الباحث القرآني
(p-٥٠٩)قوله عزّ وجلّ:
﴿فَلَمّا جاءَهُمُ الحَقُّ مِن عِنْدِنا قالُوا إنَّ هَذا لَسِحْرٌ مُبِينٌ﴾ ﴿قالَ مُوسى أتَقُولُونَ لِلْحَقِّ لَمّا جاءَكم أسِحْرٌ هَذا ولا يُفْلِحُ الساحِرُونَ﴾ ﴿قالُوا أجِئْتَنا لِتَلْفِتَنا عَمّا وجَدْنا عَلَيْهِ آباءَنا وتَكُونَ لَكُما الكِبْرِياءُ في الأرْضِ وما نَحْنُ لَكُما بِمُؤْمِنِينَ﴾
يُرِيدُ بِـ"الحَقُّ" آيَتَيِ العَصا واليَدِ، ويَدُلُّ عَلى ذَلِكَ قَوْلُهم عِنْدَهُما: "هَذا سِحْرٌ"، ولَمْ يَقُولُوا ذَلِكَ إلّا عِنْدَهُما، ولا تَعاطَوْا إلّا مُقاوَمَةَ العَصا فَهي مُعْجِزَةُ مُوسى عَلَيْهِ السَلامُ الَّتِي وقَعَ فِيها عَجْزُ المُعارِضِ، وقَرَأ جُمْهُورُ الناسِ: "لَسِحْرٌ مُبِينٌ"، وقَرَأ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، والأعْمَشُ: "لَساحِرٌ مُبِينٌ".
ثُمَّ اخْتَلَفَ المُتَأوِّلُونَ في قَوْلِهِ: ﴿أسِحْرٌ هَذا﴾ فَقالَتْ فِرْقَةٌ: هو حِكايَةٌ مِن مُوسى عنهم عَلى مَعْنى أنَّ قَوْلَهم كانَ: "أسِحْرٌ هَذا؟"، ثُمَّ اخْتُلِفَ في مَعْنى قَوْلِ قَوْمِ فِرْعَوْنَ: "أسِحْرٌ هَذا؟" فَقالَ بَعْضُهُمْ: قالَها مِنهم كُلُّ مُسْتَفْهِمٍ جاهِلٍ بِالأمْرِ فَهو يَسْألُ عنهُ.
قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللهُ:
وهَذا التَأْوِيلُ يُضَعِّفُهُ ما ذَكَرَ اللهُ قَبْلُ عنهم مِن أنَّهم صَمَّمُوا عَلى أنَّهُ سِحْرٌ بِقَوْلِهِمْ: ﴿إنَّ هَذا لَسِحْرٌ مُبِينٌ﴾. وقالَ بَعْضُهُمْ: بَلْ قالُوا ذَلِكَ عَلى مَعْنى التَعْظِيمِ لِلسِّحْرِ الَّذِي رَأوهُ بِزَعْمِهِمْ، كَما تَقُولُ لِفَرَسٍ تَراهُ يُجِيدُ الجَرْيَ: "أفَرَسٌ هَذا؟" عَلى مَعْنى التَعَجُّبِ مِنهُ والِاسْتِغْرابِ وأنْتَ قَدْ عَلِمْتَ أنَّهُ فَرَسٌ، وقالَتْ فِرْقَةٌ غَيْرُ هاتَيْنِ: لَيْسَ ذَلِكَ حِكايَةً مِن مُوسى عنهُمْ، بَلِ القَوْلُ الَّذِي حَكاهُ عنهم مُقَدَّرٌ تَقْدِيرُهُ: أتَقُولُونَ لِلْحَقِّ لَمّا جاءَكم سِحْرٌ؟
قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللهُ:
أو نَحْوُ هَذا مِنَ التَقْدِيرِ، ثُمَّ ابْتَدَأ يُوقِفُهم بِقَوْلِهِ: "أسِحْرٌ هَذا؟" عَلى جِهَةِ التَوْبِيخِ، ثُمَّ أخْبَرَهم عَنِ اللهِ تَعالى أنَّ الساحِرِينَ لا يُفْلِحُونَ ولا يَظْفَرُونَ بِبُغْيَةٍ، ومِثْلُ هَذا التَقْدِيرِ المَحْذُوفِ عَلى هَذا التَأْوِيلِ مَوْجُودٌ في كَلامِ العَرَبِ، ومِنهُ قَوْلُ ذِي الرُمَّةِ:(p-٥١٠)
؎ فَلَمّا لَبِسْنَ اللَيْلَ أو حِينَ نَصَّبَتْ ∗∗∗ لَهُ مِن خَذا آذانِها وهو جانِحُ
يُرِيدُ: أو حِينَ قارَبْنَ ذَلِكَ، ومِنهُ قَوْلُ اللهِ تَعالى: ﴿فَإذا جاءَ وعْدُ الآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ﴾ [الإسراء: ٧]، المَعْنى: بَعَثْناهم لِيَسْؤُوا، ومِثْلُ هَذا كَثِيرٌ شائِعٌ.
وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿قالُوا أجِئْتَنا﴾ الآيَةُ، المَعْنى: قالَ قَوْمُ فِرْعَوْنَ لِمُوسى: أجِئْتَنا لِتَصْرِفَنا وتَلْوِيَنا وتَرُدَّنا عن دِينِ آبائِنا؟ يُقالُ: "لَفَتَ الرَجُلُ عَنِ الآخَرِ" إذا لَواهُ، ومِنهُ قَوْلُهُمُ:التَفَتَ، فَإنَّهُ افْتَعَلَ مِن لَفَتْ عُنُقَهُ، ومِنهُ قَوْلً رُؤْبَةَ:
؎ لَفْتًا وتَهْزِيعًا سَواءَ اللَفْتِ ∗∗∗ ∗∗∗.......................
وقَرَأ السَبْعَةُ سِوى أبِي عَمْرٍو -فَإنَّهُ اخْتُلِفَ عنهُ-: "وَتَكُونَ" بِالتاءِ مِن فَوْقٍ، وهي قِراءَةُ جُمْهُورِ الناسِ، وقَرَأ الحَسَنُ بْنُ أبِي الحَسَنِ -فِيما زَعَمَ خارِجَةُ وإسْماعِيلُ -: "وَيَكُونَ" بِالياءِ مِن تَحْتِ، ورُوِيَتْ عن أبِي عَمْرٍو، وعن عاصِمٍ، وهي قِراءَةُ ابْنِ مَسْعُودٍ. و"الكِبْرِياءُ": مَصْدَرٌ مَبالَغٌ مِنَ الكِبْرِ، والمُرادُ بِهِ -فِي هَذا المَوْضِعِ- المُلْكُ، وكَذَلِكَ قالَ فِيهِ مُجاهِدٌ، والضَحّاكُ، وأكْثَرُ المُتَأوِّلِينَ، لِأنَّهُ أعْظَمُ تَكَبُّرِ الدُنْيا، ومِنهُ قَوْلُ الشاعِرِ:
؎ سُؤْدُدًا غَيْرَ فاحِشٍ لا يُدا ∗∗∗ ∗∗∗ نِيهِ تَجْبارُهُ ولا كِبْرِياءُ
(p-٥١١)وَقَوْلُهُ: "بِمُؤْمِنِينَ" أيْ: بِمُصَدِّقِينَ.
{"ayahs_start":76,"ayahs":["فَلَمَّا جَاۤءَهُمُ ٱلۡحَقُّ مِنۡ عِندِنَا قَالُوۤا۟ إِنَّ هَـٰذَا لَسِحۡرࣱ مُّبِینࣱ","قَالَ مُوسَىٰۤ أَتَقُولُونَ لِلۡحَقِّ لَمَّا جَاۤءَكُمۡۖ أَسِحۡرٌ هَـٰذَا وَلَا یُفۡلِحُ ٱلسَّـٰحِرُونَ","قَالُوۤا۟ أَجِئۡتَنَا لِتَلۡفِتَنَا عَمَّا وَجَدۡنَا عَلَیۡهِ ءَابَاۤءَنَا وَتَكُونَ لَكُمَا ٱلۡكِبۡرِیَاۤءُ فِی ٱلۡأَرۡضِ وَمَا نَحۡنُ لَكُمَا بِمُؤۡمِنِینَ"],"ayah":"قَالُوۤا۟ أَجِئۡتَنَا لِتَلۡفِتَنَا عَمَّا وَجَدۡنَا عَلَیۡهِ ءَابَاۤءَنَا وَتَكُونَ لَكُمَا ٱلۡكِبۡرِیَاۤءُ فِی ٱلۡأَرۡضِ وَمَا نَحۡنُ لَكُمَا بِمُؤۡمِنِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق