الباحث القرآني
(p-٣٤٤)قوله عزّ وجلّ:
﴿وَوَهَبْنا لِداوُدَ سُلَيْمانَ نِعْمَ العَبْدُ إنَّهُ أوّابٌ﴾ ﴿إذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالعَشِيِّ الصافِناتُ الجِيادُ﴾ ﴿فَقالَ إنِّي أحْبَبْتُ حُبَّ الخَيْرِ عن ذِكْرِ رَبِّي حَتّى تَوارَتْ بِالحِجابِ﴾ ﴿رُدُّوها عَلَيَّ فَطَفِقَ مَسْحًا بِالسُوقِ والأعْناقِ﴾ ﴿وَلَقَدْ فَتَنّا سُلَيْمانَ وألْقَيْنا عَلى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا ثُمَّ أنابَ﴾ ﴿قالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وهَبْ لِي مُلْكًا لا يَنْبَغِي لأحَدٍ مِن بَعْدِي إنَّكَ أنْتَ الوَهّابُ﴾
الهِبَةُ والعَطِيَّةُ بِمَعْنًى واحِدٍ، فَوَهَبَ اللهُ سُلَيْمانَ لِداوُدَ ولَدًا، وأثْنى تَعالى عَلَيْهِ بِأوصافٍ مِنَ المَدْحِ تَضَمَّنَها قَوْلُهُ تَعالى: ﴿نِعْمَ العَبْدُ﴾ و"أوّابٌ" مَعْناهُ: رَجّاعٌ، ولَفْظَةُ ﴿ "أوّابٌ"﴾ هو العامِلُ في "إذْ"؛ لِأنَّ أمْرَ الخَيْلِ مُقْتَضٍ أوبَةً عَظِيمَةً.
واخْتَلَفَ الناسُ في قَصَصِ هَذِهِ الخَيْلِ المَعْرُوضَةِ، فَقالَ الجُمْهُورُ: إنَّ سُلَيْمانَ عَلَيْهِ السَلامُ عُرِضَتْ عَلَيْهِ آلافٌ مِنَ الخَيْلِ تَرَكَها أبُوهُ لَهُ، وقِيلَ: ألْفٌ واحِدٌ فَأُجْرِيَتْ بَيْنَ يَدَيْهِ عِشاءً، فَتَشاغَلَ بِحُسْنِها وجَرْيِها ومَحَبَّتِها حَتّى فاتَهُ وقْتُ صَلاةِ العِشاءِ، قالَ قَتادَةُ: صَلاةُ العَصْرِ، ونَحْوُهُ عن عَلِيِّ بْنِ أبِي طالِبٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ، فَأسِفَ لِذَلِكَ، وقالَ: رُدُّوا عَلَيَّ الخَيْلَ، قالَ الحَسَنُ: فَطَفِقَ يَضْرِبُ أعْناقَها وعَراقِيبَها بِالسَيْفِ عَقْرًا لَها لَمّا كانَتْ سَبَبَ فَوْتِ الصَلاةِ، فَأبْدَلَهُ اللهُ أسْرَعَ مِنها الرِيحَ، وقالَ قَوْمٌ - مِنهُمُ الثَعْلَبِيُّ -: كانَتْ بِالناسِ مَجاعَةٌ، ولُحُومُ الخَيْلِ لَهم حَلالٌ، فَإنَّما عَقَرَها لِتُؤْكَلَ عَلى وجْهِ القُرْبَةِ بِها، كالهَدْيِ عِنْدَنا، ونَحْوُ هَذا ما فَعَلَهُ أبُو طَلْحَةَ الأنْصارِيُّ بِحائِطِهِ؛ إذْ تَصَدَّقَ بِهِ لَمّا دَخَلَ عَلَيْهِ الدُبْسِيُّ في الصَلاةِ فَشَغَلَهُ.
و"الصافِنُ": الفَرَسُ الَّذِي يَرْفَعُ إحْدى يَدَيْهِ ويَقِفُ عَلى طَرَفِ سُنْبُكِهِ، وقَدْ يَفْعَلُ ذَلِكَ بِرِجْلِهِ، وهي عَلامَةُ الفَراهَةِ، وأنْشَدَ الزَجّاجُ:
؎ ألِفَ الصُفُونَ فَلا يَزالُ كَأنَّهُ ∗∗∗ مِمّا يَقُومُ عَلى الثَلاثِ كَسِيرًا
(p-٣٤٥)وَقالَ أبُو عُبَيْدَةَ: الصافِنُ: الَّذِي يَجْمَعُ يَدَيْهِ ويُسَوِّيها، وأمّا الَّذِي يَقِفُ عَلى طَرَفِ السُنْبُكِ فَهو المُخَيَّمُ، وفي مُصْحَفِ ابْنِ مَسْعُودٍ: "الصَوافِنُ الجِيادُ"، والجِيادُ: جَمْعُ جَوْدٍ، كَثَوْبِ وثِيابٍ، وسُمِّي بِهِ لِأنَّهُ يَجُودُ بِجَرْيِهِ.
وقالَ بَعْضُ الناسِ: "الخَيْرُ" هُنا أرادَ بِهِ: الخَيْلُ، والعَرَبُ تُسَمِّي الخَيْلَ الخَيْرَ، وكَذَلِكَ «قالَ عَلَيْهِ الصَلاةُ والسَلامُ لِزَيْدِ الخَيْلِ: "أنْتَ زَيْدُ الخَيْرِ"،» و"حُبَّ" مَفْعُولٌ بِهِ نُصِبَ لِذَلِكَ عِنْدَ فِرْقَةٍ، كَأنَّ ﴿ "أحْبَبْتُ"﴾ بِمَعْنى: آثَرْتُ. وقالَتْ فِرْقَةٌ: المَفْعُولُ بـِ "أحْبَبْتُ" مَحْذُوفٌ، و"حُبَّ" نُصِبَ عَلى المَصْدَرِ، أيْ: أحْبَبْتُ هَذِهِ الخَيْلَ حُبَّ الخَيْرِ، وتَكُونُ "الخَيْرِ" - عَلى هَذا التَأْوِيلِ - غَيْرَ الخَيْلِ، وفي مُصْحَفِ ابْنِ مَسْعُودٍ: "حُبَّ الخَيْلِ" بِاللامِ. وقالَتْ فِرْقَةٌ: "أحْبَبْتُ" مَعْناهُ: سَقَطْتُ إلى الأرْضِ لِذَنْبِي، مَأْخُوذٌ مِن: أحَبَّ البَعِيرُ إذا أعْيا وسَقَطَ هُزالًا، و"حُبَّ" - عَلى هَذا - مَفْعُولٌ مِن أجْلِهِ.
والضَمِيرُ في ﴿ "تَوارَتْ"﴾ لِلشَّمْسِ، وإنْ كانَ لَمْ يَجْرِ لَها ذِكْرٌ صَرِيحٌ، إلّا أنَّ المَعْنى يَقْتَضِيها مَذْكُورَةً ويَتَضَمَّنُها؛ ولِأنَّ العَشِيَّ يَقْتَضِي لَها ذِكْرًا إذْ هو مُقَدَّرٌ مُتَوَهَّمٌ بِها. وقالَ بَعْضُ المُفَسِّرِينَ في هَذِهِ الآيَةِ: ﴿حَتّى تَوارَتْ بِالحِجابِ﴾ يُرِيدُ بِهِ الخَيْلَ، أيْ: دَخَلَتِ اصْطَبْلاتِها.
(p-٣٤٦)وَقالَ ابْنُ عَبّاسٍ، والزَهْراوِيُّ: إنَّ مَسْحَهُ بِالسُوقِ والأعْناقِ لَمْ يَكُنْ بِالسَيْفِ، بَلْ بِيَدِهِ تَكْرِيمًا لَها ومَحَبَّةً، ورَجَّحَهُ الطَبَرِيُّ، وقالَ بَعْضُهُمْ: بَلْ غَسْلًا بِالماءِ، وقَدْ يُقالُ لِلْغَسْلِ مَسْحٌ، لِأنَّ المَسْحَ بِالأيْدِي يَقْتَرِنُ بِهِ. وهَذِهِ الأقْوالُ عِنْدِي إنَّما تَتَرَتَّبُ عَلى نَحْوٍ مَنِ التَفْسِيرِ في هَذِهِ الآيَةِ، ورُوِيَ عن بَعْضِ الناسِ. وذَلِكَ أنَّهُ رَأى أنَّ هَذِهِ القِصَّةَ لَمْ يَكُنْ فِيها فَوْتُ صَلاةٍ، ولا تَضَمَّنُ أمْرَ الخَيْلِ أوبَةً ولا رُجُوعًا. فالعامِلُ فِي: "إذْ" فِعْلٌ مُضْمَرٌ تَقْدِيرُهُ: اذْكُرْ إذْ عُرِضَ، وقالُوا: عُرِضَ عَلى سُلَيْمانَ الخَيْلُ وهو في الصَلاةِ، فَأشارَ إلَيْهِمْ، أيْ: إنِّي في الصَلاةِ، فَأزالُوها عنهُ حَتّى أدْخَلُوها في الِاصْطَبْلاتِ، فَقالَ هو لَمّا فَرَغَ مِن صِلاتِهِ: ﴿إنِّي أحْبَبْتُ حُبَّ الخَيْرِ﴾، أيِ الَّذِي عِنْدَ اللهِ في الآخِرَةِ، بِسَبَبِ ذِكْرِ رَبِّي، فَكَأنَّهُ يَقُولُ: فَشَغَلَنِي ذَلِكَ عن رُؤْيَةِ الخَيْلِ، حَتّى أُدْخِلَتِ اصْطَبْلاتِها، رُدُّوها عَلَيَّ، فَطَفِقَ يَمْسَحُ أعْناقَها وسُوقَها مَحَبَّةً لَها. وذَكَرَ الثَعْلَبِيُّ أنَّ هَذا المَسْحَ إنَّما كانَ وسْمًا في السُوقِ والأعْناقِ بِوَسْمِ حَبْسٍ في سَبِيلِ اللهِ تَعالى. وجُمْهُورُ الناسِ عَلى أنَّها كانَتْ خَيْلًا مَوْرُوثَةً. قالَ بَعْضُهُمْ: قَتَلَها حَتّى لَمْ يَبْقَ مِنها أكْثَرُ مِن مِائَةِ فَرَسٍ، فَمِن نَسْلِ تِلْكَ المِائَةِ كُلُّ ما يُوجَدُ اليَوْمَ مِنَ الخَيْلِ. وهَذا بَعِيدٌ. وقالَ بَعْضُهُمْ: كانَتْ خَيْلًا أخْرَجَها الشَياطِينُ لَهُ مِنَ البَحْرِ، وكانَتْ ذَواتَ أجْنِحَةٍ، ورُوِيَ عن عَلِيِّ بْنِ أبِي طالِبٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ أنَّها كانَتْ عِشْرِينَ فَرَسًا، و"طَفِقَ" مَعْناهُ: دامَ يَفْعَلُ، كَما تَقُولُ: جَعَلَ يَفْعَلُ.
وقَرَأ الجُمْهُورُ: ﴿ "بِالسُوقِ"﴾ بِواوٍ ساكِنَةٍ، وهو جَمْعُ ساقٍ، وقَرَأ ابْنُ كَثِيرٍ وحْدَهُ بِالهَمْزِ، قالَ أبُو عَلِيٍّ: وهي ضَعِيفَةٌ، لَكِنَّ وجْهَها في القِياسِ أنَّ الضَمَّةَ لَمّا كانَتْ تَلِي الواوَ، قُدِّرَ أنَّها عَلَيْها فَهُمِزَتْ كَما يَفْعَلُونَ بِالواوِ المَضْمُومَةِ، وهَذا نَظِيرُ إمالَتِهِمْ ألِفَ "مِقْلاتٍ" مِن حَيْثُ ولِيَتِ الكَسْرَةَ القافُ، قَدَّرُوا أنَّ القافَ هي المَكْسُورَةُ.
(p-٣٤٧)وَوَجْهُ هَمْزَةِ "السُوقِ" مِنَ السَماعِ أنَّ أبا حَيَّةَ النُمَيْرِيَّ كانَ يَهْمِزُ كُلَّ واوٍ ساكِنَةٍ قَبْلَها ضَمَّةٌ، وكانَ يَنْشُدُ:
؎ أحَبَّ المُؤْقِدانِ إلَيْكَ مُؤْسى
وقَرَأ ابْنُ مُحَيْصِنٍ: "بِالسُؤُوقِ" بِهَمْزَةٍ بَعْدَها الواوُ. وقَوْلُهُ: ﴿عن ذِكْرِ رَبِّي﴾ عَلى كُلِّ تَأْوِيلٍ فَإنَّ "عن" هُنا لِلْمُجاوَزَةِ مِن شَيْءٍ إلى شَيْءٍ، فَتَدَبَّرْهُ فَإنَّهُ مُطَّرِدٌ.
ثُمَّ أخْبَرَ اللهُ تَعالى عن فِتْنَتِهِ لِسُلَيْمانَ، وامْتِحانِهِ إيّاهُ لِزَوالِ مُلْكِهِ، ورُوِيَ في ذَلِكَ أنَّ سُلَيْمانَ عَلَيْهِ السَلامُ قالَتْ لَهُ حَظِيَّةٌ مِن حَظاياهُ: إنْ أخِي لَهُ خُصُومَةٌ، فَأرْغَبُ أنْ تَقْضِيَ لَهُ بِكَذا وكَذا، لِشَيْءٍ غَيْرِ الحَقِّ، فَقالَ سُلَيْمانُ عَلَيْهِ السَلامُ: أفْعَلُ، فَعاقَبَهُ اللهُ (p-٣٤٨)تَعالى بِأنْ سَلَّطَ عَلى خاتَمَهُ جِنِّيًّا، وذَلِكَ أنَّ سُلَيْمانَ عَلَيْهِ السَلامُ كانَ لا يَدْخُلُ الخَلاءَ بِخاتَمِ المُلْكِ، تَوْقِيرًا لِاسْمِ اللهِ تَعالى، فَكانَ يَضَعُهُ عِنْدَ امْرَأةٍ مِن نِسائِهِ، فَفَعَلَ ذَلِكَ يَوْمًا، فَألْقى اللهُ شَبَهَهُ عَلى جَنِّيٍ اسْمُهُ صَخْرٌ - فِيما رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهُما - وقِيلَ غَيْرُ هَذا مِمّا اخْتَصَرْناهُ لِعَدَمِ الصِحَّةِ، فَجاءَ إلى المَرْأةِ فَدَفَعَتْ إلَيْهِ الخاتَمَ، فاسْتَوْلى عَلى مُلْكِ سُلَيْمانَ، وبَقِيَ فِيهِ أرْبَعِينَ يَوْمًا، وطَرَحَ خاتَمَ سُلَيْمانَ في البَحْرِ، وجَعَلَ يَعْبَثُ في بَنِي إسْرائِيلَ وشَبَهُ سُلَيْمانَ عَلَيْهِ، حَتّى أنْكَرُوا أفْعالَهُ، ومَكَّنَهُ اللهُ تَعالى مِن جَمِيعِ المُلْكِ، قالَ مُجاهِدٌ: إلّا مِن نِساءِ سُلَيْمانَ فَإنَّهُ لَمْ يَكْشِفْهُنَّ، وكانَ سُلَيْمانُ عَلَيْهِ السَلامُ خِلالَ ذَلِكَ قَدْ خَرَجَ فارًّا عَلى وجْهِهِ مُنْكَرًا، لا يَنْتَسِبُ لِقَوْمٍ إلّا ضَرَبُوهُ، وأدْرَكَهُ جُوعٌ وفاقَةٌ، فَمَرَّ يَوْمًا بِامْرَأةٍ تَغْسِلُ حُوتًا مَيِّتًا، فَسَألَها مِنهُ لِجُوعِهِ، وقِيلَ: بَلِ اشْتَراهُ فَأعْطَتْهُ حُوتَيْنِ، فَجَعَلَ يَفْتَحُ أجْوافَها، وإذا خاتَمُهُ في جَوْفِ أحَدِهِما، فَعادَ إلَيْهِ مُلْكُهُ، وسُخِّرَتْ لَهُ الجِنُّ والرِيحُ مِن ذَلِكَ اليَوْمِ، وفَّرَ صَخْرٌ الجِنِّيُّ، فَأمَرَ سُلَيْمانُ بِهِ فَسِيقَ إلَيْهِ، فَأطْبَقَ عَلَيْهِ في حِجارَةٍ، وسَجَنَهُ في البَحْرِ إلى يَوْمِ القِيامَةِ، فَهَذِهِ هي الفِتْنَةُ الَّتِي فُتِنَ سُلَيْمانُ عَلَيْهِ السَلامُ وامْتُحِنَ بِها.
واخْتَلَفَ الناسُ في الجَسَدِ الَّذِي أُلْقِيَ عَلى كُرْسِيِّهِ، فَقالَ الجُمْهُورُ: هو الجِنِّيُّ المَذْكُورُ، سَمّاهُ ﴿ "جَسَدًا"﴾ لِأنَّهُ كانَ قَدْ تَمَثَّلَ في جَسَدِ سُلَيْمانَ ولَيْسَ بِهِ، وهَذا أصَحُّ الأقْوالِ وأبْيَنُها مَعْنًى. وقالَتْ فِرْقَةٌ. بَلْ أُلْقِيَ عَلى كُرْسِيِّهِ جَسَدُ ابْنٍ لَهُ مَيِّتٍ، وقالَتْ فِرْقَةٌ: بَلْ شِقُّ الوَلَدِ الَّذِي وُلِدَ لَهُ حِينَ أقْسَمَ لَيَطُوفَنَّ عَلى نِسائِهِ ولَمْ يَسْتَثْنِ في قِسْمِهِ، وقالَ قَوْمٌ: مَرِضَ سُلَيْمانُ عَلَيْهِ السَلامُ مَرَضًا كالإغْماءِ حَتّى صارَ عَلى كُرْسِيِّهِ كانَ بِلا رُوحٍ.
قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللهُ
وهَذا كُلُّهُ غَيْرُ مُتَّصِلٍ بِمَعْنى هَذِهِ الآيَةِ.
وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿ "أنابَ"﴾ مَعْناهُ: ارْعَوى وانْثَنى وأجابَ إلى طاعَةِ رَبِّهِ، ومَعْنى هَذا: مِن تِلْكَ الحَوْبَةِ الَّتِي وقَعَتِ الفِتْنَةُ بِسَبَبِها.
ثُمَّ إنَّ سُلَيْمانَ عَلَيْهِ السَلامُ اسْتَغْفَرَ رَبَّهُ، واسْتَوْهَبَهُ مُلْكًا، واخْتَلَفَ المُتَأوِّلُونَ في (p-٣٤٩)مَعْنى قَوْلِهِ: ﴿لا يَنْبَغِي لأحَدٍ مِن بَعْدِي﴾ فَقالَ الجُمْهُورُ: أرادَ أنْ يُفْرِدَهُ بَيْنَ البَشَرِ لِتَكُوُنَ خاصَّةً لَهُ وكَرامَةً، وهَذا هو الظاهِرُ مِن «قَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَلاةُ والسَلامُ في خَبَرِ العِفْرِيتِ الَّذِي عَرَضَ لَهُ في صَلاتِهِ، فَأخَذَهُ وأرادَ أنْ يُوثِقَهُ بِسارِيَةٍ مِن سَوارِي المَسْجِدِ، قالَ: "ثُمَّ ذَكَرْتُ قَوْلَ أخِي سُلَيْمانَ: رَبِ اغْفِرْ لِي وهَبْ لِي مُلْكًا لا يَنْبَغِي لِأحَدٍ مِن بَعْدِي فَأرْسَلْتُهُ"،» وقالَ قَتادَةُ وعَطاءُ بْنُ أبِي رَباحٍ: إنَّما أرادَ سُلَيْمانَ عَلَيْهِ السَلامُ: لا يَنْبَغِي لِأحَدٍ مِن بَعْدِي مُدَّةَ حَياتِي، أيْ: لا أُسْلَبُهُ ويَصِيرُ إلى أحَدٍ كَما صارَ إلى الجِنِّيِّ.
ورُوِيَ في مَثالِبِ الحَجّاجِ بْنِ يُوسُفَ أنَّهُ لَمّا قَرَأ هَذِهِ الآيَةَ قالَ: "لَقَدْ كانَ حَسُودًا"، وهَذا مِن فِسْقِ الحَجّاجِ، وسُلَيْمانُ عَلَيْهِ السَلامُ مَقْطُوعٌ بِأنَّهُ إنَّما قَصَدَ بِذَلِكَ قَصْدًا بَرًّا جائِزًا؛ لِأنَّ لِلْإنْسانِ أنْ يَرْغَبَ مِن فَضْلِ اللهِ فِيما لا يَنالُهُ أحَدٌ، لا سِيَّما بِحَسَبِ المَكانَةِ والنُبُوَّةِ، وانْظُرْ إلى قَوْلِهُ عَلَيْهِ السَلامُ: ﴿ "لا يَنْبَغِي"،﴾ فَإنَّما هي لَفْظَةٌ مُحْتَمَلَةٌ لَيْسَتْ بِقَطْعٍ في أنَّهُ لا يُعْطِي اللهُ نَحْوَ ذَلِكَ المُلْكِ لِأحَدٍ، ومُحَمَّدٌ ﷺ لَوْ رَبَطَ الجِنِّيَّ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ نَقْصًا لَما أُوتِيهِ سُلَيْمانُ عَلَيْهِ السَلامُ، لَكِنْ لَمّا كانَ فِيهِ بَعْضُ الشَبَهِ تَرَكَهُ جَرْيًا مِنهُ عَلَيْهِ الصَلاةُ والسَلامُ عَلى اخْتِيارِهِ أبَدًا أيْسَرَ الأمْرَيْنِ وأقْرَبَهُما إلى التَواضُعِ.
{"ayahs_start":30,"ayahs":["وَوَهَبۡنَا لِدَاوُۥدَ سُلَیۡمَـٰنَۚ نِعۡمَ ٱلۡعَبۡدُ إِنَّهُۥۤ أَوَّابٌ","إِذۡ عُرِضَ عَلَیۡهِ بِٱلۡعَشِیِّ ٱلصَّـٰفِنَـٰتُ ٱلۡجِیَادُ","فَقَالَ إِنِّیۤ أَحۡبَبۡتُ حُبَّ ٱلۡخَیۡرِ عَن ذِكۡرِ رَبِّی حَتَّىٰ تَوَارَتۡ بِٱلۡحِجَابِ","رُدُّوهَا عَلَیَّۖ فَطَفِقَ مَسۡحَۢا بِٱلسُّوقِ وَٱلۡأَعۡنَاقِ","وَلَقَدۡ فَتَنَّا سُلَیۡمَـٰنَ وَأَلۡقَیۡنَا عَلَىٰ كُرۡسِیِّهِۦ جَسَدࣰا ثُمَّ أَنَابَ","قَالَ رَبِّ ٱغۡفِرۡ لِی وَهَبۡ لِی مُلۡكࣰا لَّا یَنۢبَغِی لِأَحَدࣲ مِّنۢ بَعۡدِیۤۖ إِنَّكَ أَنتَ ٱلۡوَهَّابُ"],"ayah":"وَوَهَبۡنَا لِدَاوُۥدَ سُلَیۡمَـٰنَۚ نِعۡمَ ٱلۡعَبۡدُ إِنَّهُۥۤ أَوَّابٌ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق