الباحث القرآني

قوله عزّ وجلّ: ﴿وَلَقَدْ أتَوْا عَلى القَرْيَةِ الَّتِي أُمْطِرَتْ مَطَرَ السَوْءِ أفَلَمْ يَكُونُوا يَرَوْنَها بَلْ كانُوا لا يَرْجُونَ نُشُورًا﴾ ﴿وَإذا رَأوكَ إنْ يَتَّخِذُونَكَ إلا هُزُوًا أهَذا الَّذِي بَعَثَ اللهُ رَسُولا﴾ ﴿إنْ كادَ لَيُضِلُّنا عن آلِهَتِنا لَوْلا أنْ صَبَرْنا عَلَيْها وسَوْفَ يَعْلَمُونَ حِينَ يَرَوْنَ العَذابَ مَن أضَلُّ سَبِيلا﴾ ﴿أرَأيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إلَهَهُ هَواهُ أفَأنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وكِيلا﴾ ﴿أمْ تَحْسَبُ أنَّ أكْثَرَهم يَسْمَعُونَ أو يَعْقِلُونَ إنْ هم إلا كالأنْعامِ بَلْ هم أضَلُّ سَبِيلا﴾ قالَ ابْنُ عَبّاسٍ، وابْنُ جُرَيْجٍ، والجَماعَةُ: الإشارَةُ إلى مَدِينَةِ قَوْمِ لُوطٍ، وهي (p-٤٤١)(سَدُومَ) بِالشامِ. و "مَطَرُ السَوْءِ" حِجارَةُ السِجِّيلِ، وقَرَأ أبُو السَمالِ: "السُوءِ" بِضَمِّ السِينِ المُشَدَّدَةِ. ثُمْ وقَّفَهم عَلى إعْراضِهِمْ وتَعَرُّضِهِمْ لِسُخْطِ اللهِ تَبارَكَ وتَعالى بَعْدَ رُؤْيَتِهِمُ العِبْرَةَ مِن تِلْكَ القَرْيَةِ، ثُمْ حَكَمَ عَلَيْهِمْ بِأنَّ كُفْرَهم إنَّما أوجَبَهُ فَسادُ مُعْتَقَدِهِمْ في أمْرِ الآخِرَةِ، وأنَّهم لا يَرْجُونَ البَعْثَ، وكَذَلِكَ لا يَخافُونَهُ. ثُمْ حَكى اللهُ تَعالى عنهم أنَّهم إذا رَأوا مُحَمَّدًا ﷺ اسْتَهْزَؤُوا بِهِ واحْتَقَرُوهُ، واسْتَبْعَدُوا أنْ يَبْعَثَهُ اللهُ تَعالى رَسُولًا، فَقالُوا -عَلى جِهَةِ الِاسْتِهْزاءِ-: ﴿أهَذا الَّذِي بَعَثَ اللهُ رَسُولا﴾، وفي "بَعَثَ" ضَمِيرٌ يَعُودُ عَلى "الَّذِي" حُذِفَتِ اخْتِصارًا، وحَسُنَ ذَلِكَ في الصِفَةِ. ثُمْ آيَسَ النَبِيَّ ﷺ عن كُفْرِهِمْ بِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿أرَأيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إلَهَهُ هَواهُ﴾ الآيَةُ، والمَعْنى: لا تَتَأسَّفُ عَلَيْهِمْ ودَعْهم لِرَأْيِهِمْ، ولا تَحْسَبْ أنَّهم عَلى ما تُحِبُّ مِنَ التَحْصِيلِ، بَلْ هم كالأنْعامِ في الجَهْلِ بِالمَنافِعِ، وقِلَّةِ التَحَسُّسِ لِلْعَواقِبِ، ثُمْ حَكَمَ بِأنَّهم أضَلُّ سَبِيلًا مِن حَيْثُ لَهُمُ الفَهْمُ وتَرَكُوهُ، والأنْعامُ لا سَبِيلَ لَها إلى فَهْمِ المَصالِحِ، ومِن حَيْثُ جَهالَةِ هَؤُلاءِ وضَلالَتِهِمْ، وهي في أمْرٍ أخْطَرَ مِنَ الأمْرِ الَّذِي فِيهِ جَهالَةُ الأنْعامِ. وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿اتَّخَذَ إلَهَهُ هَواهُ﴾ أيْ: جَعَلَ هَواهُ مُطاعًا فَصارَ كالإلَهِ، والهَوى قائِدٌ إلى كُلِّ فَسادٍ، والنَفْسُ أمّارَةٌ بِالسُوءِ، وإنَّما الصَلاحُ إذا ائْتَمَرَتْ لِلْعَقْلِ. وقالَ ابْنُ عَبّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهُما: الهَوى إلَهٌ يُعْبَدُ مِن دُونِ اللهِ عَزَّ وجَلَّ، ذَكَرَهُ الثَعْلَبِيُّ، وقِيلَ: الإشارَةُ بِقَوْلِهِ: " إلَهَهُ هَواهُ " إلى ما كانُوا عَلَيْهِ مِن أنَّهم كانُوا يَعْبُدُونَ حَجَرًا، فَإذا وجَدُوا أحْسَنَ مِنهُ طَرَحُوا الأوَّلَ وعَبَدُوا الثانِي الَّذِي وقَعَ هَواهم عَلَيْهِ. قالَ أبُو حاتِمْ ورُوِيَ عن رَجُلٍ مِن أهْلِ المَدِينَةِ -قالَ ابْنُ جِنِّيٍّ: هو الأعْرَجُ- [إلاهَهُ هَواهُ]، والمَعْنى: اتَّخَذَ شَمْسًا يَسْتَضِيءُ بِها، إذِ الشَمْسُ يُقالُ لَها: إلاهَةُ، ويُصْرَفُ ولا يُصْرَفُ، و "الوَكِيلُ": القائِمْ عَلى الأمْرِ الناهِضُ بِهِ. (p-٤٤٢)
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب