الباحث القرآني
(﴿وَنُزِّلَ الْمَلَائِكَةُ تَنْزِيلًا﴾ هو يوم القيامة، ونصبُه بـ(اذكر) مقدَّرًا، وفي قراءة بتشديد شين ﴿تَشَقَّقُ﴾ بإدغام التاء الثانية في الأصل فيها، وفي أخرى ﴿وَنُنْزِلُ﴾ بنونين؛ الثانية ساكنة وضمِّ اللام ونصب ﴿الْمَلَائِكَةَ﴾ ).
القراءات الآن ثلاثة:
أولًا: القراءة المشهورة اللي معنا ﴿وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاءُ بِالْغَمَامِ وَنُزِّلَ الْمَلَائِكَةُ تَنْزِيلًا﴾ [الفرقان ٢٥].
وقراءة ثانية: ﴿تَشَّقَّقُ﴾ ، وأصلها: تتشقَّق، فأُدْغِمَت التاء في الشين فصارت: ﴿تَشَّقَّقُ﴾ .
وأيهما أبلغ: ﴿تَشَقَّقُ﴾ ولّا ﴿تَشَّقَّقُ﴾ ؟ ﴿تَشَّقَّقُ﴾ أبلغ.
وأما ﴿نُزِّلَ﴾ ففيها قراءتان سبعيتان: ﴿نُزِّلَ الْمَلَائِكَةُ﴾ على أنها فعل ماض، و﴿الْمَلَائِكَةُ﴾ نائب فاعل.
والثانية: ﴿نُنْزِلُ الْمَلَائِكَةَ﴾ على أنها فعل مضارع، و﴿الْمَلَائِكَةَ﴾ مفعول به، والفاعل هو الله.
والقرآن من بلاغته أن القراءات يستفاد منها إما التفسير، وإما زيادة المعنى؛ فعلى قراءة ﴿تَشَّقَّقُ﴾ فيها زيادة معنى، وعلى قراءة ﴿نُنْزِلُ الْمَلَائِكَةَ﴾ فيها تفسير؛ لأن ﴿نُزِّلَ الْمَلَائِكَةُ﴾ مبني للمجهول، فالفاعل غير معلوم، ﴿وَنُنْزِلُ الْمَلَائِكَةَ﴾ مبنية للفاعل فالفاعل فيها معلوم. وعلى هذا إذا سُئِلْتَ: من الذي يُنَزِّل الملائكة؟ تقول: هو الله، أولًا: الدليل أمر مفهوم بالأذهان، ودليل آخر من لفظ الآية القراءة الثانية: ﴿نُنْزِلُ الْمَلَائِكَةَ﴾ .
(﴿الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمَنِ﴾ [الفرقان ٢٦] لا يَشْرَكهُ فيه أحد).
﴿الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ﴾، ﴿الْحَقُّ﴾ صفة لـ﴿الْمُلْكُ﴾؛ يعني: ﴿الْمُلْكُ﴾ الثابت المؤكَّد المحقَّق في ذلك اليوم لله سبحانه وتعالى ﴿لِلرَّحْمَنِ﴾. والملك للرحمن سبحانه وتعالى في ذلك اليوم وفي غيره، لكنَّ ملكيَّته تبارك وتعالى في ذلك اليوم أظهر وأبين؛ لأن الدنيا فيها ملوك، فيها من يملك تصرُّفًا، وفيها من يقال له: ملك، لكن في الآخرة ما فيه ملك، الناس على حدٍّ سواء، يقول الله عز وجل: ﴿لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ﴾ [غافر ١٦]، فالملك في ذلك اليوم لا يكون لأحد سوى الله تبارك وتعالى.
وفي قوله: ﴿لِلرَّحْمَنِ﴾ -ولم يقل: لله- إشارة إلى كثرة رحمة الله في ذلك اليوم، كما جاء في الحديث الصحيح: «إِنَّ للَّهِ تَعَالَى مِئَةَ رَحْمَةٍ، أَنْزَلَ مِنْهَا رَحْمَةً يَتَرَاحَمُ بِهَا الْخَلْقُ، فَإِذَا كَانَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى الرَّحْمَةَ الَّتِي نَزَلَتْ في الدُّنْيَا مَعَ مَا عِنْدَهُ وَهِيَ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ، فَرِحِمَ بِهَا الْخَلَائِقَ»[[أخرج مسلم (٢٧٥٣/٢١) عن سلمان رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: «إن الله خلق يوم خلق السماوات والأرض مئة رحمة، كل رحمة طباق ما بين السماء والأرض، فجعل منها في الأرض رحمة، فبها تعطف الوالدة على ولدها، والوحش والطير بعضها على بعض، فإذا كان يوم القيامة أكملها بهذه الرحمة».]]، فيظهر من رحمة الله سبحانه وتعالى في ذلك اليوم ما لا يظهر في غيره؛ ولهذا عبَّر بقوله: ﴿الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمَنِ﴾.
وقد سبق أن الرحمن صفة متضمِّنة للرحمة، ولكنها تدلُّ على عظمة هذه الرحمة وعلى سعتها؛ لأن كلمة (فعلان)، ويش تدل عليه؟ تدل على الوصف المالئ الذي يملأ موصوفَه، كما يقال: غضبان، يعني ممتلئ غضبًا، ومن ثَمَّ فسَّر بعض العلماء (الرحمن) بأنه ذو الرحمة الواسعة، و(الرحيم) بأنه الرحمة الخاصَّة بالمؤمنين، ولكن الصواب أن (الرحمن) باعتبار وصفِهِ، و(الرحيم) باعتبار فعله؛ يعني إيصال الرحمة إلى من شاء، وأما (الرحمن) فهو باعتبار الوصف؛ فلهذا جاءت على (فعلان)؛ لأن (فعلان) صفة مشبهة.
﴿الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمَنِ﴾ وفي هذا تخويف وتحذير من تَسلُّط الملوك، فإنَّهم يجب أن يذكروا هذا اليوم الذي تزول فيه ملكيتُهم، ولا يبقى إلا ملك الله سبحانه وتعالى.
وفيه أيضًا تبشيرٌ للناسِ عمومًا بقوله: (الرحمن)؛ حيثُ يشير إلى أنه سبحانه وتعالى يظهر من رحمته في ذلك اليوم، ومن مُلكِه ما لا يظهر في غيره.
استدلَّ شيخ الإسلام ابن تيمية وغيره من أهل العلم، استدلُّوا بهذه الآية على نزولِ الله سبحانه وتعالى للقضاء بين عباده، فما وجه الدلالة؟ وجه الدلالة من الآية؟
* طالب: (...)؟
* الشيخ: لا، صحيح أنه لو كان على مقتضى الفصل بين العباد فمثل ما قلت؛ لأن الملك هو الذي يفصل. لكن على نزوله؟
* طالب: يعني من (...)؟
* الشيخ: من الآية؟
* الطالب: (...)؟
* الشيخ: من الآية نشوف وجه الدلالة.
* طالب: (...)؟
* الشيخ: ملك غيره.
* الطالب: ملك غيره.
* الشيخ: فهو في الحقيقة ما في لفظ الآية ما يدل عليه، لكن الآية مفسَّرة بالحديث؛ أنها تتشقق بالغمام لنزول الله سبحانه وتعالى. فهي لا يتم الاستدلال بها بمجرد لفظها، إلا بالإضافة حينما صح عن النبي ﷺ في ذلك في تفسير الآية، أنها تشقق بالغمام لنزولِ الله تبارك وتعالى للفصل بين عباده[[ورد معناه في حديث الصُّورِ الطويل الذي أخرجه إسحاق بن راهوية (١٠)، والطبراني في الأحاديث الطوال (٣٦) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه بسند ضعيف، وانظر إتحاف الخيرة المهرة للحافظ ابن حجر (١/١٨٧).]].
* طالب: (...)؟
* الشيخ: إي نعم، بس هذه آية ثانية، آية أخرى.
* وفي الآية هذه: دليل على أن الملائكة في السماء؛ لقوله: ﴿وَنُزِّلَ الْمَلَائِكَةُ تَنْزِيلًا﴾.
* وفيها دليل: على عظمة الله تبارك وتعالى وكثرة مخلوقاته؛ لأن الملائكة تَنْزِل وتحيط بالخلق، مما يدل على كثرتهم.
* وفيها أيضًا: الاستعداد لهذا اليوم الذي لا يجد الإنسان فيه مفرًّا؛ لأن -لله المثل الأعلى- لو أحاطت بك جنود الملك من كل جانب وبأعداد كثيرة وبصفوف متعددة، هل يمكن أن تَفِرَّ من قبضتِه؟ تفرض أنه مثلًا –ولله المثل الأعلى– أن الناس حُشِرُوا في مكان، وجاءت الجنودُ الشُّرَط وأحاطت بهم صفوفًا؛ صفًّا من وراء صف، هل يمكن للناس أن يَفِرُّوا من هذا؟ لا يمكن، فيوم القيامة كذلك، لا يمكن أن يفر الناس من هذا اليوم وأهواله وأحكامه، ففيه التحذير من هذا اليوم.
قال: (﴿وَكَانَ﴾ الْيَوْم ﴿يَوْمًا عَلَى الْكَافِرِينَ عَسِيرًا﴾ بخلاف المؤمنين).
هنا قيَّدَ الله سبحانه وتعالى العُسْرَ على الكافرين ﴿وَكَانَ يَوْمًا عَلَى الْكَافِرِينَ عَسِيرًا﴾، يعني: دون المؤمنين، وفي آية أخرى: ﴿فَذَلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ﴾ [المدثر ٩]، ولم يقيده.
* طالب: (...)؟
* الشيخ: يقال: إن اليومَ نفسه عسير جدًّا بالنظر إلى ذات اليوم، لكن هذا العُسْرَ لا يتناول المؤمن، بدليل قوله: ﴿عَلَى الْكَافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ﴾ [المدثر ١٠]، فمفهومُه أنه على المؤمنين يسير؛ فبالنظر إلى ذات اليوم وأهواله ويش نصفه به؟ بالعسر على الكافرين، بالعسر في حد ذاته، ثم إن هذا العسر لا يسري إلى المؤمنين، بل ييسره الله تبارك وتعالى عليهم بدليل قوله: ﴿وَكَانَ يَوْمًا عَلَى الْكَافِرِينَ عَسِيرًا﴾، وبدليل قوله: ﴿عَلَى الْكَافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ﴾.
فالحاصل أنه بالنظر إلى ذات اليوم فاليوم عسير وشديد، فـ﴿يَجْعَلُ الْوِلْدَانَ شِيبًا﴾ [المزمل ١٧]، وبالنظر إلى ما يتأثر به وبعسره يكون هذا للكافرين فقط؛ لقوله: ﴿عَلَى الْكَافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ﴾، أما على المؤمن فإنه يسير.
وفي هذا دليل لكونه عسيرًا -ولكن عسره يكون على الكافرين فقط- فيه دليل على اختلاف الناس في ذلك الموقف، وأن يُسْرَ ذلك اليوم وعُسْرَه بحسب حال الإنسان، وكلما كان الإنسان أشدَّ إيمانًا وأشدَّ تقوى لله عز وجل كان ذلك اليوم أيسرَ له؛ ولهذا ثبت في الحديث الصحيح: «سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ»[[متفق عليه؛ البخاري (٦٨٠٦)، ومسلم (١٠٣١ / ٩١) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.]]، وأن «كُلَّ امْرِئٍ فِي ظِلِّ صَدَقَتِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ»[[أخرجه أحمد (١٧٣٣٢) وأبو نعيم -واللفظ له- (٨ / ١٨١) من حديث عقبة بن عامر رضي الله عنه.]]. وعلى هذا نقول: كلما كان الإنسان أقوى إيمانًا بالله وأشد تقوى لله، كان يُسْرُ ذلك اليومَ عليه بحسبه.
طيب، كلما كان الإنسان أعتى وأكفر، يكون أشدَّ ولَّا لا؟ نعم، يكون أشد وأعظم، وقد أخبر النبي عليه الصلاة والسلام أنه رأى في النار عمرَو بن لُحَيٍّ يجر قصبه وأمعاءه[[أخرج ابن حبان (٧٤٩٠) عن أبي هريرة عن رسول الله ﷺ قال: «عُرِضَت عليَّ النارُ فرأيت فيها عمرو بن لحي بن قمعة بن خندف يجر قصبه في النار، وكان أول مَن غَيَّر عهد إبراهيم وسيب السوائب».. الحديثَ.]]، مما يدل على أنه كلما زاد عتو الإنسان وكفره زاد عسر ذلك اليوم عليه.
ثم إنه أيضًا في قاعدة الأصول: إذا عُلِّق الحكمُ على وصف، كان أثرُ ذلك الحكم بحسب ذلك الوصف، فإذا كان العُسر معلقًا بالكفر فكلما كان الكفر أشد كان العسر أشد، وإذا عُلِّق اليسر بالإيمان صار كلما كان الإيمان أقوى صار اليسر أقوى.
فالحاصل أن كلَّ شيء، كل حكم عُلِّق على وصف، فإنه يختلف أثر ذلك الحكم بحسب ذلك الوصف.
* طالب: القاعدة (...)؟
* الشيخ: القاعدة أن نقولَ: كلما عُلِّق الحكم على وصف كان أثرُ ذلك الحكم بحسب ذلك الوصف؛ يعني أن تأثير الوصف في الحكم بحسب الوصف.
* طالب: ما ثبت عن أنبياء كلهم (...)، هذا دليل على أنهم في ذلك الوقت في شدة وخوف؟
* الشيخ: ما فيه شك أن فيه شدة وخوفًا ﴿يَوْمًا يَجْعَلُ الْوِلْدَانَ شِيبًا﴾ [المزمل ١٧]، لكن هذه الشدة والخوف يتحملها الإنسان بحسب ما معه من الإيمان؛ يعني أنه لا تكون شديدةً عليه بحسب ما معه من الإيمان، فهم يخافون، لكنه ليس شديدًا عليهم؛ يعني أنهم يتوقعون أن يقعوا في شيء، ولكنهم لا يقعون.
﴿وَكَانَ يَوْمًا عَلَى الْكَافِرِينَ عَسِيرًا﴾.
وتأمل قول الله تعالى: ﴿الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمَنِ وَكَانَ يَوْمًا عَلَى الْكَافِرِينَ عَسِيرًا﴾ قد يقول قائل: أين الرحمة مع عسره على الكافرين؟ فيقال: إن عذاب الكافرين وشدته عليهم هو رحمة، رحمة بِمَن؟ بالمؤمنين؛ لأنَّ المؤمن يرى عدوَّه الذي كان يسخر به في الدنيا وعدل الله تعالى يمضي فيه، فلا شكَّ أن ذلك سرورٌ له ورحمة، كما قال الله تعالى: ﴿فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ (٣٤) عَلَى الْأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ﴾ [المطففين ٣٤، ٣٥]، فهم على أرائكهم ينظرون إلى هؤلاء يُعَذَّبون فيُسَرُّون بهم ويضحكون بهم، مثل ما أن أعداءهم في الدنيا يضحكون بهم ويسخرون بهم.
ثم إننا نقول أيضًا: تنفيذُ العدل يعتبر رحمة، أما في الدنيا فظاهر؛ فإننا إذا أقمنا الحد على السارق أو أقمناه على الزاني أو ما أشبه ذلك، فهو رحمة بالناس عمومًا وبه خصوصًا، حتى بهذا الذي جُلِدَ أو قطعت يده هو رحمة بهم، كيف ذلك؟ لأننا نمنعه من ممارسة العمل مرة ثانية كلما تذكر هذا الألم، ولأنَّ الحد يكون كفارة له فلا يُعَذَّب عليه في الآخرة؛ لأن الله تعالى لا يجمع له بين عقوبتين.
﴿وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ﴾ [الفرقان ٢٧] معطوفة على: ﴿وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاءُ﴾؛ يعني: واذكر يوم يعض الظالم على يديه.
﴿يَعَضُّ﴾ من باب أيش؟ عندكم في الصرف الأبواب ستة، فهنا ﴿يَعَضُّ﴾ من باب: (نصَر ينصُر) ولّا (سمِع يسمَع) ولّا أيش؟
* طالب: (...).
* الشيخ: تقول: (يعُض)، (نصَر ينصُر) من (عضَّ يعُض)؟
* طالب: (...).
* الشيخ: لا. نعم؟
* طالب: (...) يسمَع.
* الشيخ: لا؛ لأن (عضَّ) ما هي مكسورة.
* طالب: (...).
* الشيخ: كتب؟
* طالب: (...) يا شيخ.
* الشيخ: لا، (...) يعُض، وهي عندنا يعَض.
طيب، ما نكمل الأبواب؟
* طلبة: (...)؟
* الشيخ: لا، فتح يفتَح.
* طالب: (...).
* الشيخ: من باب (فتح)، وعند العامة يحطونه من باب نصر، يقولون: (يعُض، فلان يعُض فلانًا)، والصواب: فلان يعَضُّ فلانًا، فهي من باب (فتَح) يعني أنها يفتح فيها المضارع. كما أن الماضي كذلك مفتوح، لكن الماضي مشددة.
﴿وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ﴾ المؤلف يقول: (المشرك)، والآية قد نقول: إنها أعم من المشرك؛ لأن الظلم يشمل الشرك فما دونه. ولكن نشوف السياق الآن: هل يعيِّن أن يكون الظلم بمعنى الشرك ولّا لا؟
ثم إن المؤلف خصَّصها تخصيصًا آخر، فقال: (عُقْبَة بن أبي مُعَيْطٍ كان نطق بالشهادتَيْنِ ثم رجع إرضاء لأُبَيِّ بن خَلَف).
قوله: (وهو عُقْبَة) هذا تخصيص لعموم، فإن كان المؤلف يريد أن يجعله مثالًا مما تنطبق عليه الآية فالأمر سهل، وإن كان يريد المؤلفُ أن يجعل الآية من باب العام الذي أُريد به الخاص فهذا غير مُسَلَّم؛ لأنه لا دليل على ذلك، ليس فيه دليل على أن المراد به الخاص، بل الآية عامة، لكن تشمل عقبة وغيره.
وقوله: (﴿عَلَى يَدَيْهِ﴾ ندمًا وتَحَسُّرًا)، أي يوم القيامة يقول: ﴿يَا لَيْتَنِي﴾ إلى آخره.
يعَضُّ على يديه، العض على اليد، ويش يدل عليه؟
يدل على الندم والتحسر؛ ولهذا بعض الناس إذا فاته الأمر فهو يعَضُّ يده ثم (...) بها هكذا؛ يعني أنه فاته، فهو دليل على التَّحَسُّر والندم، وما أعظم الحسرة والندم حين يرى المؤمنين في حال والظالمين في حال! وهذا أعظم ما يكون.
وقوله: ﴿عَلَى يَدَيْهِ﴾ زعم علماء البيان أن في الآية مجازًا؛ لأن الإنسان ما هو بيعض على يده كلها (...) ما يقدر، يقول: المراد باليدين الأصابع؛ يعني: لأنه ما يمكن يَعَضُّ على اليد كلها.
ولكننا نقول: في الحقيقة لا مجاز في الآية؛ لأنه إذا دلَّ السياق على معنى فهو المراد، كلٌّ يعرف أن المرادَ ﴿يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ﴾ يعني على أصابعه، كل يعرف، فهي لم تدلَّ على اليد كلها من الأصل بحسب السياق حتى نقول: إنها نُزِّلَتْ عن معناها إلى المعنى الثاني. وهذا الذي قررناه هو الذي أوجب لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أن يُنْكِرَ وجود المجاز في اللغة العربية؛ لأن شيخ الإسلام لا يرى وجود المجاز في اللغة العربية إطلاقًا لا في القرآن ولا في غيره؛ لأنه يقول: إن دلالة اللفظ على المعنى ليست ذاتيَّة، يعني ليس اللفظ نفسه يدل بذاته على المعنى، وإنما يدل بالسياق، وأبرز مثال يبين لك ذلك الألفاظ المشتركة التي تصلح لمعنيين فأكثر، ويش يعين المعنى؟ يعنيه السياق، وهكذا غيرُه أيضًا. فبناء على ذلك يقول: لا يوجد مجاز في اللغة العربية لا في القرآن ولا في غيره.
ولكن تجد أكثر الناس يرون أنه يوجد المجاز في القرآن وفي غيره من كلام العرب، وبعض العلماء يرى أنه لا مجاز في القرآن وفي اللغة العربية يوجد المجاز. والذي أوجب لهؤلاء التوسط أنهم قالوا: إن ميزان المجاز الذي لا أحد يمانع فيه ميزانُه صحة نفيه، صحة نفي المجاز، وليس في القرآن ما يصح نفيه؛ يعني عندما تقول: رأيت أسدًا يقرأ، ويش المراد بالأسد؟ الرجل الشجاع، كأنما قلت: رأيت شجاعًا يقرأ، لكن عبَّرت بالأسد لأن الشجاعة فيه أظهر. هم يقولون: إنك إذا قلت: رأيت أسدًا يقرأ، فإنه يجوز للمخاطَب أن يقول: هذا ليس بأسد، فينفيه. وهذا صحيح ولَّا غير صحيح؟ صحيح، ليس بأسد. فهم يقولون: إذا كان المجاز علامتُه الكبرى أنه يصح نفيه فليس في القرآن ما يصح نفيه، أما غيره من كلام العرب فيمكن أن تنفيَه ولا تبالي.
ولكن إذا رجعنا إلى ما قاله شيخ الإسلام وهو أن الألفاظ ليست دلالتها على المعنى ذاتية، حتى نقول: إنها إذا دلَّت على معنى آخر في مكان آخر فهي مجازية، بل دلالتُها على الألفاظ بحسب السياق.
فعلى هذا نقول في الآية التي معنا: ﴿وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ﴾ فيها مجاز ولّا لا؟ لا مجاز؛ لأنه ما يمكن أحد يفهم أن المراد بذلك في الأصل أنه يعض على اليد كلها، كلٌّ يعرف أن المراد (يعض على يديه) أي: ما يعض عليه عادة وهي الأصابع.
* طالب: (...) ﴿وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ﴾ ولم يقل: يديه؟
* الشيخ: أيش لون؟
* الطالب: ﴿عَلَى﴾ بيان الانتهاء (...) أين مكان العض، ولم يقل: يعض يديه، لو قال: يعض يديه، ممكن (...)؟
* الشيخ: لا، إذا قلت: عضَّ على يديه.
* الطالب: المكان اللي يعض على يديه لا على (...)؟
* الشيخ: لا، هي لو كانت (في) للظرفية يمكن، لكن عضضت على كذا.
* الطالب: وإن كان أصابع (...)؟
* الشيخ: ما هي بظاهرة، حتى لو عض على أصبعه بيعض على رأس الأصبع مثلًا.
* الطالب: يكون عض عليه، يجوز إطلاقها (...)؟
* الشيخ: أيش تقولون في هذا؟ هو يقول: إن (يعض على يديه) يعني: على بعض يديه، كذا؟
* الطالب: نعم.
* الشيخ: وأنه استفاد البعضية من كلمة ﴿عَلَى﴾، ولم يقل: يعض يديه. لكن يشاف هل إن (عض) تتعدى بـ(على) ولَّا بنفيها؟
* طالب: ولو أن تعض على أصل شجرة.
* الشيخ: إي، «وَلَوْ أَنْ تَعَضَّ عَلَى أَصْلِ شَجَرَةٍ»[[متفق عليه؛ البخاري (٧٠٨٤)، ومسلم (١٨٤٧/٥١) من حديث حذيفة بن اليمان رضي الله عنه.]].
* طالب: ما هو بعام، ما هو (...).
* الشيخ: إي نعم، لكن (عض) هي تتعدى بنفسها ولّا بـ(على)؟ تتعدى بنفسها وبـ(على)، «عَلَامَ يَعَضُّ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ كَمَا يَقْضَمُ الْفَحْلُ»[[أخرجه البخاري (٦٨٩٢) من حديث عمران بن حصين رضي الله عنه بلفظ: «يَعَضُّ أحدكم أخاه كما يعض الفحل؟».]]، كالرجل الذي عض يد إنسان فانتزعها فسقطت أسنانه. هو فيه احتمال أن نقول: إنها ما تدل على الكليَّة، لكن حتى لفظ اليد ما يراد بها الكل هنا، حتى ولو كانت تدل على الجزئية فلا يراد بها الكل.
* طالب: يا شيخ.
* الشيخ: نعم.
* الطالب: في الحديث (...)؟
* الشيخ: الظاهر أنه ما يقال؛ لأنه هو يقول بس في القرآن؛ لأن الحديث النبوي تجوز روايته بالمعنى، فيجوز أن راويًا غَيَّر الكلمة.
* الطالب: (...).
* الشيخ: إي نعم، نفي هذه الكلمة، لا أصل المعنى.
* طالب: (...)؟
* الشيخ: لا، الظاهر أنه كلما قَوِيَ الندم على اليدين كليهما.
* الطالب: كل اليدين؟
* الشيخ: إي، (...).
* الطالب: (...)؟
* الشيخ: ما أظن يستفاد (...).
* طالب: قول عطاء (...)؟
* الشيخ: أظنه ما يصح.
* الطالب: (...).
* الشيخ: أظن يحتاج سنده إلى عطاء، ثم إذا وصل إلى عطاء وقف، يعني ما يقبل لو قال؛ لأنه مرسل.
* طالب: قوله تعالى: (...)؟
* الشيخ: ﴿فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا﴾ [الكهف ١٠٥] يعني: ما يعتبر لهم وزن.
* الطالب: (...)؟
* الشيخ: إي، لكن ما توزن مثل ما توزن سيئات المؤمنين؛ لأن سيئات المؤمنين توزن لأجل الموازنة بينها وبين الحسنات، فما رجح اعتُبِرَ، وأما أولئك فلإقامة الحجة عليهم فقط.
* طالب: (...)؟
* الشيخ: هذا صحيح، نعم.
* الطالب: كيف يعني؟
* الشيخ: معناه أن الله لو ناقشك في حسابه هَلَكْتَ؛ لأنه سبحانه وتعالى لو ناقشك على نعمة واحدة من نعمه لكان جميع (...) ما تقابلها.
* الطالب: (...)؟
* الشيخ: لا، ما نقول (...).
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، فيما سبق من الآيات أمر الله تعالى أن يُذْكَر هذا اليوم العظيم، وهو يوم تشقُّقِ السماء بالغمام بنزول الله سبحانه وتعالى.
* وفي الآية: إثبات نزول الله؛ لأن هذا التشقُّق إنما يكون لنزوله، والغرض من ذكره التحذير منه والاستعداد له؛ لأنه كلما ذُكِرَ الشيء حذره الإنسان واستعد له، وفيما سبق وصف الله تعالى يوم القيامة بأنه عسير وصفًا مُقيَّدًا بالكافرين، وفي آية أخرى وصفه وصفًا مطلقًا بأنه عسير.
وذكرنا فيما سبق أنه وإن كان عسيرًا، لكنه بالنسبة للمؤمنين يكون يسيرًا، فالوصف المطلق لذلك اليوم أنَّه عسير، ولكن الذي يتأثر به ويكون عسيرًا عليه هم الكافرون، أما المؤمنون فلا.
ثم أمر الله تعالى بأن تُذْكَر حال المجرمين يومئذٍ من الندم والتحسر العظيم والعض على الأيدي ﴿وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ﴾، والمؤلف خصَّ الآية بمَنْ؟ بعُقْبَة بن أبي مُعَيْط. والصواب أنها عامة لكل ظالم؛ وذلك لأن الأصل بقاء العموم على ما هو عليه حتى يقوم دليل على أن المراد به الخاص.
وهنا ﴿وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ﴾ عامٌّ لعقبة وغيره.
يقول: (﴿يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ﴾ محمدٍ ﴿سَبِيلًا﴾ طريقًا إلى الهدى).
﴿يَقُولُ﴾ الجملة حال من ﴿الظَّالِمُ﴾؛ يعني أنه ﴿يَعَضُّ﴾، وهذا دليل على الندم بالفعل، و﴿يَقُولُ يَا لَيْتَنِي﴾ (...) النداء، من علامات الاسم النداء، فـ(يا) لا تدخل إلا على اسم، وإذا دخلت على حرف كما هنا أو على فعل فإنها تفيد التنبيه فقط؛ هذا أحد القولين في إعرابها.
والقول الثاني: أنها للنداء وأن المنادى محذوف، والتقدير في مثل هذه الآية يقول: يا رب ليتني أو يا قوم ليتني.
ولكن نقول: إن الأصل عدم التقدير، وإذا كان الأصل عدم التقدير فالأولى ألا نقدِّر شيئًا هنا وأن نجعل (يا) للتنبيه، لمجرد التنبيه. وإنما كانت لمجرد التنبيه؛ لأن أصل النداء، ويش أصله؟ للتنبيه، عندما تقول: يا فلان، تنبِّهه لينتبه لك ويُقبِل إليك بوجهه، فهي للتنبيه ولا حاجة إلى أن نقدِّر المنادى.
وقوله: ﴿يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا﴾ (ليت) للتمني، والتمني هو طلب ما لا يمكن حصولُه أو ما يعسر حصوله. الشيء الذي يتعذر أو يتعسر حصوله يُسَمَّى طلبه تمنِّيًا:
؎أَلَا لَيْتَ الشَّبَابَ يَعُودُ يَوْمًا ∗∗∗ فَأُخْبِرُهُ بِمَا فَعَلَ الْمَشِيبُ
هذا متعذِّر، ويقول الفقير: ليت لي مالًا فأتصدقَّ به. هذا عسير وليس متعذرًا.
﴿يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا﴾ من أي القسمين؟
* طالب: هذا من المستحيل.
* الشيخ: هذا من المستحيل؛ لأنه فات الأمر.
﴿يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا﴾، أي: سلكت ﴿سَبِيلًا﴾، وهو الطريق الموصِل إلى الله سبحانه وتعالى.
وقول المؤلف: (﴿مَعَ الرَّسُولِ﴾ مُحَمَّد) بناء على أن الآية يُقْصَد بها عُقْبَة بن أبي مُعَيْطٍ، فعلى هذا تكون (أل) للعهد، أيُّ العهود؟
* طالب: الذهني.
* الشيخ: الذهني، العهد الذهني. وإذا قلنا بالعموم وهو الأرجح، فإن المراد بـ﴿الرَّسُولِ﴾ هنا مَنْ أُرْسِل إلى قومه، فتكون (أل) للجنس للعموم؛ لأن المراد بها جنس الرسول الشامل بمحمد ﷺ وغيره.
(﴿يَا وَيْلَتَى﴾ أَلِفُه عِوَضٌ عن ياء الإضافة، أي: ويلتي، ومعناه: هلكتي، ﴿لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا﴾ أيْ: أُبَيًّا ﴿خَلِيلًا﴾ ).. إلى آخره.
﴿يَا وَيْلَتَى﴾ ﴿يَا﴾ حرف نداء، و﴿وَيْلَتَى﴾ منادى، وأصله: ويلتي، فقُلِبَت الياء ألفًا، فصارت ﴿يَا وَيْلَتَى﴾، وهذا جائز لغة، يجوز لغة أن تقول: يا ويلتي، ويجوز أن تقول: يا ويلتى. والويل الهلاك، وكأنه يقول: يا هلاكي احضر، ﴿لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ﴾.. إلى آخره.
في التمني الأول ما قال: ﴿يَا وَيْلَتَى﴾، لكن في التمني الثاني قال: ﴿يَا وَيْلَتَى﴾؛ لأنه زاد تَحَسُّره. الأول لأول مرة يعبر عن تحسره، والثاني للمرة الثانية، فيكون ذلك أبلغَ في التَّحَسُّر؛ فلهذا قال: ﴿يَا وَيْلَتَى﴾.
وقوله: ﴿لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ﴾ لم أصير ﴿فُلَانًا﴾ فلان هذه اسم جنس يُكْنَى به عن الواحد من بني آدم، وفلانة يكنى بها عن الواحدة من بني آدم. ولم يذكر هنا ﴿فُلَانًا﴾ باسمه؛ لأنه كما أشرنا إليه للعموم، ففي عقبة بن أبي مُعَيْطٍ يكون المراد بفلان مَنْ؟ أبي بن خلف، وفي غيره يكون المراد به من أضله عن ذكر الله.
﴿لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا﴾ الخليلُ هو الحبيب الذي بلغت محبته الغاية؛ لأنَّ الخُلَّة أعلى أنواع المحبة، وكُنِّيَتْ بذلك لأن المحبة تخلَّلت مسالك البدن كما قال الشاعر:
؎قَدْ تَخَلَّلْتِ مَسْلَكَ الرُّوحِ مِنِّي ∗∗∗ وَبِذَا سُمِّيَ الْخَلِيلُ خَلِيلًا
وعلى هذا فالخلُّة أعلى من المحبة، وبه نعرف خطأ من قال: محمد حبيبُ الله، وإبراهيم خليل الله، وموسى كليم الله؛ لأن هؤلاء نزَّلوا مرتبة النبي ﷺ، حيث وصفوه بأنه حبيب الله وإبراهيم خليل الله، فإنَّ الخُلَّة أعلى، والنبي ﷺ خليلُ الله كما أن إبراهيم خليل الله، قال النبي ﷺ: «إِنَّ اللَّهَ اتَّخَذَنِي خَلِيلًا كَمَا اتَّخَذَ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا»[[أخرجه مسلم (٥٣٢ / ٢٣) وابن حبان –واللفظ له- (٦٤٢٥) من حديث جندب بن عبد الله البجلي رضي الله عنه.]]. وأما موسى كليم الله، فنقول: أيضًا محمدٌ كليم الله، وإذا كان موسى كليم الله في الأرض؛ فإن محمدًا ﷺ كليم الله في السماء.
(﴿لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ﴾ أَيْ الْقُرْآن ﴿بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي﴾ ).
لقد أضلني، اللام موطئة للقسم، وقد للتحقيق، فالجملة إذن مُؤَكَّدَة. بكم مؤكِّد؟
* طالب: بقد و(...).
* الشيخ: نعم، أنا قلت: بكم؟
* طالب: ﴿لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي﴾ مؤكدة.
* الشيخ: طيب، ويش هي؟
* الطالب: القسم و(قد).
* الشيخ: وين القسم؟
* الطالب: القسم..
* الشيخ: القسم وقد، (قد) معروفة موجودة، والقسم؟
* الطالب: لأن اللام هذه تُسمى موطِّئة للقسم، أي جواب قسم (...).
* الشيخ: طيب، (...) مؤكَّدة بثلاثةِ مؤكدات: القسم واللام و(قد)، وهو يؤكد في هذا اليوم أن ذلك الخليل أضلَّه تأكيدًا يراد به لوم نفسه، ولكن ذلك لا ينفعه الآن، لو كان هذا التأكيد في الدنيا لنفعه، أما الآن فلا ينفعه ولكنه يزيد في تَحَسُّرِه.
لقد أضلني عن الذكر، يقول المؤلف: (أي القرآن) وهو بناء منه على أن المراد بما سبق في الظالم أو في ابن أبي معيط، فيكون الذكر القرآن. وإذا قلنا بالعموم وهو الراجح فيكون المراد بالذكر الكتاب المنزَّل على ذلك الرسول، وفي عهد موسى التوراة، وفي عهد عيسى الإنجيل، وكذلك في العهود الأخرى الكتب المنزلة على الرسل.
﴿أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي﴾ [الفرقان ٢٩]، هذا الظرف له فائدته العظيمة، يعني: بعد أن حصل لي الذِّكر وعلمتُه وفهمتُه حصل الإضلال، وهذا أبلغ مما لو أضله عن أمر متوقَّع غير واقع، هذا أمر واقع، أقر بأن الذكر جاءه وقامت عليه الحجة، وأضله هذا الخليل بعد إذ جاءه.
(بأنْ ردَّني عن الإيمان به، قال الله تعالى: ﴿وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ﴾ للكافر)، (للإنسان للكافر) ولّا (الكافر)؟
* طالب: (...).
* الشيخ: (الكافر ﴿خَذُولًا﴾ بأنْ يترُكَه ويتبرَّأ منه عند البلاء).
قوله: (قال الله تعالى: ﴿وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولًا﴾ [الفرقان ٢٩])، كأن المؤلف مشى على أن هذه الجملة ليست من قول الظالم، وأن قول الظالم انتهى عند قوله: ﴿بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي﴾، وعلى هذا فينبغي الوقف: ﴿لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي﴾ فتقف، ثم تستأنف وتقول: ﴿وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولًا﴾.
وقوله: ﴿الشَّيْطَانُ﴾ يُراد به الجنس؛ لأن الشياطين كثيرون، قال الله تعالى: ﴿وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّيَاطِينُ﴾ [الشعراء ٢١٠]، وقال: ﴿طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ﴾ [الصافات ٦٥]، فالمرادُ به هنا الجنس. وهم أنواع، والظاهر -والله أعلم- أن لكل نوع من المعاصي شيطانًا، فشيطان الشرك وشيطان الجحود وشيطان البخل وغير ذلك، لكل نوع شيطان، هذا ما يظهر والله أعلم.
وقوله: ﴿لِلْإِنْسَانِ﴾ المراد به على كلام المؤلف: (الكافر)، وهو عُقْبَة بن أبي معيط أو عام؛ لأن هذا الكلام من كلام الله، ليس من كلام الظالم، من كلام الله عز وجل، ويحتمل أن يكون عامًّا للكافر والمؤمن، فإن الشيطان أيضًا يغوي المؤمن ثم بعد ذلك يتخلى عنه.
فالظاهر أن المراد بالإنسان هنا الجنس، يعني المؤمن أو الكافر، وإنما قلنا: إن ذلك هو الظاهر؛ لأنه كما يغوي الكافرين بالكفر، كذلك يغوي المؤمنين بالفسق.
وقوله: ﴿خَذُولًا﴾، هذه إما أن تكون صفة مشبهة وإما أن تكون صيغة مبالغة، وعلى الأمرين يكون وصف الشيطان بالنسبة للإنسان الخذلان، أو يكون خذلان الشيطان للإنسان دائمًا؛ لأن المبالغة تقتضي الكثرة. والخذلان معناه: إذلال الإنسان في موطن يحتاج معه إلى النصر؛ هذا الخذلان؛ أنك تتخلى عن إنسان في موطن يحتاج فيه إلى النصر. والشيطان عندما نتأمل ما ذكر الله عنه في القرآن، نجد أنه يخذل الإنسان في مواطن النصر؛ زين لقريش أن يخرجوا لقتال النبي ﷺ، فخرجوا ﴿فَلَمَّا تَرَاءَتِ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرَى مَا لَا تَرَوْنَ﴾ [الأنفال ٤٨]، زين للإنسان الكفر ﴿كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلْإِنْسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ﴾ [الحشر ١٦]. هذا في الدنيا، في الآخرة: ﴿وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ﴾ بمغيثكم ﴿وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ﴾ [إبراهيم ٢٢]، هذا أيضًا خذلان عظيم، فالشيطان في مواطن النصر يخذل الإنسان ويتبرأ منه.
وهذا الوصف ﴿وَكَانَ الشَّيْطَانُ﴾ نقول: (كان) في علم الله ولّا (كان) فيما مضى وانتهى؟
* طالب: في علم الله.
* طالب: نقول: (كان) لا تفيد الزمنية.
* الشيخ: هذا مر علينا قريبًا (...).
* الطالب: لا، مجردة عن الزمن.
* الشيخ: إي، مجردة عن الزمن؛ يعني أنَّ (كان) تأتي ولا يراد بها الزمن، يراد بها مطلق الوصف بالحدث، مثل: ﴿وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا﴾ [النساء ٩٦]، ﴿وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا﴾ [الأحزاب ٢٧]، ليس معناه: كان فيما مضى، (...) المعنى أن هذا وصف لله مستمر.
وكذلك هنا: ﴿وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولًا﴾، ليس معناه أن الشيطان كان خذولًا للإنسان فيما مضى وأصبح غير خذول، بل المعنى أن هذا وصف ملازم للشيطان بالنسبة للإنسان.
* طالب: ألا (...) ﴿وَكَانَ﴾ يعني في الدنيا؟
* الشيخ: لا، هو في الدنيا والآخرة، حتى في الآخرة: ﴿وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ﴾ [إبراهيم ٢٢] تلوناها الآن.
طيب، وهنا؟
* طالب: يا شيخ.
* الشيخ: نعم.
* الطالب: (...)؟
* الشيخ: تارة يراد بها الدلالة على الزمن، وتارة يراد بها مجرد الحدث؛ يعني مجردة عن الزمن، فتقول مثلًا: كان زيد قائمًا، يعني فيما مضى، ثم جلس. وتقول: كان الله غفورًا رحيمًا، ما هو المعنى فيما مضى، بل المعنى أن وصفه المغفرة والرحمة.
هنا الشيطان وصفه الخذلان لبني آدم دائمًا، ليس معناه فيما مضى فقط، وإنما أخبرنا الله تبارك وتعالى بأن الشيطان خذولٌ للإنسان لأجل أن نتخذه عدوًّا وألا نغتر به؛ فإنه سوف يخذلنا في موطن نحتاج فيه إلى نصره، فنحذر منه.
فإذا قال إنسان: ما هي علامة كون الشيطان أو كون هذا الفعل من أوامر الشيطان؟ ويش يدرينا مثلًا أن الشيطان أمرنا بهذا وأن هذا من عمل الشيطان؟
* طالب: (...) كما جاء به الشرع.
* الشيخ: نعم.
* الطالب: فإن كان مخالفًا له فهو من أوامر الشيطان.
* الشيخ: إي نعم، هذا الضابط: ﴿الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ﴾ [البقرة ٢٦٨]، فإذا رأينا أن النفس تريد منا أن نقع في هذا العمل، إذا كان مخالفًا للشرع علمنا أن هذا من أمر الشيطان فوجب علينا الحذر منه؛ لأننا نعلم أن هذا الشيطان سيخذلنا في موطن نحتاج فيه إلى النصر. هذه هي العلامة الفارقة بين ما يكون من أمر الشيطان وما يكون من أمر الله تبارك وتعالى.
(﴿وَقَالَ الرَّسُولُ﴾ محمد).
* طالب: (...)؟
* الشيخ: لا، النفس الأمارة بالسوء تأتمر بأمر الشيطان؛ لأنك أنت لا تحس بأن الشيطان مثلًا نزل بك وجاء بك، لكن نفسك تأمرك بهذا، فهي تأتمر بأمر الشيطان.
* الطالب: (...)؟
* الشيخ: إي نعم، يعني يجعلها كالوسيط بينه وبين قلب المرء.
(﴿وَقَالَ الرَّسُولُ﴾ محمد ﴿يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي﴾ قريشًا ﴿اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا﴾ [الفرقان ٣٠]).
هنا المؤلف أيضًا خصَّها بالنبي ﷺ، وهنا قد نوافق المؤلف على أنها خاصة بالنبي ﷺ، بدليل قوله: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ﴾ [الفرقان ٣١]؛ لأن المراد بهذه الجملة التسلية، وهذا هو الذي يؤيد ما قال المؤلف.
أما مسألة ﴿الْقُرْآنَ﴾، فإن القرآن يُطْلَق على المصدر، فيشمل كل ما يقرأ من التوراة والإنجيل وغيرها من الكتب، لكن الذي يجعله خاصًّا بهذا الذي نزل على محمد ﷺ ما بعده.
* طالب: قوله تعالى: ﴿هَذَا الْقُرْآنَ﴾ (...)؟
* الشيخ: وين؟
* الطالب: (...).
* طالب: عند قوله: ﴿اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ﴾ [الفرقان ٣٠]؟
* الشيخ: إي نعم، لأن الرسول يقوله، والقرآن بين يديه، فمثلًا موسى إذا قاله والتوراة بين يديه صحَّ أن يشير إليه.
(﴿يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي﴾ قريشًا)، وأضافهم إلى نفسه؛ لأنه أبلغ في توبيخهم. كيف ذلك؟ لأن الأمر الواقع يقتضي أن قومه أسبق الناس إلى تصديقه وإلى قبول ما جاء به، ولكن الأمر كان بالعكس، وهذا نظير قوله تعالى: ﴿وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى (١) مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى﴾ [النجم ١، ٢] حيث أضافهم إليه، كأنه يقول: ينبغي أن تكونوا أنتم أول من يُصَدِّق به لأنه صاحبكم، كذلك: ﴿ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ (١) مَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ﴾ [القلم ١، ٢].
فالمهم أن الإضافة هنا الغرض منها زيادة التوبيخ، يعني بدل ما يقول: إن قريشًا، قال: ﴿إِنَّ قَوْمِي﴾ للمبالغة في توبيخهم، حيث إن مقتضى كونهم قومه أن يصدقوا به ويقبلوا ما جاء به.
(﴿اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا﴾ متروكًا)، مأخوذ من الهجر، والهجر ترك الشيء رغبة عنه، فهم اتخذوه ﴿مَهْجُورًا﴾.
(...) مهجورًا، يعني لا يلتفتون إليه، وهذا أبلغ من قوله: إن قومي هجروا القرآن، ووجه ذلك: أن (هجروا) فعل، والجملة الفعلية لا تدل على الثبوت والاستمرار، ولكن (اتخذوه مهجورًا) جملة اسمية؛ لأن الهاء و﴿مَهْجُورًا﴾ أصلهما المبتدأ والخبر. فكأنهم جعلوا هذا القرآن الذي تجب العناية به والإقبال إليه، جعلوه أمرًا ﴿مَهْجُورًا﴾ مرغوبًا عنه، كأنه ليس مستحقًّا للإقبال عليه إطلاقًا، فصيروه من الأمور المهجورة المتروكة التي ليس من شأنها أن يقبل إليها، وهو أبلغ من كونهم هجروه؛ لأنهم قد يهجرونه وهو مستحق لأن يُقْبَل، أما إذا اتخذوه مهجورًا فإن اتخاذهم إياه مهجورًا يكون معناه أنهم هجروه مع استحقاق أن يهجر. كذلك؟
* طالب: نعم.
* الشيخ: طيب، ويش الفرق بين (هجروه) و(اتخذوه مهجورًا)؟
* الطالب: (هجروه) يعني (...).
* الشيخ: يعني: قد تكون أنهم هجروه وهو لا يستحق أن يُهْجَر.
* الطالب: لكن اتخذوه مهجورًا؛ لأنهم هجروه مع كونه (...).
* الشيخ: إي نعم، ولأن الجملة الاسمية تدل على الثبوت والاستمرار.
هجْر القرآن ينقسم إلى قسمين: هجر لفظي؛ وذلك بترك تلاوته رغبة عنه، وهذا ما حذَّر منه النبي ﷺ في قوله: «بِئْسَ مَا يَقُولُ أَحَدُكُمْ: نَسِيتُ آيَةَ كَذَا وَكَذَا، وَإِنَّمَا يَقُولُ: نُسِّيتُ»[[أخرج البخاري (٥٠٣٢)، ومسلم -واللفظ له- (٧٩٠ / ٢٣٠) عن عبد الله بن مسعود، يقول: سمعت رسول الله ﷺ، يقول: «بئسما للرجل أن يقول: نسيت سورة كيت وكيت، أو نسيت آية كيت وكيت، بل هو نُسِّي».]]؛ لأن (نَسِيَ) تدل على الرغبة والهجر، و«نُسِّيتُ» » تدل على أنه ليس باختيارك لكنه أمر قُدِّر عليك. هذا الهجر.
الهجر الثاني: هجر العمل به؛ بأن يكون الإنسان يتلوه، ما قصر في تلاوته، لكنه لا يعمل به.
وممكن يتولد قسم ثالث؛ القسم الثالث: هجر لفظي وعملي، يعني معناه أنه لا يقرأه ولا يعمل به.
فإذن الأقسام ثلاثة: هجر لفظي وهو هجر تلاوته، وهجر عملي وهو هجر العمل به، وهجر لفظي عملي. وأيهما أشد؟
* طالب: الأخير.
* الشيخ: اللفظي العملي، يليه: الهجر العملي، والثالث: اللفظي. وكل منها محرم، حتى الهجر اللفظي إذا تركه الإنسان ترك تلاوته رغبة عنه فإنه لا يجوز، نعم، لو ترك تلاوته تشاغلًا بأمور لا بد منها فهذا لا بأس به، مع أنه لا يمكن للإنسان أن يترك تلاوته تركًا مطلقًا؛ لأن عنده الصلاة وقد فرض عليه أن يقرأ فيها سورة الفاتحة. فالهجر المطلق لا يمكن أبدًا؛ لأنه من أهم شيء قراءة الفاتحة في الصلاة.
* طالب: هجر المصحف مسًّا فقط، ما هو بحرام؟
* الشيخ: لا، ما هو بحرام.
* الطالب: لو كان معه عدد من المصاحف في البيت (...).
* الشيخ: ما فيه مانع، لكنه مع الحاجة لا يجوز أن الإنسان مثلًا يحتكرها والناس محتاجون إليها، أما الآن ما فيه حاجة، فالتحذير الذي كان يوجد في كلام بعض أهل العلم، هذا لما كانت المصاحف قليلة، يكون الإنسان ما عنده إلا نسخة ويحجزها لنفسه ولا ينتفع بها ولا ينتفع بها غيره.
* طالب: (...)؟
* الشيخ: يمكن هجر التدبر يمكن، قد يكون هجرًا.
* الطالب: (...)؟
* الشيخ: إي، هذا لا شك أنها تلاوة ناقصة؛ لأن الله تعالى أمر بتدبره وأخبر أنه ما أنزل إلا للتدبر والتذكر ﴿كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ﴾ [ص ٢٩].
* الطالب: هل يتدبر المعنى ولَّا مجرد (...)؟
* الشيخ: لا، التدبر معناه أن الإنسان يتأمل معناه ويفكر فيه ويسعى في الأصول إليه، هذا التدبر.
* الطالب: إذا كان الإنسان قاصرًا (...)؟
* الشيخ: يسأل، وإذا كان يمكن أن يراجع هو بنفسه كتب التفاسير فليراجع.
﴿إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا﴾، وهذه من الرسول عليه الصلاة والسلام شكاية لقومه؛ لأنه تضايق بهم فأنزل الله عليه تسلية له وجوابًا لشكايته: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ﴾ الكاف اسم بمعنى مِثْل، وهي تأتي في القرآن كثيرًا، كلما جاءت فإننا نعربها هذا الإعراب؛ على أنها اسم بمعنى مثل، وأما إعرابها فهي مفعول مطلق وعاملها الفعل الذي بعدها؛ أي: ومثل ذلك الذي جعلناه جعلناه لكل نبي.
فهؤلاء المشركون الذين جعلوا القرآن مهجورًا ونبذوه وراء ظهورهم ودعَوْا إلى هجره وسخروا به ليسوا بدعًا من غيرهم، فقد سبق لكل نبي كذلك.
(﴿وَكَذَلِكَ﴾ كما جعلنا لك عدوًّا من مشركي قومك ﴿جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ﴾ قبلَك ﴿عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ﴾ المشركين، فاصبر كما صبروا) وفي هذا من تسلية النبي ﷺ ما هو ظاهر؛ لأن الإنسان يتسلَّى إذا كان غيرُه قد أُصيبَ بمثل مصيبَتِه، تقول الخنساء وهي ترثي أخاها صخرًا:
؎وَلَوْلَا كَثْرَةُ الْبَــــــــــاكِينَ حَـــوْلِي ∗∗∗ عَلَى إِخْوَانِهِمْ لَقَتَلْتُ نَفْسِي؎وَمَا يَبْكُونَ مِثْلَ أَخِي وَلَكِنْ ∗∗∗ أُسَلِّي النَّفْسَ عَنْهُبِالتَّـــــــــأَسِّي
فإذا علم النبي عليه الصلاة والسلام أن هذا دأب قوم الأنبياء من قبله، فإنه يتسلى ويهون عليه الأمر.
قال الله تعالى: (﴿وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا﴾ لك ﴿وَنَصِيرًا﴾ ناصرًا لك على أعدائك).
قوله: ﴿وَكَفَى بِرَبِّكَ﴾ الباء يقولون: إنها زائدة إعرابًا، و(ربك) فاعل (كفى)؛ يعني: وكفى ربك. و﴿هَادِيًا﴾ تمييز، يعني: كفت هدايته ونصره، تمييز مُحَوَّل عن الفاعل؛ لأنَّ التمييز قد يُحَوَّل عن الفاعل، وقد يُحَوَّل عن المفعول؛ ﴿وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا﴾ [القمر ١٢] مُحَوَّل عن المفعول؛ لأن الأصل: و﴿وَفَجَّرْنَا﴾ عيون ﴿الْأَرْضَ﴾.
هنا: ﴿وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا﴾ الأصل: وكفت هداية ربك ونصره، فهو تمييز مُحَوَّل عن الفاعل.
(﴿وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا﴾ ناصرًا لك على أعدائك).
مناسبة قوله: ﴿وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا﴾ أن أعداء الرسل يعادونهم لإضلال الناس، وللحيلولة دون وصول الهداية إليهم، كذلك أيضًا يعادون الرسل بالحرب والقتال وغير ذلك، فبيَّن الله تبارك وتعالى أنهم لا يستطيعون أن يحولوا بين هداية الله ونصره ﴿وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا﴾.
للمرة الثانية أقول: المشركون الذين ينابذون الرسل يقصدون بذلك أمرين: إضلال الناس، والعدوان على الرسل، حتى بالحرب والقتال؛ فبيَّن الله سبحانه وتعالى أن هذه المحاولة ليست بشيء؛ لأن الله تبارك وتعالى كفى به هاديًا، فلا يستطيع هؤلاء الأعداء أن يضلوا أحدًا، وكفى به نصيرًا فلا يستطيع هؤلاء الأعداء أن يقضوا على دعوة الرسل. فهذا وجه المناسبة بين قوله تعالى: ﴿وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا﴾.
﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً﴾ [الفرقان ٣٢].
شوف السورة هذه فيها طابع التحدث عن القرآن والرد على المكذبين له؛ لأن أول ما ابتدأت هذه السورة ﴿تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ﴾ [الفرقان ١]، فهذا الفرقان الذي تمدح الله بنفسه بإنزاله إلى رسوله لا بد أن يُعْنى به ويجاب عن المعارضين له بالأساليب المختلفة التي مرت علينا الآن.
* طالب: (...)؟
* الشيخ: لا، زائدة من حيث الإعراب فقط.
* طالب: أنه له معنى.
* الشيخ: إي، معلوم له معنى، لكن من حيث الإعراب فقط.
* في هذه الآيات التي قرأنا:
* أولًا: بيان حال الظالم يوم القيامة، وأنه يندم ندمًا عظيمًا، ويظهر ندمُه بالقول وبالفعل. أين الدلالة على أنه بالقول؟
* طالب: الدلالة على أنه بالقول قوله تعالى: ﴿يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا (٢٧) يَا وَيْلَتَا لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا﴾ [الفرقان ٢٧، ٢٨].
* الشيخ: نعم. وبالفعل؟
* الطالب: بالفعل ﴿وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ﴾.
* الشيخ: * الفائدة الثانية: التحذير من الظلم الذي يصد به الإنسان عن دين الله. من أين يؤخذ؟ التحذير من الظلم الذي يوجب أو يوقع الإنسان في مخالفة الرسل؟
* طالب: (...).
* الشيخ: يعني أن الغرض من ذلك التحذير، ليس مجرد القصة، بل الغرض أن يحذر الإنسان من هذا الأمر الذي يكون مآل صاحبه إلى هذه الحال.
* وفيه أيضًا: التحذير من قرناء السوء..
* طالب: (...) ﴿يَا وَيْلَتَا لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا﴾ (...).
* الشيخ: ﴿لَقَدْ أَضَلَّنِي﴾..
* الطالب: ﴿عَنِ الذِّكْرِ﴾.
* الشيخ: نعم.
* وفيه أيضًا: أن الكافر، بل عموم الظالمين في يوم القيامة يؤمنون بالحق.
* طالب: (...).
* الشيخ: لقوله: ﴿عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ﴾..
* الطالب: ﴿بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي﴾.
* الشيخ: ﴿بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي﴾.
* الطالب: (...).
* الشيخ: إي، فأقرَّ الآن بأن الذِّكْرَ قد جاءه، وأقرَّ بأن ما جاءه ذكر يتذكر به المرء.
* وفي الآية: دليل على ما وصلت إليه حال قريش من العناد والمكابرة، أيش تقول؟
* طالب: (...).
* الشيخ: إي، لكن هم اتخذوه مهجورًا ولَّا هجروه؟
* الطالب: اتخذوه مهجورًا.
* الشيخ: وهو أبلغ مِنْ؟
* الطالب: مِنْ (هجروه).
* الشيخ: من (هجروه).
* وفيه: دليل على عِظَمِ هذا القرآن.
* طالب: من قوله تعالى: ﴿هَذَا الْقُرْآنَ﴾.
* الشيخ: من قوله: ﴿هَذَا الْقُرْآنَ﴾؛ لأن الإشارة تفيد التعظيم؛ يعني ﴿هَذَا الْقُرْآنَ﴾ العظيم الذي لا ينبغي أن يُهْجَر هؤلاء اتخذوه مهجورًا.
ذكرنا أن (اتخذوه مهجورًا) أبلغ من (هجروه). كيف ذلك؟
* الطالب: لأن (اتخذوه مهجورًا) أي أن هذا القرآن أعرضوا عنه إعراضًا كاملًا، وليس المعنى (...) مع أنه أيضًا لم يهجروه لكونه.. لو قال: هجروه، لهجروه مع العلم بأن فيه فائدة ولكن تركوه، ولكن ﴿مَهْجُورًا﴾ هجروه وأعرضوا عنه بالكلية.
* الشيخ: لا، ما هي أعرضوا عنه بالكلية، معناه فعلهم..
* الطالب: مع أنه ليس فيه، يعني جعلوه متروكًا، يعني: ليس في شيء.
* الشيخ: يعني: جعلوه من الأمور التي..
* الطالب: لا فائدة لها.
* الشيخ: تستحق أن تهجر، اتخذوه أمرًا مهجورًا يعني مرغوبًا عنه ومتروكًا، هو في حد ذاته على زعمهم.
* طالب: هذا وجه يا شيخ.
* الشيخ: هذا وجه، والوجه الثاني؟
* طالب: ﴿إِنَّ قَوْمِي﴾.
* الشيخ: لا. أيش تقول؟
* طالب: (...).
* الشيخ: وهم صيروه مهجورًا، والهاء المفعول الأول محل المبتدأ، و﴿مَهْجُورًا﴾ محل الخبر.
وفي هذا دليل على بشاعة هذا العمل من قريش، في الآية دليل على بشاعة هذا الأمر من قريش..
* طالب: (...).
* الشيخ: لا، غير؟ لأن هذا يشملهم وغيرهم. أيش تقول؟
* طالب: قوله: ﴿قَوْمِي﴾.
* الشيخ: تعدت لكن ما (...)، الإضافة في..
* طالب: شكاية الرسول ﷺ لله.
* الشيخ: إي، لكن بلفظ: ﴿قَوْمِي﴾، الإضافة؛ ﴿قَوْمِي﴾، فإن هذا يدل على بشاعة هذا العمل منهم؛ لأن المفروض أن قومه يكونون أولى الناس بالعناية به وقَبول ما جاء به، أليس كذلك؟ ولكن الأمر مع الأسف صار بالعكس.
وفي هذا عناية الله تعالى بالرسول ﷺ، ويبين لنا وجه الدلالة الثاني..
* طالب: (...) ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ﴾.
* الشيخ: وجه ذلك؟
* الطالب: وجه ذلك أن الإنسان إذا كان (...).
* الشيخ: نعم، كون الله يعتني بالرسول ويسلِّيه بما وقع لغيره هذا دليل على العناية به.
وفي قوله: ﴿وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا﴾؟
* طالب: (...).
* الشيخ: والعدوان على الرسول، فقال الله تعالى: ﴿وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا﴾ أنهم لا يستطيعون أن يضلوا الناس إذا أراد الله هدايتهم، ولا أن يقووا عليه إذا أراد الله نصره.
طيب، هذه العداوة حسب ما يقول الله عز وجل (...) القرآن، هل تكون لأتباع الرسل أو لا؟
* طالب: (...).
* الشيخ: نعم، كيف ذلك؟
* الطالب: لأن أتباع الرسل يكونون (...).
* الشيخ: إي نعم، وأيضًا؟
* طالب: ثم إذا كانوا عادَوُا الرسل وهم أشرف الخلق، كيف لا يعادون من سواهم لا سيما أتباعهم؟
* الشيخ: لا، هذا قد يقال: إنهم عادوا الرسل، وأيش (...) الآن؟ لأن تأثيرهم أشد، (...) أشد.
* طالب: (...).
* الشيخ: نعم؛ لأنهم عادوا الرسل لدعائهم للحق، ولّا لا؟ يعني: ما عادَوا الرسل لأشخاصهم؛ ولهذا كان الرسول عليه الصلاة والسلام قبل البعثة عند قريش عدوًّا ولَّا لا؟
* طالب: لا.
* الشيخ: ليس عدوًّا، بل هم يسمُّونه الأمين. فما دامت العداوة من أجل الدعوة إلى الدين فسوف تكون لكل من دعا إلى الدين؛ لأن الذي يدعو مثلًا إلى شريعة النبي عليه الصلاة والسلام هو يدعو إلى ما دعا إليه النبي عليه الصلاة والسلام، فلا بد أن يكون له أعداء كما كان للأنبياء أعداء؛ وعليه فالواجب على من دعا إلى الهدى وأوذي، الواجب عليه أن يصبر وأن يتأسَّى بما جرى للرسل من قبل، والرسل أعظم منزلة عند الله منه، ومع ذلك مكَّن أعداءهم مما فعلوه.
فيه أيضًا: دليل على أن الحق يتبيَّن بضده؛ لأن من الحكمة أن الله جعل ﴿عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ﴾ ينابذ الدعوة، من الحكمة في ذلك أن تتبين الدعوة؛ لأنه إذا لم يكن لها معارض ما تبيَّنت، لكن إذا كان لها معارض وكلما أتى بشبهة رُدَّ عليها صار ذلك أبين وأوضح.
* وفيه أيضًا من الفوائد: ابتلاء الله سبحانه وتعالى للمؤمن، فإنَّه إذا كان الإيمان قويًّا فإنه يصمد أمام هذه الشبهات وأمام هذه العداوة، وإذا كان ضعيفًا فإنه يتأثر.
فهذا من حكمة الله سبحانه وتعالى أن الله يُقَيِّد للإنسان ما يحول أو ما يكون سببًا للحيلولَة بينه وبين دعوته ليبلوه ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ﴾ [الحج ١١].
* طالب: يعني يا شيخ (...) ﴿وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا﴾.
* الطالب: يعني اطمأن بعبادة الله (...)؟
* الشيخ: إي نعم، اطمأنَّ بحاله اللي هو عليه، ﴿وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ﴾ وأمر يشغله ﴿انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ﴾ [الحج ١١].
* طالب: (...) ﴿وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآَنَ مَهْجُورًا﴾ (...).
* الشيخ: إي، معلوم، الإعراب واقع، حتى مثلًا؛ لأنه قسَّم الهجر إلى قسمين أو إلى ثلاثة أقسام: من المؤمنين مَنْ هجر، الهجر اللفظي موجود في المؤمنين، ولكنه كما قلنا: إنه لا يوجد الهجر المطلق بالنسبة للمؤمن؛ لأنه لا بد له من إقامة الصلاة، ولا بد في كل صلاة من قراءة.
* الطالب: لعلَّ يجوز له أن يهجره بادعاء مشاغل الدنيا مثلًا، (...)؟
* الشيخ: والله إذا كان ما هو برغبة عنه، إذا كان لمشاغله، ما هو برغبة عنه و(...) به فهذا لا بأس به. لكن إذا كان نعم رغبة عنه و(...) به وعدم التفات له، فهذا شديد يعني.
* الطالب: يعني ما يغني عن (...)؟
* الشيخ: ما أظنه يغني عن القراءة الاستماع، لكن على كل حال الاستماع فيه خير، ولكن القراءة أفضل.
* الطالب: ضرورة.
* الشيخ: نعم؟
* الطالب: كمشغول بالطريق.
* الشيخ: لا، إذا كان مشغولًا لا ينبغي أن يستخدمه.
* الطالب: (...).
* الشيخ: لأنه إذا قرئ القرآن فـ..
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم.
فيما مر من الآيات السابقة دليل على أنه يجب على المرء أن يختار لنفسه الأصحاب، أهل العلم والدين. من أين يؤخذ؟
* طالب: لقوله..
* الشيخ: إي، لقوله: ﴿يَا وَيْلَتَى﴾.
* الطالب: ﴿لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا﴾ [الفرقان ٢٨].
* الشيخ: نعم. طيب، أحسنت.
وفيه دليل أيضًا على أن الشيطان يأمر الإنسان بالشر ثم يخذله في أحوج ما يكون إليه؟
* طالب: (...) يوم القيامة.
* الشيخ: من الآيات.
* طالب: قوله تعالى: ﴿وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولًا﴾ [الفرقان ٢٩].
* الشيخ: ﴿وَكَانَ الشَّيْطَانُ﴾؟
* الطالب: ﴿لِلْإِنْسَانِ خَذُولًا﴾.
* الشيخ: طيب، زين، هل تحفظ مثالًا لخذلان الشيطان لأصحابه في الدنيا؟
* طالب: ﴿وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لَا غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَكُمْ فَلَمَّا تَرَاءَتِ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرَى مَا لَا تَرَوْنَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾ [الأنفال ٤٨].
* الشيخ: نعم.
* الطالب: وكل هذا يوم (...).
* الشيخ: أحسنت. وتحفظ مثالًا من خذلانه لهم في الآخرة؟
* طالب: قوله تعالى: (...).
* الشيخ: لا، نريد الشيطان.
* طالب: ﴿كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلْإِنْسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ﴾ [الحشر ١٦].
* الشيخ: لا، هذه ربما تكون في الدنيا وفي الآخرة، ما هي بصريحة في الآخرة.
* طالب: ﴿وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ﴾.
* الشيخ: ﴿مَا أَنَا﴾؟
* الطالب: ﴿مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ﴾.
* الشيخ: أحسنت، ﴿وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ﴾ [إبراهيم ٢٢].
طيب، إخبار الله تعالى عن الشيطان بأنه خذول لبني آدم أو للإنسان، ما الغرض منه؟
* طالب: التحذير من توليه والانصياع لما يوسوس للإنسان به بترك ما أمره الله أو فعل ما نهى الله عنه.
* الشيخ: أحسنت، بارك الله فيك، التحذير. إذا قال قائل: ما هي العلامة على أن هذا من أوامر الشيطان أو من غيره؟ هل هناك علامة تدل على أن هذا من أوامر الشيطان أو ليس من أوامره؟
* طالب: (...).
* الشيخ: يأمره بالشر؟
* الطالب: (...).
* الشيخ: يعني في الشيء، يعني يبين هذا يعني، آية من القرآن تبين ويش يأمره به الشيطان؟ أحد منكم يعرف؟ نعم؟
* طالب: (...).
* الشيخ: ﴿الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ﴾ [البقرة ٢٦٨]، والذي قلت: ﴿وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (١٦٨) إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ﴾ [البقرة ١٦٨، ١٦٩]، ومثل قوله: ﴿الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ﴾ [البقرة ٢٦٨]، فقوله: ﴿يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ﴾ هذا مثال للتفريط في الأوامر، متى يعد الفقر؟ عندما يريد الإنسان أن يبذل المال، يقول له: لا تبذل المال، تفتقر. نعم، ﴿وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ﴾ المنكر.
قول الله تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ﴾ [الفرقان ٣١]، ويش الغرض من هذه الجملة؟
* طالب: تسلية الرسول ﷺ.
* الشيخ: نعم.
* الطالب: و..
* الشيخ: تسلية الرسول ﷺ.
* الطالب: ليعتبر فيما مضى (...).
* الشيخ: نعم، كون الرسول عليه الصلاة والسلام يحتاج إلى التسلية يدل على؟ كون الرسول يحتاج إلى التسلية ويش يدل عليه؟
* طالب: يدل على (...).
* الشيخ: إي.
* طالب: يدل على أن (...).
* الشيخ: يعني الرسول ﷺ يحتاج إلى أن الله يسليه بما سبقه من أحوال الرسل.
* طالب: أنه بشر من البشر ينتابه ما ينتاب البشر.
* الشيخ: أحسنت، يدل على أن الرسول عليه الصلاة والسلام بشر ينتابه ما ينتاب البشر من الحزن والأسى، فيحتاج إلى التسلية، وأنه من دون الرسول من باب أولى، عندما يأتي إنسان مثلًا من دعاة الخير ويشكو إلينا ما أصابه من الناس، نقول له: انظر مثلًا إلى فلان وانظر إلى فلان وانظر إلى فلان وانظر إلى فلان، ولا يقال: إن هذا قصور في حقه، هذا أمر لا بد منه، الطبيعة البشرية تقتضي أن الأمر يهون على النفس إذا كان أصاب الغيرَ مثل ما أصابك.
قوله تعالى: ﴿وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا﴾ [الفرقان ٣١]، مناسبة ﴿وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا﴾ لذكر أن الله جعل لكل نبي عدوًّا من المجرمين؟
* طالب: (...).
* الشيخ: ما يكفي هذا، هذا لا يكفي.
* طالب: (...)، وهو النصير سبحانه وتعالى رغم قتال المشركين للمؤمنين.
* الشيخ: تمام، يعني هؤلاء المجرمون يحاولون القضاء على الرسالة أو النبوة بواحد من أمرين: إما بإضلال الناس وصدهم عما جاءت به الرسل، وإما بقتالهم وإهلاكهم، يعتدون على الناس بالقتال، فقال الله تعالى: ﴿وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا﴾ في مقابلة أيش؟ محاولة الإضلال، و﴿وَنَصِيرًا﴾ في مقابلة محاولة القضاء على النبوة، على الأنبياء وأممهم.
هذه العداوة التي تكون للأنبياء، هل تكون لورثتهم؟
* طالب: نعم.
* الشيخ: كيف ذلك؟
* الطالب: لأنهم يدعون لما يدعو له النبي.
* الشيخ: لأنهم يدعون لما يدعو له النبي، ونحن نعلم أن هذه العداوة ليست شخصية، وإنما هي معنوية بسبب النبوة. كذا؟
* الطالب: نعم.
* الشيخ: طيب، ما هو دليلنا يا أخ على أنها ليست عداوة شخصية؟
* طالب: (...)؟
* الشيخ: إي، يعني أن عداوة الأمم المكذبين للرسل ليست لأشخاص الرسل، بل لما جاءوا به من حق؟
* الطالب: (...).
* الشيخ: أحسنت؛ لأن قريشًا ليست تعادي الرسول ﷺ قبل أن يُبعث، بل هي ترى أنه من أشد الرجال أمانة وصدقًا.
* طالب: (...).
* الشيخ: طيب، ما يخالف.
* الطالب: قول أصحاب شعيب أو قوم شعيب: ﴿إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ﴾ [هود ٨٧]، وقول أصحاب صالح: ﴿قَدْ كُنْتَ فِينَا مَرْجُوًّا قَبْلَ هَذَا﴾ [هود ٦٢].
* الشيخ: إي نعم.
* الطالب: (...).
* الشيخ: أحسنت، هذه أيضًا مما يدل بالنسبة لما سبق من الرسل.
{"ayahs_start":25,"ayahs":["وَیَوۡمَ تَشَقَّقُ ٱلسَّمَاۤءُ بِٱلۡغَمَـٰمِ وَنُزِّلَ ٱلۡمَلَـٰۤىِٕكَةُ تَنزِیلًا","ٱلۡمُلۡكُ یَوۡمَىِٕذٍ ٱلۡحَقُّ لِلرَّحۡمَـٰنِۚ وَكَانَ یَوۡمًا عَلَى ٱلۡكَـٰفِرِینَ عَسِیرࣰا","وَیَوۡمَ یَعَضُّ ٱلظَّالِمُ عَلَىٰ یَدَیۡهِ یَقُولُ یَـٰلَیۡتَنِی ٱتَّخَذۡتُ مَعَ ٱلرَّسُولِ سَبِیلࣰا","یَـٰوَیۡلَتَىٰ لَیۡتَنِی لَمۡ أَتَّخِذۡ فُلَانًا خَلِیلࣰا","لَّقَدۡ أَضَلَّنِی عَنِ ٱلذِّكۡرِ بَعۡدَ إِذۡ جَاۤءَنِیۗ وَكَانَ ٱلشَّیۡطَـٰنُ لِلۡإِنسَـٰنِ خَذُولࣰا","وَقَالَ ٱلرَّسُولُ یَـٰرَبِّ إِنَّ قَوۡمِی ٱتَّخَذُوا۟ هَـٰذَا ٱلۡقُرۡءَانَ مَهۡجُورࣰا","وَكَذَ ٰلِكَ جَعَلۡنَا لِكُلِّ نَبِیٍّ عَدُوࣰّا مِّنَ ٱلۡمُجۡرِمِینَۗ وَكَفَىٰ بِرَبِّكَ هَادِیࣰا وَنَصِیرࣰا"],"ayah":"لَّقَدۡ أَضَلَّنِی عَنِ ٱلذِّكۡرِ بَعۡدَ إِذۡ جَاۤءَنِیۗ وَكَانَ ٱلشَّیۡطَـٰنُ لِلۡإِنسَـٰنِ خَذُولࣰا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق