الباحث القرآني
ثم قال: ﴿اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا﴾ [الروم ٤٨]. قال المؤلف: (تُزْعِجُه)؛ لأنه مأخوذٌ من: أَثَارَ الصيدَ؛ إذا أَزْعَجَه.
﴿اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ﴾ يعني: يَبْعثها كيف شاء سبحانه وتعالى.
﴿فَتُثِيرُ سَحَابًا﴾ قال المؤلف: فـ(تُزعجه)، كإثارة الصيد، فإنَّ إثارة الصيد من مكانه تعني إزعاجه حتى يقوم.
وقوله: ﴿سَحَابًا﴾ السحاب هو المعروف؛ هو الغيم.
﴿فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمَاءِ كَيْفَ يَشَاءُ﴾ (من قِلَّة وكَثْرة). ﴿فَيَبْسُطُهُ﴾ البَسْط معناه النَّشْر، ﴿كَيْفَ يَشَاء﴾ هذه تعود إلى كيفيَّة هذا النَّشْر؛ قد يكون واسعًا، وقد يكون قليلًا، وقد يكون كثيفًا، وقد يكون خفيفًا، ولهذا قال (﴿﴿وَيَجْعَلهُ كِسَفًا﴾ ﴾ بفتح السِّين وسكونها: قِطَعًا متفرِّقة). بفتح السين يعني ﴿كِسَفًا﴾، وسكونها يعني ﴿كِسْفًا﴾، وقد قال الله تعالى: ﴿وَإِنْ يَرَوْا كِسْفًا مِنَ السَّمَاءِ سَاقِطًا يَقُولُوا سَحَابٌ مَرْكُومٌ﴾ [الطور ٤٤] ﴿كِسْفًا﴾. والكِسَف معناه: القِطَع، وكأنَّ المؤلف رحمه الله يريد أنْ يُبَيِّن أنَّ السحاب قد يكون واسعًا منتشرًا مبسوطًا، وقد يكون قليلًا قِطَعًا متفرِّقة.
وقال بعض المفسرين: معنى كونه ﴿كِسَفًا﴾ أنَّه قِطَعٌ متراكبةٌ بعضُها فوق بعض حتى يَسْوَدَّ ويَدْلَهِمَّ ويَحْصل فيه الرعْدُ والبَرْقُ، وهذا أَوْلى أنَّ المراد بالكِسَف يعني القِطَع المتراكبة التي يركب بعضُها بعضًا حتى تَدْلَهِمَّ وتَسْوَدَّ، وهذا في الغالب أكثرُ مطرًا.
يقول: ﴿وَيَجْعَلُهُ كِسَفًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ﴾ ﴿فَتَرَى﴾ الخطاب لكلِّ مَن يتأتَّى خطابُه؛ لأن هذه الرؤية ليست خاصَّةً بالرسول ﷺ.
وقوله: ﴿الْوَدْقَ﴾ يعني (الْمَطَر)؛ يعني حبَّات المطَر تُسَمَّى وَدْقًا.
﴿يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ﴾ (أي وَسَطِه)، وقيل: من بَيْنِه؛ من بين هذا السحاب.
وقوله: ﴿فَتَرَى الْوَدْقَ﴾ إذا قال قائلٌ: نحن لا نراها بأعيُننا المجرَّدة، ما نرى أنَّ المطر يتخلَّل هذا السحاب (...).
فيقال: إنَّه خَبَر صِدْق، فيكون أيش؟ يكون كالمشاهَد؛ ما دام الله تعالى أخبر به فإننا كأنَّما نشاهده بأعيُننا، ثم إنَّه في الوقت الحاضر وُجِدت الآلاتُ القويَّة التي يستطيع الإنسانُ بها أنْ يرى كيف يخرج هذا المطر؛ هذه النُّقَط، مِن خلال السحاب.
وقوله: ﴿فَإِذَا أَصَابَ بِهِ﴾ (بالودْق) ﴿مَنْ يَشَاء مِنْ عِبَاده إذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ﴾ هذه جملة شرطية؛ ﴿فَإِذَا أَصَابَ بِهِ﴾ (إذا) تدلُّ على أن هؤلاء الذين أُصِيبوا بالمطر أنَّهم في غاية الاشتياق إليه، ولهذا بمجرَّد ما يصيبهم يَحْصل الاستبشار. وقولُنا: (بمجرَّد) ليس نتيجةً عن ترتُّب جواب الشرط على فِعْل الشرط، ولكنه نتيجةٌ لذلك وزيادة أَمْرٍ آخَر وهو الإتيانُ بـ﴿إذَا﴾ الفجائية التي تدلُّ على المفاجأة والسرعة. إذَنْ (إذا) تفيد الشرط، وفِعْل الشرط هو ﴿أَصَابَ﴾، وجواب الشرط جملة ﴿هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ﴾ المصدَّرة بـ﴿إذَا﴾ الفجائية.
قلنا: إنَّ هذا التعبير يدلُّ على أنَّ هؤلاء في غاية ما يكون من الاشتياق إلى نُزول الغيث؛ وجْهُ ذلك استبشارُهم بمجرَّد الإصابة، وليس استبشارًا عاديًّا كترتُّب الجواب على فِعْل الشرط، ولكنَّه أَبْلَغ لأنه أتى بـ﴿إذَا﴾ الفجائية الدالَّة على المبادرة بوجود ذلك الشيء.
وقوله: ﴿يَسْتَبْشِرُونَ﴾ قال المؤلف: (يَفْرحون بالمطَر)، وهو أشدُّ مِن مجرَّد الفرح، الاستبشار أشدُّ من مجرَّد الفرح، بل هو يستبشرُ بنفسه وربما يُهَنِّئ غيرَه ويُبَشِّره، ولهذا في المطر في أيام الموسم -موسم المطر- تجد مثلًا الناس إذا رأى بعضُهم بعضًا -لا سيَّما الذين يأتون من البراري- يقول: أُبَشِّرك أنَّه نزل مَطَرٌ وأنَّه كثيرٌ. أو حسب ما يكون، فالاستبشارُ هنا أَبْلغ من مجرَّد الفرح، لكن المؤلف رحمه الله ربما يفسِّره بالتقريب.
وقوله: ﴿فَإِذَا أَصَابَ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ﴾، ﴿مَنْ يَشَاءُ﴾ لا ما يشاء الناس؛ فالذي يُنزل الغيثَ هو الله عز وجل، وليس أحدٌ يستطيع أن يُنزله، وأمَّا ما ذُكِر من أنهم الآن يُسَلِّطون مواد كيماوية على السحاب فينزل المطر، فإنَّنا نقول: إن صحَّ هذا الأمر فمَن الذي خَلَق هذا المطر؟ الله سبحانه وتعالى، والذي أَوْجَدَ هذا السحابَ هو الله سبحانه وتعالى، وكَوْنُهم يتوصَّلون إلى أسبابٍ يتبخَّر بها هذا السحاب حتى ينزل مطرًا هذا لا يُنافي أنْ يكون الله عز وجل هو الذي يُنَزِّل الغيثَ، ثم إنَّ الآية: ﴿يُنَزِّلُ الْغَيْثَ﴾ [الشورى ٢٨] أَبْلَغ مِن: يُنَزِّل المطرَ؛ إذْ إنَّ المطر قد ينزل ولا يكون غيثًا؛ كما ثبت في صحيح مسلم[[(٢٩٠٤ / ٤٤) من حديث أبي هريرة.]] «لَيْسَ السَّنَةُ أَلَّا تُمْطَرُوا، إِنَّمَا السَّنَةُ أَنْ تُمْطَرُوا وَلَا تُنْبِتَ الْأَرْضُ» (السَّنَة) ويش معناها؟ الجدْب والقَحْط؛ يعني: ما هو بَس أنَّه ما يأتي المطر، السَّنَة الحقيقيَّة أنْ يأتي ولا يحصل نباتٌ.
وقوله: ﴿فَإِذَا أَصَابَ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ﴾ المراد بالعِباد هُنا جمع عَبْد، وهي العُبودية الخاصَّة ولَّا العامَّة؟ العامَّة، لماذا؟ لأنَّ المطر يَنْزل على المؤمنين وعلى الكافرين، نعم، بل ربما يكون نُزوله على الكافرين أكثرَ وأغدقَ وأشدَّ استمرارًا؛ امتحانًا لهم، لتُعَجَّل لهم طيِّباتُهم في حياتهم الدنيا، كما قال الله تعالى: ﴿وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا﴾ أي: بهذه الطيِّبات ﴿فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ﴾ [الأحقاف ٢٠] إلى آخِره.
ثم قال تعالى: ﴿وَإِنْ كَانُوا﴾ [الروم ٤٩] قال المؤلف: (وقد ﴿﴿كَانُوا﴾ ﴾)، (قد)؛ قدَّر ﴿إِنْ﴾ بـ(قد)، وتَبِع في ذلك البغوي، والمؤلف الجلالين مأخوذ من البغوي؛ يعني كأنه مختصر له؛ لأنك إذا تأمَّلْتَ تفسيره -رحمه الله- وجدتَ أنَّه هو تفسير البغوي بعينه، لكن البغوي مبسوطٌ وهذا مختصَر.
هو قال: (﴿﴿إِنْ﴾ ﴾ قد)، ولا أحد من أهل النحو قال بهذا القول، إلَّا أنْ يقوله على سبيل التفسير فقط، والصواب الذي لا شك فيه هو أنَّ ﴿إِنْ﴾ هنا مخفَّفة من الثقيلة كما في قوله تعالى: ﴿وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ﴾ [آل عمران ١٦٤]، وعلى هذا فنقول: إنَّ أصلها (إنَّ) فخُفِّفت، واسمها أين هو؟
* طلبة: ضمير الشأن.
* الشيخ: ضمير الشأن، اسمها ضمير الشأن محذوف، والتقدير: وإنَّهم. وقد سبق لنا أنَّ القول الصحيح فيه من أقوال النحويين أنَّ ضمير الشان لا يُقَدَّر مفردًا مذكرًا، وإنما يُقَدَّر بحسب السياق، فهو ضميرٌ مُقَدَّرٌ بحسب السياق؛ إنْ كان السياق يقتضي التأنيثَ فهو مؤنَّث، يقتضي التذكيرَ فهو مذكَّر، يقتضي الجمعَ فهو مجموعٌ، يقتضي التثنية فهو مثنى[[الصحيح أنَّ ضمير الشأن يختلف حسب السياق تذكيرًا وتأنيثًا، ولكنه لا يُثنَّى ولا يُجمع. انظر حاشية الصبان على الأشموني (١ / ٣٧٠).]]، إذَنْ أصْله: وإنَّهم كانوا. لكن خُفِّفتْ (إنَّ) فحُذِف اسمها على أنَّه ضمير الشأن.
﴿وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ﴾ [الروم ٤٩]، ﴿مِنْ قَبْلِ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ﴾ أيش؟ المطر.
مِن أين نعرف أنَّه المطر؟ هل سبق التحدُّث عن تنزيل المطر؟ الجواب: نعم، في قوله: ﴿فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ﴾؛ فإنَّ الودْق إذا خرج من خلال السحاب أين يذهب؟ ينزل إلى الأرض.
وقوله: ﴿مِنْ قَبْلِ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ﴾ يُعبِّر الله عز وجل عن نُزول المطر بالإنزال والتنزيل؛ وذلك لأن المطر أحيانًا يأتي دفعةً واحدةً بكثرةٍ وغزارةٍ فيكون إنزالًا، وأحيانًا يأتي بالتدريج ضعيفًا متقطِّعًا فيُسَمَّى تنزيلًا؛ لأنَّ التنزيل معناه إنزالُ الشيءِ شيئًا فشيئًا، ﴿مِنْ قَبْلِ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمُبْلِسِينَ﴾.
* طالب: بالنسبة (...) التنزيل والإنزال (...) باعتبار المطر ككُلٍّ نقول: نزل، باعتبار يعني أفراده ..
* الشيخ: لا، أَنْزل.
* طالب: باعتبار أفراده..
* الشيخ: لا، باعتبار الكثرة والتفريق.
* طالب: (...) السحابة هذه في الوقت وبعد أيام..
* الشيخ: بعد أيام يأتي، ثم يأتي أيضًا بقليلٍ أحيانًا؛ يعني مثلًا يكون المطر يومين، ثلاثة، ولكنَّه قليلٌ، وأحيانًا يأتي كما أنتم تشاهدون سُحُبًا عظيمةً كأنها أفواهُ القِرَب.
وقوله: ﴿مِنْ قَبْلِهِ﴾، ﴿وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمُبْلِسِينَ﴾، كلمة ﴿مِنْ قَبْلِهِ﴾ اختلفَ فيها أهل العلم؛ فقال بعضُهم كما قال المؤلف: إنها (تأكيد)؛ كقوله تعالى: ﴿فَلَا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِنَ الْعَذَابِ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾؛ ﴿لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا فَلَا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِنَ الْعَذَابِ﴾ [آل عمران ١٨٨]، كرَّرَ الفِعل توكيدًا، هذا قول، وهو الذي مشى عليه المؤلف وعليه أكثر المفسرين أنَّ قوله: ﴿مِنْ قَبْلِهِ﴾ أي: من قبل أن يُنَزَّل عليهم، فكأنَّه قال: وإنْ كانوا مِن قبل أن يُنَزَّل عليهم مِن قبل أن يُنَزَّل عليهم لَمُبلسين، فيكون تكرارها للتوكيد.
وقال بعضُ المفسرين: إنها كُرِّرت للتأسيس لا للتوكيد. ومعلومٌ أنَّه إذا دار الكلام بين أن يكون توكيدًا وأن يكون تأسيسًا فالأصل التأسيسُ؛ يعني الأصل عدم التوكيد؛ لأن التوكيد تكرار، والأصل عدم التكرار، فيرى بعضُ المفسرين أنها ليست للتوكيد وأنَّها للتأسيس. خُذوا بالكم من الفرق (...) العلماء رحمهم الله، الفرق بين التوكيد والتأسيس أن التوكيد معناه أنَّ هذا هو الأول، والتأسيس معناه أنَّ هذا غير الأول وأنَّه كلامٌ مستقلٌّ.
على القول بأنه تأسيسٌ ما معناه؟ قال بعضهم: ﴿مِنْ قَبْلِهِ﴾ أي: من قبل الاستبشار؛ وإن كانوا من قبل أنْ يُنَزَّل عليهم من قبل الاستبشار لَمُبلسين، فذَكَر الله لهم حالينِ قبل الاستبشار وبعده، فهمتم؟ وهذا ما مشى عليه أبو السعود، وهو جيِّد ولا فيه إشكال من حيث التصوُّر والمعنى، (...) المعنى وإنْ كانوا من قبل إنزال المطر من قبل ذلك الاستبشار لَمُبلسين، فنبَّههم الله على حالهم قبل الاستبشار، وهو الإبلاس، وعلى حالهم بعد ذلك.
وقال بعضهم: ﴿مِنْ قَبْلِهِ﴾ أي: من قَبْلِ قَبْلِ أنْ ينزل عليهم؛ ﴿مِنْ قَبْلِهِ﴾ يعني: وإنْ كانوا من قبل أنْ يُنَزَّل عليهم ﴿مِنْ قَبْلِهِ﴾ أي: من قَبْلِ ذلك القَبْل، فيجعلون الضمير في قوله: ﴿مِنْ قَبْلِهِ﴾ ليس عائدًا إلى المطر ولا عائدًا إلى الاستبشار، وإنما يجعلونه عائدًا إلى القَبْل، فالمعنى على هذا: وإنْ كانوا مِن قَبْل أنْ يُنَزَّل عليهم مِن قَبْل ذلك القَبْل لَمُبلسين، فيكون فائدتها أن الإبلاس مستمرٌّ معهم من قديم الزمان، فيأتي موسمٌ لا يأتي فيه مطرٌ فيُبلسون، ثم يأتي موسمٌ آخَر فيُبلسون، ثم يأتي موسمٌ آخَر فيُبلسون ... وهكذا، ومعلومٌ أنَّه إذا تكرَّرت مواسمُ ولَمْ يأتِ مطرٌ كان أشدَّ في الإبلاس، فيكون المعنى أنَّ هذا الاستبشار أنَّه أتى بعد يأسٍ مرَّتينِ فأكثر، وهذا أيضًا ذكره ابن كثير رحمه الله في تفسيره، فصار لدينا في قوله: ﴿مِنْ قَبْلِهِ﴾ كم قولًا؟ ثلاثة أقوال:
القول الأول: أنَّها توكيد.
والثاني: أنَّ الضمير يعود على الاستبشار.
والثالث: أن الضمير يعود على القَبْل؛ أي: وإن كانوا من قَبْل أنْ يُنَزَّل عليهم من قَبْل ذلك القَبْل أيضًا لَمُبلسين.
أمَّا قوله: ﴿لَمُبْلِسِينَ﴾ فهي بالنصب خبرًا لـ(كان)، وين (كان)؟ ﴿وَإِنْ كَانُوا﴾، واقترنت اللام بها من أجْل ﴿إِنْ﴾، والاقتران هنا واجب ولَّا جائز؟
* طالب: لا، واجب.
* طالب آخر: لا، جائز.
* الشيخ: لا جائز، ولا واجب.
* الطالب: لا، جائز.
* الشيخ: أنت قلت: لا جائز، وهذا يقول: لا واجب. لا وهو واجب، لا وهو جائز.
* طالب: واجب.
* الشيخ: طيب، ما هو سبب الوجوب؟
* طالب: المخفَّفة من الثقيلة لا بدَّ أنْ تقترن بها اللام.
* الشيخ: لا بدَّ أنْ تقترن بها اللام؟
* الطالب: (...).
* الشيخ: وما هو وجه الجواز؟
* طالب: وجه الجواز أن (إنْ) تشتبه (...)، يجب اقتران (إن) المخففة إذا اشتبهت بـ(ما).
* الشيخ: من أين تعرف ذلك من كلام ابن مالك؟
* طالب: من قوله:
؎وَخُفِّفَتْ (إِنَّ) فَقَـــلَّ الْعَـــمَلُ ∗∗∗ وَتَـــــلْزَمُ اللَّامُ إِذَا مَـــا تُهْمَلُ؎وَرُبَّمَــا اسْتُــــغْنِيَ عَنْهَــا إِنْ بَدَا ∗∗∗ مَــــا نَاطِـــــــــقٌ أَرَادَهُمُعْتَمِـــــدَا
* الشيخ: وأنت ما تقول في هذه الحجة؟ طيب، الآن لو أسقطْناها أَلَا تشتبه (إن) المخفَّفة بـ(إن) النافية؛ يعني لو كانت: وما كانوا من قَبْل أن يُنَزَّل عليهم مُبْلسين؟ تشتبه؛ يعني يستبشرون مع أنهم ما أَبْلسوا ولا أَيِسوا، ربما يقع هذا، يعني يستبشرون وإنْ كان ما عندهم يأسٌ من قَبْلُ، فالظاهرُ الوجوبُ لا للعِلَّة التي ذَكَر؛ لأنه ظنَّ أنَّه يجب الاقترانُ مطلقًا، ولكنَّه يجب؛ لأنها قد تشتبه بـ(إن) النافية، أمَّا إذا لم تشتبهْ فهو ما يجب الاقتران.
هل هناك شاهدٌ من الإعراب لذلك؟ إي نعم قول الشاعر:
؎........................... ∗∗∗ وَإِنْ مَالِكٌ كَانَتْ كِرَامَالْمَعَادِنِ
هو يفتخر بأنَّه من بني مالكٍ ثم يقول: (وَإِنْ مَالِكٌ كَانَتْ كِرَامَ الْمَعَادِنِ)، هُنا ما يمكن أن تشتبه (إنْ) بـ(ما) لماذا؟ لأنه لا يمكن أنْ يفتخر بقومٍ يسلب عنهم كَرَم المعدن، أو لا؟ لو تقول: أنا -مَثَلًا- من قبيلة، هذه القبيلة ما كانت كرامَ المعادن. يصلح؟! ما يستقيم.
الحاصل أنَّ اللام هنا للتوكيد، ويُسمِّيها بعضُ العلماء: لام الفَرْق؛ اللام الفارقة، وهذا أدقُّ في التعبير، وهي مع كونها فارقةً تفيد التوكيد، وإنما سَمَّوها اللام الفارقة لأنها تفرق بين (إن) النافية وبين (إن) المخفَّفة.
طيب، إذا قال قائل: هل يمكن أن تقترن باللام مع كون (إن) بمعنى النفي؟
فالجواب: لا، وهذا هو السرُّ في أنها فارقةٌ لا يمكن أن تقترن بها اللام؛ لأن اللام تفيد توكيد الإثبات، والنفيُ بخلاف ذلك؛ النفي يفيد النفي.
قال: ﴿لَمُبْلِسِينَ﴾ يقول: (آيِسِينَ مِن إنْزالِهِ). والإبلاس مِثْل القنوط؛ أشدُّ اليأس، ومنه سُمِّي إبليس -نعوذ بالله منه- لأنه أيش؟ مُبْلِسٌ آيِسٌ من رحمة الله. ﴿وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمُبْلِسِينَ﴾ آيِسين من نُزوله.
﴿فَانْظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَتِ اللَّهِ﴾ [الروم ٥٠] ﴿فَانْظُرْ﴾ الخطاب لِمَن؟
* طالب: للرسول.
* الشيخ: للإنسان، لا، ما هو للرسول، الخطابُ للإنسان، لِمَن يتأتَّى خطابُه، الرسول ﷺ وغيره؛ لأنه قال بالأول: ﴿فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ﴾، ثم قال هنا: ﴿فَانْظُرْ﴾ أي: انظر أيُّها الإنسان (إلى ﴿﴿أَثَرِ رَحْمَتِ اللَّهِ﴾ ﴾، وفي قراءة) يقول المؤلف: (﴿﴿آثَارِ رَحْمَتِ اللَّهِ﴾ ﴾). شوف الرسم العثماني، من فوائد التزامه أنَّه لا يتغيَّر بتغيُّر القراءات، ﴿آثَارِ﴾ على مقتضى قواعد الرسم العصرية كيف تكتب؟ بألف بين الثاء والراء، لكنَّها على قواعد المصحف العثماني يُكْتَب فيها ألف؟ لا، (أَثَر) ثاء وراء، فتصلح ﴿آثَارِ﴾ وتصلح ﴿﴿أَثَرِ﴾ ﴾.
وقوله: ﴿إِلَى آثَارِ﴾ و﴿﴿إِلَى أَثَرِ﴾ ﴾ لا فرق بينهما في الجملة من حيث المعنى؛ لأن ﴿آثَارِ﴾ مضاف فيفيد العموم، و﴿﴿أَثَرِ﴾ ﴾ مضاف فيفيد العموم؛ لأن المفرد إذا أُضِيف أفادَ العموم، فـ﴿﴿أَثَرِ﴾ ﴾ و﴿آثَارِ﴾ من حيث الجملة لا فرق بينهما؛ لأن ﴿﴿أَثَرِ رَحْمَتِ اللَّهِ﴾ ﴾ بمعنى ﴿آثَارِ﴾، لكن الفرق بينهما من حيث المعنى الخاصِّ أنَّ ﴿﴿أَثَرِ﴾ ﴾ يشمل الجنس باعتباره شيئًا واحدًا، وأمَّا ﴿آثَارِ﴾ فتشمل الجنس باعتباره أنواعًا.
كيف باعتباره أنواعًا؟ مِثْل أَثَر المطر يخرج به الزرعُ، ويخرج به الشجرُ، ويخرج به شيءٌ صغيرٌ وشيءٌ كبيرٌ، وشيءٌ له أشجارٌ مُفَتَّحةٌ، وشيءٌ له أشجارٌ دقيقةٌ كالعيدان، فلهذا تُعتبر هذه آثارًا باعتبار أنواعها.
ثم أيضًا الآثارُ تختلف من أرضٍ إلى أرضٍ؛ هذه الأرض تُنبت كذا، وهذه الأرض تُنبت كذا، هذه ينبت فيها الكَلَأ وهذه لا ينبت، ... وهكذا، فهي آثارٌ باعتبار الأنواع، أمَّا باعتبار الجنس وأنَّ كله حَصَلَ بسبب المطر فهو شيءٌ واحدٌ، وهذا هو الفرق الخاصُّ بين ﴿﴿أَثَرِ﴾ ﴾ و﴿آثَارِ﴾.
(﴿﴿آثَارِ رَحْمَتِ اللَّهِ﴾ ﴾ أي: نِعمته بالمطر). وقد سبق لنا أنَّ الرحمة في مِثْل هذا يصحُّ أنْ تكون اسمًا للمخلوق ويصحُّ أنْ تكون من صفات الله؛ فإنْ كان المرادُ الأَثَرَ المباشرَ فالمرادُ بالرحمة المطَرُ؛ لأن هذا النبات نَبَتَ بماذا؟ بالمطر، وإنْ كان المرادُ السببَ غير المباشر فالمراد بالرحمة صفةُ اللهِ؛ يعني لكون الله جل وعلا رحيمًا فهذه من آثار الرحمة أنَّه يُنزل المطر، وتَنْبت به الأرضُ، ويزول به القَحْط، فالآيةُ صالحةٌ لهذا ولهذا.
قال: ﴿كَيْفَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا﴾ [الروم ٥٠] هذا مما يرجِّح أنَّ المرادَ بالرحمة الصفةُ؛ رحمة الله، ﴿كَيْفَ يُحْيِ﴾ هو؛ أي: بالرحمة سبحانه وتعالى، ﴿يُحْيِ الْأَرْضَ﴾ يجعلها حيَّةً ﴿بَعْدَ مَوْتِهَا﴾ قال المؤلف: (أي: يُبْسها)، وحياةُ كلِّ شيءٍ بِحَسَبه؛ فالأرض اليابسة اللي ما فيها خضراء تُسمَّى ميتة، ما فيها شيءٌ حيٌّ، فإذا نَزَلَ عليها المطرُ وحيي النباتُ سُمِّيتْ حيَّة.
﴿يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا﴾ وهذا دليلٌ على قدرة الربِّ عز وجل وعلى رحمته؛ لأنه مَن يقدر على أن يَفْلق النواةَ والحبَّ في باطن الأرض حتى يخرج منه هذا النباتُ النَّامي؟ أحد يقدر على هذا؟ ما أحد يقدر؛ لهذا قد جاء في الحديث الصحيح القدسي: «فَلْيَخْلُقُوا حَبَّةً أَوْ لِيَخْلُقُوا شَعِيرَةً»[[متفق عليه؛ البخاري (٧٥٥٩)، ومسلم (٢١١١ / ١٠١)، من حديث أبي هريرة.]]، ما يستطيعون، ما يستطيع أحدٌ أن يخلق هذا؛ ﴿إِنَّ اللَّهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ ذَلِكُمُ اللَّهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ﴾ [الأنعام ٩٥].
﴿كَيْفَ يُحْيِي الْأَرْض بَعْد مَوْتهَا﴾ ﴿كَيْفَ﴾ يعني: انظر إلى الكيفية والقُدرة، كيف هذه الأرض اللى كانت غبراء كأنها محترقة أصبحت الآن روضةً خضراء! (أي: يُبْسها بأنْ تنبتْ).
قال الله عز وجل: ﴿إِنَّ ذَلِكَ لَمُحْيِ الْمَوْتَى﴾ [الروم ٥٠] ﴿إِنَّ ذَلِكَ﴾ المشار إليه (...).
* * *
(...) يكون عبثًا، يُخلق بَشَر عاقل، يعرف، ويعقل، ويتصرَّف، ويقتل بعضُه بعضًا، وينهب بعضُه بعضًا، ويسالم بعضُه بعضًا، والنتيجة أنْ يكونوا تُرابًا، هذا لا يمكن أبدًا؛ يعني لو تصوَّره إنسانٌ أدنى تصوُّر لَوجد أنَّ العقل يدلُّ دلالةً قطعيَّةً على أنَّه لا بُدَّ من بعثٍ و(...)، وإلا لَكانت الدنيا كلُّها عبثًا؛ ﴿وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ﴾ [ص ٢٧].
ألسْنا مثلًا نشاهد مَن يخالفنا في العمل، مَن يخالفنا في الأخلاق، مَن يخالفنا في العقيدة، ونتألَّم من ذلك ولَّا لا؟ نعم، لولا أنَّ الله يُسَلِّي الرسولَ ﷺ: ﴿لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ﴾ [الشعراء ٣] وما أشبهَ ذلك مما يُسَلِّيه به لَتقطَّع قلبُه عليه الصلاة والسلام، نحن الآن نتألَّم لِمَن يخالفنا في العقيدة، لِمَن يخالفنا في الأخلاق، لِمَن يخالفنا في الأعمال، نتألَّم لا شكَّ، هذا الأَلَم يؤثِّر علينا، ولكن يقول الله عز وجل: ﴿إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ﴾ لكن هناك فارقٌ ﴿وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ﴾ [النساء ١٠٤]، فالحاصل أنَّ هذا الكون العظيم ما يمكن أن يكون عَبَثًا هكذا؛ يحيا ثم يكون ترابًا، فالله عز وجل يُحيي الموتى، ليس بني آدم فقط، ولكن بنو آدم وغيرهم؛ ﴿وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ﴾ [الأنعام ٣٨] ﴿وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ﴾ [التكوير ٥] وأخبرَ النبيُّ عليه الصلاة والسلام أنَّ البهائم يُقْتَصُّ من القَرْناء للجَلْحاء[[أخرجه مسلم (٢٥٨٢ / ٦٠) من حديث أبي هريرة.]]، حتى البهائم يُقضى بينها، واضح يا جماعة؟ ولهذا نقول: ﴿الْمَوْتَى﴾ لا يختصُّ بالإنسان فقط، بل بالإنسان وغير الإنسان؛ ﴿إِنَّ ذَلِكَ لَمُحْيِ الْمَوْتَى﴾ [الروم ٥٠].
ثم أكَّدَ هذا أيضًا -إحياء الموتى- بمؤكِّد آخَر؛ بالجملة التي بعده، وهو قوله: ﴿وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ [الروم ٥٠]، فإذَنْ أُكِّد إحياءُ الموتى بمؤكِّدينِ لفظيَّينِ ومؤكِّدينِ معنويَّينِ.
وقوله: ﴿وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ كلُّ شيءٍ اللَّهُ قادرٌ عليه، كلُّ شيءٍ بدون استثناء، كلُّ ما تتعلَّق به القدرة ويمكن أنْ يكون قادر عليه؛ فإنَّ الله تعالى قادر، على كلِّ شيءٍ قدير، ليس على ما يشاء فقط، بلْ على ما يشاء وما لا يشاء، فهداية الكافر الذي مات على كُفره الله قادرٌ عليها ولَّا لا؟
* طلبة: نعم قادر.
* الشيخ: وشاءَها؟ ما شاءَها، وهو قادرٌ عليها، فلا تختصُّ قدرته بما شاءه، وبهذا نعرف أن تعبير بعض الناس أنَّه على ما يشاء قدير، أنَّه لا ينبغي، بلْ قُل كما قال الله عن نفسه: ﴿إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ [فصلت ٣٩].
وأمَّا حديث الرجل الذي يبعثه الله يوم القيامة فذكر القصَّة، وفيها أنَّ الله قال له: «إِنِّي عَلَى مَا أَشَاءُ قَادِرٌ»[[أخرجه مسلم (١٨٧ / ٣١٠) من حديث ابن مسعود.]]، فهذه ليس المراد بها وَصْف الله بالقدرة مطلقًا، بل وَصْف الله بالقدرة على هذا الشيء المعيَّن الذي استبعده المخاطَب، فالله يقول: قد شِئْتُه فأنا قادرٌ عليه، وكذلك قوله تعالى: ﴿وَهُوَ عَلَى جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَاءُ قَدِيرٌ﴾ [الشورى ٢٩]، فالقيد بالمشيئة هنا ليس عائدًا على القدرة، لكنَّه عائدٌ على الجمع، الشيءُ المعيَّن ممكن أن تقيِّده بالقدرة، أمَّا إذا أردتَ وَصْفَ الله بالقدرة فلا تقيِّدها بالمشيئة، ففرقٌ بين أن تُعَلَّق القدرة بشيءٍ معيَّن خاصٍّ وبين أن تُذكر على سبيل الوصف العام لله، إذا كانت وصفًا عامًّا لا؛ فالله تعالى ما ذكر قَيْد المشيئة أبدًا؛ ﴿وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيرًا﴾ [الفرقان ٥٤]، ﴿وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا﴾ [الأحزاب ٢٧]، ﴿وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ [البقرة ٢٨٤] وما أشبهَ ذلك.
والقدرة ضدُّ العجز؛ انظر إلى قوله تعالى: ﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيمًا قَدِيرًا﴾ [فاطر ٤٤]، وأفاد العلم هُنا لأنَّ العاجز قد يعجز لعدم عِلْمه بالشيء؛ واحد مهندس لكنْ فيه روماتيزم ما يقدر يتحرَّك، مهندس تمام، قلنا له: اصنع السيارة هذه، يقدر ولَّا لا؟ ما يقدر. ليش؟ ما عنده القدرة، عاجزٌ؛ لأنه ما يقدر يتحرَّك. وآخَر نشيط يحمل الحجر الذي أكبر منه، لكنه ما يعرف الصناعة هذه، قلنا له: اصنع السيارة، قال: ما أقدر. ليش؟ لعدم العلم، فانتفاء القدرة قد يكون لعدم العلم وقد يكون لعدم القدرة، ما عنده عِلم، ما عنده شيء؛ يعني عاجز.
طيب، (...) تفسير هذا في قوله تعالى: ﴿لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ آخر سورة المائدة ﴿لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا فِيهِنَّ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ [المائدة ١٢٠] يقرِّر عبارة منكَرة، هو ما أرادَ بها سوءًا -الله أعلم- ما أراد بها سوءًا فقال: (وخصَّ العقلُ ذاتَه فليس عليها بقادر). (خصَّ العقلُ ذاتَه) يعني أنَّ العقل يقتضي تخصيص ذات الله، فالله ما يقدر عليها. صحيح هذا؟
* طالب: ما هو بصحيح.
* الشيخ: هذا ليس بصحيح، بل الله على كلِّ شيءٍ قدير، ولهذا الله تعالى استوى على العرش، بفِعْله ولَّا لا؟ بفعله وقدرته، يَنْزل إلى السماء الدنيا، يأتي للفصل بين عباده، يتكلَّم بما أراد، كل هذا مِمَّا يتعلَّق بذاته وهو قادرٌ عليه.
فإنْ قال قائلٌ: الله يقدر على إماتة فلان، هل يقدر على أن يُميت نفسَه؟
هذا ما يمكن، لا لانتفاء القدرة، لكن لأنَّ هذا أمرٌ لا يليق به، وهو أشدُّ من العجز، فنقول: امتناع هذا لأنَّه مستحيلٌ على الله عز وجل، ولهذا السفَّاريني رحمه الله في العقيدة لَمَّا ذكر صفة القدرة قال:
؎بِقُــــدْرَةٍ تَعَلَّــــقَتْ بِمُمْـــكِنِ ∗∗∗ .....................
أمَّا المستحيل فهو مستحيلٌ ما يمكن، المستحيل أصلُه مستحيلٌ ما تتعلَّق به القدرة، يُقال: إنَّ الشيطان إذا مات العالِمُ يفرح فرحًا عظيمًا، وإذا مات العُبَّاد يعني ما يُهِمُّه، قال جنوده له: كيف تفرح بموت العالِم هذا الفرح ولا تفرح في موت العابد اللي طول النهار بمحرابه. قال: نعم؛ لأن العالِم أشدُّ علينا من العابد، وإذا شئتم أنا الآن أضربُ لكم مثلًا. فذهب إلى العابد وقال له: هل يقدر الله عز وجل أنْ يجعل السماواتِ والأرضَ في جوف بيضة. قال العابد: لا، ما يقدر. قال: هل يقدر الله يَخْلق مثلَه. قال: ﴿إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾ [يس ٨٢]، يُمكن يقدر يَخْلق مثلَه. صح هذا؟! هذا لا يصح وغير ممكن، فذهب إلى العالِم فقال مثلَ هذا القول، قال: أمَّا خَلْق المثْل فهذا شيءٌ مستحيلٌ، ولا يمكن للمخلوق أن يكون مثل الخالق أبدًا مهما كان، وأمَّا كونه يجعل السماواتِ والأرضَ في جوف بيضةٍ فهو على كلِّ شيءٍ قدير.
المسكين العابد كَفَرَ من وجهين: أثبتَ ما لا يمكن، ونَفَى ما يمكن، وهذا حقيقةً .. يعني العُبَّاد مِثْل ما قال سُفيان بن عيينة؛ يقول: «مَن فَسَدَ من عُبَّادنا ففيه شبهٌ من النصارى، ومَن فَسَدَ من علمائنا ففيه شبهٌ من اليهود»[[انظر الفتاوى الكبرى لابن تيمية (٢ / ١٤٢).]]. واليهود أخبثُ من النصارى لا شكَّ؛ لأن العالِم فسادُه -والعياذ بالله- عن عِلْم، والعابد فسادُه عن جَهْل، وما كان عن جَهْلٍ فهو أهونُ مِمَّا كان عن عِلْم.
* طالب: بالنسبة لقول مَن قال: إنَّه على ما يشاء قدير، ما يمكن نستخلص قاعدة أنَّ الصفات الذاتية (...) الصفات الفعلية (...) المشيئة عمومًا.
* الشيخ: (...)، القاعدة عندهم أن الصفات الذاتية هي اللازمة للذات، والفعلية ما تتعلَّق بالمشيئة هذه قاعدتهم.
* طالب: بالنسبة للتنزيل والإنزال في القرآن، كيف يُجاب عن ذلك؟
* الشيخ: أيُّ آية؟
* طالب: في القرآن، في نفس القرآن وَرَدَ أنَّه نزَّله، وقال: تنزيل، كيف الفرق؟
* الشيخ: المراد إذا وَرَدَ أنَّه نزل مثل: ﴿إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ﴾ [القدر ١] يكون المراد ابتداءُ إنزاله؛ يعني أنْزلنا الجملة منه، ما هو كله، وأمَّا التنزيل فهو باعتبار مجموعِهِ يكون نازلًا شيئًا فشيئًا؛ كما في قوله تعالى: ﴿وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلًا﴾ [الإسراء ١٠٦] مع أنَّه قد يأتي التنزيل لشيءٍ وَقَعَ جملةً واحدةً مثل قوله تعالى: ﴿وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ﴾ [النساء ١٤٠]، فعلى هذا تكون القاعدة التي ذكرها أهل العلم في هذه المسألة قاعدة أغلبية ما هي لازمة.
* * *
﴿اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمَاءِ كَيْفَ يَشَاءُ﴾ [الروم ٤٨] إلى آخره.
* يُستفاد من هذه الآية الكريمة:
* أولًا: كمال قُدرة الله عز وجل بإرسال الرياح، وإثارتها السُّحُبَ، وارتفاعها في الجوِّ وبَسْطها فيها، وجعلها كِسفًا، ونزول المطر منها، نعم، كم هذه من وجه؟ يُستفاد منه كمال قدرة الله من عِدَّة أَوْجُه: أولًا: إرسال الرياح، إثارتها السحاب، بَسْطه في السماء، جَعْله كِسفًا، نزول المطر منه؛ من خمسة أوجُه.
* من فوائد الآية الكريمة أيضًا: أنَّ السماء يُطلق على كلِّ ما علا؛ لقوله: ﴿فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمَاءِ﴾؛ فإنه لا يُبْسط في السماء التي هي السقف المحفوظ، وإنما يُبْسط في الجوِّ العالي.
* ومن فوائدها: حِكمة الله عز وجل في نزول المطر من أعلى؛ لأنَّه إذا نزل من أعلى عَمَّ النازلَ والمرتفعَ، بخلاف ما لو كان يجري في الأرض فإنَّه يُغرق النازلَ قبل أن يصِلَ إلى العالي.
* ومن فوائد الآية الكريمة: بيانُ شِدَّة افتقار الخلْق إلى رحمة الله؛ لقوله: ﴿فَإِذَا أَصَابَ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ﴾.
* ومنها: إثباتُ المشيئة؛ لقوله: ﴿مَنْ يَشَاءُ﴾.
* ومنها: إثباتُ العبوديَّة العامَّة؛ لقوله: ﴿مِنْ عِبَادِهِ﴾.
* ومنها -ولننظر هل تصلح الفائدة هذه ولَّا لا- منها: جواز الاستبشار بالمطر وأنْ يُبَشِّر الناسُ بعضَهم بعضًا به. أو ما يمكن؟ المهمُّ هل يمكن يؤخَذ منه جواز الاستبشار بالمطر، أو يُقال: إنَّ هذا خبرٌ عن واقعٍ فلا يتأتَّى منه الحكم؟ فيه احتمال أنْ يُؤخَذ منه جوازُ الاستبشار بالمطر، وفيه احتمال أنْ يكون هذا بيانًا للواقع فلا يؤخَذ منه حكمٌ، وغايةُ ما فيه أنْ يُقال: إنَّه مُباح؛ لأن الله تعالى ذكره ولم يُنكره.
* ومن فوائد الآية: بيانُ رحمة الله عز وجل لكَونِ المطر ينزل نُقَطًا لا أنَّه ينزل دفعةً واحدةً؛ لقوله: ﴿فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ﴾؛ لأنه لو نَزَل هكذا كأفواهِ القِرَب أو كالأوديةِ التي تمشي لَكان أيش؟ لَكان مدمِّرًا للمنازل، مدمِّرًا للأشجار، مؤثِّرًا على مَن ينزل عليه من الحيوان، ولكنَّ الله عز وجل جعله بهذا الرذاذ.
ثم قال تعالى: ﴿وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمُبْلِسِينَ﴾ [الروم ٤٩].
* في هذا: بيانُ حال العبد قَبْل نُزول المطر وأنَّ العبد ضعيفٌ؛ لقوله: ﴿لَمُبْلِسِينَ﴾، فإنَّه ضعيفٌ، إذا أُصِيب بشيءٍ أَيِسَ واستبعدَ الفَرَج، ولكن الله عز وجل يُزيل عنه هذا الأمرَ؛ قال: ﴿وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمُبْلِسِينَ﴾. طيب، مِن أين تؤخذ؟ من قوله: ﴿وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمُبْلِسِينَ﴾.
ثم قال تعالى: ﴿فَانْظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَتِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا﴾ [الروم ٥٠] في هذه الآية الأمرُ بالنظر، ويكون بالعين الباصرة، وبعين البصيرة أيضًا؛ فالأمر هنا بالنظر للوجهين جميعًا، الإنسان ينظر بعينه الباصرة وبعين البصيرة.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أنَّ النظر كما يكون نافعًا للإنسان فهو مأمورٌ به شرعًا؛ أي بمعنى: ثوابُ الإنسان أو إثابةُ الإنسان على النظر في آيات الله؛ لأنه مأمورٌ به.
* ومن فوائد الآية الكريمة أيضًا: أنَّ الآثار التي تنتج عن المطر كلها من رحمة الله؛ إحياء الأرض بالنبات وكثرة المياه فيها كلُّه من رحمة الله عز وجل.
* ومن فوائد الآية الكريمة: إثباتُ قدرة الله سبحانه وتعالى على إحياء الموتى؛ لقوله: ﴿إِنَّ ذَلِكَ لَمُحْيِ الْمَوْتَى﴾.
* ومن فوائدها: الاستدلالُ بالمحسوسِ المنظورِ على المحسوسِ المنتظَر، كيف؟ المحسوسُ المنظورُ ما يَحْصل من حياة الأرض، والمحسوسُ المنتظَر ما يَحْصل من إحياء الموتى.
* ومنها: أنَّه لا بدَّ أن يكون الدليلُ أَجْلَى وأَظْهر من المدلول عليه؛ بمعنى أنَّه لا يمكن أنْ نستدلَّ بالأَخْفى على الأظهر والأوضح؛ لأن الدليل معرِّفٌ للمدلول ومبيِّنٌ له، فكيف يمكن أن تستدلَّ بشيءٍ خَفِيٍّ على شيءٍ واضحٍ؟! أليس كذلك؟
* طالب: بلى.
* الشيخ: * ومن فوائد الآية الكريمة: رحمةُ الله تعالى بعباده؛ حيث يضرب لهم الأمثال، ويُبين لهم الأدلَّة ليتوصَّلوا إلى اليقين بما يجب الإيمان به؛ لأنه يكفي أنْ يقول الله عز وجل: آمِنُوا بأنِّي أُحيي الموتى، يكفي في إقامة الحجَّة عليهم، لكن مِن رحمته أنَّه يُبين لنا ويضرب لنا الأمثالَ لنَصِل إلى درجة اليقين بما أخبرنا به، مِن أين نأخذه؟ من قوله: ﴿فَانْظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَتِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ ذَلِكَ لَمُحْيِ الْمَوْتَى﴾.
* ومن فوائد الآية الكريمة: نعمةُ الله على العِباد بإحياء الأرض؛ لقوله: ﴿فَانْظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَتِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا﴾.
* ومنها: أنَّ الجماد يُوصَف بالحياة والموت، ففيه ردٌّ على الفلاسفة الذين يقولون: إنَّ الجماد لا يمكن أن يوصَف بالحياة والموت لأنه غير قابلٍ لها. فنقول: إنَّ الله تعالى وَصَفَ الجمادَ بأنَّه حيٌّ وميتٌ كما في هذه الآية، وكما في قوله: ﴿وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ (٢٠) أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ﴾ [النحل ٢٠، ٢١] مع أنها أصنامٌ من الأحجار والأشجار وما أشبهها.
* ومن فوائد الآية الكريمة: ثبوت صفة القدرة وعمومها؛ لقوله: ﴿وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾، لا يُعجزه شيءٌ في السماوات ولا في الأرض.
{"ayahs_start":48,"ayahs":["ٱللَّهُ ٱلَّذِی یُرۡسِلُ ٱلرِّیَـٰحَ فَتُثِیرُ سَحَابࣰا فَیَبۡسُطُهُۥ فِی ٱلسَّمَاۤءِ كَیۡفَ یَشَاۤءُ وَیَجۡعَلُهُۥ كِسَفࣰا فَتَرَى ٱلۡوَدۡقَ یَخۡرُجُ مِنۡ خِلَـٰلِهِۦۖ فَإِذَاۤ أَصَابَ بِهِۦ مَن یَشَاۤءُ مِنۡ عِبَادِهِۦۤ إِذَا هُمۡ یَسۡتَبۡشِرُونَ","وَإِن كَانُوا۟ مِن قَبۡلِ أَن یُنَزَّلَ عَلَیۡهِم مِّن قَبۡلِهِۦ لَمُبۡلِسِینَ","فَٱنظُرۡ إِلَىٰۤ ءَاثَـٰرِ رَحۡمَتِ ٱللَّهِ كَیۡفَ یُحۡیِ ٱلۡأَرۡضَ بَعۡدَ مَوۡتِهَاۤۚ إِنَّ ذَ ٰلِكَ لَمُحۡیِ ٱلۡمَوۡتَىٰۖ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَیۡءࣲ قَدِیرࣱ"],"ayah":"ٱللَّهُ ٱلَّذِی یُرۡسِلُ ٱلرِّیَـٰحَ فَتُثِیرُ سَحَابࣰا فَیَبۡسُطُهُۥ فِی ٱلسَّمَاۤءِ كَیۡفَ یَشَاۤءُ وَیَجۡعَلُهُۥ كِسَفࣰا فَتَرَى ٱلۡوَدۡقَ یَخۡرُجُ مِنۡ خِلَـٰلِهِۦۖ فَإِذَاۤ أَصَابَ بِهِۦ مَن یَشَاۤءُ مِنۡ عِبَادِهِۦۤ إِذَا هُمۡ یَسۡتَبۡشِرُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق