرق بين الفائدتين أنَّ الفائدة الأولى يكون الكفر سابقًا على هذا الظن، فيكون الكفر سببًا لهذا الظن، وأمَّا الفائدة الثانية فهي أن هذا الظن سابقٌ على الكفر، فيكون هذا الظن سببًا للكفر. واضح؟ طيب، إذَنْ لا يظن أحدٌ أن الله خلق السماء والأرض باطلًا إلا الكفار، إذا ظنَّ أحدٌ أن الله خلق ذلك باطلًا صار كافرًا.
* ومن فوائد الآية الكريمة: إثباتُ الوعيد للكفار في قوله: ﴿فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ﴾، وأنهم سيدخلون النار، وهم أيضًا مخلَّدون فيها أبدًا كما ذكر الله ذلك في ثلاث آيات من كتاب الله:
في سورة النساء في قوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَظَلَمُوا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلَا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقًا (١٦٨) إِلَّا طَرِيقَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا﴾ [النساء ١٦٨، ١٦٩].
وفي سورة الأحزاب ﴿إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيرًا (٦٤) خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا﴾ [الأحزاب ٦٤، ٦٥].
وفي سورة الجن ﴿وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا﴾ [الجن ٢٣].
وبعد هذه الآيات الثلاث لا ينبغي أن يلحقنا الشك في أبديَّة النار، وإن قاله مَن قاله من الناس؛ لأن هذا كلام الله، وهو خبر، والخبر في كتاب الله لا يمكن أن يكذب ولا يمكن أن يَلْحقه النسخ، فلا عبرة بقول مَن قال: إن النار لا تؤبَّد، بل قوله مرفوضٌ باطلٌ مردودٌ بدلالة القرآن الصريحة.
* ومن فوائد هذه الآيات الكريمة كلها: أنَّ مِن جملة الحِكَم التي هي من صفات الله عز وجل أنَّه لا يمكن أن يجعل المؤمن العامل للصالحات كالمفسد في الأرض؛ لأن ذلك ينافي الحكمة منافاةً بالغةً، لا يستوي المؤمنون والكافرون كما لا يستوي الأعمى والبصير؛ قال الله تعالى: ﴿مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ كَالْأَعْمَى وَالْأَصَمِّ وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا﴾ [هود ٢٤].
* ومن فوائد الآية الكريمة ﴿أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾ [ص ٢٨]: أن الإيمان والعمل الصالح سببٌ لصلاح الأرض، وهذا يؤيِّده آياتٌ كثيرةٌ مثل قوله تعالى: ﴿وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾ [الأعراف ٩٦].
* ومن فوائدها أيضًا: أنَّ المعاصي سببٌ للفساد في الأرض؛ لأنه قابلَ هذا بالإيمان والعمل الصالح، ويشهد لهذا قوله تعالى: ﴿ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ﴾ [الروم ٤١]، فكلُّ فسادٍ يحدث في الأرض من جَدْبٍ وفقرٍ ومرضٍ وفسادِ ثمارٍ وغير ذلك فإنَّه بسبب المعاصي؛ ﴿بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ﴾.
* ومن فوائدها أيضًا: أن الله لا يمكن أن يجعل المتقين كالفُجَّار في مآلِهم؛ فالمتقي في جنات النعيم، والفجَّار في عذاب الجحيم، ﴿أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ﴾ [ص ٢٨]، يعني لا يمكن أن نجعل المتقيَ كالفاجر في مآلِه؛ لأن المتقيَ مآلُه الجنة والفاجر مآلُه النار.
* * *
ثم نبدأ بشرح المؤلف، قال: (نزل -يعني قوله تعالى: ﴿أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾ إلى آخره- لَمَّا قال كفَّار مكة للمؤمنين: إنَّا نُعطَى في الآخرة مِثْل ما تُعطَون). وهذا قد يكون صحيحًا وقد لا يكون صحيحًا، لكن إن كان صحيحًا فهو كقول اليهود: ﴿لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَةً﴾ [البقرة ٨٠]، فكلُّ أحدٍ يدَّعي أنه على الحق، كلُّ أحدٍ يدَّعي أن الثواب له وأنَّ الآخرة له، ولكن الشأن كل الشأن لمن شهد الله له في ذلك.
يقول: (و﴿أَمْ﴾ بمعنى همزة الإنكار). ﴿أَمْ﴾، يعني قوله: ﴿أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ﴾، بمعنى همزة الإنكار، لكن يُقدَّر قبلها (بل)؛ لأن ﴿أَمْ﴾ هذه تفيد الإضراب.
* * *
ثم قال تعالى: ﴿كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ﴾ [ص ٢٩] قال المؤلف: (خبرُ مبتدأٍ محذوفٍ؛ أي: هذا) كتابٌ. والمشار إليه القرآن الكريم، و﴿كِتَابٌ﴾ بمعنى مكتوب، ووَصَف القرآنَ بأنه كتابٌ لعدَّة أوجه:
أولًا: أنَّه مكتوبٌ في اللوح المحفوظ؛ كما قال تعالى: ﴿بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ (٢١) فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ﴾ [البروج ٢١، ٢٢].
ثانيًا: أنَّه مكتوبٌ في الصُّحُف التي بأيدي الملائكة؛ كما قال تعالى: ﴿كَلَّا إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ (١١) فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ (١٢) فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ (١٣) مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ (١٤) بِأَيْدِي سَفَرَةٍ (١٥) كِرَامٍ بَرَرَةٍ﴾ [عبس ١١ - ١٦].
ثالثًا: أنَّه يُكتب في المصاحف كما هو معروف.
وربما يدَّعي مدَّعٍ أنَّه بمعنى مفروض؛ (فِعَال) بمعنى (مفعول) أي: مفروضٌ على الأُمَّةِ الإيمانُ به والعملُ به، فيكون هذا معنى رابعًا لكلمة (مكتوب).
وقوله: ﴿أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ﴾ أَنزله الله إلى محمدٍ ﷺ، وإنزاله إلى محمدٍ من الله يدلُّ على أنه كلام الله؛ وجْه ذلك أنَّ هذا الكتاب كلامٌ، والكلام لا بدَّ له من متكلِّم، فإذا كان الله هو الذي أنزله لَزِم أن يكون هو المتكلِّم به، فيكون في هذا إثبات أن القرآن كلام الله.
وفي قوله: ﴿أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ﴾ وأحيانًا يأتي التعبير بـ(أنزلناه عليك)، والجمع بينهما أنَّ (إلى) تفيد الغاية؛ أي إنَّ غاية هذا الإنزال إلى محمد ﷺ، و(على) تفيد الاستعلاء؛ وذلك لأن هذا القرآن جاء من عَلٍ؛ أي: من فوق، من الله عز وجل، ثم إنَّ في (على) إفادة التحمُّل للشيء، (أنزله عليك) يعني: لتتحمَّله وتقوم به، فالفرق إذَن من وجهين:
الوجه الأول: أنَّ (إلى) تفيد الغاية؛ أي إنَّ غاية الإنزال إلى محمد ﷺ لا يتعدَّاه إلى غيره، ولا نبِيَّ بعده.
وأمَّا (على) فتفيد الاستعلاء؛ أي إنَّه نزَّل إلى الرسول ﷺ مِن فوق، وتفيد أيضًا التحمُّل؛ لأن (نزل عليه) كأنَّه فوقه، والشيء الذي فوقك لا بدَّ أن تتحمَّله، ويؤيِّد هذا قوله تعالى: ﴿إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا﴾ [المزمل ٥]، وقوله: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ تَنْزِيلًا (٢٣) فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ﴾ [الإنسان ٢٣، ٢٤]، مما يدلُّ على ثِقَله، وهو كذلك.
قال: ﴿أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ﴾، ﴿مُبَارَكٌ﴾ صفة لـ﴿كِتَابٌ﴾، و﴿أَنْزَلْنَاهُ﴾ أيضًا الجملة صفة لـ﴿كِتَابٌ﴾، هذا بناء على إعراب المؤلف أن ﴿كِتَابٌ﴾ خبرٌ لمبتدأ محذوف.
ويجوز أن يكون ﴿كِتَابٌ﴾ مبتدأً، و﴿مُبَارَكٌ﴾ خبره، وجملة ﴿أَنْزَلْنَاهُ﴾ صفة لـ﴿كِتَابٌ﴾، وسوَّغ الابتداء به وهو نكرةٌ وَصْفُه بجملة ﴿أَنْزَلْنَاهُ﴾.
﴿مُبَارَكٌ﴾ بماذا؟
بركة القرآن من عِدَّة أوجه:
الوجه الأول: في الثواب الحاصل بتلاوته؛ فإنَّ مَن قرأ حرفًا منه فله بكلِّ حرفٍ عشر حسنات، وهذه بركة عظيمة.
وثانيًا: مباركٌ من حيث الأثر المترتِّب على تلاوته سواءٌ كان عامًّا أم خاصًّا؛ فالخاصُّ ما يحصل للإنسان بتلاوة القرآن من انشراح الصدر ونور القلب وطُمأنينته كما هو مجرَّب لِمَن قرأ القرآن بتدبُّر، وأمَّا العامُّ فإنَّ الله تعالى فَتَح بهذا القرآنِ مشارقَ الأرض ومغاربها؛ فإنَّ المسلمين لَمَّا كانوا متمسِّكين بهذا الكتاب سادوا العالَم كُلَّه، ولا شكَّ أن هذا من البركة بهذا القرآن.
ثالثًا: ما يحصل بهذا القرآن من اجتماع الكلمة وحفظ اللغة الأصيلة للقوم الذين نزل بلُغتهم، فإنَّ من المعلوم أن الناس إذا كانوا على لغةٍ واحدةٍ صاروا إلى الاجتماع أقرب، وإذا تفرَّقت لُغاتهم صاروا إلى التفرُّق أقرب؛ لأنه إذا اتَّفقت لُغاتهم استطاعوا أن يتفاهموا فيما بينهم وأن يعرف بعضُهم ما عند بعض، وإذا اختلفت اللغات لم تحصل هذه الفائدة، فهذا من بركة القرآن الكريم.
وله أوجهٌ أُخرى ربما لا نستطيع أن نستوعبها في هذا المكان، لكنَّها ظاهرة لِمَن تأمَّلها.
وقوله: ﴿لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ﴾ هذه متعلِّقة بـ﴿أَنْزَلْنَاهُ﴾؛ يعني: أنزلناه لِيدَّبَّروا آياتِه، والتدبُّر معناه تكرار اللفظ على القلب دبرًا بعد دبرٍ حتى يتَّضح المعنى؛ يعني هو عبارةٌ عن التأمُّل في معاني القرآن وترديد هذا التأمُّل حتى يتَّضح ما فيه من المعنى.
وأصل هذه الكلمة ﴿لِيَدَّبَّرُوا﴾ أصلُها (ليتدبَّروا) فأُدغمت التاءُ في الدال. (ليتدبَّروا) إذا أدغمنا التاءَ في الدال جعلْنا التاء دالًا فصارت ﴿لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ﴾.
وقوله: ﴿آيَاتِهِ﴾ جمع آية، والآية هي ما تنتهي بفاصلة، ومِن حِفْظ الله لهذا القرآن أنَّ آياته محفوظة مرقَّمة، أو محجوزٌ بعضُها عن بعض إلى يومنا هذا.
والآيات هي العلامات، علاماتٌ على أيِّ شيء؟ علامات على أنَّ هذا القرآن من عند الله عز وجل بما تحويه من اللفظ والمعنى، ولهذا كانت الآية الواحدة معجزةً للبشر، بل معجزةً للخلق كلِّهم؛ لأنها آيةٌ من آيات الله.
فقال: (ينظروا في معانيها فيؤمنوا). هذه حكمة من حِكَم إنزال القرآن أن يتدبَّر الإنسان في الآيات.
الثانية قال: (﴿وَلِيَتَذَكَّرَ﴾ يتَّعظ ﴿أُولُو الْأَلْبَابِ﴾ أصحاب العقول). هذه الفائدة الثانية، لكن جعل التذكُّر بعد التدبُّر لأنه لا يمكن أنْ يتَّعظ الإنسانُ بالشيء إلا إذا عرف المعنى الذي يتضمَّنه، فتدبَّر أولًا ثم تذكَّر ثانيًا.
فأولًا: أن يقرأ الإنسانُ القرآن.
المرحلة الثانية: أن يتدبَّره لفَهْم معانية.
المرحلة الثالثة: أن يتَّعظ به.
والاتِّعاظ بالقرآن هو التأثُّر به، التأثُّر في القلب والتأثُّر في الجوارح؛ فالتأثُّر بالقلب: إخلاصُ العبدِ لله، وإنابتُه إليه، وتوكُّله عليه، وما أشبهَ ذلك من أعمال القلوب. وبالجوارح: القيام بطاعة الله بالجوارح الظاهرة؛ مثل الطهارة، والصلاة، والزكاة، والصوم، وغير ذلك.
إذَن الفائدة من إنزال هذا القرآن المبارك تتركَّز على شيئين هما: التدبُّر والاتِّعاظ.
﴿وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ﴾، ﴿أُولُو﴾ بمعنى أصحاب، وهي مُلحَقة بجمع المذكر السالم؛ لأنه ليس لها مفردٌ من لَفْظها، بل لها مفردٌ من معناها؛ إذا قلنا: معناها (أصحاب) صار مفردها من المعنى (صاحب) فـ﴿أُولُو﴾ جمع (صاحب) باعتبار المعنى، ولهذا نقول: إنها مُلحَقة بجمع المذكر السالم لأنه لا مفرد لها، وجمع المذكَّر السالم هو ما سَلِم فيه بناءُ المفرد، فإذا لم يكن له مفردٌ لم يكن جمعًا فيُلحق به.
وقوله: ﴿أُولُو الْأَلْبَابِ﴾ يعني أصحاب العقول، لأن صاحب العقل هو الذي يتَّعظ، أمَّا مَن لا عقل له فإنَّه لا ينتفع بذلك.
طيب، والعقول هنا هي عقول الرُّشد وليست عقول الإدراك؛ لأن العقل عقلان: عَقْل إدراكٍ، وعَقْل رُشدٍ؛ فعَقْل الإدراك هو ما يتعلَّق به التكليف، وعَقْل الرُّشد ما يكون بحسن التصرف. فالكفَّار مثلًا لهم عقول، لكن عقول أيش؟
* الطلبة: إدراك.
* الشيخ: عقول إدراك؛ لأن هذا هو الذي يتعلَّق به التكليف، وليس لهم عقول؛ يعني: ليس لهم عقول رُشدٍ؛ لأنهم لم يُحسِنوا التصرف، وكلُّ مَن لا يُحسِن التصرف فإنه يصح أن يُنفى عنه العقل؛ قال الله تعالى: ﴿أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ﴾ [البقرة ٤٤]، ونحن فيما بيننا إذا وجدْنا شخصًا يُسيء التصرف قلنا: هذا غير عاقل. وإنْ كان عاقلًا من حيث الإدراك لكنَّه ليس عاقلًا من حيث التصرف، والعقل الذي يُمدَح هو عقل الرُّشد، أمَّا عقل الإدراك فهذا يحصل لكلِّ أحدٍ حتى للكفَّار والفجَّار.
وقوله: ﴿الْأَلْبَابِ﴾ (ألباب) جمع لُبٍّ، ولُبُّ كلِّ شيءٍ: المقصودُ منه. هذا لبُّ الشيء، هو المقصود منه؛ فالحبة مثلًا لُبُّها ما كان بداخلها، المخُّ الذي بداخلها هو اللُّبُّ، وما فوقه فهو قشور، البيضة الذي في داخلها هو اللُّبُّ، وما فوقه قشور.
قال: ﴿وَوَهَبْنَا لِدَاوُودَ سُلَيْمَانَ﴾ [ص ٣٠] ﴿وَهَبْنَا﴾ أعطينا. ووَصَف الله ذلك بأنَّه هِبةٌ لأنَّه محضُ فضلٍ منه لا يحتاج مِنَّا إلى شيءٍ؛ قال الله تعالى: ﴿لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ (٤٩) أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا﴾ [الشورى ٤٩، ٥٠].
إذَن ﴿وَهَبْنَا لِدَاوُودَ﴾ يعني: أعطيناه هِبةً، فضلًا منَّا وتبرُّعًا بلا قيمة.
وقوله: ﴿سُلَيْمَانَ﴾ لم ينوَّن لماذا؟ ممنوع من الصرف للعلمية وزيادة الألف والنون.
* طالب: العُجمة.
* الشيخ: لا، (سُليمان) ما هو أعجمي؛ السلامة موجودة في اللغة العربية. (داود) ممنوع من الصرف للعلمية والعُجمة. كذا؟
قال المؤلف: (﴿سُلَيْمَانَ﴾ ابنَه). مِن أين عرف المؤلف أنَّه ابنه؟ ألَا يجوز أن يكون المراد ﴿وَهَبْنَا لِدَاوُودَ سُلَيْمَانَ﴾ يعني خادمه؟
فالجواب: لا؛ لأن الله سبحانه وتعالى سَمَّى الأولادَ هِبةً في قوله: ﴿يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ (٤٩) أَوْ يُزَوِّجُهُمْ﴾ يعني يصنِّفهم ﴿ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا﴾ [الشورى ٥٠].
قال: (﴿نِعْمَ الْعَبْدُ﴾ [ص ٣٠] أي: سليمان)، والجملة إنشاءٌ للمدح والثناء؛ يعني أنَّه يؤتى بها للمدح والثناء. وعلى نقيضها (بِئْس) فإنها كلمةٌ لإنشاء الذمِّ.
وقوله: ﴿نِعْمَ الْعَبْدُ﴾ المعروف أنَّ (نِعْم) و(بِئْس) تحتاج إلى فاعلٍ، ومخصوصٍ بالمدح في (نِعْم) والذمِّ في (بِئْس).
قال المؤلف: (﴿سُلَيْمَانَ﴾ [ص ٣٠] ابنه)، من أين عرف المؤلف أنه ابنه؟ ألا يجوز أن يكون المراد ﴿وَوَهَبْنَا لِدَاوُودَ سُلَيْمَانَ﴾ [ص ٣٠] يعني خادمه؟
فالجواب: لا؛ لأن الله سبحانه وتعالى سمَّى الأولاد هِبة في قوله: ﴿يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ (٤٩) أَوْ يُزَوِّجُهُمْ﴾ [الشورى ٤٩، ٥٠] يعني يصنفهم ﴿ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا﴾ [الشورى ٥٠].
قال: (﴿نِعْمَ الْعَبْدُ﴾ [ص ٣٠] أي سليمان). والجملة إنشاء للمدح والثناء؛ يعني أنه يُؤتى بها للمدح والثناء، وعلى نقيضها (بئس)؛ فإنها كلمة لإنشاء الذم.
وقوله: ﴿نِعْمَ الْعَبْدُ﴾ المعروف أن (نعم) و(بئس) تحتاج إلى فاعل ومخصوص بالمدح في (نعم)، والذم في (بئس) فأين ﴿نِعْمَ الْعَبْدُ﴾، ﴿الْعَبْدُ﴾ موجود، وهو الفاعل يعني ﴿نِعْمَ﴾ فعل ماضٍ، و﴿الْعَبْدُ﴾ فاعل لكن أين المخصوص؟ المخصوص إما الضمير المستتر ولا نقول: مستتر أيضًا، الضمير محذوف؛ لأنه لا يمكن أن نقول: مستتر والفاعل اسم ظاهر ﴿الْعَبْدُ﴾، لكن نقول: إنه محذوف، تقديره (هو)، أو تقديره: (سليمان)، يعني إما أن نقدره اسمًا ظاهرًا أو ضميرًا.
﴿نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ﴾ ﴿إِنَّهُ﴾ هذا سبب هذا الثناء من الله عز وجل على سليمان ﴿إِنَّهُ﴾ أي سليمان ﴿أَوَّابٌ﴾ أي: رجَّاع إلى الله عز وجل، سواء كان ذلك بترجيع الصوت بالذكر، أو بالرجوع إلى طاعة الله عز وجل، والظاهر أن الآية شاملة للمعنيين أنه ﴿أَوَّابٌ﴾ رجَّاع إلى طاعة الله، وأوَّاب رجَّاع بالتسبيح؛ أي: يُرجِّع الصوت به ويردده.
يقول هنا المؤلف: (رجَّاع في التسبيح والذكر في جميع الأوقات) ولكن الصحيح أنه أعم مما قال المؤلف أنه رجَّاع بالتسبيح والذكر، وكذلك رجَّاع إلى الله بالتوبة والطاعة.
قال: ﴿إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ﴾ [ص ٣١] ﴿عُرِضَ﴾ مَنِ العارِض؟ أبهمه للتفخيم؛ لأن الفعل هنا مبني للمجهول، لما لم يُسمَّ فاعله؛ للتفخيم، يعني كأنه يوحي بأن له جنودًا كثيرة يعرضون عليه ما يعرضون.
وقوله: ﴿بِالْعَشِيِّ﴾ (هو ما بعد الزوال) إلى غروب الشمس. وقوله: ﴿بِالْعَشِيِّ﴾ الباء هنا للظرفية؛ أي (في) لكن الغالب أن الباء إذا جاءت في مكان (في)، الغالب أنها تكون مستوعبة لجميع الوقت كأن العشي كله صار مستوعبًا بهذا العرض لكثرة الخيول التي تُعرَض عليه ﴿بِالْعَشِيِّ الصَّافِنَاتُ﴾ [ص ٣١] ما الذي رفعها؟
* طالب: نائب فاعل.
* الشيخ: نائب فاعل وين؟
* طلبة: ﴿عُرِضَ﴾.
* الشيخ: نائب فاعل ﴿عُرِضَ﴾ إي نعم.
إذا قال قائل: ﴿الصَّافِنَاتُ﴾ جمع، والفعل مُذكَّر ﴿عُرِضَ﴾ وهذه جمع ذات حِر؛ يعني جمع مؤنث حقيقي، وابن مالك يقول في التاء: ؎وَإِنَّمَا تَلْزَمُ فِعْلَ مُضْمَرِ ∗∗∗ مُتَّصِلٍ أَوْ مُفْهِمٍ ذَاتَ حِرِفما رأيكم؟ نقول: إنما لم يجب التأنيث لوجود الفاصل وهو قوله: ﴿عَلَيْهِ﴾.
﴿الصَّافِنَاتُ﴾ قال المؤلف: (الْخَيْل جَمْع صَافِنَة، وَهِيَ الْقَائِمَة عَلَى ثَلَاثٍ، وَإِقَامَة الْأُخْرَى عَلَى طرف الْحَافِر، وَهُوَ مِنْ صَفَنَ يَصْفِن صُفُونًا).
﴿الصَّافِنَاتُ﴾ هي الخيل، تقوم على ثلاث أرجل، وترفع الرابعة قليلًا؛ بحيث يكون طرف الحافر على الأرض، وهذا يدل على قوتها، وهو أيضًا من ناحية الجمال أجمل عند رؤيتها؛ فإنك لو تصورت الخيل مصفوفة صافنة لكان لها أُبَّهة، وتَشعر بشيء من العظمة من هذا المشهد الذي تشاهده.
* * *
* الطالب: ﴿إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ الصَّافِنَاتُ الْجِيَادُ (٣١) فَقَالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ (٣٢) رُدُّوهَا عَلَيَّ فَطَفِقَ مَسْحًا بِالسُّوقِ وَالْأَعْنَاقِ (٣٣) وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا ثُمَّ أَنَابَ (٣٤) قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ (٣٥) فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ (٣٦) وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ (٣٧) وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ (٣٨) هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ (٣٩) وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ﴾ [ص ٣١ - ٤٠].
* الشيخ: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، قال الله تعالى: ﴿أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ﴾ [ص ٢٨] كملنا فوائدها.
* طالب: لا.
* الشيخ: طيب، ذكرنا الحكمة أنه لو كان كذلك لانتفت حكمة الله ولَّا لا؟ اقرأها علينا، الفوائد عندك؟ ما عندك الفوائد؟
* طالب: (...).
* الشيخ: لا، الفوائد.
* طالب: (...).
* الشيخ: بس إلى هذا.
* طالب: إي، هذا في الحكم لكن أخذنا فوائد أخرى بعدها.
* الشيخ: إي، اقرأ اللي بعدها.
* طالب: الفائدة التي بعدها إثبات الوعيد للكفار (...)، فهم مخلدون فيها أبدًا كما في ثلاثة مواضع في سورة النساء والأحزاب والجن، ثم الفائدة التي بعدها أن من جملة الحكم التي هي من صفات الله أنه لا يمكن أن يجعل المؤمن كالفاسد؛ لأن ذلك ينافي الحديث، والتي بعدها أن الإيمان والعمل الصالح..
* الشيخ: أنه لا يجعل أيش؟ المؤمن.
* الطالب: كالفاسد.
* الشيخ: الفاسد؟!
* الطالب: كالمفسد.
* الشيخ: كالمفسد.
* الطالب: نعم، التي بعدها أن الإيمان والعمل الصالح سبب لصلاح الأرض، والتي بعدها أن المعاصي سبب للفساد في الأرض والأخيرة أن الله لا يمكن أن يجعل المتقين كالفجار.
* الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم، قوله تعالى: ﴿كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ﴾ [ص ٢٩] كيف نُعرب ﴿كِتَابٌ﴾؟
* طالب: ﴿كِتَابٌ﴾ إما أنها خبر لمبتدأ محذوف.
* الشيخ: وهذا رأي من؟
* طالب: رأي المؤلف.
* الشيخ: نعم.
* طالب: وإما أن نقول: ﴿كِتَابٌ﴾ مبتدأ، وخبره ﴿مُبَارَكٌ﴾.
* الشيخ: على هذا التقدير كيف صح الابتداء بـ﴿كِتَابٌ﴾ وهو نكرة؟
* طالب: لأنها وصفت.
* الشيخ: لأنها وصفت بـ؟
* الطالب: مبارك.
* الشيخ: لا، ﴿مُبَارَكٌ﴾ هو الخبر.
* الطالب: ﴿أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ﴾.
* الشيخ: في ﴿أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ﴾ اذكر ثلاثة جوانب من بركة القرآن؟
* طالب: من بركة القرآن؛ أولًا: أنه يحصل به الثواب.
* الشيخ: كثرة الثواب لقارئه، اصبر كيف كثرة، اذكرها؟
* الطالب: كثرة الثواب أن النبي ﷺ قال: «لَا أَقُولُ الم حَرْفٌ، وَلَكِنْ أَلِفٌ حَرْفٌ»[[أخرجه الترمذي (٢٩١٠) من حديث ابن مسعود.]].
* الشيخ: اصبر ما أتيت بالشاهد، لم تأتِ بالشاهد.
* طالب: ما يترتب على تلاوته من الثواب..
* الشيخ: إي، أقول: ما الدليل، وما هذا الثواب الذي يترتب؟
* الطالب: الذي يترتب على تلاوة القرآن؟
* الشيخ: نعم.
* الطالب: الحسنات.
* طالب آخر: يترتب بتلاوته أن كل من قرأ حرفًا منه فله عشر حسنات لك حرف منه.
* الشيخ: تمام، أحسنت، طيب كمل؟
* الطالب: أيضًا ما يحصل بقراءته من أثر عام أو خاص؛ وذلك من نور قلب، وانشراح الصدر، وشبه ذلك.
* الشيخ: تمام، هذا خاص ولَّا عام؟
* الطالب: هذا خاص.
* الشيخ: نعم، والعام.
* طالب: والعام ما يحصل به من اجتماع الكلمة، وجمع الصف، ولم الشعث.
* الشيخ: نعم هذا، اثنين.. خلِّ العام والخاص.
* طالب: الخاص هو الذي ذكره، والعام هو ما (...) به المسلمون في هذا القرآن (...).
* الشيخ: ذكره.
* طالب: هذا العام، وجعله الثاني، وأما الثالث فهو اجتماع الكلمة (...).
* الشيخ: إحنا ما ذكرنا أن المسلمين فتحوا به مشارق الأرض ومغاربها؟
* طلبة: نعم، ذكرنا هذا.
* الشيخ: نعم، هذا عام، وكذلك اجتماع الكلمة؛ لأن اللغة واحدة، وإذا اجتمعت اللغة اتفقت اللغة اجتمع الناس، وبتفرق اللغة يحصل التفرق، فهذا غير هذا، فالآن عندنا الأثر الخاص ما يحصل من نور القلب وانشراح الصدر والطمأنينة، وما إلى ذلك، العام اجتماع المسلمين عليه؛ لأنهم يكونون بلغة واحدة، توحيد اللغة؛ ولهذا كثير من الفرس تعلموا اللغة من أجل أن يفهموا هذا القرآن، والثالث: آثاره الحميدة في الفتوحات، فتوحات في مشارق الأرض ومغاربها.
قوله تعالى: ﴿لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ﴾ [ص ٢٩] اللام؟
* طالب: اللام للتعليل.
* الشيخ: للتعليل، وما معنى التدبر؟
* طالب: تكرار اللفظ.
* الشيخ: على أيش؟
* طالب: (...) الرياح دبرًا دبرًا (...).
* الشيخ: قوله: ﴿وَلِيَتَذَكَّرَ﴾ معناها؟
* طالب: أي ليتعظ به.
* الشيخ: يتعظ به فيقوم بالعمل، كذا؟
* طالب: ليتعظ به، يتذكر ويتعلم ويتعظ، ثم يعمل.
* الشيخ: ويش معنى يتذكر؟ يتعظ يعني ليعمل به؛ لأن العمل لا يكون إلا بعد فهم المعنى الحاصل بالتدبر، ما معنى قوله: ﴿أُولُو الْأَلْبَابِ﴾؟
* طالب: أولو العقول.
* الشيخ: أولو العقول، أحسنت، ما المراد بالعقول هنا هل هي عقول إدراك؟
* طالب: رشد.
* الشيخ: عقول الرشد، تمام.
* الطالب: وحسن التصرُّف.
* الشيخ: أحسنت، بارك الله فيك.
* من فوائد هذه الآية: أن هذا القرآن كلام الله؛ لأن الله أضافه إلى نفسه في قوله: ﴿أَنْزَلْنَاهُ﴾ والقرآن كلام كما نعلم، وإذا أضيف الكلام إلى أحد لزم أن يكون صفة له؛ لأن الكلام معنى لا يقوم إلا بغيره.
* ومن فوائدها: إثبات علو الله عز وجل؛ لقوله: ﴿أَنْزَلْنَاهُ﴾، والإنزال لا يكون إلا من العلو، وقد قررنا هذا كثيرًا في عدة مجالس؛ أي: قررنا علو الله بذاته فوق خلقه، وبينا أنه ثابت بجميع أنواع الأدلة السمعية التي هي الكتاب والسنة والإجماع، والرابع: العقل، والخامس: الفطرة.
* ومن فوائد هذه الآية: أن القرآن كتاب؛ أي: مكتوب، وقد بينا أنه مكتوب في ثلاثة مواضع: اللوح المحفوظ، والكتب التي بأيدي الملائكة، والكتب التي بأيدي الإنسان.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: إثبات رسالة النبي ﷺ؛ لقوله: ﴿أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ﴾.
* ومن فوائدها: فضيلة رسول الله ﷺ حيث كان أهلًا لأن يُنَزَّل عليه القرآن، والقرآن لا ينزل إلا على من هو أهل لإنزاله لجمعه صفات الكمال البشرية.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: أن القرآن الكريم مبارك حسب الوجوه التي ذكرناها.
* ومن فوائدها: الحث على العناية به والتزامه؛ لأنه إذا كان مباركًا فإن كل أحد من البشر يريد أن ينال بركة هذا الشيء المبارك.
* ومن فوائد هذه الآية: أنه يُستشفى به، أن القرآن يُستشفى به كما دلت على ذلك آيات أخرى، يُستشفى به من أمراض القلوب، ومن أمراض الأبدان ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ﴾ [يونس ٥٧].
إذن فمن بركة القرآن أنه يُستشفى به في أمراض القلوب، وفي أمراض الأبدان، الاستشفاء به في أمراض الأبدان يقع على وجوه متنوعة؛ منها: أن يُقرأ على المريض به كقراءة الفاتحة على المريض؛ فإنها مفيدة جدًّا، ومنها أن يكتب في إناء ويصب عليه الماء، ويدار الماء عليه حتى يتغير بهذه الكتابة، ثم يشرب، وهذا مجرب، ومنها على رأي بعض العلماء من السلف والخلف أن يعلق بصفة تميمة؛ يعني يُكتب في جلد أو شبهه، ثم يُعلَّق على المريض فإن هذا قد اختلف فيه السلف، فرخص فيه بعضهم ومنعه بعضهم؛ فمن رخص فيه استدل بعموم الأدلة الدالة على أن القرآن فيه شفاء.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: أن من أعظم الحِكم في إنزال القرآن تدبُّر القرآن؛ لقوله: ﴿لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ﴾.
* ومن فوائدها: حث الإنسان على تدبر القرآن، وألا يقرؤه قراءة لفظية فقط، فإن الله تعالى قد ذم هؤلاء الجنس من الناس، أعني الذين يقرؤونه قراءة لفظية، فقال تعالى: ﴿وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا أَمَانِيَّ﴾ [البقرة ٧٨]، ﴿أَمَانِيَّ﴾ يعني قراءة لفظية فقط، فوصفهم الله بأنهم أميون؛ لأنهم لم ينتفعوا بالقرآن؛ إذ لا يمكن الانتفاع بالقرآن إلا بفهم معانيه، فإذا لم يفهم معانيه صار العربي والأعجمي على حد سواء.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: أن تدبر القرآن فرض؛ لأن العمل بالقرآن فرض، ولا يتم العمل إلا بالتدبر، وما لا يتم الفرض إلا به فهو فرض، ولكن هل هو فرض عين أو فرض كفاية؟ حسب الحال، قد يكون فرض كفاية، وقد يكون فرض عين، فما لا يتم دين العبد إلا به فهو فرض عين، وما زاد على ذلك فهو فرض كفاية، ولا بد أن يكون في الأمة الإسلامية من يفهم القرآن.
* ومن فوائد هذه الآية: أن القرآن الكريم كله آيات دالة على المتكلِّم به سبحانه وتعالى؛ ولهذا قال: ﴿لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ﴾ ولم يقل: آية منه أو عشر آيات، كل الآيات.
* ومن فوائد الآية الكريمة أيضًا: أن مِن أعظم ما نزل القرآن من أجله التذكر؛ لقوله: ﴿وَلِيَتَذَكَّرَ﴾.
* ومن فوائدها: أن القرآن الكريم نزل موعظة للناس، كما قال الله تعالى في آية أخرى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ﴾ [يونس ٥٧]، وقال تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ﴾ [النساء ٥٨]، فالقرآن نزل ليؤثر، ما نزل ليتبرك الإنسان بقراءته، أو ينال الأجر بقراءته، هذا سهل، لكن لا بد أن يؤثر تَذَكُّرًا وموعظة.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أنه لا يتذكر بالقرآن إلا أصحاب العقول؛ لقوله: ﴿وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ﴾.
* ومن فوائدها: أن من تذكَّر بالقرآن فهو صاحب العقل، ومن لم يتذكر فليس له عقل، كذا؟ وجه ذلك أن الله جعل التذكر لمن اتصفوا بمن؟ بالعقول.
* ومن فوائدها: أن لُبَّ الإنسان وروحه هو العقل؛ عقل الرشد؛ لأن الله سمى هذه العقول، سماها ألبابًا جمع (لُبٍّ) كأسباب جمع (سَبَب).
ثم قال الله تعالى في قصة سليمان بن داود: ﴿وَوَهَبْنَا لِدَاوُودَ سُلَيْمَانَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ﴾، قال: ﴿إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ الصَّافِنَاتُ الْجِيَادُ﴾ إلى هنا تم تفسيره، قال: (جمع جواد، وهو السابق، المعنى أنها إذا استُوقفت سكنت، وإن ركضت سبقت) يعني أن هذه الخيل التي عُرِضَت عليه موصوفة بهذين الوصفين؛ أنها من الصوافن، وأنها من الجياد، فهي إذا وقفت وقفت على أحسن هيئة؛ وهو الصفون، وإذا مشت مشت على أكمل هيئة، وهو الجود، جيدة في السبق وتحمُّل المشاق ولو طال السير، وهذا غاية ما يكون من جمال الخيل، غاية ما يكون من جمال الخيل هو هكذا أن تكون هيئتها حين الوقوف مما يسر النفس، وأن يكون فعلها وأداؤها حين السير مما ينفع لكونها من ذوات الجود.
وقول المؤلف: (وكانت ألف فرس عُرِضَت عليه بعد أن صلى الظهر لإرادته الجهاد عليها لعدو، فعند بلوغ العرض منها تسع مئة غربت الشمس ولم يكن صلى العصر فاغتم).
تقدير هذه الخيل بألف فرس يحتاج إلى دليل عن معصوم عن النبي ﷺ، وليس هناك دليل عن رسول الله ﷺ بأنها ألف أو ألفان أو أقل أو أكثر. وحينئذٍ تكون مسؤوليتنا أن نقف حيث وقف القرآن، فلا نحددها بألف ولا بأكثر ولا بأقل، إنما هو عُرِضت عليه في آخر النهار هذه الخيول ﴿الصَّافِنَاتُ الْجِيَادُ﴾، فلما عُرِضت عليه نسي أن يُصلي لقوة ما في قلبه من التعلق بهذه الخيول التي أعدها للجهاد في سبيل الله، أو أعدها للزينة والتمتع؛ لأن سليمان عليه الصلاة والسلام كان من الأنبياء الملوك كما قال تعالى: ﴿وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي﴾ [ص ٣٥] والملوك من عادتهم أن يُسرُّوا ويبتهجوا بالنظر إلى الخيول، فسواء كان أعدها للجهاد إن كان قد أُمِر به، أو أعدها للتمتع بها بصفته أنه ملك.
يقول: ﴿فَقَالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي﴾ [ص ٣٢]. قال: (﴿أَحْبَبْتُ﴾ أي أردت) ﴿حُبَّ الْخَيْرِ﴾ يعني محبته؛ محبة الخير، والخير يُطلق على المال عمومًا كما في قوله تعالى: ﴿إِنَّ الْإِنْسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ (٦) وَإِنَّهُ عَلَى ذَلِكَ لَشَهِيدٌ (٧) وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ﴾ [العاديات ٦ - ٨] أي لحب المال، والدليل على أن الخير هو المال قوله تعالى: ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ﴾ [البقرة ١٨٠]، فقوله: ﴿حُبَّ الْخَيْرِ﴾ يعني حب المال.
وتفسير المؤلف رحمه الله لهذا الخير بالخيل أخص من دلالة اللفظ، وقد مر علينا أنه لا يجوز أن يُفَسَّر اللفظ الأعم بالمعنى الأخص؛ لأن هذا قصور في التفسير، لكن قد يكون عذر المؤلف أن السياق في الخيل فيكون حمله لهذا العام على الخاص بقرينة السياق، وهنا إشكال وهو قوله: ﴿أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ﴾ هل الحب يحب؟ يعني لو قال قائل: لماذا لم تكن الآية: (إني أحببت الخير) كما قال تعالى: ﴿وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ﴾؟
المؤلف رحمه الله أَوَّلَ المحبة التي جاءت بلفظ الفعل بالإرادة فقال: (﴿أَحْبَبْتُ﴾ أي أردت حُبَّ الخير) لكنه رحمه الله وإن تخلَّص من تضارب اللفظ لم يتخلص من فساد المعنى؛ لأنه إذا قال: (أردت حب الخير)، فالمراد قد يحصل وقد لا يحصل، مع أن حبه حاصل، ولكن الجواب على هذا أن نقول: إن (أحببت) الأولى على بابها، و(أحببت) الثانية على بابها من باب التوكيد كأنه أحب حب الخير فضلًا عن الخير، ومن أحب حب الشيء لزم أن يكون محبًّا للشيء، كما لو قلت: أنا أحب أن أحب فلانًا، مثلًا، أن أحب قراءة الكتاب الفلاني، فيكون هذا من باب التوكيد، كأنه كرر المحبة مرتين؛ وبهذا نتخلص من الإيراد الذي يرد على تفسير المؤلف رحمه الله.
وقوله: ﴿عَنْ ذِكْرِ رَبِّي﴾ قال المؤلف: (أي صلاة العصر)، وهذا أيضًا فيه تفسير للعام بما هو أخص، وهو قصور في التفسير؛ وذلك لأن الذكر أعم من الصلاة، فكل صلاة ذكر، وليس كل ذكر صلاة، صحيح هذا؟ كل صلاة ذِكْر، وليس كل ذكر صلاة، صحيح؟ إي نعم، إذن إذا فسرنا الذِّكْر بالصلاة فقد فسرنا الأعم بالأخص، وهذا قصور، ولكن ربما يُعتذَر عن المؤلف بالسياق، ولكن هذا العذر لا يُقبَل؛ لأنه من الذي يقول: إن سليمان أراد بذكر ربه صلاة العصر؟ إذ قد يكون أنه أراد ذِكْر الله في المساء؛ لأن المساء له أذكار معينة، وتكون صلاة العصر داخلة في هذا الذكر، وهذا هو الصحيح، الصحيح أن المراد بالذكر في قوله: ﴿عَنْ ذِكْرِ رَبِّي﴾ عموم الذكر الذي يدخل فيه صلاة العصر.
وقوله: ﴿عَنْ ذِكْرِ رَبِّي﴾ يشمل التذكر الذي هو ذكر القلب، ويشمل القول الذي هو ذكر اللسان، ويشمل الفعل الذي هو أفعال الجوارح إذا أدخلنا صلاة العصر في هذا؛ لأن صلاة العصر تشتمل على أنواع الذكر الثلاثة، الصلاة تشتمل على أنواع الذكر الثلاثة، فيها تذكر القلب، وتذكر اللسان، وتذكر الجوارح.
وقوله: ﴿عَنْ ذِكْرِ رَبِّي﴾ في إضافة الربوبية إلى الله استعطاف من سليمان لله عز وجل حيث أذعن له بالربوبية التي تقتضي أن يكون مشغولًا بذكره سبحانه وتعالى.
وقوله: ﴿إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي﴾ استشكل بعض العلماء تعدي الفعل بـ(عن)، أحببته عن ذكر ربي، كيف؟ فقيل: إن (عن) معناها (مِنْ)، يعني البدلية، يعني بدلًا عن ذكر ربي، وقال بعض العلماء: إن أحببت مُضمَّن معنى آثرتُ حُبَّ الخير عن ذكر ربي، ومر علينا فيما سبق، أنه إذا جيء بمتعلق لا يناسب المتعلق ظاهرًا فإن لعلماء النحو في ذلك قولين:
القول الأول: تضمين المتعلق معنى يُناسب المتعلِّق.
والثاني: أن يُضمَّن الحرف الذي لا يُناسب المتعلَّق حرفًا يناسب المتعلَّق.
وذكرنا أن الأولى أن يكون التجوُّز بالفعل.
وقوله: ﴿حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ﴾، ﴿حَتَّى تَوَارَتْ﴾ قال المؤلف: (أَي الشَّمْس ﴿بِالْحِجَابِ﴾ أي استترت بما يحجبها عن الأبصار). ﴿تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ﴾، ﴿تَوَارَتْ﴾.
إذا قال قائل: الضمير مستتر، والشمس لم يسبق لها ذكر، فلماذا لا يقال: ﴿حَتَّى تَوَارَتْ﴾ (أي الخيل) بالحجاب؟ يعني أنها أبعدت حتى استترت عنه، وكأنه شُغِل بالنظر إليها وهي تتطارد وتتسابق حتى وصلت إلى مسافة بعيدة بحيث غابت عنه؟
نقول: لا شك أن هذا المعنى محتمل في الآية، قوله: ﴿إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي حَتَّى تَوَارَتْ﴾ أي هذه الخيول، فأبعدت واستترت، ولكن وردت أحاديث تؤيد ما ذهب إليه المؤلف من أن الذي توارت هي الشمس ﴿بِالْحِجَابِ﴾ أي بما يحجبها عن الأبصار، فما هو هذا الحجاب؟ الحجاب هو الأرض، الحجاب الذي يحجب الشمس إذا غابت هو الأرض، كما قال الله تعالى عن ذي القرنين: ﴿حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ﴾ [الكهف ٨٦] يعني في البحر، إذن فالذي يسترها إذا غابت هي الأرض، وهذا لأن الأرض كروية الشكل، فإذا دارت الشمس عليها ووصلت إلى الجانب المنحني فلا بد أن تغيب، وهكذا تغيب عن كل قوم شيئًا فشيئًا حتى تطلع على من غابت عنهم أولًا.
ثم قال تعالى: ﴿رُدُّوهَا عَلَيَّ﴾، ﴿رُدُّوهَا﴾ الضمير يعود على الخيل التي عُرِضَت عليه، أمر أن تُرَدَّ عليه، وتُرجَع عليه مرة ثانية من أجل أن يقضي عليها غضبًا لله عز وجل وتنكيلًا لنفسه التي تعلقت بهذه الخيول، وأعرضت بها عن ذِكْر الله.
قال: (﴿رُدُّوهَا عَلَيَّ﴾ أي الخيل المعروضة فرَدُّوها. ﴿فَطَفِقَ مَسْحًا﴾ بِالسَّيْفِ ﴿بِالسُّوقِ﴾ جَمْع سَاق ﴿وَالْأَعْنَاق﴾ ) جمع (عُنُق)، قال: ﴿رُدُّوهَا عَلَيَّ﴾ فردوها عليه.
﴿فَطَفِقَ﴾ طفق هذه فعل ماضٍ من أفعال الشروع، ويكون خبرها فعلًا، وبناءً على ذلك فإن قوله: ﴿مَسْحًا﴾ ليس خبرًا لها، بل مصدر للفعل المحذوف الذي هو الخبر، والتقدير: فطفِق يمسح مسحًا.
وقوله: ﴿مَسْحًا بِالسُّوقِ﴾ يعني يضربها مع سُوقها، جمع (ساق)، والأعناق مع العنق؛ لأن الخيل تتعلق بها النفس باعتبار المشي، وباعتبار الصفون عند الوقوف، وباعتبار الرقبة، وما عليها من الشعر وحُسْن العُنُق؛ فلهذا ضرب عليه الصلاة والسلام ضَرَبَ مواقع الحسن في الخيل وهي سُوقُها وأعناقها، والله أعلم.
* طالب: (...) الذكر العام.
* الشيخ: أعم من الصلاة.
* طالب: يعني هل هي صلاة العصر أم (...)؟
* الشيخ: لا، لأن الأذكار في المساء تستمر إلى ما بعد الغروب.
* طالب: (...).
* الشيخ: عام، الذكر عام، يشمل الصلاة وغيرها.
* طالب: (...) الأذكار التي ليست مقيدة بالمساء.
* الشيخ: إي نعم، إذا لم تكن مُقيَّدة بالمساء؛ فلا فرق أن يذكر بعد غروب الشمس أو قبله.
* الطالب: أنا أقول: أقصد أن غروب الشمس (...) صلاة العصر.
* الشيخ: ولا فيه أذكار بعد العصر؟
* الطالب: لا، فيه أذكار.
* الشيخ: إذن لماذا لا نجعلها عامة ومنها الصلاة؟
* الطالب: (...) غروب الشمس؟
* الشيخ: نعم؛ لأن أذكار المساء تكون بعد العصر، فهو يذكر الله بعد العصر فاشتغل عن ذلك.
* طالب: (...).
* الشيخ: كيف؟
* الطالب: (...).
* الشيخ: لا، يُكتب ألفًا ما لم تتصل بالضمير، إذا اتصلت بالضمير ما حاجة إلى الألف.
* طالب: ما حاجة، والواو واقعة في محل هذا..
* الشيخ: يعني لو قال: (ردوا) فقط ما قال: (ها).
* طالب: في (ردوا) الضمير راجع إلى من؟
* الشيخ: لا، قصدي أنت تقول: لماذا لم يكتب ألفًا بعد الواو؟ كذا ولَّا لا؟ أقول: لا تُكتب الألف بعد الواو مع الضمير، لو قلت: (رُدُّوه) ما تكتب ألفًا، (رُدُّوها) ما تكتب ألفًا، لكن (رُدُّوا زيدًا) تكتب ألفًا.
* الطالب: وفي (رُدُّوا) الضمير راجع إلى من؟
* الشيخ: الواو راجع للمخاطب.
* الطالب: للمخاطب، هو للجمع.
* الشيخ: إي، وهو للجمع، يخاطب جماعة، و(ها) تعود على الخيل؛ يعني ردوا الخيل عليَّ.
* الطالب: نعم، والواو للغائب.
* الشيخ: لا، للمخاطب، ما هو الأمر إذا وُجِّه لجماعة، ما هي بالغائب، لو كان فعلًا ماضيًا صارت للغائب لكن هذه فعل أمر، والواو المقترنة بفعل الأمر تكون للمخاطب.
* الطالب: حسبته ماضيًا.
* الشيخ: لا، لو كان ماضيًا لقال: رَدُّوها، الماضي يُقال: رَدُّوها.
* الطالب: قلت: يمكن مجهول.
* الشيخ: لا، مجهول وفيه المفعول رُدُّوها.
* طالب: (...).
* الشيخ: على كل حال هي فعل أمر، يأمرهم أن يردوها عليه.
* طالب: شيخ، بارك الله فيك، سأل شخص مفتيًا، فقال له: كنت عاصيًا وعندي أشرطة أغانٍ وإلى آخره، فماذا أعمل بها هل أُسَجِّل عليها محاضرات دينية ولَّا أيش أعمل فيها، ولَّا أحرقها، قال له: حرِّقْها، واستدل بهذه الآية، قال: إن سليمان عليه السلام قتل الخيول.
* الشيخ: السؤال هذا متقدم على وقته؛ لأنه سيكون في الفوائد إن شاء الله.
* طالب: لماذا كان تضمين الفعل أحسن من تضمين فعل الأمر؟
* الشيخ: إي نعم؛ لأنك إذا ضمنت الفعل استفدت معنى جديدًا زائدًا على معنى الفعل الأصلي، فمثلًا إذا قلنا في قوله تعالى: ﴿عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ﴾ [الإنسان ٦] أن المراد يروى بها تضمن هذا معنيين؛ الشُّرب والرِّي، إذا قلت: إن الباء ﴿يَشْرَبُ بِهَا﴾ بمعنى (مِنْ)، يشرب منها لم نستفد إلا معنى واحد وهو الشرب.
* طالب: إذا ضمنَّا يا شيخ الفعل يعني كأننا أتينا بشيء زائد.
* الشيخ: لا، لا ما هو زائد؛ لأن الفعل إذا قُلنا: يَرْوَى أتينا بالمعنى الأصلي ليشرب؛ إذ لا رِيَّ إلا بعد شُرب، والذي جعلنا نأتي بالمعنى الزائد وهو الرِّي؛ لأن صحيح أن الرِّيَّ زائد على مجرد الشرب، الذي جعلنا نأتي به هو أن (بها)، الباء ما تتعدى بـ(يشرب).
* طالب: شيخ، عفا الله عنك (...) بعض العلماء (...)؟
* الشيخ: إي، هذه هي التميمة، إذا أجزنا التميمة بالقرآن، جاء أُناس فدخَّلوا فيها أشياء شِرْكية، فماذا تقولون؟ نقول: الحكم يدور مع علته، إذا كتب أشياء شركية صار ممنوعًا لأجل الشرك، لكن إذا كتب شيئًا من القرآن فليس فيه شرك؛ يعني لا بد أن يكون هذا الكاتب اللي كتب التميمة لا بد أن يكون مأمونًا.
* طالب: (...).
* الشيخ: جاب أيش؟
* الطالب: أقول: تكثر في بعض المحال في الحجاز (...) الأرض الشمالية والجنوبية.
* الشيخ: ويش اللي تكثر؟
* الطالب: التعاليق هذه اللي بها الشركيات.
* الشيخ: لا، هذا يُمنع هذا.
* * *
* الطالب: ﴿وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا ثُمَّ أَنَابَ (٣٤) قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ (٣٥) فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ (٣٦) وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ (٣٧) وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ (٣٨) هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ (٣٩) وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ﴾ [ص ٣٤ - ٤٠].
* الشيخ: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، قال الله تعالى: ﴿وَوَهَبْنَا لِدَاوُودَ سُلَيْمَانَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ (٣٠) إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ الصَّافِنَاتُ الْجِيَادُ﴾ [ص ٣٠، ٣١] إلى آخره، أين مُتعلَّق ﴿إِذْ﴾ في قوله: ﴿إِذْ عُرِضَ﴾؟
* طالب: نعم، ﴿إِذْ عُرِضَ﴾.
* الشيخ: يعني (إذ) ظرفية تحتاج إلى مُتعلَّق.
* الطالب: محذوف، تقديره: واذكر إذ عُرِضَ.
* الشيخ: واذكر إذ عُرض. قوله: ﴿الصَّافِنَاتُ﴾ ما هي ﴿الصَّافِنَاتُ﴾ (...)؟
أحببت الخير حُبًّا شديدًا.
ما المراد بالخير هنا؟
* طالب: الخير المؤلف فسرها بالخيل، وهذا قصور.
* الشيخ: ما الذي حمله على تفسيرها بالخيل؟
* الطالب: يُعتذر عنه بالسياق؛ سياق الآية.
* الشيخ: حيث قال: ﴿الصَّافِنَاتُ الْجِيَادُ﴾، والقول الثاني، أو الاحتمال الثاني؟
* الطالب: أنها عامة تشمل الخيل وغيرها من المال وغيرها، يُطلق على الخير المال.
* الشيخ: ما هو الدليل أو الشاهد على أن الخير يُراد به المال؟
* طالب: ﴿وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ﴾.
* الشيخ: ﴿وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ﴾ [العاديات ٨] والمراد بالخير هنا؟
* الطالب: المال.
* الشيخ: المال، ما الدليل أن المراد به المال؟ ﴿وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا﴾ [الفجر ٢٠].
قوله: ﴿عَنْ ذِكْرِ رَبِّي﴾ ما المراد بذكر ربه؟
* طالب: على قول المؤلف قال: إنها صلاة العصر، ولكن الذِّكْر يشمل أعم من الصلاة، ويشمل أذكار المساء والصلاة أيضًا.
* الشيخ: أحسنت. قوله: ﴿حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي﴾ عن ما موقعها هنا؟
* طالب: في المعنى يعني؟
* الشيخ: إي، ويش معنى أحببته عن ذكر ربي؟
* الطالب: أي: دون ذكر ربي.
* الشيخ: يعني أيش؟
* الطالب: أي: أحببت حب الخير دون ذكر الله سبحانه وتعالى.
* الشيخ: ويش معناه على هذا؟
* الطالب: بمعنى سوى.
* الشيخ: عن بمعنى سوى؟
* طالب: بمعنى سوى الله سبحانه وتعالى؛ أي سوى ذكر الله.
* طالب آخر: بدلًا عن عبادته.
* الشيخ: يعني؟
* الطالب: بدل ذكر ربه.
* الشيخ: بدل ذكر ربه هذا وجه، وجه آخر؟
* الطالب: أو أنها مُضمَّنة.
* الشيخ: مُضمَّنة؛ يعني آثرت حب الخير عن ذكره.
قوله: ﴿تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ﴾ الضمير يعود على مَنْ؟
* طالب: فيها قولان: أن الضمير يعود على الخيل، أنه رآها تبتعد عنه بعيدًا.
* الشيخ: جعل يشاهدها ذاهبة وجائية.
* الطالب: والقول الثاني: أنها توارت بالحجاب عن الشمس.
* الشيخ: الشمس، وما المراد بالحجاب على هذا القول؟
* طالب: الحجاب يعني الأرض.
* الشيخ: الأرض، صحيح؟ قال: ﴿فَطَفِقَ مَسْحًا﴾ طفق من أفعال؟
* طالب: (...).
* الشيخ: وأين خبرها؟
* طالب: (...).
* الشيخ: خبرها محذوف، فطفق يمسح مسحًا. ﴿بِالسُّوقِ﴾ ويش معناها؟
* الطالب: جمع (ساق).
* الشيخ: جمع (ساق)؛ يعني يضرب سُوقها حتى يعقرها، والأعناق؟
* الطالب: جمع (عُنق) وهو يمسح أعناقها.
* الشيخ: بيده، يمسح بيده كذا، إذن معنى كلامك أنه يمسح سُوقَها بيده، ويمسح أعناقها كذلك.
* طالب: يعني ضربًا بالسيف.
* الشيخ: حتى في السُّوق؟
* الطالب: إي نعم.
* الشيخ: والأعناق القتل. نأخذ الفوائد.
قال الله عز وجل: ﴿وَوَهَبْنَا لِدَاوُودَ سُلَيْمَانَ نِعْمَ الْعَبْدُ﴾.
* من فوائد هذه الآية الكريمة: أن الأولاد هِبَة من الله عز وجل للعبد، ويتفرع على هذا أنه يجب على العبد أن يشكر الله تعالى على هذه النعمة.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: الثناء على سليمان في قوله: ﴿نِعْمَ الْعَبْدُ﴾. والعبودية هنا العبودية الخاصة.
* ومن فوائد هذه الآية: إثبات العلل والأسباب؛ لقوله: ﴿إِنَّهُ أَوَّابٌ﴾، فإن هذا هو سبب الثناء عليه.
* ومن فوائدها: فضيلة الأوبة إلى الله والرجوع إليه بالقلب والعمل؛ لأن الله أثنى على سليمان بسبب ذلك.
* ومن فوائد الآية الكريمة في قوله: ﴿إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ﴾ إلى آخره، من فوائدها: بيان عظمة ملك سليمان حيث كان الناس يعرضون عليه هذه الخيول للتمتع بها، ومن أجل الاطلاع عليها وتفقدها، ووجه ذلك أنه قال: ﴿إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ﴾ فهذا يدل على أن هناك أناسًا يعرضون عليه هذا الخيل.
* ومن فوائد هذه الآية: أن هذه العادة وهي عرض الخيول والتمتع بجريها في آخر النهار عادة قديمة ما زال الناس عليها إلى اليوم؛ يعني لا تكاد تجد أحدًا يُجري مسابقة على الخيل في أول النهار، وإنما يكون في آخر النهار، وهذه من العادات القديمة في الناس إلى اليوم.
* ومن فوائد هذه الآية: أنه ينبغي اختيار الخيل الجيدة الجميلة التي تسُرُّ النفس في رؤيتها وفي جريها؛ لقوله: ﴿الصَّافِنَاتُ الْجِيَادُ﴾.
* ومن فوائدها: أنه ينبغي اقتناء الخيل، حيث كان هذا من دأب الرسل عليهم الصلاة والسلام، وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام: «الْخَيْلُ مَعْقُودٌ فِي نَوَاصِيهَا الْخَيْرُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ»[[متفق عليه؛ البخاري (٢٨٥٠)، ومسلم (١٨٧٣ / ٩٨) من حديث عروة بن الجعد.]]. فمتى كانت الخيل آلة حرب فالخير في نواصيها إلى يوم القيامة.
* ومن فوائد هذه الآية: ذِكْر أُنموذج من وَصْف سُليمان بالأوَّاب؛ حيث قال: ﴿إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي﴾ إلى آخره.
* ومن فوائدها: أن المال خير وهو كذلك؛ لأن الإنسان إذا رُزِق المال تمكَّن أن يتمتع تمتعًا كاملًا فيما يختص بالمال بخلاف ما إذا ضُيِّق عليه المال فإنه لا يستطيع أن يتمتع.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: أن الإعراض عن ذِكْر الله بأمور الدنيا أمر مذموم؛ لأن سليمان وَبَّخَ نفسه في كونه أحب الخير وقدَّمَه على ذِكْر الله.
* ومن فوائد الآية الكريمة: إثبات أن الشمس تجري دائمًا، وليست تغيب؛ بمعنى أنها تنحجب عن الأبصار في السماء؛ لقوله: ﴿حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ﴾.
* ومن فوائدها: إثبات أن الشمس هي التي تدور على الأرض في طلوعها وغروبها؛ لأنه أضاف الفعل إليها فقال: ﴿حَتَّى تَوَارَتْ﴾، ولو كان الأمر كما يقول أهل الجغرافيا اليوم: إن الأرض هي التي تدور وتنحجب الشمس بسبب دورانها لقال: حتى توارين بالحجاب، أو حتى توارى بالحجاب هو يعني؛ لأنه إذا كان أنت الذي تدور ومقابلك ثابت، فمن الذي يتوارى؟ الثابت أو الدائر؟ الدائر، فإذا كان الله تعالى أثبت أن التواري للشمس دل هذا على أنها هي التي تدور، وهذا كقوله تعالى: ﴿وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَتْ تَزَاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ﴾ [الكهف ١٧]، فهذه أربعة أفعال كلها أضيفت إلى الشمس.
وفي الصحيح عن أبي ذر رضي الله عنه أنه كان مع النبي ﷺ حين غربت الشمس فقال له: أتدري أين تذهب؟ قلتُ: الله ورسوله أعلم. قال: «فَإِنَّهَا تَسْجُدُ تَحْتَ الْعَرْشِ وَتَسْتَأْذِنُ، فَإِنْ أُذِنَ لَهَا وَإِلَّا قِيلَ: ارْجِعِي مِنْ حَيْثُ جِئْتِ، فَتَخْرُجُ مِنْ مَغْرِبِهَا»[[متفق عليه؛ البخاري (٣١٩٩)، ومسلم (١٥٩ / ٢٥٠) من حديث أبي ذر.]].
هذا هو ظاهر القرآن، والواجب على المؤمن أن يتبع ظاهر القرآن؛ لأن هذه هي الطريق في كل شيء كما تعرفون في أسماء الله وصفاته نتبع ظاهر القرآن، وكما تعلمون في الأحكام الشرعية نتبع ظاهر القرآن، إذن في الأمور الكونية نتبع ظاهر القرآن؛ لأن ظاهر القرآن صدر من الخالق العليم فهو أعلم من خلقِه بخلقه، قال الله تعالى: ﴿مَا أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ﴾ [الكهف ٥١]، فإذا كان هذا صادرًا من أعلم من يكون وجب علينا أن نُصدِّقه.
فالواجب علينا إذن إجراء ظواهر الكتاب والسنة على ما هي عليه حتى يقوم لنا دليل حسي واضح يتبين أن اللفظ ليس على ظاهره، فلو فُرِضَ أنه تبين تبينًا واضحًا مثل الشمس أن الأرض هي التي تدور فإننا نقول: عُبِّرَ بهذه الأفعال التي ظاهرها أن الشمس هي التي تدور باعتبار ما نُشاهِد، فتكون غربت باعتبار مشاهدتنا؛ لأن المشاهد المحسوس حسب الأمر الظاهر لعامة الناس أن الأرض ثابتة والشمس تدور عليها، فيكون التعبير بحسب ما يشاهده الناس في الظاهر، لكن متى نحتاج إلى تأويل الآيات؟ إذا ثبت ثبوتًا حسيًّا قطعيًّا ما فيه إشكال؛ لأن الظاهر دلالته ظنية، ولا يمكن زحزحة هذه الدلالة إلا بدليل قطعي يكون أقوى منها.
* ومن فوائد هذه الآية: أن الأرض كروية؛ لأنه لما أثبت أنها تتوارى بالحجاب دلَّ هذا على أن الأرض هي التي تحجبها، وهي كما نشاهد تنزل الشمس في أوج السماء في أعلى، ثم تنزل شيئًا فشيئًا حتى تكون في الأسفل، في الأرض، فيدل ذلك على أن الأرض كروية، وهذا أيضًا أمر مقطوع به، ولا إشكال فيه؛ فهو ظاهر مِن القرآن، وظاهر كذلك بالواقع؛ ففي القرآن يقول الله تعالى: ﴿إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ (١) وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ (٢) وَإِذَا الْأَرْضُ مُدَّتْ (٣) وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا وَتَخَلَّتْ (٤) وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ﴾ [الانشقاق ١ - ٥] متى هذا؟ يكون يوم القيامة؛ لأن السماء لم تنشق الآن.
فقوله: ﴿وَإِذَا الْأَرْضُ مُدَّتْ﴾ يدل على أنها قبل هذا ليست ممدودة بل هي كُروية، وهذا لا يُعارِض قوله تعالى: ﴿أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ (١٧) وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ (١٨) وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ (١٩) وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ﴾ [الغاشية ١٧ - ٢٠] لا يعارضه؛ لأن سطحها باعتبار المشاهَد، فأنت الآن إذا وقفت على الأرض تجدها مستوية إلى مد البصر.
* ومن فوائد هذه الآيات: في قوله: ﴿رُدُّوهَا عَلَيَّ فَطَفِقَ﴾ إلى آخره، من فوائدها: جواز التعزير بإتلاف المال، وهذه المسألة اختلف فيها الفقهاء، هل يجوز أن نُعزِّر الإنسان بإتلاف ماله أو لا يجوز؟ فمن العلماء من قال: إنه لا يجوز؛ لأن إتلاف المال إفساد له، ويمكن أن نُعزِّره بأخذ المال دون إتلافه، فنأخذه منه وننفقه في جهة أخرى نافعة، ومنهم من قال: بل إن ذلك جائز، واستدلوا لهذا بأن الغالَّ من الغنيمة الذي يكتم ما غنم يُحرَّق رحله، وهذا إتلاف له مع أن الجيش قد يكون في حاجة إلى ماله، ومع هذا نتلفه، وهذا القول هو الراجح؛ أنه يجوز التعزير بإتلاف المال؛ أولًا: لدلالة السنة على ذلك.
وثانيًا: لأن إتلافه أنكى وأعظم أثرًا؛ لأنه لو أُخِذ وجُعِل في مصالح؛ صار التنكيل خفيًّا، ثم قد يكون فتح بابٍ للولاة الظلمة، إذا أرادوا المال؛ أقاموا دعوى على شخص ما، ثم قالوا: نُعزِّره بأخذ ماله، ثم يأخذون ماله على أنه سيكون في بيت المال، ولكنه سيكون في جيوب هؤلاء الظلمة، فإذا قلنا بأنه يحرق ويُتلف أمام الناس زال هذا المحذور، وبناء على ذلك لو وجدنا مع شخص آلة لهو تصلح أن تستعمل في غير اللهو، وعزَّرْناه بتكسيرها كان ذلك سائغًا، ولا نقول: حوِّلها إلى غير آلة اللهو؛ لأن إتلافها أمام الناس أنكى وأشد مما لو أُتلفت بإنفاقها في جهة ما.
* ومن فوائد هذه الآية: أن الإنسان لا بأس أن يُعزِّر نفسه بإتلاف ماله بنفسه؛ لفعل سليمان، فلو فرضنا أن شخصًا اشتغل بشيء معه عن ذكر الله، وأراد أن يكسره لكان ذلك سائغًا جائزًا؛ لأن هذا يؤدي إلى ألا يعود مرة أخرى إلى التشاغل عن ذِكْر الله تعالى بشيء من المال.
* ومن فوائد هذه الآية: قوة سلطان سليمان في أمره ونهيه؛ لقوله: ﴿رُدُّوهَا عَلَيَّ﴾، فإن هذا يدل على أن له جنودًا كثيرة تأتمر بأمره؛ إذ لم يقل: رُدَّها. لو قال: ردها لكان الخادم واحدًا، لكن لما قال: ﴿رُدُّوهَا﴾ دل على أن له جنودًا خدمًا يخدمونه؛ كثيرين.
* ومن فوائدها: سرعة ومبادرة سليمان عليه الصلاة والسلام بتنفيذ ما أراد من إتلاف هذا المال؛ لقوله: ﴿فَطَفِقَ مَسْحًا بِالسُّوقِ وَالْأَعْنَاقِ﴾.
قد يقول قائل: أليس في هذا تعذيب للحيوان إذا جعل يضرب سُوقه بالسيف؟
فيقال: بلى، لكن الظاهر أنه يعقرها أولًا، ثم يقطع عنقها ثانيًا، وهذا لا بأس به؛ لأن الألم لا يدوم، وإنما خَصَّ السوق بالضرب من أجل أنها صافنات، والصافنة إذا رفعت حافرها بعض الشيء؛ صار لسُوقها منظر جميل، فهو متعلق الرغبة؛ ولذلك جعل يضرب هذه السوق، وأما الأعناق فظاهر من أجل إتلافها نهائيًّا.
* طالب: عرف سليمان لغة الطيور، وكذلك أمور (...) هل أخذ الخيول يعني صدقة باللحوم، يعني (...)؟
* الشيخ: إي، هذا السؤال جيد، يقول: هل أكل لحومها أو تصدق به، أو ماذا فعل؟ ما تقولون؟
* طالب: المؤلف يقول: تصدق بها.
* الشيخ: يقول: تصدق بها، اقرأ (...).
* طالب: يقول: (﴿وَالْأَعْنَاق﴾ أَي ذَبحها وَقَطع أَرْجُلهَا تَقَرُّبًا إلَى اللَّه تعالى حَيْثُ اشْتَغَلَ بِهَا عَن الصَّلَاة، وَتَصَدَّقَ بِلَحْمِهَا فَعَوَّضَهُ اللَّه خَيْرًا مِنْهَا وَأَسْرَعَ وَهِيَ الرِّيح).
* الشيخ: سمعت؟ هذا يحتمل ما قال المؤلف أنه تصدق بها، ويحتمل أنه لم يتصدق بها؛ لأن ذبحها تقرُّب إلى الله تعالى بإتلافها، وما كان كذلك فإنه لا يُؤكَل، نظيره لو زنى رجل ببهيمة، فإن البهيمة تُقتل، ولا يُؤكل لحمها؛ لأنها أُتلفت في حق الله فلا ينبغي أن تُؤكَل، على كل حال يحتمل أن سليمان تصدَّق بها كما قال المؤلف، أو أكلها، أو تركها، الله أعلم.
{"ayahs_start":26,"ayahs":["یَـٰدَاوُۥدُ إِنَّا جَعَلۡنَـٰكَ خَلِیفَةࣰ فِی ٱلۡأَرۡضِ فَٱحۡكُم بَیۡنَ ٱلنَّاسِ بِٱلۡحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ ٱلۡهَوَىٰ فَیُضِلَّكَ عَن سَبِیلِ ٱللَّهِۚ إِنَّ ٱلَّذِینَ یَضِلُّونَ عَن سَبِیلِ ٱللَّهِ لَهُمۡ عَذَابࣱ شَدِیدُۢ بِمَا نَسُوا۟ یَوۡمَ ٱلۡحِسَابِ","وَمَا خَلَقۡنَا ٱلسَّمَاۤءَ وَٱلۡأَرۡضَ وَمَا بَیۡنَهُمَا بَـٰطِلࣰاۚ ذَ ٰلِكَ ظَنُّ ٱلَّذِینَ كَفَرُوا۟ۚ فَوَیۡلࣱ لِّلَّذِینَ كَفَرُوا۟ مِنَ ٱلنَّارِ","أَمۡ نَجۡعَلُ ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ وَعَمِلُوا۟ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ كَٱلۡمُفۡسِدِینَ فِی ٱلۡأَرۡضِ أَمۡ نَجۡعَلُ ٱلۡمُتَّقِینَ كَٱلۡفُجَّارِ","كِتَـٰبٌ أَنزَلۡنَـٰهُ إِلَیۡكَ مُبَـٰرَكࣱ لِّیَدَّبَّرُوۤا۟ ءَایَـٰتِهِۦ وَلِیَتَذَكَّرَ أُو۟لُوا۟ ٱلۡأَلۡبَـٰبِ","وَوَهَبۡنَا لِدَاوُۥدَ سُلَیۡمَـٰنَۚ نِعۡمَ ٱلۡعَبۡدُ إِنَّهُۥۤ أَوَّابٌ","إِذۡ عُرِضَ عَلَیۡهِ بِٱلۡعَشِیِّ ٱلصَّـٰفِنَـٰتُ ٱلۡجِیَادُ","فَقَالَ إِنِّیۤ أَحۡبَبۡتُ حُبَّ ٱلۡخَیۡرِ عَن ذِكۡرِ رَبِّی حَتَّىٰ تَوَارَتۡ بِٱلۡحِجَابِ","رُدُّوهَا عَلَیَّۖ فَطَفِقَ مَسۡحَۢا بِٱلسُّوقِ وَٱلۡأَعۡنَاقِ"],"ayah":"وَوَهَبۡنَا لِدَاوُۥدَ سُلَیۡمَـٰنَۚ نِعۡمَ ٱلۡعَبۡدُ إِنَّهُۥۤ أَوَّابٌ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق